شعب الإيمان | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

شعب الإيمان | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المبارك. علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الأدب واللياقة لكنه ربط ذلك بالعقيدة وربط ذلك بالإخلاص لوجه الله وربط ذلك برجاء الثواب عند الله كان يقول أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز العامل بواحدة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها أدخله الله بها الجنة قال الصحابة فجلسنا نعد ما دون منيحة العنز فلم
نبلغ خمس عشرة خصلة فلم نبلغ خمس عشرة خصلة في هذا الحديث الذي أخرجه البخاري، منيحة العنز معناها أنني أعطي جاري عنزا من أجل أن يحلبها ثم يعيدها إلي في آخر النهار، أي لم أتكلف شيئا، فإذا كانت هذه في رأس الأربعين في قائمة طويلة فما هو الذي أدنى من هذا؟ التبسم في وجه أخيك صدقة مثلا أو أن تعين أحدا فتحمل عنه ثقله، يعني واحد يقول لك أنا أحمل هذه، أحسن أن تقول له فأحتاج فقط معونة هكذا، أو أن تدل الضال، يعني شخص يقول لك أين هذا العنوان فتقول له هنا أمامك، الله يكتب لك بها الصدقة بشرط أن
تؤمن بالله الكريم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وتخلص هذه النية إنك لا تفعل هذا لأنك لا تعرفه ولا يعرفك، وإنما القضية هي أن تفعل هذا لوجه الله الكريم. عن أنس رضي الله تعالى عنه فيما أخرجه الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه شاب عنده عشرون سنة فيه قوة أكرم رجلا كبيرا عنده أربعون سنة خمسون سنة ستون سنة ثمانون سنة وهكذا أكرمه لسنه
قال والله هذا في عمر والدي وأنا يجب أن أكرمه الإكرام شكله ما هو أي نوع من أنواع الإكرام يجلس لأفضل سنة كبيرة لأنه يحترمه ويقدره فيجعله مثلا يخرج قبله أو مثلا يعينه وهو قائم لا يستطيع القيام فيساعده، قال الله سبحانه وتعالى في نفس هذه السنة يعني الولد كان عمره عشرين سنة وساعد رجلا عمره ثمانون سنة، فجزاء أبي الثمانين هذا هو أنه لما يصبح الولد هذا عمره فقام ربنا سبحانه وتعالى بأن خصص له شابا يساعده إكراما له فيما قدم من الأيام، ومعنى
هذا الكلام أن الخير لا يضيع وأنك عندما تفعل شيئا فإن الله سبحانه وتعالى سيكرمك بهذا الشيء إما آجلا أو عاجلا وأنك تقدم الخير تجد أحدا أمامك يقدم الأمثلة الحكيمة، فكلما قدمت خيرا وجدت زرعت خيرا حصدت خيرا، وكلما قدمت غير ذلك من تقصير أو قصور وجدته أيضا في الأيام القادمة كما هو، ولذلك هذا المعنى معنى "من جد وجد ومن زرع حصد" الذي كانت هذه أمثالا تعلم في بدايات المدارس وبدايات التعليم، هذه المعاني الجليلة موجودة في بر الوالدين أيضا، فإذا بر أحدنا أباه
وأمه وجد أبناءه يبرونه وإذا وجد أنه ليس هناك بر وهناك عصيان وخروج وجد أيضا الأبناء يخرجون عليه بقدر ما خرج هو على أبيه وعلى أمه وعدم بره بهما حينئذ يندم حيث لا ينفع الندم لأن الوقت فات ولأن الأب والأم رحلا إلى بارئهما حينئذ يجب أن يبر من كان والداه يحبانه فبر أصدقاء الأب وأصدقاء الأم وأقارب الأب وأقارب الأم هو نوع من أنواع بر الوالدين، لا بد له من أن يدعو لهما لأن كثيرا من الناس يقول قصرت مع أبي أو مع أمي فماذا أفعل، يدعو لهما بالخير وبالرحمة ويكثر من هذا جدا هذا المعنى. معنى
بقاء العطاء أنك لا تنفق شيئا إلا وجدته عند الله سبحانه وتعالى، بقاء العطاء مفهوم مهم يفتقده كثير من الناس ولذلك نراهم يبخلون بما لديهم وهذا أمر ليس بصحيح، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم من مجلسه رجع إليه فهو أحق به كانوا يتحلقون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدرس لهم ويفهمهم ويحل مشاكلهم ويكلمهم فقام أحدهم يتوضأ أو قام يكلم أحدا
أو يقضي مصلحة ثم عاد فمن الأدب أن نترك له مكانه الذي قام منه ولا نتكالب على هذا المكان هذا من الخلق الحسن هذا فيه شيء من الاحترام، احترام الآخر. هذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما. ترى هذا يوم الجمعة. وفي غير يوم الجمعة يأتي شخص ويفرق بين اثنين أي يدفع هذا هكذا ويدفع ذاك هكذا ويريد أن يجلس بينهما وهذان الاثنان يمكن أن يكون بينهما حديث
يمكن أن يكون بينهما أنه يريد ألا يضيع عنه وألا يذهب منه ويمكن أن يحدث هذا فجوة في القلوب ولكن بالجملة يدل هذا على أن هناك آدابا ينبغي أن نلتزم بها ألا نتفلت من القيود الاجتماعية هذه ومن الآداب ومن اللياقة، بل علينا أن نؤكد عليها وأن نستمر عليها لأنها كلها خير. وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عبد الله بن عمر بن الخطاب فيما أخرجه البخاري كان إذا سلم صلى الله عليه وسلم على ابن جعفر بن أبي طالب الذي مات شهيدا قال السلام عليك يا ابن
ذي الجناحين فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي جعفرا بذي الجناحين لأن له جناحين يطير بهما في الجنة مكان يديه اللتين قطعتا في الحرب كان يمسك جعفر باللواء فقطعت إحدى يديه فأمسكه بيده الأخرى فقطع أحدهم يده فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك ذا الجناحين له مكان يديه جناحان يطير بهما في الجنة حينما نسلم على الصبيان أي كأنه يذكره بما كان عليه أبوه من فضل ومن عظمة حتى يدخل الثقة في قلب ذلك الطفل ويدخل
فيه الاعتزاز بالنفس وبأنه محترم وعن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه فيما أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفتله في يده.
كان من الأدب الشريف لنبينا صلى الله عليه وسلم أن يسير العطاء في الشراب على اليمين، على يمين الكبير الذي نبدأ به، فنبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب الشراب على يمينه فكان يجلس على يمينه ابن عباس وابن عباس صغير عنده حينئذ ما لا يتجاوز تسع عشرة سنة في هذا الوقت وعلى شماله أبو بكر وعمر وأشياخ المسلمين وكبارهم فقال لابن عباس أتأذن لي يعني أنت صغير فلنبدأ بالكبار أولا استئذان رسول الله للطفولة يدخل الثقة في النفس فاذهب ابن عباس يرفض هذا
التوجه الذي فيه تكبير للكبير لمعنى آخر وشدة حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا إثارة في الجماعات وأنه يتبرك بسيدنا رسول الله بأن يشرب من موضع فمه فقال والله لا أؤثر بنصيبي منك أحدا يا رسول الله، هذه قضية الاحترام وكذلك موجودة ولكن أشد من ذلك ولذلك أبى فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله يعني دفعه بشدة قال حسنا خذ إذن من تشاء بالمعنى الذي قلته وأتيت لنا بمعنى آخر في هذا المعنى الآخر يعني معنى أيضا مقبول ولكنه قتله يعني دفعه بشدة إلى يد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عنهم أجمعين وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي
الأمين الذي علمنا تلك الأخلاق وإلى لقاء آخر أستودعكم الله فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته