فضل العلم | خطبة جمعة بتاريخ 2011 03 26 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل
وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار يا رب العالمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان
عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله عباد الله تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد رب السماوات والأرض ومن ضيق الأفق إلى سعته ومن نكد الحياة إلى رحابتها وسعادتها دعا الإسلام العالمين إلى سعادة الدارين الدنيا والآخرة وكان من دعاء المخلصين من أولياء الله الصالحين ممن تعلموا في مدرسة النبي المصطفى والحبيب المجتبى اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا
فجمعوا بين الحسنيين وفازوا بالمفازتين فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين وعندما نسينا وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم اختل الميزان في أيدينا وسادت علينا أمم ما كانت لتسود وارتفعت علينا شراذم ما كانت لترتفع وتفلت من أيدينا أمر الدنيا ونرجو ألا يتفلت أمر الآخرة وقول المؤمنون حينئذ في بداية عودتهم إلى الطريق الصحيح والأمل
الفسيح، حسبنا الله ونعم الوكيل، سيغنينا الله من فضله ورسوله، ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي استهنا بها وتركناها وراءنا ظهريا، العلم حتى اختل ميزانه في أيدينا وضاع في حياتنا وانهارت منظومة العلم في مجتمعنا، وإذا اختل العلم فإننا في ضلالة وجهالة، سمى النبي صلى الله عليه وسلم ما قبل الإسلام
بالجاهلية نسبة إلى عدم العلم، وجاء معلما وأول ما واجهه به ربه سبحانه وتعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق، الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم" فوجهه إلى العلم إلى العلم الصحيح والذي الأمل الفسيح رد على الملك فقال ما أنا بالقارئ فغطاه مرتين صلى الله عليه وسلم وهو الذي أخلص العبادة
لربه وهو الذي بلغ من التقوى منتهاها ومن الاصطفاء نهايتها فهو المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أرشده أول ما أرشد إلى أن يقرأ هذا الكون الفسيح الذي حولنا اقرأ باسم ربك الذي خلق فبدأ بكتاب الله المنظور بالتأمل فيه بدراسة أحواله ثم ثنى بقراءة الكتاب المستور الذي سينزل على قلبه الشريف والذي سيكون هدى للمتقين ورحمة للناس أجمعين
وشفاء لما في الصدور وكلاهما يعني كتاب الله المنظور وكتابه المسطور من عند الله سبحانه وتعالى ولذلك فلا تناقض بينهما أبدا، والوعي فيهما ينبغي أن يكون قبل السعي، فلا بد أن نتعلم هذا الكون الذي حولنا وندرك سنن الله فيه ونبحث ونسير في الأرض ونبني العلم طبقة بعد طبقة ونتقدم بالأمم بمشعل الحضارة والعلم، وقد فعل المسلمون هذا حتى تخلوا عن قراءة كتاب
الله المنظور فتأخروا وسادت عليهم أمم أخرى ما كان لهم أن يسودوا إذا ما التزمنا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكتب عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه يؤرخ للحملة الفرنسية اللعينة التي جاءت إلى مصر فظن بعضهم أنها بداية النور، ظنوا أنها البداية لدخول عصر جديد، جاء نابليون وكان يقتل خمسة من العلماء كل يوم ونصف في مذكراته على هذا ويذكر
الجبرتي ذلك في نصف سطر حيث إنه لا يتصور أن بشرا من البشر يفعل هذه المجازر وتلك المذابح، كيف ذلك وكيف يكون؟ فقال وكان يقتل خمسة من علماء الأزهر كل يوم ومضى، ويعترف نابليون في مذكراته أنه كان يفعل ذلك لأن هؤلاء الناس لا يصلح لهم غير ذلك، القتل، التصفية الجسدية، وظل يفعل هذا مدة بقائه في مصر، فقتل أكثر من ألف وخمسمائة عالم من الأزهر الشريف من أبناء الشيخ المرتضى الزبيدي ومن تلامذة الشيخ عبد القادر البغدادي الذي ألف
خزانة الأدب ولب اللباب لسان العرب. نعم أصحاب نهضة بنيت! على تصحيح اللغة حتى يصح الفكر وبنيت على تصحيح الأخلاق والقيم فألف المرتضى إتحاف المتقين بشرح إحياء علوم الدين وبنيت على إرساء التوثيق والتصحيح في هذا الكتاب وألف تاج العروس في شرح القاموس وهو القاموس المحيط والقاموس الوسيط فيما ذهب من لغة العرب شماطيط إحياء للغة ليحيا الفكر لتصح المسيرة تعجب حسن العقار
الذي أصبح شيخا للإسلام لما ظهر بعد ذلك من العجائب والغرائب التي جاءت مع الحملة الفرنسية، نعم لأنهم كانوا يدرسون الكون وتركناه، وقال إن معهم سرا يجب أن نعرفه وأرسل رفاعة الطهطاوي معهم مع البعثات التي أرسلها بعد ذلك محمد علي من أجل أن يتعلموا كيف نعمر وما السر الذي توصلوا إليه وعادوا وبنوا مصر الحديثة وبدأنا في دراسة الأكوان وكانت دراسة الطب باللغة العربية وكان الشيخ محرم يلازم الطب في أبي زعبل
من أجل أن يصحح الكتب وكان الطبيب الرشيدي عندما يؤلف كتبه ويعرضها على الشيخ محرم لا يجد فيها خطأ واحدا وبدأ العلم وبدأت مصر لتشارك العالم حتى أتينا إلى عصور استهين فيها بالعلم وتنحى العلم عن المسيرة وتنحى العلماء عن القرار وتنحى العلماء عن الصدارة فما الذي يكون لا يعرف العالم الفراغ إذا تنحى العلماء وفرغ المكان
جاء أوباش الناس واحتلوا مكانهم من كل جنس ومن كل صنف تصدر للتدريس كل مهووس بليد تسمى بالفقيه المدرس فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وسامها كل مفلس. الناقة هزلت حتى ظهرت كليتها، الكلية التي نسميها في الفصحى الكلية من هزالها ظهرت فسامها يعني طلب شراءها من معه الفلس والفلسان قرش وقرشان وسامها كل مفلس.
حدث هذا في قراءة الأكواب وحدث هذا في قراءة القرآن وخلط الناس بين الدين وبين التدين، فكل من زادت لحيته حتى وصلت إلى سرته حسب نفسه فقيها، وكل من سجن ظلما أو عدلا ظن نفسه عالما، فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، وخرجوا علينا من كل صوب. يقرؤون الأكوان قراءة مغلوطة ويقرؤون القرآن قراءة
ساذجة سطحية بدون معلم وبدون علوم مساعدة وبدون منهج وبدون قواعد وبدون أي شيء يقرؤونه في بيوتهم وعلى سرائرهم ويظنون أنفسهم شيئا وهم عند الله ممن وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الخوارج كلاب النار أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من كلام سيدي البرية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم نسمع بالأمس أن طائفة من أولئك الجهلة أقاموا الحد بقطع الأذن وهل قطع
الأذن من الحدود وما هذا هل هذا قصاص وهل قطع الأذن من وظيفة الأفراد ومن الحاكم القاضي الذي قضى بهذا وحكم به والافتيات على الحاكم بإجماع المسلمين حرام ما هذا الفساد في الأرض ثم يخرج علماء ليبرئوا الشريعة من هذا وصرنا في مهزلة وفتنة لا طائل من ورائها وأمور يندى لها الجبين حتى يمر أحدنا بجوار قبر أخيه فيتمنى أن يكون
مكانه ذهبت حلاوة الدنيا وبهجتها وحدث في النفس كآبة وانفرط العقد فهيا بنا نتكاتف جميعا لنعود مرة أخرى إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعلم فيكون هناك أستاذ وتلميذ ومنهج وكتاب وجو علمي محيط، هلم بنا نتعلم علوم الأكوان وعلوم القرآن، هلم بنا نسير على قدمين لنعلم العالم ولنأخذ مكاننا من الشهادة وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا، فهذا تشريف. وجهه الآخر تكليف أن الله لا يشرفك إلا إذا كلفك فينبغي عليك أن تدرك ذلك أيها المسلم وأن ترفض هذا الهراء والعبث من الله علينا بمؤسسة علمية دعوية تصحح العبادة للناس بعبادة الله وعمارة الأكوان وتزكية النفس وهي الأزهر الشريف يفتخر بها كل مصري فنرجو أن نصلح شأن تعليمه وأن نلتف حول رجاله وعلمائه ومنهجه وأن نتبرأ من كل هذا الهذر، والهذر
