#شبابنا | الحلقه الثانية عشر | الشباب والحوار

#شبابنا | الحلقه الثانية عشر | الشباب والحوار - شبابنا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات شبابنا. حلقة اليوم عن الشباب والحوار، والأسئلة التي تلقيتها تكون هل يتاح. للشباب فرصة للحوار في الوقت الحالي. طبعاً في
عصرنا لم يكن هناك أصلاً حوار، وكان ما يُسمى بالاتجاه الواحد. هناك شيء يُسمى "مونولوج"، أي أنّ شخصاً يتحدث إلى شخص آخر في اتجاه واحد هكذا؛ أنا أتكلم وأنت تستمع. وهناك شيء يُسمى "ديالوج"، والديالوج معناه الحوار، أي أن نأخذ ونعطي مع أنت تقول وأنا أقول وهكذا إلى آخره. التلقين والحوار ليس كما كان في أيامنا، كان أغلبه تلقيناً. للأسف بعض الجيل الذي ننتمي إليه يرى أن هذا الحوار - كما تلاحظون - أصبح عملية جعلت الدنيا "الرأي والرأي المعاكس"
وهكذا إلى آخره. لا، الحوار في الحقيقة يفيد التعلم ويفيد بناء العقلية، هذه عبارة عن شيئين: عقلي ونفسي. ولكي تصبح العقلية مدربة، لا بد من الحوار، لا بد من السؤال، وهذا ما كان عليه السلف الصالح. لكننا لم نر هذا، إنما كان موجوداً في الجيل الأول، وكانوا يقولون على ذلك: "السؤال مفتاح العلم"، أي يجب أن تسأل. أعطيكم مثالاً في... حكاية الحوار حتى في الأكاديميات وحتى في معاهد العلم الرصينة، كانت لدينا طريقة في الأزهر، طريقة في التدريس هكذا. هذه
الطريقة ما كان اسمها؟ كان اسمها تعجيز. من الذي سيُعجز من؟ كان الحاصل أنني مثلاً سأشرح اليوم درساً في التفسير، تفسير آية معينة، وأنا الشيخ والأستاذ، فيقوم كل... طالبٌ في يدِه كتابٌ مختلفٌ في التفسير، عنده يمتلك هذا تفسير الخازن، وهذا تفسير البغوي، وهذا تفسير ابن كثير، وهذا القرطبي، وهذا تفسير الرازي. التفاسير كثيرة، فكل طالبٍ معه التفسير الذي قدَّر الله له أن يحصل عليه، أو أنه لم تكن المطابع حينها واسعة الانتشار، أو أنه يكتب بنفسه. فآتي أنا وأجيء شارحاً الآية وأقول كل ما لدي فيها،
وبعد أن أنتهي من الدرس وأنا جالس على الكرسي والطلبة جالسون أمامي، أقول تعجيزاً، من هنا جاءت هذه الكلمة. فعندما أقول تعجيزاً، يصبح الطلبة كأنهم هم الأساتذة الذين يختبرونني أنا، فيصبح الطالب يختبر الأستاذ، فيصير الطالب أستاذاً والأستاذ يصير طالباً. الطالب قرأ وذاكر قبل اليوم. بالأمس كان يذاكر ويُنجز واجبه ويسأل: ما رأيك في كذا؟ وما رأيك لو قال أحدٌ كذا؟ وما رأيك في هذا الحرف في هذه الكلمة، في هذا الحكم، في هذا المعنى، في هذا الخُلق، في هذه القيمة؟ كل طالب يسألني ابتغاءً أنهم...
يعجزونني بمعنى أقول الله أعلم، أنا لست أعرف. هذا السؤال سؤال غريب فعلاً وأنا لم أقرأه من قبل، وانتظروا حتى نفكر. إذا وصلنا إلى هذا الحد، يقوم الأستاذ خلاصاً ويبحث، فيتحول الأمر من الدرس ثم التعجيز إلى البحث، وكل الطلبة كذلك إذا لم يكن عند الطالب السائل. الحل والجواب يبحث عن حل هذه المشكلة والجواب، أو هذا نوع من أنواع الحوار وليس المونولوج. كان الدرس نفسه في اتجاهين وليس في اتجاه واحد. هذه العقلية ستعرف كيف تحاور، هذه العقلية بُنيت على التنبه ولم تُبنَ على التلقين، أي أن تأخذ وتحفظ ثم
تنسى، لا، هذا تعمق في. الدرس وتشعبت به الأمور وبدأ ينزل في مستويات، كل مستوى أعمق من المستوى الثاني، إلى أن أدرك في النهاية المعنى. هذا التعجيز ظل معمولاً به في الأزهر الشريف ربما حتى عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر. كنا حتى عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر نعمل بنظام التعجيز هذا. كثُر الناس ونحن كنا كان عدد السكان في عصر محمد علي مليونين ونصف، وكان عدد الذين يدرسون في الأزهر ثلاثة آلاف. أما اليوم، فإن عدد الذين يدرسون في الأزهر مليونا طالب، يدرسون من المرحلة الابتدائية حتى
الجامعة. هذا العدد السكاني الهائل هو السبب في أن هذه الأمور أصبحت باهتة أو لم تعد ظاهرة للناس موجودة وهكذا، الحمد لله رجعنا شيئاً من هذا الحوار في العلم. طبعاً هذا خاص بالعلم، لكن أيضاً وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والفيسبوك وغيرها، قد أحدثت ثورة كبيرة جداً في الحوار. الشباب يسألون: هل هذا الحوار خطأ؟ لا، هذا الحوار هو الأصل، هذا الحوار هو الأساس، هذا الحوار عندما... نفتقده، سنفقد مساحة كبيرة جداً من العلم ومساحة كبيرة جداً من التقوى ومساحة كبيرة جداً من الترابط الاجتماعي. مساحة كبيرة جداً من الخلاف ستظهر على السطح وهو
مليء بهذه الخلافات. أما الحوار فإنه في النهاية سيأتي برأي متفق عليه وسيأتي برأي ونحن مجتمعون بأنه هذا رأي صحيح لأن لكل عين. النظرة ولكل عقل تفكيره، وهذه النظرة وهذا التفكير نحن محتاجون إليه. الحوار يؤدي ليس فقط إلى العمق ولكن أيضاً يؤدي إلى الاتفاق. فيقول ما هي قواعد الحوار المنطقية لأننا افتقدنا كثيراً من أدب الخلاف والاختلاف، وبدلاً من أن نجلس مع بعضنا لكي يسمع بعضنا بعضاً، وجدنا أننا نعادي. بعضنا إذا اختلفنا في أي حال، فإن قواعد
الحوار التي كان مبناها يعتمد على مادة كنا ندرسها في الأزهر حتى سنة ألف وتسعمائة أربعة وخمسين. كان اسمها "أدب البحث والمناظرة" أي أدب الحوار، وكيف نتحاور. وكان لها مصطلحات توضح كيفية الكلام، ثم تقديم الدليل على كلامي، ثم كيف يناقش الخصم رداً على هذه المناقشة، ومتى أكون متلاعباً بالألفاظ أو بالقواعد، ومتى أكون سليماً، وما هو الشيء الذي إذا فعلته وقلته يكون لي الحق والآخر لا يكون له الحق، أو بالعكس لا يكون لي أنا الحق، أو يكون هو له الحق. أدب البحث والمناظرة، أنا أتذكر
أن شيخنا الشيخ محيي الدين... عبد الحميد كان آخر من ألّف في أدب البحث والمناظرة. أدب البحث والمناظرة أصبح الآن من الأمور الغريبة، ولذلك عندما يأتي قومي، هل توجد فرصة للحوار؟ نعم، الفرصة الآن متاحة أكثر من الفرصة التي كانت متاحة لنا، والحوار كان قبلنا كما قلت في الأزهر وفي التعجيز وما إلى ذلك. كان موجوداً وكان يبني العقليات في عصرنا. لم يعد موجوداً منذ عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين. حتى تمت إزالة المادة من الدراسة لانشغالنا بدراسات أخرى. نحن نريد أن نستعيد هذه القواعد مرة أخرى. لماذا؟ لأن فرصتنا الآن في الحوار كبيرة. هل الحوار سلبي
أم إيجابي؟ إنه إيجابي مائة في المائة. هل من الأحسن أن نرجع إلى الحوار؟ نعم، من غير قواعد ولا ضوابط؟ لا، بالقواعد وبالضوابط. حتى لو اضطررنا إلى تجديد هذا العلم وتغيير مصطلحاته وتسهيل مفاهيمه، فإن ذلك سيكون شيئاً طيباً جداً، لأن الحوار في منتهى الأهمية، ليس للتعمق فقط، ولكن أيضاً للاتفاق. مجتمعنا محتاج إلى هذا الحوار. المجتمعي والحوار الأكاديمي والحوار السياسي والحوار الاقتصادي، لا تخافوا كونوا كثيرين ولا تخافوا
تجولوا في