عدم السرف | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في شهر رمضان المعظم أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات ومكننا سبحانه وتعالى من أن نقوم بحق رمضان، لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء وبعث ليتمم مكارم الأخلاق كما وصف نفسه الكريمة "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ووصفه ربه فقال "وإنك لعلى خلق عظيم" ومما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم
الإسراف أصحابه وعلم الأمة وعلم العالمين، والإسراف أمر مذموم عند الله وعند رسوله وعند العقلاء من الناس، والاقتصاد أمر محمود ولذلك عليه قوام الدنيا. قال تعالى "خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بأن نأخذ زينتنا وأن نتجمل، وإن الله جميل يحب الجمال كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نأكل وكيف نشرب بلا إسراف في أحاديث كثيرة عنه
صلى الله عليه وسلم يقول حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، لقيمات تصغير لقم ولقم جمع لقمة واللقمة شيء قليل لا يملأ الفم. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالاكتفاء بلقيمات صغيرة تصغير هذا المصغر اللقمة شيء يسير واللقيمة شيء أقل منه إذا حاكمنا أنفسنا على هذا الحديث لرأينا أنفسنا في إسراف ما بعده إسراف وهو أمر ليس بالسديد استهلاك واستمرار في الاستهلاك
وتعامل غير سديد ولا رشيد مع البيئة مع ما خلقه الله لنا من أجل أن يكفينا ويزيد، ولكن متى يكفينا؟ إنه يكفينا عندما نكون في قناعة ونكون في رشد. لا بد من الرشد في الاستهلاك. كلوا، لا بأس أن تأكلوا، بل يجب عليكم أن تأكلوا، فالأكل يسبب إشباعا لضرورة وحاجة خلقها الله سبحانه وتعالى فينا. واشربوا ولا بأس. من الشرب ولكن لا تسرفوا، أمر من الله سبحانه وتعالى أمر ألا نسرف وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين،
ولذلك كنا نرى الصحابة الكرام وهم في غاية الزهد في الأكل وفي الشرب حتى أن أحدهم كان لا يأكل حتى يجوع وإذا أكل لا يشبع فكانوا يعظمون نعمة الله الإنسان عندما يضبط نفسه في الأكل فإنه يشعر بأمور عجيبة منها أنه يتلذذ بالطعام ومنها أنه يعظم نعمة الله عليه يعني عندما يجد تلك اللقيمات فإنه يعاملها بحب وتذوق ولا يعاملها بنوع من أنواع الاستهانة والتبرم ولا يكفيه شيء وكلما أكل شيئا فإنه
يعترض على نعمة الله أو على الأقل لا يلتفت إليها أو على الأقل لا يحمد الله ولا يشكر الله عليها لو حاسبنا أنفسنا فيما نفعله الآن في حياتنا لا أستثني أحدا وإنما كلنا أنا وأنتم لوجدنا أنفسنا في دائرة الإسراف والعياذ بالله تعالى يجب علينا أن نرجع عن هذا وأن نفهم هذا المعنى الجليل الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله تموين عام، ثم بعد ذلك هذا التموين الذي يدخره لأهله لا يبقى عنده
سوى أسابيع قليلة من أول العام لأنه كان كالريح المرسلة، كان جوادا كريما معطاء فكان لا يرد سائلا والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال اتقوا الله ولو بشق تمرة، كان معطاء صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل من سأله فلا يبقى عنده هذا التموين الذي يدخرونه لمدة عام أسابيع قليلة وينفد، ثم بعد ذلك كان يحيا حياته ببساطة ويعلم أصحابه ذلك كان يدخل فيقول هل عندكم طعام فتقول زوجته لا يا رسول الله هو من الفجر لم يأكل صلى
الفجر وجلس مع أصحابه ودرس وحل مشكلات المسلمين ثم دخل في ضحى النهار يسأل عن طعام وهو لم يأكل حتى الآن فيقول اللهم إني صائم فيصوم في وسط النهار وهنا أخذ العلماء حكما في هذا المقام وهو أن صيام التطوع يجوز ما دام قبل صلاة الظهر أن ننشئه وأن ننويه في وسط النهار بخلاف صيام رمضان فإننا ننوي الصيام بالليل ما بين المغرب والفجر ننوي نقول نويت صيام غد من رمضان إما بقلوبنا وإما بألسنتنا ولكن على كل حال هكذا نفعل ننوي بالليل قبل الفجر لأنه فرض،
أما صيام التطوع صيام الاثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر إلى آخره فإنه يجوز للإنسان أن ينشئ نية الصيام أثناء النهار ما لم يفطر، يعني هو استيقظ من النوم لم يتناول طعاما أصبحنا الساعة العاشرة الحادية عشرة لم تأت صلاة الظهر بعد فإنه يجوز له أن يقول نويت الصيام في هذا اليوم ويحسب له هذا اليوم كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يسأل عن طعام فلا يجد، وهذا يدل على أنه لا يجد، وهذا يبين لنا كيف كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر أي أعلى مرتبة والأولياء سيد البشر عند الله سبحانه وتعالى لا يجد
في بيته لقيمات يقمن صلبه، رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة خرج من الجوع من شدة الجوع من بيته، وكانت العرب عندها عادة أنها إذا قرص الإنسان منهم الجوع فإنه يضع حجرا على بطنه ويلفه بشيء حتى يثبت الحجر وهذا كأنه نوع من أنواع تقليل حجم المعدة حتى لا تشعر بفراغها وقلة الطعام فيها أو عدم وجود الطعام فيها، وشد من جوع أحشاءه وطوى تحت الحجارة خاصرة نحيلة الجسم، وراودته الجبال الشامخات من ذهب عن نفسه فأراها عفة تامة صلى الله عليه وسلم،
فكان يشد الحجر على بطنه صلى الله عليه وسلم من الجوع فخرج مرة من بيته من شدة الجوع يبحث عن شيء من الطعام فوجده في المسجد وكانت بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوابها تفتح على المسجد النبوي كما هو الحال الآن وكان البيت الذي دفن فيه الآن مكان القبر الشريف هو رضي الله تعالى عنه فلما خرج وجد أبا بكر وعمر فقال ما أخرجكما وهما يريان الجوع على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وهو يملك فقال أخرجنا الذي أخرجك يا رسول الله يعني الجوع نبحث عن شيء واحد يضيفنا وكذا قال
هيا بنا نذهب إلى ابن التيهان وابن التيهان رجل من أثرياء المسلمين كان يسكن في ضواحي المدينة فذهبوا إلى ابن التيهان فلم يجدوه ابن التيهان عنده بيت حوله حديقة يعني الذي نسميه الآن الفيلا وفيه نخل كانت المدينة مشهورة بتمورها وهي مشهورة بها حتى الآن فوجدوا زوجته فقالوا أين ابن التيهان فقالت ذهب يستعذب لنا ماء أي يجلب لهم مياها نظيفة من بئر نظيف بعيد قليلا ووظيفتهم أي أدخلهم الحديقة وجلسوا فلما أتى ابن التيهان جاء لهم بعذق تمر وذهب إلى شاة له فذبحها إكراما للضيف والضيف هنا هو
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة أخرجها مالك في الموطأ محبوبة إلى القلوب تبين أنه يجب علينا ألا نسرف وأنه يجب علينا أن نقتصد في هذا الاستهلاك المفرط الذي نعيش فيه وبذلك لا نحتقر نعمة الله علينا ونتلذذ بتذوق الطعام وتذوق الطعام هذا من صفات المؤمنين كما في سورة الكهف فليأت هنا المؤمن وليقف عند هذه المعاني وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته