عدم التكلف | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

عدم التكلف | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحبا وأهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنا عند عمر فقال نهينا عن التكلف ولما الصحابة الكرام يقولون نهينا فإن الناهي هو رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولذلك يقولون عن مثل هذه الأحاديث يقولون عنها إنها في حكم المرفوع لأن الصحابي لم يصرح ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قال نهينا. إنما إذا صدرت من كبار الصحابة كعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأبي بكر وعلي وأمثال هؤلاء، فمن الذي ينهاهم ومن الذي يأمرهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عدوا ذلك في حكم المرفوع إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره التكلف، والتكلف قد وقعنا فيه منذ زمن طويل حتى أصبح عادة
متبعة، وحتى أصبح الآن وكأنه هو الأصل. تكلفنا في ملابسنا وتكلفنا في أكلنا وتكلفنا في زواجنا وتكلفنا في معيشتنا وتكلفنا في كل شيء والتكلف يؤدي إلى الإسراف والله سبحانه وتعالى نهى عن الإسراف ويؤدي إلى التكبر وربنا سبحانه وتعالى قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث القدسي يقول إن ربنا سبحانه وتعالى يقول: الكبرياء ردائي
والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار ولا أبالي. انظروا إلى حبة الخردل، حبة الخردل - الجرام الواحد يزن ستة آلاف حبة خردل، فحبة الخردل تعني واحدا من ستة آلاف من الجرام. تصوروا لو أن في قلب أحدنا جدا فإنه لا يدخل الجنة، وطبعا هذا يعني أن فيه ترهيبا شديدا ضد الكبر، وفي الوقت نفسه هو ضد التكلف. فالشخص المتكلف مسرف ومتكبر وليس لديه رضا، وكل هذه الصفات يمكن أن نجمعها كما ذكرنا من قبل في خلق البساطة
التي ضربنا لها أمثلة ومواقف في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلمان الفارسي كان يقول أمرنا، هو هنا بوضوح أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمر رضي الله عنه يقول نهينا عن التكلف، من الذي نهى؟ نحن نقول إنه رسول الله، لكن هنا سلمان صرح وقال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نتكلف. للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم ما حضر من الأخلاق التي أدركناها على مشايخنا الكرام أنهم كانوا إذا زاروا أخا لهم في الله زاروه
من غير ترتيب ومن غير موعد خاصة إذا كان الوقت وقت الطعام حتى لا يتكلف لهم ويحضر لهم ويكلف نفسه ما لا يطيق الحاضر ومرة من مرات ذهبنا إلى أحد الشيوخ الكرام رحمهم الله جميعا بهذه الطريقة وكان الوقت هو وقت الغداء بعد الظهر والمصريون يعتادون أن يأكلوا وجبة الغداء ما بين الظهر والعصر فأمر أهله بأن يحضروا ما عندهم لا زيادة ولا نقصان من غير تكلف لينفذ ذلك الحديث الشريف الذي
أخرجه البيهقي عن سلمان الله تعالى عنه وهو يقول أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم له ما حضر فانظر إلى حياتهم التي طبقوا فيها هذا المعنى فلما أكلنا قال لهم بعد الأكل كان مقررا هكذا الطعام وبعد ذلك الحلوى وبعد ذلك الشاي والقهوة والحلوى يكون فاكهة أو يمكن أن يكون أي شيء فقال لأهل بيته أريد حلوى فقالوا له والله ما عندنا حلوى ما صنعنا اليوم مهلبية ولا صنعنا كنافة ولا صنعنا شيئا ما يوجد حلوى قال
لا يوجد أنا وضعت في الخزانة علبة لبن وقام وأتى باللبن فوالله ما وجدت أحلى منه في إلى يومنا هذا الملبن الخاص بهذا الشيخ المبارك رضي الله تعالى عنه، هذا من بركة البساطة هذه، البساطة لم يتكلف الرجل ويعني ما عنده أداة وهكذا، فلما جاءت قضية الحلوى هذه فعلى الفور ما عنده قدم ما حضر فقدم ما حضر فكان ما ألذه وما أطعمه، الآن ندخل في موائد
وفي تكلفة وفي كذا إلى آخره ولا بأس أن يكون من الكرم ولكن بدون إسراف ونحن مواردنا في هذا العالم محدودة ولذلك فإن كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما يكن إثما فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه والله من ينتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ينتقم
لنفسه أبدا ولم يكن يغضب وكان يقول لا تغضب ولك الجنة وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التسامح ويعلمهم العفو عند المقدرة ويعلمهم هذه المعاني، ولكن الأهم هو أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وهذا أساس كبير حتى في الاختيار الفقهي، فإن دين الله يدعونا في الاختيار الفقهي أن نختار، أيسر الأمرين، أكثرهما تحقيقا للمصالح، أكثرهما تحقيقا للمقاصد الشرعية. ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما
لو جلسنا وكتبناها هكذا كشعار لنا في حياتنا الدنيا لحللنا مشكلات كثيرة نفسية في ذات الإنسان واجتماعية في علاقاته مع الآخرين لأصبحنا أكثر فهما للدين ولاستوعبنا ما ندعو إليه من التعايش قد تكون هناك معاص كثيرة حولنا وقد تكون هناك فتن كثيرة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش وسط المشركين في مكة فكيف عاش، والصحابة الكرام توجهوا إلى الحبشة فعاشوا مع أهل الكتاب فكيف عاشوا، وهو في المدينة عندما وصل إليها كان هناك من المدنيين من هو مشرك وكان هناك اليهود فكيف عاشوا. إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا كل الأمثلة، ضرب لنا حين الغربة في الحبشة وضرب لنا مثلا حين القيام في مجتمع غير إسلامي بالمرة وضرب لنا مثلا عندما يكون المجتمع مسلما لكن فيه غير المسلمين وضرب لنا مثلا عندما يكون المجتمع ليس فيه إلا المسلمون ضرب لنا كل الأمثلة لأنه دين ذو نسق مفتوح والمسلم موجود في كل مكان وفي وهو موجود في كل العصور، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضع لنا هذه القاعدة الذهبية تتناسب مع طبيعة هذا الدين وما نحن عليه. ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين
إلا اختار أيسرهما. قيمة البساطة قيمة مهمة وهي من القيم العالمية ومن الأخلاق التي يدعو إليها حتى اليونسكو كما قدمنا في بدايات رمضان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلد أدم حشوها ليف من جلد ومحشوة بالليف هذه وسادته الوسادة تعني الشيء الذي يضطجع عليه صلى الله عليه وسلم من جلد ومملوءة بالليف ولا أظن مثلا حتى لا مسألة شديدة قليلا وأيضا كانت تقول كانت وسادة رسول
الله صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من جلد حشوها ليف فبساطة عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكرنا بأنها كانت تقول إن الشهر يمضي ولا توقد في بيته نار إن هو إلا التمر والماء وكانت العرب تسمي التمر والماء بالأسودين، صلى الله عليه وسلم يا سيدي يا رسول الله، إنه وهو يعلمنا البساطة يعلمنا أيضا أن نتعاون جميعا على هذه الأخلاق، والتعاون قيمة أخرى في مجموعة أخرى سوف نعالجها في
حلقاتنا القادمة إن شاء الله تعالى، إنما لا بد لنا أن ندعو ونحن في شهر رمضان، اللهم اجعلنا نتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعنا على أنفسنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين. اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الكريم. تقبل منا فارحمنا واغفر لنا واختم لنا بخاتمة السعادة جميعا. وإلى لقاء آخر، أستودعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته