شعب الإيمان | خطبة جمعة بتاريخ 2006 05 19 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين
وصل وسلم عليه في الآخرين وصل وسلم عليه في كل وقت وحين وصل وسلم عليه في العالمين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله وإن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعلمنا عبادة الله ويعلمنا عمارة الكون ويعلمنا تزكية النفس وهو ينشئ منا أمة تبني حضارة وتبلغ الدين لمن بعدها ومن حولها وينشئ أمة
تخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربها وينشئ أمة تجاهد في سبيل الله بقوة لا طغيان فيها وفي رحمة لا خذلان فيها يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس والحياء شعبة من شعب الإيمان حديث في كلمات لكنه بنى أمة ونرجو من الله سبحانه وتعالى وندعوه أن يبني أنفسنا
كما بنى السلف الصالح وأن يجعلنا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله ونتوكل عليه. الإيمان بضع وسبعون شعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يشبه الإيمان بشيء ذي شعب، فإن ذلك يتناسب مع النفس البشرية التي تتشعب صفاتها وتتشعب سبلها وتتراكب في تعقيد وتركيب عجيب غريب يحتاج لذلك الإيمان ذو الشعب والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يجعل للإيمان
شعبا يجعل لها أعلى ويجعل لها أدنى وينبه على بعضها بما يحقق عبادة الله وعمارة الكون وتزكية النفس والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يجعل للإيمان شعبا فإنه يشير إلى أن الكفر أيضا له شعب وأن الكفر أيضا له أعلى وهو ما يناقض لا إله إلا الله، وله أدنى وهو ما يناقض إماطة الأذى عن الطريق، بأن يضع أحدنا الأذى في طريق الناس، والطاعة كلها من شعب الإيمان، والمعاصي كلها من شعب الكفر، والنبي صلى
الله عليه وآله وسلم ينبه إلى ذلك الخلق الكريم الحياء فإنه يحذر من قلة الحياء وهو الذي يقول مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت فالنبي صلى الله عليه وسلم وكأنه يرسم لنا دائرة أعلاها وبدايتها والمدخل الصحيح هو لا إله إلا الله هو الإيمان بالغيب ثم نسير في هذا الإيمان بشعبه المختلفة فإذا بنا نصل العقيدة بالعمل، نصل لا إله إلا الله، نصل
الإيمان به سبحانه في عليائه بإماطة الأذى عن طريق الناس لله ومن أجل الله، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فتكتمل الدائرة ابتداء وانتهاء. لا نسير في خط لا نعرف نهايته، بل إننا نسير في دائرة نعرف بدايتها ونعرف نهايتها ونصل بدايتها بنهايتها فنؤمن بالله ونحن نميت الأذى عن طريق الناس ونميت الأذى ونحن نؤمن برب العالمين من فوق سبعة أرقع الإيمان بضع وسبعون شعبة كيف تلقى المسلمون ذلك جمع الإمام البيهقي والإمام
الحليمي وغيرهم من أئمة الفقه والحديث وعلوم الأخلاق والإحسان والتصوف جمعوا شعب الإيمان واجتهدوا في استخراجها من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وجعلوها منطلقا لحياة المؤمن ولحياة المسلم فالمؤمن والمسلم لا يمكن أن يخلو أو أن يخلي حياته من الله فإن الله سبحانه وتعالى هو قضيته التي يراعيها في كل وقت وحين في كل قرار يتخذه في كل إقدام يقدم عليه وفي
كل الأحوال يحجم عنه، وإذا نسي أحدنا ربه فويل له على قدر ما ينسى. نسوا الله فأنساهم أنفسهم، نسوا الله فنسيهم، ونحن لا نريد أن ينسانا الله بل نريد أن يذكرنا في الملأ الأعلى، ولذلك أرشدنا الله إلى ذكره بألسنتنا وبقلوبنا وبعقولنا وبأرواحنا وبأنفسنا وبأعمالنا، وإذا ذكرناه فإنه يذكرنا في الملأ الأعلى لا إله إلا الله، قضية التوحيد المدخل إليها المحبة
والرهبة والمعرفة، والإنسان المسلم يحب ربه ويرهبه ويعرفه، الإنسان المسلم يعرف كيف يتعامل مع ربه بالتفصيل ابتداء من طهارة جسده إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وانتهاء بطهارة قلبه ونفسه، وإذا فتحت كتب الفقه الإسلامي وجدت الطهارة أول ما وجدت ترشدك إلى كيفية الوضوء وإلى كيفية الاغتسال،
وترشدك إلى الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، وإلى الزكاة التي تطهر أموالك بقيامك نافعا لإخوانك ولمن حولك من الناس، وإلى الصيام حيث تحبس نفسك لله ولا يفعل ذلك إلا من آمن بالله، وإلى الحج ولا يقصد ذلك البيت الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا إلا من آمن بالله ويجعل فوق كل ذلك الشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمحمد صلى الله عليه وسلم هو بابنا إلى ربنا وهو الباب الوحيد
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون نعم محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو بابنا الوحيد لمعرفة الحب الحقيقي والرهبة بقدرها والمعرفة على وجهها محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم النبيين