في القاموس الحمق الذي نعيش فيه، ونرفض كل ناعق ومنافق يتصدر لتعليم الناس غير دين الله. إلا أن تكون قد تعلمت وأجازك العلماء وأعطوك الرخصة بذلك، لا يجوز لأحد أن يتعرض للطب وهو ليس بطبيب ولا للهندسة من غير أن يجاز في ذلك ويتعلم ويتدرب، المهم أن نتعلم لماذا نفرض ونفرق بين الناس بين رجل وامرأة ولا بين أبيض وأسود، لماذا نفرق بين الناس في تلقي العلم، تعالوا تعلموا أولا ثم بعد ذلك
تصدروا، أما أن تتصدر لكونك قد قرأت الكتاب والكتابين وظننت الظن في عقلك وتوهمت فهذا لا يرضي الله ولا يرضي رسول الله وحسبنا الله ونعم الوكيل، عودوا إلى نبيكم وإلى رسولكم فاسألوا أولي الأمر منكم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ادعوا ربكم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب
وحده، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين. اللهم إنا نشهدك أننا نحبك ونحب نبيك ونحب كتابك ونحب دينك، فاللهم يا ربنا صل وسلم على سيدنا محمد كما يليق بمقامه ومكانته. عندك يا أرحم الراحمين وعلى آله وصحبه أجمعين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، عباد الله إن الله سبحانه وتعالى
حنان منان بدأ كتابه فقال بسم الله الرحمن الرحيم وكررها على مسامعنا في كل سورة سوى سورة التوبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنما أنا رحمة مهداة وكان يقول الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء عباد الله إن هذا الدين متين فادخلوا فيه برفق عباد الله هناك فرق بين علم الدين وبين التدين فالتدين مطلوب من كل أحد وقد تتفوق في العالم وتسبقه إلى الجنة، ولكن العلم له
قواعده ومصطلحاته وطريقته وأداؤه، فاتقوا الله في أنفسكم وفي أسماعكم وابدؤوا من اليوم ألا تسمعوا إلا للعلماء، وابحثوا عمن تأخذون دينكم، فإن هذا الأمر دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وإسرافنا في أمرنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم استر لنا عيوبنا، اللهم يسر أمورنا، اللهم نور قلوبنا، اللهم يا رب العالمين
ارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا من خشيتك وحدك دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء، اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب ولا عتاب، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،
وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عفو يا غفار، اللهم يا ربنا اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء همنا وحزننا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا. اللهم يا رب العالمين اهد أبناءنا وأهلنا، اللهم يا رب العالمين اهدنا واهد بنا، اللهم ثبت الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل هذا البلد سخيا رخيا دار عدل وإيمان وأمن وإسلام وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اجمع بين قلوبنا ووحد كلمتنا ونور بصائرنا، اغفر لنا اللهم اغفر لنا
اللهم اغفر لنا اللهم اغفر لنا اللهم اغفر اللهم اغفر لنا اللهم اغفر لنا اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما