فضل الدعاء | خطبة جمعة بتاريخ 2011 - 03 - 18 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين
وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار يا أرحم الراحمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان
عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله وإن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، علمنا كيف نعبد ربنا سبحانه وتعالى وهو
من أجله خلقت الدنيا وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فعلمنا صلى الله عليه وسلم كيف نعبد ربنا، علمنا الصلاة وعلمنا الصيام وعلمنا الزكاة وعلمنا الحج وعلمنا الذكر وعلمنا الدعاء وتركنا على المحجة البيضاء كثيرون منا وفقه الله سبحانه وتعالى للصلاة وللمحافظة عليها وهي عمود الدين، كثير منا وفقه
الله سبحانه وتعالى لصيام فريضة رمضان وللحج إلى بيت الله الحرام ولإخراج الزكاة، كل ذلك توفيق من الله من غير حول منا ولا قوة بل بمنه وفضله علينا سبحانه وتعالى، فالحمد لله أولا وآخرا ومن قبل ومن ولكن كثيرا منا قد نسي الدعاء، والدعاء يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعاء مخ العبادة، ومخ الشيء أعلاه ومنتهاه، وإذا
توقف المخ عن العمل فارق الإنسان الحياة، فعبادة بلا دعاء هي عبادة مسلوبة من الروح ومن أعلى شيء فيها من رأسها وهو الدعاء، ويمضي بنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه خطوة أخرى عندما يسمع الصحابة يروون عن سيدنا صلى الله عليه وسلم أن الدعاء مخ العبادة فيقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدعاء هو العبادة فقدم لنا خطوة أخرى فبدلا
من أن يكون الدعاء رأس العبادة ومنتهاها وأعلى شيء فيها يذكر لنا سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن الدعاء هو نفس العبادة وكل العبادة هو بدايتها ونهايتها هو ذاتها ويقول إن لم تصدقوني يعني في روايتي وضبطي عمن روى عن رسول الله الدعاء مخ العبادة فاقرؤوا قوله تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين فسوى بين الدعاء وبين العبادة، إذ الدعاء أمر مهم، لكن رأينا كثيرا من الناس كأنه لم يعلم أن الدعاء هو العبادة أو لب العبادة، فترك كثيرا من الدعاء. في ذاته عبادة، استجاب الله أو لم يستجب، فادع ربك ولا تستعجل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن
الله ما لم يتعجل فقالوا وما عجلته يا رسول الله قال يقول دعوت الله فلم يستجب لي فيدع الدعاء وكأن هذا أمر قد سرى فينا فتركنا الدعاء وكأننا نلزم الله بالإجابة فتحول الدعاء منا إلى طلب بل إلى فرض رأي والله سبحانه وتعالى لا يفرض أحد عليه رأيا وإذا كان الرأي نتداوله فيما بيننا ونناقشه بنقص بشريتنا
فإن الدعاء فيه التجاء وفيه خضوع وفيه عبادة وفيه توسل وفيه رجاء وفيه تضرع حتى يكون عبادة خالصة فإذا استجاب الله فبمنه وفضله علينا وإذا أخر الاستجابة فبعلمه وحكمه فينا وحكمته وإذا ادخرها لنا يوم القيامة فنعم المدخر ونعم المدخر ستخسر كثيرا إذا تركت الدعاء وفي المقابل فإنك ستكسب كثيرا إذا ما
دعوت ربك وتضرعت إليه، ومن صفات الدعاء المستجاب الإلحاح، ألح على ربك فإن ربك كريم، ابك بين يديه، اغسل نفسك من ذنوبك وقصورك وتقصيرك، تواضع لربك حتى يرفع من شأنك. الدعاء له شروط وله أوقات وله طريقة في الكلام مع الله. علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرشدنا إلى وقت السحر قبل الفجر في
ثلث الليل الأخير، وقال ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، يعني ينزل أمره سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير، فيقول هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هكذا بالضم في البخاري. يجوز أن تقول فأعطه فاغفر له، ورواية البخاري فأعطه فاغفر له، ومعنى الضم أن الفاء هنا للعطف، ومعنى الفتح أنها للسببية، وكلاهما صحيح. أما فأعط فاغفر له فمعناها
أن ذلك بفضل الله لا من دعائك ولا من غيره، الدعاء مردود إليك يكرمك عند الله فقط، والذي وفقك للدعاء والذي استجاب. الدعاء هو إلى الله رب العالمين لا إله إلا هو ولا نعبد إلا إياه فاختيار البخاري رواية الرفع عن النص فيها فقه وعقيدة فأعطه واغفر له يعني وأعطه واغفر له فكله من عند الله ووقت السحر أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى وقت نزول المطر وكان يحب أن يدعو ربه
نزول هذه النعمة لأن المطر يسمى في لغة العرب حياة ويسمى في لغة العرب سماء انظر إلى دلالات الألفاظ فالله ينزل عليك الحياة وحينئذ فهو راض عنك فينتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك اللفتات الكونية ويلفت نظرك إليها بأن تدعو حينما ينزل المطر ويقول إنه حديث عهد بربه نعم فإن الله قد أمر توا بالنزول، فلما أمر بالنزول كان هناك خطاب إلهي
وأمر إلهي لهذه القطرات من الماء أن تنزل لتحيي الأرض بعد موتها، فكانت حديثة عهد بربها. فالله إذا في حالة رضا عنا فلننتهز هذا الرضا، ومن دعاء الصالحين: اللهم انقلنا من دائرة غضبك إلى دائرة رضاك اللهم انظر إلينا بعين الرحمة، علمنا كيف نخاطب ومتى نخاطب ربنا سبحانه وتعالى. يروى عن الحجاج بن يوسف الثقفي وكان جبارا في الأرض سفاكا للدماء، والله لا يحب سفك الدماء ولا يحب