وسيد المرسلين وإمام الغر المحجلين، هو الذي علمنا هذا وهو الذي أرشدنا إليه إلى شعب الإيمان كلها أعلاها وأدناها وأوسطها وما بينها، محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الحبيب المصطفى والنبي المجتبى الذي اشترط الله على النبيين إن أدركوه أن يؤمنوا وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فجعل الإيمان بالنبي ميثاقا
بينه وبين النبيين عبر التاريخ وأرسله الله رحمة للعالمين وأقام المسلمون شعب الإيمان في حياتهم ومن أجل ذلك لم يبيدوا الغابات ولم يهلكوا الأفيال ابتغاء أخذ العاج ولم يسببوا مظاهر التصحر، وعندما اخترعوا المخترعات اخترعوها تتوائم مع بيئتهم ومع إمكانياتهم لأنهم كانوا فرسانا نبلاء، ولذلك لم يفسدوا في الكون ولم يسرفوا في استعماله ولم يسببوا ثقب الأوزون ولم يبيدوا شعوبا. ولم يميزوا عنصريا بين الناس، المسلمون لم
يفعلوا شيئا يعتذرون عنه عبر التاريخ، لم يكرهوا أحدا للدخول في الإسلام، المسلمون لم يفتشوا عما في صدور الناس من أفكار حتى يحاكموهم على الضمائر ولا حتى على الآراء والأفكار ولا حتى على الأديان والملل والنحل والمعتقدات، وانقلب الحال فإذا بالمسلم الطاهر ظاهرا وباطنا تاريخا وديانة وسلوكا، إذ به أصبح عنوانا على التخلف والإرهاب، والله يأبى ذلك، فكل ذلك من الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الواقع وعلى المؤمنين. أيها المسلم تأمل شعب الإيمان، طبقها
في نفسك، ارفع رأسك عاليا فإن العالم يحتاج إليك رغم ما يصفونك به من ضعف ومن خوار. سببه هو ابتعادنا عن دين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعن محاولة إعمال الفكر كما أمر ربنا وعن استلهام مراد الله من كتابه ومن سنة حبيبه، فلما تركنا ذلك وأطعنا أولئك في تنحية الله عن منظومة حياتنا حدث هذا الاضطراب وهذا الفوضى وهذا التخلف وهذا التفكك. ارجعوا إلى دينكم وإلى سنة نبيكم فإنه تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك اللهم
صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الحمد لله الذي جعلنا مسلمين من غير حول منا ولا قوة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده نصر عبده أعز جنده هزم
الأحزاب وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، صدق من صدق وأبى من أبى وكفر من كفر، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه، فاللهم صل وسلم عليه بقدر حبك له وبقدر عزتك له، اللهم أعزنا وأعز الإسلام به يا رب العالمين، اللهم اجعله شفيعا لنا يوم القيامة ونبراسا لنا في الدنيا وأحيانا على ملته وتوفنا على دينه وابعثنا تحت لوائه يوم القيامة وحققنا بأوامره ونواهيه فإنه لا يهدي إلى ذلك إلا أنت اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا
سابقة عذاب ولا عتاب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنة الخلد يا أرحم الراحمين، ارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء، كن لنا ولا تكن علينا، ارحم حالنا وميتنا وحاضرنا وغائبنا واجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما اصرف عنا شياطين الجن والإنس يا أرحم الراحمين ولا تكلفنا بما فوق طاقتنا وحبب
إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين اللهم يا أرحم الراحمين حرر لنا قدسنا من غير حول منا ولا قوة وأقمنا حيث ما ترضى اللهم يا رب العالمين انصر الإسلام والمسلمين ومكن لنا في الأرض كما مكنت للذين من قبلنا وأعنا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولك عاقبة الأمور من قبل ومن بعد يا أرحم الراحمين اللهم يا ربنا اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك واهدنا واهد بنا وارحمنا وارحم بنا اللهم يا ربنا اغفر لنا ذنوبنا اللهم اغفر لنا ذنوبنا اللهم اغفر لنا
ذنوبنا اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا ويا غياث المستغيثين أغثنا اللهم يا رب العالمين كن لنا ولا تكن علينا اللهم كن لنا ولا تكن علينا اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد وباعد بيننا وبين خطايانا ما باعدت يا ربنا بين المشرق والمغرب واغسلنا من خطايانا يا ربنا بالماء والثلج والبرد واغسلنا من خطايانا ونقنا منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم غفرانك يا أرحم الراحمين، اللهم نور قلوبنا، اللهم نور قلوبنا، اللهم نور قلوبنا، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم يا رب العالمين استجب دعاءنا ولا تردنا
خائبين، اللهم يا رب العالمين أنزل السكينة على قلوبنا. واهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، اللهم يا رب العالمين صل وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين واحشرنا تحت لوائه يوم الدين وانصرنا به في العالمين واجعلنا مقيمين لسنته وشريعته إلى أن نلقاك وأن ترضى عنا يا رب العالمين آمين أقيموا الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما