صنائع المعروف تقي مصارع السوء | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم
كلمنا كثيراً عن الصدقة، وهذه الأيام التي نعيش فيها الآن هي محل لهذا الاهتمام بالصدقة. والصدقة كما تكون بالمال تكون بغير ذلك من أنواع المعروف، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "داووا مرضاكم بالصدقات"، حتى أن بعضهم أخذ هذا الحديث وهو طبيب وامتنع من أخذ الأجر من يعالج وطلب منهم أن يتصدقوا بشيء وجعله في صندوق وكان يشتري منه الدواء حتى يعالج مرضاه بهذه الصدقات، وكأنه فهم من الحديث
أنه يأخذ الصدقة فيأتي بالدواء منها حتى يُشفى المريض، ونجح هذا الرجل بنيته، والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقات" يعني. تقدموا بالصدقة وادعوا ربكم فإن الله هو الشافي الحقيقي، فإن الله يسرع بالشفاء ويقضي بالشفاء سريعاً. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء"، يعني عندما تكثر من المعروف وتقدم المعروف، وعلى رأس هذا المعروف الصدقة، بل إن رسول... الله صلى الله عليه وسلم كما سبق قال: كل
معروف صدقة، فإن هذه الصدقة تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب. وإذا تذكرنا السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، وهذه هي الصدقة. السرية خالية من المراءاة والمباهاة والرياء، خالية من مدح الناس. وفي السر يُخفي الإنسان نفسه، فيكون فاعل خير حتى أن الفقير الذي
تصله الصدقة لا يعلم من الذي دفعها له، فلا تكون عنده منة لأحد، فهو يشكر ربه أن رزقه الله فسدد دينه أو... قام بالعمل بنفسه أو يعني قام بأمور عائلية إلى آخره، لكن من الذي دفع له؟ إذا قابله وجهاً لوجه لا يعرفه. صدقة السر لها أجر كبير ودرجة كبيرة عند الله سبحانه وتعالى، وصدقة السر من أجل هذا الإخلاص وعدم المباهاة وعدم الفخر وعدم المنّة تطفئ غضب الرب. حسناً، وهل كان لِمَ كانَ غاضباً؟ لأنَّ فيهِ مُخالفةً ومعصيةً وخروجاً عن حدودِ اللهِ. إذاً، فمِن
مُكفِّراتِ الذنوبِ التي ينبغي عليكَ أن تُسارعَ بها الصدقةُ. إذا ارتكبتَ ذنباً، أسرِعْ وتصدَّقْ، فإنَّ الصدقةَ تُطفِئُ غضبَ الربِّ، وصِلةَ الرحمِ تزيدُ في العُمرِ. هذا أمرٌ شرحناهُ قبلَ ذلكَ، أنَّنا عندما نَصِلُ أرحامَنا فهذا يُغيِّرُ الكتابَ المكتوبَ. ولا يغير علم الله فإن علم الله لا يتغير رواه الطبراني وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الطهور شطر الإيمان" هو الحديث الطويل وفيه "والصدقة برهان" البرهان هو
الدليل، البرهان هو الحجة، كأن الصدقة هي حجتك يوم القيامة، دليلك على المطالبة الجنة يا رب. أنا تصدقت بشرط أن تكون خالية من المنّ ومن الأذى. رواه مسلم. ولفضل الصدقة وعلو شرفها كان الصحابة يسارعون فيها ويتسابقون إليها. فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا: مرائي. هم جالسون هكذا ما... لم يعجبهم أن الرجل جلب صدقة كثيرة
جداً وشيئاً ضخماً فقالوا: إنه مرائي، وجاء رجل آخر فتصدق بصاع - والصاع هذا يعادل كيلوين ونصف في كيس صغير هكذا فيه قليل من القمح - فقالوا: إن الله غني عن صاع هذا. يعني الناس لا يعجبها شيء، فالذي جلب كثيراً أصبح مرائياً، فنزلت "الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم" إلى آخر الآية. إذاً عندما عرفنا أن المعترضين هم المنافقون الذين كان لا يعجبهم فعل المؤمنين، افعل ولا تهتم بشيء. الصدقة في العلن والصدقة في السر كلاهما مقبول عند الله سبحانه وتعالى، صدقة
العلن وصدقة السر وإن الصدقة في السر أولى وأقوى وتطفئ غضب الرب، فإن الصدقة العلنية تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أيُّنا أسرع بك لحوقاً؟" أي: أي واحدة يا رسول الله ستموت أطولكن يداً التي يداها أطول هي التي ستموت بعده أو الأزواج لحوقاً به هي التي يداها طويلة. أطولكن يداً، فأخذوا قصبة، أحضروا متراً أو مقياساً،
قصبة يعني عصا، يذرعونها، يعني يستخدمونها كالذراع الذي هو مقياس، يذرعونها. فأحضروا قصبة لكي يقيسوا من الكتف هنا إلى هنا يد كل واحدة. كان طول الذراع اثنين وأربعين سنتيمتراً تقريباً، أي أكبر من المسطرة ذات الثلاثين سنتيمتراً هذه. فقاموا بالقياس ليروا كم سنتيمتراً هذه وكم سنتيمتراً تلك مثلاً، فأخذوا قصبة يقيسونها، فكانت السيدة سودة أطولهن يداً. السيدة سودة أم المؤمنين اتضح أن طول يدها هو الأطول. واحدة جسداً، سيدنا
انتقل إلى الرفيق الأعلى، ولكن سودة لم تكن هي أول واحدة ماتت بعده. إذاً من التي كانت؟ كانت السيدة زينب. فعلمنا بعد ذلك أنها كانت طويلة اليد في الصدقة. بعد ذلك وجدوا أن السيدة زينب هي التي ماتت. قال: "الله، هذه السيدة زينب". عندما قاسوا يدها وجدوا من السيدة سودة - نعم - كانت السيدة زينب أكثر واحدة في أمهات المؤمنين جميعهن، وكن يتصدقن وكن صاحبات خير، ولكن السيدة زينب كانت كالريح المرسلة عليها السلام. السيدة زينب زوج النبي وأم
المؤمنين كانت طويلة اليد في الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقاً به، وكانت تحب الصدقة. كانت السيدة زينب تتلذذ كل شخص أقام الله في قلبه حب شيء، فهناك أناس يحبون الصيام، وهناك أناس يحبون الصلاة، وهناك أناس يحبون الحج والعمرة والذكر والتلاوة، وهناك أناس يحبون الصدقة كثيراً، ويحب أحدهم أن يتصدق ويكثر من الصدقات وينوع هذه الصدقات. وفي رواية البخاري ورواية مسلم أنها كانت السيدة زينب بنت جحش. وكانت أسرع نساء المؤمنين أو أسرع أمهات المؤمنين من نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقاً برسول الله صلى
الله عليه وسلم لحبها للصدق. وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"، يعني الغني الذي يتصدق فيقوم. بواجب الغنى والعطاء، ومن يستعفف يُعفَّه الله، ومن يستغنِ يُغنه الله. إذن ينبغي أيضاً أن هذا يتكلم على متلقي الصدقة، أنه لا يتلقاها إلا إذا كان محتاجاً إليها فعلاً. فإذا استغنى بالله وتعفف، فإن الله يرزقه من حيث لا يحتسب.
إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، وكل عام وأنتم بخير.