#شبابنا | الحلقه الرابعة و العشرون | الشباب والثقافة

#شبابنا | الحلقه الرابعة و العشرون | الشباب والثقافة - شبابنا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات شبابنا. اليوم نتحدث عن الشباب والثقافة، في مفهومها العام، وقد كتبت. فيها آلافُ الصفحاتِ واختلفَ الأدباءُ
والمفكرونَ حولَها آلافَ الاختلافاتِ، ولكن في النهاية تدورُ الثقافةُ حولَ المعلوماتِ، الحياتيةِ. يكونُ الشابُّ عارفاً بتاريخِهِ، بحاضرِهِ، بالفنِّ، بالأدبِ، بالدينِ، يكونُ فاهماً وواعياً للتكوينِ السياسيِّ، وهو ليس مختصاً في كلِّ هذا، ولكنَّهُ يمتلكُ معلوماتٍ، هذه المعلوماتُ يربطُها بعضَها مع بعضٍ فتُكوِّنُ ما يُسمى. بالمخزون الثقافي، الثقافة مفتاحها القراءة، وبعد القراءة الحفظ، وبعد الحفظ الاسترجاع، وبعد الاسترجاع
الربط والاستنتاج من هذا الاسترجاع. يسمونه في الإنجليزية "رتريف"، أي استرجاع المعلومات، وبعد ذلك نقوم بالربط بين هذه المعلومات من أجل أن يحدث استنتاج. في مطلع القرن العشرين كان المثقف هو الذي لديه اطلاع تام وقوي وبالشعر وبالأدب، وتجد هذا حتى في مناهج التعليم، وهو يجعل الإنسان حافظاً لكل موقف من المواقف في الحياة، مثل العزف، ومثل الأفراح، ومثل الأعياد، ومثل المدح، ومثل الهجاء، يحفظه فيها ببيت أو ثلاثة من الشعر. وتجدهم
يرددون في أواسط أو النصف الأول من القرن العشرين كما يصف أحمد أمين رحمه كتابة حياتي عن حال المثقف وأنه لكي يكون مثقفاً لا بد أن يعرف بعض الإنجليزية أو بعض الفرنسية وأنه يقرأ باللغات المختلفة وأنه يعرف رواية شولوكوف "المستعار" أو رواية ترامبو أو "أرسين لوبين اللص الظريف" أو شيء من هذا القبيل. معلومات الثقافة بعد عصر الإنترنت تطورت ولعلنا نعمل حلقة. خاصةً عن الشباب والإنترنت، أصبحت المعلومات متاحة ولكنها أصبحت كثيرة جداً، غير مقدور على
استيعابها. بعض الشباب يهرب من هذه الكثرة، وتجد بالرغم من أنه مطلع إلا أنه لا يذاكر كل هذا لأنها ليست معلومات محدودة. والنصيحة في هذا المجال أن يحدد لنفسه مجالاً يخدمه ويبني عليه الهيكل الثقافي والمعرفي. تحتوي مائة وعشرون مليون معلومة تبثها وكالات الأنباء الست الكبرى التي في العالم، مائة وعشرون مليون معلومة يومياً، أي مائة وعشرون مليون جملة، أي تقريباً ستون ألف سطر. هذه الستون
ألف سطر تعني أنني لكي أقرأها أحتاج إلى مائتي سنة. تخيل أنني لكي أطّلع على يوم واحد أحتاج إلى مائتي لا بد من الاختيار، لا بد من التنظيم، لا بد من الترتيب، ذهني من أجل أن أصل إلى المشاركة الفعالة في الحياة الدنيا، وأكون جالساً وأنا فاهم ما أسمعه، من أين جاء وإلى أين يذهب. كان من ضمن الثقافة في عصرنا أن نعرف الأسماء والمسميات، يعني نعرف عندما يُسمى شارع باسم الملك فاروق أو طريق
جمال عبد الناصر أو شارع سعد زغلول، إن كنا نعرف من هو سعد زغلول هذا، ومتى عاش، وماذا فعل، وما معنى تسمية هذا الشارع باسمه. وهكذا كانت الخريطة من المهمات التي تتطلب أن نعرف الأسماء والمسميات. وفي الأسماء والمسميات نتتبع كتابات كثيرة حتى... ندرك ما معنى سن الأزبكية، وما معنى باب الخلق، وما معنى باب اللوق في القاهرة، وما معنى المعمورة، وما الذي جعلها معمورة، وما معنى المنتزه، والذين أطلقوا عليها هذا الاسم. كانت الأسماء والمسميات تشغل مساحة كبيرة من المعرفة الثقافية. السؤال الآن يقول: هل الشباب
مهتم بالثقافة أم أنه غير مهتم؟ بالثقافة يقع الشباب في هذا المجال في خطأٍ بليغ. هذا الخطأ يتمثل في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول وهو يبني العقلية والنفسية والشخصية: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع". يريد أن يبني فينا عقلية نقدية؛ نسمع فنحلل ونغربل ونسترجع، ولا نصدق كل ما نسمعه ومصادر الثقافة الحديثة أصبحت كثيرة جداً أمام الإنسان،
ولو ترك نفسه لها يصل إلى حالة الشتات. المفتاح أنني لا أصدق كل ما يُعرض عليّ، لابد أن أفكر. بعض الناس ينصحون الشباب بألا يقرؤوا، وهذه مصيبة كبيرة. اقرأ، كل شيء، اقرأ، كل شيء، إياك أن تترك شيئاً إلا بعدما... تقرأها ولكن بأقلية ناقدة، اقرأ وفكر، اقرأ وأنت تريد أن تبني هيكلك الثقافي وهيكلك العلمي. لا تترك نفسك لنفسك. كذلك ورد سؤال: هل أصبحت الثقافة لدى الشباب شيئاً ترفيهياً؟ قطاعات كبيرة من
الشباب لا يعتنون أصلاً بالتفكير ولا بالثقافة ولا حتى بالعلوم. هناك طبعاً شباب كثير يعتني بهذا، لكن هناك ثانياً هو يريد عالم الأشياء ونحن عندنا أربعة عوالم مثل السيارة والطائرة فتجده متواجداً في عالم الأشياء، لكن العالم الثاني هو عالم الأشخاص سواء أشخاص تاريخية أو أشخاص يقومون بضرر في المجتمع الحالي حاضرين سواء في الداخل أو في الخارج. العالم الثالث هو عالم الأحداث وهذه الأحداث قد تكون أحداث كونية: زلزال
وقع في مكان ما، أو فيضان، أو عاصفة. قد تكون هذه الأحداث ارتفاع الدولار أو انخفاضه، أو حرب هنا أو حرب هناك، وكل هذه أحداث حولنا: ثورة هنا وثورة هناك. والعالم الرابع هو عالم الأفكار، وعالم الأفكار فيه رؤى. القضية هي أن العوالم أربعة وليس عالماً واحداً الشباب يحصر نفسه في عالم الأشياء. كانوا يقولون لنا ونحن صغار أن هذه العوالم تبين مدى رقي الفكر البشري الذي حصر نفسه في عالم الأشياء. لا، هذا
قليل في المرحلة الأولى، لكن هناك أناس حصروا أنفسهم في الأشخاص: فلان ذهب، فلان جاء، فلان تزوج، فلان طلب، وهكذا. لكن في... أناس يرتقون إلى عالم الأحداث فيتحدثون عن الأحوال الاقتصادية والسياسية والأحوال العالمية، لكن هناك أناس يتحدثون في عالم الأفكار. يجب عليك أيها الشاب إذا أردت أن ترتقي أن تفكر في هذا جميعًا. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته. اشتركوا في