#شبابنا | الحلقه الرابعة | الشباب ورغباتهم واحلامهم

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات شبابنا. جمعنا أسئلة من الشباب فكان أحد هذه الأسئلة يقول: الحياة ما... زالت تحتفظ بإيجابيتها التي نسمع
عنها منكم في شبابكم أم أنها اختلفت في درجة الإيجابية والتفاؤل؟ اختلفت تماماً، والله يكون في عون الشباب، وقلبنا مع الشباب. قديماً كانت رغبات الناس محددة، وقديماً كانت رغبات الناس معقولة، وقديماً كان الزمن يساعد على تلبية هذه الرغبات إذا كان كل واحد يعرف هو. يريد ماذا لأنه متعلم بشكل صحيح وهو يقول
أنا أريد أن أكون كذا، لا يتخيل خيالات غير ممكنة وغير مقدور عليها، لا يطمع في شيء أكثر مما يمكن أن يحققه، وفي نفس الوقت هو ليس في حالة إحباط لأنه يرى أن هناك نظاماً سيوصله إلى مبتغاه. نعم، كنا نعيش هكذا. كان الشاب عندما يتخرج في الكلية يحصل على سبعة عشر جنيهاً ورِيال، ولكن السبعة عشر جنيهاً ورِيال كانت تكفي فعلاً، ليس تكفي بشكل افتراضي، بل كانت تكفي أسرة
مكونة من رجل وامرأة وطفل صغير لم يدخل المدارس بعد. عشرون جنيهاً جيدة جداً، يعيشون بها في مستوى لائق. ما معنى مستوى يعني الطعام والشراب واللباس والتعليم والعلاج في مستوى معقول، والوجاهة الاجتماعية موجودة، والتنزه والترفيه، وأن يشتري لنفسه كتاباً أو ما شابه ذلك متوفر، وأن لديه أمل في المستقبل كان موجوداً. كل هذا بالسبعة عشر جنيهاً وريال. عندما بدأت العمل، اشتغلت مدرساً في المدارس الثانوية
بسبعة عشر جنيهاً وريال، تزوجت وأنجبت اليوم الذي وُلِدَت فيه ابنتي جاءتني مكافأة كانت على ما يبدو عن الامتحانات وما إلى ذلك، عشرة جنيهات. طبعاً عشرة جنيهات هذه كانت شيئاً آخر وشيئاً كبيراً، فنزلتُ في يوم الميلاد بالضبط، يوم وُلِدَت البنت، وكان ذلك في عام واحد وسبعين، كان يوم الثلاثاء. عندما نزلتُ كنتُ فرحاً لأن زوجتي وبأنه أصبح لدينا طفل وبأن هذه المعاني كلها ذهبت لأشتري للسيدة الوالدة بعض الأشياء فاشتريت اشتريت وكلفني ذلك سبعة جنيهات من
العشرة جنيهات التي أخذتها. طبعاً سبعة جنيهات كانت كما لو أنني اشتريت السوق كله، يعني كان فيها لحوم وطيور وفاكهة وأشياء كثيرة جداً. العشرة جنيهات موجودة. أي أنها موجودة في يدي وأنا لا أريد أن أُسرف فيها. من الممكن جداً أن الشباب الآن لا يجد، وربما عندما يحصل على ما حصلت عليه هكذا، قد يحتاج إلى ألف أو ألفي جنيه. ولذلك أنا متأكد أن درجة التفاؤل قد قلّت، ومن هنا رأينا مشكلة الهجرة غير الشرعية. الهجرة واعتداء ليس فقط اعتداء على مصر، بل هو اعتداء على الدولة
التي نريد الذهاب إليها، ونريد دخولها رغماً عنهم، ونريد دخولها بطريقة غير شرعية. لكن قبل أن أقول إن هذا خطأ، يجب أن أقول أيضاً: ما الذي دفع هؤلاء الشباب إلى الهجرة؟ لا بد أن هناك شيئاً لدي هنا هو... الذين جعلتهم مرتبكين وهي التي جعلتهم يخاطرون بحياتهم، فالناس تموت وتخاطر بحياتهم من أجل لقمة العيش. فأنا الآن أمام أناس أعطف عليهم أم أنتقدهم؟ من ناحية أنا أعطف عليهم وأتساءل ما هي الظروف التي جعلتهم -يا حالهم- يلقون بحياتهم
ويلقون بأنفسهم إلى التهلكة، وفي نفس الوقت يجب أن أصف. الهجرة غير الشرعية بأنها غير شرعية بأنها فعل فيه جريمة، وأنا أبحث عن أسباب هذه الجريمة وأعرف أن عدم التفاؤل والإحباط وصل إلى مداه في هذا الجو. لماذا يطرأ؟ لأن شبابنا لم يعد قانعًا، لم يعد يكفيه. أما المحدد يطرأ لأن شبابنا لم يعد إلا أنه يرى أثر. عرض السلعة على الزبون، وقد سموها في الإنجليزية "Demonstration Effect"، أي عرض السلعة والمغريات
التي تجعل الشباب يطمعون. يقول لك: "الله، هذا سافر إلى إيطاليا وبنى البيت، يجب علي أن أبني البيت أنا أيضاً، إذن يجب أن أسافر إلى إيطاليا". فيدفع خمسة وعشرين أو ثلاثين ألف جنيه لكي يذهب ويعرض لو اجتمع هؤلاء الشباب في قرية ما، وكانوا مائة شاب، بمبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه، أي بمعدل مائتين وخمسين جنيهاً للفرد، فمن الممكن أن يقيموا مصنعاً. إذاً، نحن افتقدنا العمل بروح الفريق التي أخبرنا عنها النبي بقوله: "لينوا في أيدي إخوانكم". وبذلك يتضح أننا افتقدنا الثقة في أنفسنا وافتقدنا شيئاً حُسن الإدارة، مشايخنا وهم كانوا يُعلّموننا في الأزهر الشريف، كان لهم عبارة غريبة جداً وهي أن التجارة إدارة.
فنقول لهم: ماذا تعني "التجارة إدارة"؟ فكانوا يقولون: تدبير الخروج قبل الولوج. قبل أن تدخل في مشروع، لابد أن ترى إذا فشلت كيف ستخرج منه. هذا هو حُسن الإدارة، واحذر أن تدخل أو في أي مشروعٍ تجاري أو زراعي أو صناعي أو تاكسي أو أي شيء قبل أن تعرف، طيب افترض أن الغيب الذي ليس حاضراً معي لم يُساعدني، كيف أخرج؟ لابد أن تُدبّر الخروج قبل أن تخرج. وكانوا يقولون لنا شيئاً مضحكاً نوعاً ما ولكن فيه حكمة، أن اللص عندما يأتي البيت لكي يُسرق، أول شيء يفعله اللص لكي
ينجو من أي شيء هو أن يدبر كيف يخرج، لا كيف يدخل. كيفية دخول البيت هذه سهلة جداً، يدخل بأي حيلة، لكن كيف يخرج؟ فإذا ضبطه أحد فلن يستطيع الخروج، فيكون قد وقع في الفخ. إذاً، تدبير الخروج قبل الولوج، وهذا مستنبط هذه وإن كانت قصة مضحكة إلا أنها تحمل حكمة بالغة. الإجابة على السؤال بصراحة: كان هناك تفاؤل لأنه كان قانعاً، وكان هناك تفاؤل لأنه كان محدد الهدف، وكان هناك تفاؤل لأنه كان واقعياً، أي أنه يدرس الواقع جيداً ويعيش فيه. لم تكن الدنيا كلها قد انفتحت
أمامنا. كنا لا نعرف شيئاً، كان التلفزيون يبث القناة الأولى والقناة الثانية. كانت القناة الثانية تقدم محتوى باللغة الإنجليزية، ولكن القناة الأولى كانت تقدم المحتوى العربي. كانت تبدأ البث الساعة الثانية عشرة صباحاً وتنتهي الساعة الثانية عشرة ليلاً، اثنتي عشرة ساعة فقط، واستمر الحال هكذا لسنوات طويلة. وبعد ذلك أضافوا إليها ثلاث قنوات بالكاد، فانفجار المعلومات وتغير العصر وعدم التحديد جعل هناك اختلافًا كثيرًا. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.