#شبابنا | الحلقه الحادية عشر | الشباب والانتماء

#شبابنا | الحلقه الحادية عشر | الشباب والانتماء - شبابنا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات شباب اليوم. نتحدث عن قضية الشباب والانتماء، هل شباب اليوم مثل شباب... الأمس في قضية الانتماء، الحقيقة
أن الانتماء إلى الأوطان والانتماء إلى المجتمع والانتماء إلى البلد والانتماء إلى الدين والانتماء إلى المؤسسة هو نوع إيجابي من القيم. وكان النبي عليه الصلاة والسلام عندما يأتي ليقوم بغزوة ويدافع بحربه، يجعل كل قبيلة مع بعضها لكي يعرفوا بعضهم ولا يشعروا بالغربة. في الغربة ولأن هذه القبيلة تدافع عن وجودها وعن كيانها، ولأنه يوجد انتماء، وكان يُسمى مثلاً الأولى يا بني عبد الرحمن والثانية يا بني عبد الله والثالثة يا بني عبد الحليم وهكذا، كان يُسمي
كل قبيلة باسم من أسماء الله الحسنى ويسميهم عبد كذا انتماءً. عندما درس علماء الأنثروبولوجيا قضية هذه ويبحثون من أين تأتي، لماذا أحب مصر ولماذا أدافع عنها لدرجة أنني أموت في سبيل هذا الاجتماع. فوجدوا شيئاً غريباً جداً، والبشر لا تنتهي عجائبهم في تكويناتهم الاجتماعية. إن الأسرة هي أساس المجتمع، الأسرة لها تركيب عجيب. واسمعوني أيها الشباب وأيها الكهول لأننا في مرحلة أمامنا الآن. أكثر من أربعين
سنة وهناك أناس يحاولون هدم الأسرة بأي طريقة وبكل طريقة. الأسرة هي أساس الانتماء، وهذا كلام كان من المسلمات. هذه الفكرة بالمناسبة هي التي جعلت إنجلترا تحافظ على الأسرة المالكة. إنجلترا التي يحكمها رئيس الوزراء، وملكة إنجلترا أو ملك إنجلترا يملك ولا يحكم. هو لا يحكم، الذي يحكم هو رئيس الوزراء الذي معه الحكومة، وهو الذي يذهب إلى البرلمان، وهو الذي يُصدر التشريعات، وهو الذي ينفذ، وهو الذي... إلى آخره، أو يقترح التشريعات فيصدرها البرلمان. منظومة متكاملة، والملك أو الملكة على رأس هذه المنظومة، لماذا؟ لأن لديهم
اعتقاداً بأن هذه الأسرة هي الأسرة يجب أن تكون نموذجاً للأسرة يحتذى به، فينظرون هكذا ويقولون: نعم، هذه هي الأسرة المثالية. حدث في بعض الأيام أن الصحافة سلطت الضوء على بعض أفراد الأسرة وأظهرت النقائص البشرية التي في بعضهم، فبعض الناس نزلوا وقالوا: حسناً، إذاً ما فائدتها؟ فلنهدم هذه الأسرة ونزيل الملكية ونلغيها ولنعش في جمهورية فردّوا عليه بأن هذا هو النموذج الذي حتى لو أخطأ بعض أفراده، وحتى لو كان فيه قصور أو تقصير، لا بد أن نحميه لكي نحمي المجتمع. ولأجل قضية الأسرة،
ذهب علماء الأنثروبولوجيا وبحثوا في العالم فوجدوا شيئاً فريداً جداً في أماكن تُسمى مستنقعات الماكو، وهذا الماكو موجود في البرازيل. وجدوا فيه مستنقعات الماكو أنه لا توجد أسرة، لا توجد أسرة، يعني ماذا؟ هذه مسألة غريبة جداً. ماذا يعني لا توجد أسرة؟ يعني المرأة تتزوج وهي عذراء فتحمل حتى دون أن تعرف من أين حملت، فتلد، ويكون هذا الولد ابنها لأنه جاء منها ويعرفون أنها هي. حملته في بطنها وخرج منها، حسناً أين الأب إذاً؟ لا يوجد. طيب،
إذا لم يكن هناك أب، فهناك أم وابن. حسناً، أين السكن؟ أين البيوت؟ لا توجد. طيب، بهذا الشكل أين رئيس القبيلة؟ لا يوجد. حسناً، إذا كان رئيس القبيلة غير موجود، فكيف يعيشون إذاً؟ يعيشون هكذا، كل واحد. وحده، أين الجيش الذي سيدافع عن هذه القبيلة إذا هاجمتهم مجموعة حتى من الحيوانات؟ فهم يدافعون لكي يحموا هؤلاء الأطفال الصغار أو يحموا هذا المجتمع. ليس هناك شيء غريب جداً أنه عندما فُقدت الأسرة، فُقد معها الاجتماع البشري، وفُقد معه النظام الذي نعيش فيه كله والذي نحن.
تعودنا منه أن يكون هناك أب وأم وابن، فيكون هناك خالة ويكون هناك خال ويكون هناك عمة ويكون هناك عم ويكون هناك جد ويكون هناك حفيد، ويكون - والله - هذه عائلة. هذا ما يسمونه عمود النسب. الانتماء أساساً هو في عمود النسب، ولذلك كلما ضاق عمود النسب وكونت... أُسرة وبعدها عائلة وبعدها شعب وبعدها قبيلة وبعدها بعد القبيلة فخذ وبعد الفخذ شعب وبعد الشعب، كل هذا هو يُشكّل في النهاية الانتماء. فجئنا أيضاً بعد السبعينيات، أعطينا حوالي أربعين إلى خمسة وأربعين سنة في هذه القضية، أن الناس يقولون ما فائدة عمود النسب،
فتذكرنا فوراً كلام الجماعة الذين هم مستنقع "الماكو" هذا، أليس هكذا سنعود إلى أن المجتمع سيزول؟ هكذا سنعود من غير الانتماء إلى فوضى ومرج لا نهاية له. حسناً، أصحاب "الماكو" هؤلاء كانوا قليلين، كانوا عدة مئات. وماذا ستفعل في المليارات؟ شيء مثل الصين مثلاً، أو شيء مثل هذه القارات المقهورة على فكرة. لن يجدي، لن يجدي إطلاقاً أن نلغي هذا. بعد ذلك فوجئنا بمدارس متطرفة. صحيح أنها ليست كل ما بعد الحداثة متطرفة، فبعض ما بعد الحداثة تدعو إلى إلغاء الأسرة وإلغاء الدولة وإلغاء اللغة وإلغاء الدين
وإلغاء الثقافة الموروثة التي يمكن أن نسميها الفلكلور أو الأدب الشعبي. لماذا؟ لأجل هل الإنسان وينطلق، على فكرة، لن يبدع ولن ينطلق، هذا نوع من أنواع الفساد في الأرض، نوع من أنواع تذويب المجتمعات وتذويب القضايا. لماذا هم يريدون ذلك؟ يريدون ذلك لأنهم لا يفرقون بين الحرية التي تتضمن حرية الأعمال وحرية الانتقال وحرية العقيدة وحرية السكن وهكذا حرية الآراء، وبين التفلت. يوجد فرق كبير جداً بين التفلت وبين الحرية، ولذلك رأينا هذه المدارس وهي تدعو نفسها
للفوضى الأمريكية. ما هذه الأمريكية؟ إنها "أناركية" أي فوضوية، وماذا تعني فوضوية؟ يقول وهو كاذب أن هذا الكون في الحقيقة مبني على الفوضى، نحن لا نفهمه، ولذلك لن يصلح معه إلا أن نحن... نعيش في فوضى أحياناً، والمرء يشعر بالأسى على شخص مسكين يعيش في جحيم وهو ما زال في الدنيا. إنه أمر سيء جداً أن يشعر الإنسان في داخله أن هذه الحياة لا معنى لها وأنها عبث، وكلما أُصيب بضيق أو هَمٍّ أو مرض أو فَقْدِ عزيز. تَسْوَدُّ الدنيا في عينيه وتضطرب البوصلة في يديه وما هو عارف إلى أين
يذهب ولا لماذا، ما هذا! إنه أمر قاتم جداً، ولكن الإيمان يقول لي أن هذا العالم له غاية، وأننا نزرع للآخرة، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وربط كل هذا بالله بيوم آخر فيه جنة وفيه نار. عقاب وفيه ثواب وفيه حساب، ويقول لي: يعني أحسن نيتك "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". يقول لي: كن طيباً في مجملك هكذا، واعمل الخير للناس. "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" و"هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" "إني جاعل في الأرض خليفة" "قد أفلح من زكاها". وقد خاب من دساها، يا
رب. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.