التجبر في الأرض، لكن هذا الرجل وفقه الله من ناحية أخرى أن يختتم القرآن كل أسبوع فسبعة القرآن وقرأ حصته يوميا هؤلاء جبابرة الزمان الأول كان يقرأ القرآن مرة كل أسبوع أربع مرات في الشهر أما جبابرة زماننا فلا يصلون ولا يصومون ولا يفعلون شيئا نسوا الله فأنساهم أنفسهم ووفقه الله في هذا لكنه جبار سفاك للدماء حتى تحدث الناس أن الله لا يغفر للحجاج
فسمع بهذا فناجى ربه وكأنه يعرف كيف يكذب ربه فقال يا رب إن الناس يقولون إنك لا تغفر للحجاج، اللهم اغفر لي. انظر كيف يخاطب هذا ربه، إنه لا ييأس من رحمة الله ولا يستعظم ذنبا في مقابل غفران الله، ويطلب من الله سبحانه وتعالى بعدما فعل بالمسلمين أن يغفر له. والله كريم يا
رب إن الناس يقولون إنك لا تغفر للحجاج ما لي شأن بهم، اللهم اغفر لي كأنه يتوسل إلى ربه ضد الناس، والله غفور رحيم عباد الله، إذا كان هذا شأن الحجاج فما بالك وأنت لم تسفك دما، تعال بنا نعود إلى الدعاء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الدعاء ومن تعليمه للدعاء أن علمنا أن
ندعو عند الملتزم وأن ندعو في بيوت الله وأن ندعو أثناء السجود وقال أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء في سجودكم فعسى أن يستجاب لكم وقال عندما سئل عن وقت الإجابة في دبر كل صلاة دبر الكتابات فبعد أن تنتهي من الصلاة ادع ربك بين لنا في كثير مما يطول شرحه وذكره مواضع الدعاء وأوقات الدعاء وكيفية الدعاء ادع ربك بما تجده في قلبك كان
يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ومن الهم والحزن ومن غلبة الدين وقهر الرجال انظر من العجز والكسل كان نشيطا كان قائما لليل مجاهدا في النهار حمل جسده الشريف فوق طاقته من همته وكل ذلك لأن قلبه كان معلقا بربه ولذلك لما نسي في صلاته ونبهه
الصحابة الكرام وقام ذو اليدين وقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت قال كل ذلك لم يكن قال بل بعض ذلك كان قد قال أصحيح ما قال ذو اليدين قالوا نعم يا رسول الله فذهب وأكمل صلى الظهر ركعتين نسي وسأل العلماء سؤالا يا سائلي عن رسول الله كيف سها والسهو من كل قلب غافل والله وحاشاه أن يكون غافلا أو لاهيا يا سائلي عن رسول الله كيف سها والسهو من قلب غافل عن الله، الإجابة:
رسول الله غاب بانشغاله بالله عن رسوم الصلاة فنسي تشريعا للأمة، فقلبه معلق أبدا بربه فزادت همته واتضح طريقه، فكان صخرة الكونين وكان إمام الحضرتين وكان سيد المرسلين وخاتم النبيين، فصلوا عليه وسلموا تسليما، ومن الدعاء المستجاب أن تبدأه بالصلاة على النبي وتنهيه بها، ادعوا فلعلها أن تكون ساعة الإجابة، فإن هناك ساعة في يوم الجمعة لا
توافق عبدا يصلي أي يدعو ربه إلا استجاب الله له. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يروي لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فيقول عن رب العزة: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أحسن ما أعطي سائلي، فأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد كما تحب وترضى، واللهم صل وسلم على سيدنا محمد كما يليق بجلاله وجماله ومكانته. عندك يا رب العالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، عباد الله اشتغلوا بالدعاء لأنفسكم ولأولادكم ولأهليكم ولبلدكم وقولوا اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ووحد قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا
واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعد ذلك أبدا ثم أدخلنا الجنة يا ربنا من غير حساب ولا سابقة عذاب، صلى الله عليه وسلم، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك وعلمك بكل شيء عندنا بين يديك، فاللهم إنا في حاجة إلى رحمتك فارحمنا وإلى فضلك فأنزل علينا من خزائن فضلك ما قلوبنا اللهم يا أرحم الراحمين ارحمنا، اللهم يا غياث المستغيثين أغثنا، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة
مع الأبرار، يا عفو يا غفار آتنا الحسنى وزيادة ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم يا رب العالمين وفقنا إلى ما تحب وترضى ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا اعف عنا وأنقذنا ونجنا برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين اللهم يا رب العالمين وفقنا إلى ما تحب وترضى وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك وانظر إلينا بنظرة الرحمة ولا تنظر إلينا بنظرة العذاب والغضب فلا طاقة لنا به اللهم يا رب العالمين اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما ولا تفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا يا رب
العالمين. اللهم يا رب العالمين اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم يا رب العالمين اجمع كلمتنا وقو مصرنا واجعل هذا البلد بلد سلام وأمن وإسلام إلى يوم الدين وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.