شهر رمضان | خطبة جمعة بتاريخ 2002 10 00 | أ.د علي جمعة

السلام عليكم ورسوله ونبيه وصفه وحبيبه وخليله بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين وتركنا
على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صلِّ على سيدنا محمد في الأولين وصلِّ عليه في الآخرين وصلِّ عليه في العالمين يا أيها الذين آمنوا. اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح
لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله، وإن شر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد، هذا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس. وبينات من الهدى والفرقان، فيه خبر من قبلكم وحكم ما بينكم ونبأ من بعدكم، هو
بالجد وليس بالهزل، لا تنتهي عجائبه ولا يَخلَق من كثرة الرد. رسول المقيم بعد أن خُتمت الرسالة بسيد المرسلين، إمام المبين، فيه الذكر الحكيم، كلام رب العالمين. هذا الشهر الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس. شهرُ انتصاراتٍ للمسلمين في مثيل للأرض اليهود وفي حطين انتصر صلاح الدين. عبر
التاريخ انتصر المسلمون انتصاراتهم التي ملأت العالم ومنعت الشر ونشرت الخير. في رمضان أيها المسلمون النصر له دستور بيّنه ربنا سبحانه وتعالى بكل عناصره جملةً وتفصيلاً. النصر يحتاج إلى إعداد الإنسان فليست الآلة وحدها تحارب إنما الإنسان. إذا ما رُبِّي بتربية الله فكان ربانياً استطاع أن يقود المعركة واستطاع وهو
قليل أن يغلب الفئة الكثيرة، والتربية ينبغي أن تكون في المدرسة وفي المسجد وفي الإعلام، في النظام السياسي والنظام العسكري وفي النظام الاجتماعي، في كل مكان، تبدأ من البيت حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بأوامر، فإذا أردنا أن ننفذها فلا بد علينا من وضع برامج للتربية. عندما يقول لنا ربنا: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل"، فالقوة قوة المؤمن، قوة
الإنسان، ولا يُبنى الإنسان من فراغ، إنما يُبنى بدستور رباني في... النهاية كانت من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. في النهاية ندعو ربنا كما دعا الأنبياء: "انصرنا وانصرني على القوم المفسدين". قال: "رب انصرني على القوم المفسدين". هؤلاء المفسدون في الأرض الأشرار يحاربهم الإسلام ويحاربهم المؤمن القوي. فتعالوا معنا في ذكرى بدر لنرى
دستور ربنا في التربية في الإعداد. في التربية الاجتماعية في بناء النفس المسلمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، كل ذلك في آيات بينات من سورة آل عمران يشرح لنا ربنا فيها ماذا نفعل وكيف نفعل. عندما نفذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثبت بالقليل معه في وجه الطغيان، انتصر نصراً نذكره إلى اليوم. نصراً جعل الله سبحانه وتعالى ينظر لأهل بدر فيقول: "اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت
لكم" على الحقيقة لا على المجاز. فلما كان واحد منهم وهو حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه ضعفت نفسه وتشكك في أمر المشركين أن يأخذوا ماله في مكة، راسلهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشبه التجسس فعفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه لأنه علم أن ذلك كان عن ضعف من حاطب، وحاطب ممن حارب في سبيل الله فغفر الله له وجعل حسناته تغلب على سيئاته، وقال: "فإنكم لا تدرون لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم". ما
تقدم من ذنبهم وما تأخر. لماذا هذا؟ لأن بدراً حمت الدعوة ونفذت دستور الله، هذا الدستور الذي بينه ربنا سبحانه وتعالى، حيث يبوئ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين مقاعد للقتال، والله سميع عليم. وحيث يقول: "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون" إذ تقول... للمؤمنين: ألم يكفكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، بلى إن
تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء لكن والله غفور رحيم يعني
أنه رجّح جانب المغفرة والرحمة وقبول التوبة عندما يعودون إليه على العذاب وهو فعّال لما يريد ولا يَسأل عما يَفعل وهم يَسألون ثم بعد ذلك مباشرةً كيف نَنصُر الله الذي قال (إنْ تَنْصُروا اللهَ يَنْصُرْكُم ويُثَبِّتْ أقدامَكُم). كيف نَنصُر الله؟ (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعَفةً واتقوا الله لعلكم تُفلِحون. واتقوا النار التي أُعِدَّت للكافرين. وأطيعوا الله ورسوله لعلكم تُرحَمون. وسارِعوا
إلى مَغفرةٍ من). ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله انظروا إلى التربية انظروا إلى هذا الدستور أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها فتنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين، بقيت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين، هذا بيان للناس وهدى وموعظة
للمتقين، هذا بيان للناس، وبعد ذلك يقول: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. اقرأ الآيات من سورة آل عمران، تأمل في كل. لفظها وطبقها في حياتك وانظر ماذا تريد من تطبيقها. إن تطبقها قبل ذلك تجد نفسك في حاجة إلى مناهج التربية وفي حاجة إلى إصلاح الاقتصاد مع الله وفي حاجة إلى حرية سياسية تكفل للمؤمنين التناصح وفي حاجة إلى إعداد عسكري مستدام ينبغي علينا أن نسير فيه إرهاباً للذين كفروا ومن ورائهم. وفي حاجة إلى وحدة
للأمة وفي حاجة إلى طاعة للرسول على مستوى الفرد والجماعة والدولة والأمة دستور متكامل نريد أن نفهمه من كتاب ربنا فإذا به يعطينا ويعطينا أكثر. لا تقرأ القرآن بمجرد التعبد بتلاوته فإن لك عشر حسنات لكل حرف في تلك التلاوة، فاطمئن وإنما تدبر كتاب ربنا. واسأل نفسك عن عناصر النص التي يريدنا الله سبحانه وتعالى أن نقوم بها في أنفسنا، وانظر أين نحن منها، وابدأ بنفسك ثم بمن تعول، بنفسك،
بنفسك أولاً، واخرج نفسك من دائرة سخط الله، وابدأ مع الله صفحة جديدة في هذا الشهر العظيم حتى لا تمر تلك الذكرى، ذكرى بدر في هذا اليوم الكريم عيد في الأرض وعيد في السماء. في هذا اليوم الكريم الذي هو أحد أيام شهر عظيم أنزل الله فيه القرآن، لا تمر هكذا كذكرى تاريخية، إنما هي ذكرى إنسانية، ذكرى تربي المؤمن على الطاعة،
ذكرى تدفع المؤمن إلى هذا النصر العزيز الذي جاء من العزيز القدير والله. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها المسلمون، ينبغي علينا أن نعد أنفسنا لمواجهة الحياة حتى ننتصر فيها على الشيطان وأعوانه وعلى النفس الأمارة بالسوء، فنتركها إلى نفس لوّامة وإلى نفس راضية ومرضية
ومطمئنة، وعلى جحافل الشر حيثما كانت وعلى القوى العسكرية التي تهددنا. علناً في الليل والنهار، فإن هذا البلاء إذا ما اقترب منا فلا بد أن يجد المؤمنين الصابرين العارفين الواعين بمواطن أقدامهم، العارفين بالقضية التي يحملونها وبالدعوة التي يريدونها. والإعداد لا يكون حينئذٍ، حينئذٍ بلغت الحلقوم، وحينئذٍ جاء العدو وجاء البلاء. الإعداد يكون في وقت السلم، لا تنسوا هذا فإن الله سبحانه وتعالى يوفقكم إلى الخير ما دام قد رأى منكم الخير،
والله يوفقكم إلى العطاء ما دمتم قد وضعتم أنفسكم في محل نظر الله، فاللهم يا ربنا صل على نبينا المصطفى الحبيب المجتبى، وثبت قلوب المؤمنين، وأيدهم بنصرك يا أرحم الراحمين، وانقلهم من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، واسبل عليهم. استُر واخذُل عنهم عدوك ووفقهم إلى ما تحب وترضى. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار وأحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم اجعلنا نلهج بذكرك
بالليل والنهار وافتح علينا فتوح العارفين بك وعلمنا. الأدب في السلوك في طريقك. اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، ويا غياث المغيثين أغثنا، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. هب مسيئنا إلى محسننا، واغفر لنا جميعاً، واجعل هذا الجمع جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً. اللهم فك أسيرنا. أعد غائبنا وانصر مظلومنا. اللهم ثبت أقدام المجاهدين في سبيلك وأعد إلينا المسجد الأقصى يا أرحم الراحمين، سدد رميهم وألقِ الرعب في قلوب عدوهم. اللهم ألقِ السكينة على قلوب أمهات الشهداء. اللهم
افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تبلغنا به الانتظار. اللهم ارزقنا رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وقلباً خاشعاً وعيناً. عيناً دامعة ونفساً قانعة وشفاءً من كل داء، اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، وتولنا في من توليت، واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا، واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، علمنا منه ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وانصرنا بالحق وانصر الحق بنا، واجعلنا هداة مهديين هادين. إلى طريقك يا أرحم الراحمين، اللهم يا ربنا أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن
والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، ونعوذ بك من الكفر والفقر، ونعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة. المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن عذاب جهنم. اللهم يا ربنا احشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة. اللهم احشره اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد. اللهم يا ربنا متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم وآت سيدنا محمداً الفردوس الأعلى الذي طلب.
اللهم جازه عنا خير ما جازيت. نبياً عن أمتِه وصلِّ عليه يا ربنا في الأولين وفي الآخرين وفي العالمين. اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، واجعلنا من عُتقاء هذا الشهر، وتقبَّل منا صيامنا وقيامنا، واستجب دعاءنا يا رب العالمين. ربنا هذا حالنا لا يَخفى عليك، علمُ كل ذلك بيديك. اللهم انصرنا على اللهم انصرنا على القوم الكافرين، اللهم انصرنا على القوم الكافرين، اللهم انصرنا على القوم الكافرين، اشغلهم يا رب العالمين بأنفسهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، واجعل دائرة السوء عليهم. اللهم يا رب العالمين أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم وحد قلوب أمة محمد على الخير، اللهم
انقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، اللهم استجب لنا. يا أرحم الراحمين ولا ترد دعاءنا، اللهم يا رب العالمين اشفِ مرضانا وارحم موتانا وأعِد غائبنا وانصر ضعيفنا. اللهم يا رب العالمين استجب دعاءنا يا رحمن يا رحيم يا ملك يا قدوس يا الله يا الله يا الله، نسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من. خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك يا رب العالمين، لا نعرف رباً إلا إياه ولا نعرف رباً سواه. اللهم يا ربنا استجب دعاءنا ولا تردنا خائبين، اللهم هب مسيئنا
لمحسننا واغفر لنا ذنبنا وذنبه أيضاً. اللهم يا ربنا استجب دعاءنا، نناشدك كما ناشدك نبيك ببدر اللهم يا ربنا. استجب دعاءنا اللهم يا ربنا، استجب دعاءنا اللهم يا ربنا، استجب دعاءنا اللهم، اجعلنا من عبادك الصالحين وارض عنا برضاك واهدنا بهدايتك وارحمنا برحمتك، نحن في حاجة إليها ولست في حاجة إلى عذابنا، إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، اللهم يا أرحم الراحمين أمرنا ضعيف وهذا حالنا لا. يخفى عليك ظاهر بين يديك فاستجب دعاءنا يا أرحم الراحمين. اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر ولذكر الله أكبر.