فقه الحضارة وعالمية الإسلام 17 5 2002

ما شاء الله، مجموعة الشائعة الطبيعية المنسلتين، دعي شعرك يتنفس، سافريس، دعي شعرك يتنفس. أعزائي المشاهدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم معنا في لقاء جديد من لقاءات الجمعة. أعزائي المشاهدين، نتحدث معكم اليوم عن فقه الحضارة وعالمية الإسلام. جاء الإسلام برسالته السماوية ليحقق للمسلم الحياة المستقرة وأتاح وأُنشئت مجتمعات مستقرة لديها كل وسائل التقدم والتراكم المعرفي، وبذلك كانت الدولة الإسلامية في نشأتها دولة ذات قوة ومنعة ظهرت للعالم كله. مشاهدينا الكرام، ضيفنا وضيفكم اليوم
هو الأستاذ الدكتور علي جمعة، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ليحدثنا عن فقه الحضارة وعالمية الإسلام، فأهلاً بكم. وباتصالاتكم الهاتفية ومشاركاتكم معنا في هذا الحوار حول موضوعنا اليوم "فقه الحضارة وعالمية الإسلام". فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، أهلاً بحضرتك مولانا. أهلاً وسهلاً. بدايةً، ما هو المقصود بفقه الحضارة بمفهومه الإنساني الشامل؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كلمة... فقه في اللغة تعني الفهم وتعني ليس مطلق الفهم إنما فهم الشيء الدقيق، ففي اللغة لا يجوز لنا أن نقول فقهت أن السماء فوقي وأن الأرض تحتي، لأن هذه أشياء ليست دقيقة، إنما الفقه هو معناه
فهم الأشياء الدقيقة. وكلمة حضارة من مادة حضر والحضور ضد الغياب، والتحضر ضد البداوة بين التحضر والبداوة أن البدو ليس مستقراً ولا يحدث عنده تراكم معرفي ولا يحدث عنده توليد للعلوم ولا يحدث عنده أدوات يستطيع بها أن يتعامل مع الحياة، ولذلك أطلقوا على المستقر الذي تتراكم عنده العلوم والذي يستفيد بكل منجزات تلك العلوم في إنشاء أدوات يتعامل بها مع الحياة فيما يسمى بالمدنية اسمع هذه الحالة بالحضارة أي أن هذه الحضارة تكون في
مقابل البداوة. الحضارة إذاً هي مبانٍ، هي ثقافة، هي معرفة، هي تراكم للمعلومات، هي إرث يتوارثه الأبناء عن الآباء، والآباء عن الأجداد، وفي كل جيل يزداد التطور وتزداد المعرفة وتزداد مساحتها في مجالات مختلفة. فعندما نتكلم عن فقه... الحضارة: فنحن نبحث عن فهم الأسس الدقيقة التي بُنيت الحضارة عليها وتُبنى عليها. كل حضارة لها محور تقوم حوله، محور تدور في فلكه، ولها أيضاً ما يمكن أن نطلق عليه النموذج المعرفي، أو الرؤية الكلية، أو
الإطار المرجعي، نسميه ما نشاء، ولكن أصحاب حضارة معينة لا بد أن يكون لهم للإنسان وللكون وللحياة ولما قبل ذلك ولما بعد ذلك وهكذا. والحضارات الباقية الآن على وجه الأرض والتي لها نتاج في الآداب وفي الفنون وفي العمارة، والمفاهيم فيها مختلفة، لا تتعدى حضارتين أو ثلاثة بالجملة هي: الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. الحضارة الإسلامية لها مفهوم عن الإنسان، هذا المفهوم يتمثل ببساطة في عقيدة المسلم التي يعلمها كل مسلم وإن كان لا يرى أهمية هذه العقيدة من كثرة الألفة
وأنه قد عاش في هذا المعنى أن الإنسان مخلوق لخالق، هذا الخالق عنده لم يترك هذا الخلق عبثاً ولم يخلقه هكذا عبثاً ولم يخلقه ويتركه، بل إنه قد خلقه وأرشده بمجموعة من التكاليف، افعل. ولا تفعل التي نسميها الشريعة وأحياناً نسميها الدين وأحياناً نسميها الفقه الإسلامي وأحياناً نسميها القانون الإسلامي وهكذا، لكن بالإجمال الله خلقنا والله أمرنا ونهانا عن طريق الرسل وعن طريق الكتب، ولذلك قضية الإيمان بالرسول والإيمان بالكتاب المنزل على الرسول والإيمان بمسيرة الرسل عبر التاريخ جزء لا يتجزأ من العقيدة. المسلم جزء لا يتجزأ من رؤية المسلم لهذا الكون، وأيضاً أرشدنا إلى أن هناك يوماً آخر نعود فيه
إلى الله مالك يوم الدين، في يوم يُسمّى يوم الدين، يوم القيامة، يوم الحساب، وأن هناك عقاباً وثواباً، وأن هناك مؤاخذة لمن فعل الشر، ومجازاة لمن فعل الخير. هذه الرؤية الكلية تتحكم في سلوك المسلم تفعل ولا تفعل، كان محور الحضارة الإسلامية هو النص، الذي خُدِم خدمة جليلة. لعلنا نتعرض في هذه الحلقة إلى إبداعات خدمة النص من جميع وجوهه، حيث بُنيت الحضارة كلها على هذا. عندما نرى حضارة مثل حضارة الفراعنة، وهي حضارة انقطعت وغابت، نجد أنها قد قامت على فكرة. عندما نرى الحضارة الإنجليزية في نشأتها الأولى، نجد أنها بُنيت على العلوم التجريبية، أي أن محور الحضارة هو العلوم التجريبية. أما
المسلمون فقد بنوا حضارتهم على النص، على القرآن والسنة. وماذا يعني المحور؟ يعني ما هو المطلق وإليه العودة وله الخدمة وحوله العمل والحركة. لنذهب إلى أمثلة بسيطة، المصحف، هذا قصة في جانبها الديني والوعد وأنها حقائق وإلى آخره، هذا جانب ديني، لكن له جانب حضاري وصلوا فيه إلى قضية الخط العربي. والخط العربي هذا مما ينبغي أن تُدرَس قصته في العالم حتى يُفهم معنى كلمة بناء الحضارة وكيف تتم. فابن مقلة أتى بالخط العربي على نظام. أتحدث بشكل
هندسي دقيق. اسمح لنا، المسألة ستحتاج منا إلى بعض الشرح. وبخصوص الاتصال الهاتفي، عندما نجري مكالمة هاتفية، أولاً: ألو، السلام عليكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أريد أولاً أن أحييكم على البرنامج الرائع، فكلما أشاهده أجد مواضيع رائعة، وأنا أحب أن أحييكم، شكراً جزيلاً وكما نحب. أقول إن كل الذين يطالعون الإسلام سواء كانوا أعداءً أو أنصار الإسلام يوقنون بأن الإسلام عالمي وقد أتى ليكون دين البشرية في آخر فترات الدنيا، ولكن رغم هذه الدعوة السمحة فإن الذين يعرقلون مسيرة العالمية الإسلامية يتزايدون، وهنا نطرح السؤال: هل الإسلام يسير نحو الانتشار في العالم أي أنه كالرخام؟ رغم كونه دامعاً ومسؤولاً فهو صلب، أم أن الإسلام يسير نحو الضعف أكثر من الآن؟ أعني ظاهرياً، لكن في باطن الإسلام بسبب خمول المسلمين. وشكراً جزيلاً، من جديد شكراً لك. هو في الحقيقة الإسلام نشأ
عالمياً ولا يمكن أن يبقى إلا وهو دين عالمي لأن الله سبحانه وتعالى قال... وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّونَ يُرْسَلُ أَحَدُهُمْ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً". وَهَكَذَا فَالإِسْلَامُ لِأَنَّهُ خَاتِمُ الرِّسَالَاتِ فَهُوَ عَالَمِيٌّ، وَلِأَنَّهُ عَالَمِيٌّ خُتِمَتْ الرِّسَالَةُ. فَقَضِيَّةُ عَالَمِيَّةِ الإِسْلَامِ قَضِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ، أَيْ لَيْسَتْ جُزْءًا هَامِشِيًّا أَوْ ثَانَوِيًّا. ولذلك حضارة الإسلام كانت عالمية، يعني لو أتينا مثلاً في جانب العمارة نرى الحمراء في غرناطة في إسبانيا الآن، نرى مسجد السلطان حسن في القاهرة مثلاً، نرى
تاج محل في الهند. هذه عالمية، هذه مساحة كبيرة موجودة في كل مكان، بصمة المسلمين عبر الزمان والمكان. هناك فرق كبير بين الحالة. التي نعيشها ونسميها بالعولمة، ولعلنا أيضاً نتعرض لها، وبين العالمية. معناها أن الدعوة ليس فيها أسرار إسلامية، وأن المخاطبين بها هو كل العالم. لما نجعل هناك عرقية في الدعوة بحيث أننا لا نقبل إلا نسل أقوام معينين كما تفعل بعض الديانات أو المذاهب الأخلاقية. ديننا يخاطب العالم كله. حتى قال الإمام الرازي إن الأمة الإسلامية قسمان: أمة دعوة وأمة إجابة. أمة الإجابة
هي التي صدقت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأمة الدعوة هي كل الناس إلى يوم الدين. إذاً فهي أمة مفتوحة من ناحية الزمان والمكان وليست مغلقة، ومن أجل ذلك فليست هناك أسرار كهنوتية، بل وليس هناك. في الإسلام لا يوجد رجال دين وإنما يوجد علماء دين، وهناك فرق كبير بين رجال الدين وبين علماء الدين. علماء الدين يعني تخصص في حفظ وتأسيس العلوم المتعلقة بالنص مباشرة، لكن رجال الدين معناه أنه لديه قدرة على التشريع، وهذا لا يوجد عند المسلمين. رجال الدين معناه أنه لديه أسرار العامة على عموم الناس لا يعرفون، إنما الكاهن هو الذي يعرفها. هذه ليست موجودة عند المسلمين. المسلم كتب علمه في الكتب، يقرؤها المسلم وغير المسلم. "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله
ثم أبلغه مأمنه". أيضاً يعني نوصله إلى مأمنه بسلام وأمان. القضية قضية التبليغ، بلغوا عنه. ولو ماذا فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة؟ ولكن السائل من تونس تساءل عن قضية أخرى في غاية الأهمية وهي رؤيتكم الحالية لمصارف الدعوة الإسلامية، هل تسير إلى الأفضل أم أنها تضعف في الوقت الحالي؟ الحقيقة هي أن هذه الخاصية التي هي من داخل الإسلام، الدعوة الإسلامية، تسير إلى الأفضل بالرغم من كلِّ هذه المعوقات وبالرغم من كل هذه الظواهر التي تدل على عكس ذلك، فإن قضية أن تسير الدعوة إلى الأفضل أو إلى الأسوأ يبقى لا بد علينا فيها أن ندرس المسألة بدراسة الماضي. علينا إذاً أن نرجع إلى الوراء وننظر، نأخذ مكاناً معيناً وليكن أمريكا
مثلاً في سنة ألف مائة وخمسة وعشرون أمريكي كان فيها بعض العرب، وعندما يذهب العرب إلى هناك ينسى لغته وينسى دينه وينسى ثقافته ويندمج اندماجاً تاماً في المجتمع الأمريكي. في سنة ألف وتسعمائة وستين ألّف الأستاذ الشواربي كتاباً عن المسلمين في أمريكا، ورأى فيه أن هؤلاء الناس جلبوا أسماءهم من أدلة الهاتف حسن. اتصل حسين علي محمد بهم فوجدهم لا يعرفون شيئاً إلا أن أباهم أو جدهم أو نحو ذلك كان هنا وفعل هذا في سنة سبعين. تكوَّنت ما يُسمى بالإنجليزية "Community" وهي الرابطة أو المجتمع، نسميها بالعربية كما نشاء، لكن أصبح
هناك مجتمع للمسلمين، يصلون العيد، وأصبح لهم مدافنهم، وأصبح لهم طعامهم فيه أن هذا حلال وهذا حرام وما إلى ذلك، أصبحت لهم مدارس وظلت الدعوة تسير بهذه الكيفية إلى سنة ألف وتسعمائة وتسعين. أجروا استفتاءً فوجدوا حوالي ستة وأربعين في المئة من الشعب الأمريكي لا يعرفون عن الإسلام شيئاً بالرغم من أن هناك ستة ملايين مسلم، لكنهم لا يعرفون عن إسلام شيء قاموا بهذا الاستفتاء في سنة سبعة وتسعين، ثم أعادوه مرة ثانية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كانت النتيجة ستة وأربعين في المائة وثلاثين في المائة ضد الإسلام، واثني عشر في المائة مع الإسلام. وهكذا تغيرت آراء غير المسلمين، وأصبح هناك ستون في المائة مع المسلمين، والآخرون يريدون عن الإسلام، إذا كنتُ أستطيع عند هذه الدراسة أن أقول، بالرغم
من كل ما يراه السائل وأنا أشعر به، هو ماذا يرى. نستطيع أن نقول إن الأمر يتطور، ولكن هذا أيضاً شعور طيب عندنا أننا لا نكتفي بهذا، لأن كل هذا إنما هو في حدود التعريف فقط أو في حدود. إزالة الغشاوة عن أعين الناس فقط ليست كافية، إذ نحن أمامنا أعمال ضخمة وكبيرة جداً. نحن مقصرون بأننا لم نستطع في مثل هذه الحالة التي نحن فيها أن نتفوق على الآخرين، وأن نستعيد حضارتنا، وأن نربي أبناءنا على أن يكون الإنسان حضارة، فهناك فرق بين أن تتطور هذه المسألة إلى... الأفضل في رأيي أننا نتطور إلى الأفضل، ولكن نعم نتطور إلى الأفضل، ولكن هذا لا يكفي بتاتًا البتة. هذا المجهود الذي نقوم به ينبغي أن نقوم بآلاف
من أمثاله، وحجم هذا التطور أقل من المطلوب، أقل من المطلوب بآلاف المرات. ربما هذا يجعلنا نعود ثانية إلى الإجابة. قبل أن نستقبل هذا الاتصال الهاتفي، ذكرتم أنه يجب علينا العودة إلى بدايات الحضارة الإسلامية لنحاول فهم فقه الحضارة منذ نشأتها، وكيف حاول العلماء والفلاسفة في ذلك الوقت تطوير هذا الفقه واستخدامه ليس فقط من أجل تطوير حياة المسلمين أو الحضارة الإسلامية، بل العالم أجمع. نعم إذا رجعنا إلى بدايات اللحظة كيف أُسست هذه اللحظة وهذه الحضارة الإسلامية لحياة أفضل وحضارة مستمرة حتى هذا الوقت لم تنتهِ. عندما جعل المسلمون محور حضارتهم النص ودخلوا البلاد لم يكن عندهم أي تعصب بمعنى أنهم لم يأمروا
الناس أن يغيروا من طريقة أكلهم ولا لبسهم ولا شربهم. ولم يهزموهم ولم يضطهدوهم إلى آخره، إنما الذي فعلوه أنهم دخلوا في نسيج الحياة. لم نُبِد شعوباً من أجل أن نبني حضارة جديدة عليها كما فعل كثير من البشر. دخلوا البلاد، تزاوجوا، أنشأوا العائلة، دخلوا البلاد، ووضعوا لمسة منبثقة من التوحيد، منبثقة من التجريد، منبثقة من التزامهم بالنصوص، فوجدنا العمارة ووجدنا الملابس الإسلامية، هذه الملابس الإسلامية كانت هي ملابس أهل البلاد. دخل الصحابة فارس فصلوا في سراويل فارس، يعني لم يغيروا أزياء فارس، هم لبسوا أزياء فارس. ولكن عندما يريد أحدهم أن يصلي، والصلاة فيها حركة، والسروال الفارسي ضيق بعض الشيء، فيوسعه.
فأبدع في تمسك الأشياء، يعني عندما يدخل الإسلام أجد أن الأوروبي يرتدي ربطة العنق الطويلة ويلبس المعطف أو السترة أو ما شابه ذلك إلى آخره، ولا يحدث لشبابه أن يغير هذا ويجعله يرتدي الجلباب الخاص بالجو المصري أو السوداني أو الحار أو المعتدل، لأن هذا يناسب أجواءه. لا يجعله يلبس هذا ويغير فيه. فعل هذا الأتراك، فالبنطال الخاص عن السروال الخاص بالنمسا وهم قد هزمونا ودخلوها، إذًا القضية هي هذه العقلية وكيف كانت تفكر. ليست عقلية منشغلة بالهيمنة، وليست عقلية منشغلة بالعبادة والبناء، وليست عقلية منشغلة بغير القضية. دخلوا
فعاشوا ثم تمكنوا من الداخل ووضعوا لمساتهم من الداخل في أحاديث تقول إننا لا نرسم الأشياء. التي فيها روح، والإسلام جاء ليبعد الناس عن الوثنية، فكرهوا قضية التمثال وقضية الأشياء هذه. ثم ذهبوا واخترعوا الزخرفة الهندسية، ثم اخترعوا الزخرفة النباتية، ثم اخترعوا الزخرفة الرمزية التي نجدها على الكليم والسجاد إلى الآن، وكثير جداً من المسلمين لا يفهمونها: العين، شجرة الحياة، البرد أو الطائر، وما إلى ذلك. إذاً هو لم يلغوا السجاد بل بالعكس فرشوا مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يفرشوه بالحصى الصغير (الحصباء). وعندما بنوا مساجدهم فرشوها بالسجاد. كان الصحابة يصلون فيه وهم يرتدون الأحذية لأن الأرض هي
أرض. وعندما أدخلوا السجاد قالوا: حسناً، إنه سيتسخ، فخلعوا الأحذية. وهذا ما تراه اليوم عند المسلمين جميعاً. وهم يدخلون إلى المسجد يخلعون الأحذية، في حين إذا كان هناك توافق وكان هناك تفاعل، فهذه عقلية تختلف تماماً عن أن هذا الإنسان لا أستطيع أن أحمله أثراً وقهراً على أن يترك عاداته، إذاً فاقتله وأنهِ هذا الكلام. وقد حدثت إبادة للهنود الحمر، وحدثت إبادة للسكان التسمانيين. إبادة لكذا وكذا حصل في هذا الإطار. في إطار حديثكم عن عظمة الحضارة والفقه الإسلامي وحرص وحفاظ المسلمين على الدول التي دخلها الإسلام، وعلى طبع هذه الدول بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، كيف ترى قدرة الحضارة الإسلامية في الوقت الحالي على مواصلة الدور الذي بدأته منذ قرون ويمكن أن تواصله
في المرحلة القادمة، ما مدى القدرة على مواصلة هذا الدور في الظروف الحالية. المدخل الذي نستفيده من الحضارة الإسلامية أنها كانت حضارة إنسانية بمعنى أنهم قدموا الإنسان على البنيان، والساجد قبل المساجد. قضية تقديم الإنسان على البنيان ليست فقط إجراءً ولا تنفيذاً، إنما هي فكرة، ولذلك المدخل القوي الذي... يمكن أن نعتمد عليه للإجابة على السؤال حضرتك هو الإنسان. خلق الله له فطرة، هذه الفطرة نريد أن نخاطبها لأن النماذج المعرفية الموجودة الآن على وجه البسيطة لا تخاطبها كما يخاطبها الإسلام. فالمدخل الصحيح هو الإنسان، هيا بنا. وعلى فكرة، الإنسان
هو أيضاً المدخل المشترك بين كل الحضارات ولكن... الحضارةُ المُقابلة تدعو الإنسانَ إلى أن يترفهَ ويتنعمَ وتأمرُه أن يتأكدَ في نفسهِ بنفسهِ الأمارةِ بالسوءِ، يعني أن تقولَ له: نفسُكَ الأمارةُ بالسوءِ حافظْ عليها، استمرَّ في أمرِها للسوءِ، أشبعْها يا أخي بالشهواتِ وبما تهوى. والآخرُ يقولُ له: لا، ارقَ بها من النفسِ الأمارةِ بالسوءِ إلى النفسِ اللوامةِ إلى النفسِ كل ما وصفه فرويد عن الإنسان قد يكون صحيحاً، لكنه يقول له: إذاً فعليك أن تشبعه بمثل كل ما أنت فيه الآن. والإسلام يقول له: لا، هكذا ستصل إلى الانتحار وإلى الكآبة وإلى أمور أخرى. لن تصل إلا إلى الطريق المسدود. عليك أن تنزه نفسك وتقاوم نفسك، ومقاومة النفس هذه. تجعل منك إنساناً صالحاً
طيباً فطرياً، فالقضية هي أننا ينبغي علينا أن نبشر، أن نعلم، أن نقول، أن نستمر في القول، أن نوضح العقيدة والرؤية الإسلامية. سيدي الدكتور عبد الجمعة، إذا نحن الآن ونحن في عالم صراع حضارات، وهناك دعوة كثيرة إلى الحوار الجماعي والحوار الديني وحوار الحضارات وما إلى ذلك ما هو الطريق الأمثل لإقامة حوار مع الجانب الآخر، مع الحضارة الأخرى، خاصة الآن ونحن كعالم إسلامي وكحضارة إسلامية نقع تحت طائلة توجيه اللوم ومحاولة إلصاق نوع معين من الفكر بالحضارة الإسلامية بأنها حضارة إرهاب أو حضارة تعسف. نعم، في الواقع قضية صدام الحضارات قد... تكون رغبةً أكثر مما تكون حالةً، والحالة التي نعيشها هي حالة العولمة، لكن
صراع الحضارات هذا ناتج من فكرٍ معين يرى أن الحياة لا تصلح إلا في ظل الصراع: الصراع بين الرجل والمرأة، الصراع بين الحاكم والمحكوم، الصراع بين الأحزاب المتعددة في مجال السياسة، الصراع بين الإنسان والكون أيضاً وأن... هذا الصراع هو الذي يولد الحركة وهو الذي يوصل الإنسان إلى النجاح وهو الذي يقوي عضلاته في جميع المجالات التي يعيش فيها. الرؤية الإسلامية ترى أن هناك اتساقًا وتوافقًا بين الإنسان وبين الكون، وأن العلاقة بين الرجل والمرأة مبناها التكامل وليس الصراع. العلاقة بين الحاكم والمحكوم فيها التعاون وليس الصراع. وهكذا فإن صدام الحضارات هذه رغبة وليست حالة، لكن هذه الرغبة ولذلك بعض المحللين السياسيين بعد
أحداث الحادي عشر من سبتمبر يرون أن هذا الحادث يؤكد فشل نظرية صدام الحضارات، ولكن بعضهم يقول لا، هذا يؤكد صدام الحضارات. والكلام طويل في هذا، لكن رأي المسلم لهذا أنه ليس هناك صدام إنما هذه الصدامات إنما هي صدامات مفتعلة وإننا ندعو إلى عدم الصدام والاكتساب فيأتي دور الحوار. لا بد أن يكون على مشترك. المصيبة التي تحيط بالحوار في عالم هذا شأنه أن الذي يجلس معي للحوار يريد أن يهيمن علي، وهذه أول مصيبة تقدح في الحوار إذا كنت أنت تجلس معي، لا بد أن تجلس معي على سبيل الندية، ولذلك نحن دائماً ندعو أهل الغرب وأهل العالمين، ولا نزال ندعو وسندعو ونستمر إلى أنك إذا أردت أن تجلس
معي فاجلس معي نداً لند، ولا تجلس معي من أجل أن تهيمن علي، لأن هذا ليس حواراً إنما هذا نوع من أنواع الهيمنة التبشير الاستعمار السيطرة نسميها أي شيء معنا اتصال آخر ألو تفضل السلام عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أريد أن أعرف بفضيلتك يا شيخ موقف علماء الدين من فرض إسرائيل سيادتها على المسجد الأقصى وهو مسجد ذو خصوصية ثالث الحرمين هل يقبل تحت أي فرد سياسي مهما الظروف قبول سيادة إسرائيل على هذا المسجد بالتحديد وشكراً لك شكراً جزيلاً، أي
أن الأخ يتحدث عن أزمة حضارية نعيشها. الحقيقة أن فتاوى علماء المسلمين في الخمسين سنة الماضية تبين أن إسرائيل واليهود والكيان الصهيوني ليس له أي حق في القدس ولا في المسجد الأقصى ولا في غيرها من. ديار المسلمين وأن هذا الاحتلال الذي أدانته الشرعية الدولية قبل الإسلام وقبل علماء المسلمين، قرارات الأمم المتحدة تملأ مجلدات تنعى على إسرائيل هذا الوضع السخيف القذر الذي تعيشه باحتلالها أراضي العرب وأراضي المسلمين. المسجد الأقصى ملك خالص للمسلمين الذين يؤمنون بموسى ويؤمنون بعيسى ويعظمون شأنهما ويعظمون ويعترفون بأهل الكتاب في
حين أن أتباع موسى لا يعترفون بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا أتباع عيسى يعترفون بالنبي صلى الله عليه وسلم، نحن في هذا المسجد الأقصى لن نتركه. ومهما اختلفت فتاوى علماء المسلمين بأي أوضاع عسكرية أو سياسية أو توجهات أخرى، هذا المسجد ملك للمسلمين والقدس كلها ملك للمسلمين وسنظل على... هذا الحال إلى أن نلقى الله سبحانه وتعالى. معنا اتصال آخر من باريس. ألو، نعم، أهلاً وسهلاً. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ومعنا عبر الهاتف الآن الدكتور. كيف نجد حلاً أو كيف نجد طريقة لنشر الإسلام أو المرافعة عن كيفية مواجهتنا لليهود أو... مدائح اليهود للأمة المسلمة
التي هم يتحدثون فيها في مجالس أو لهم منافذ تجعل من هم يقولون كلمتهم مسموعة متناسبة. فنحن دائماً ما ليس لنا أي رأي، من أجل التركيز على البرنامج الذي كان يتكلم عن المدائح، والأستاذ سعد الشباشي وزملاؤه يحاولون إيجاد طريقة لأن ندخل في الناس. ما كان عليهم فعل يُعاذ بمعرفة كي نقول كلمتنا وكلنا كلمة واحدة أو معرفة، وكلنا لسان عربي كما يقولون. نحن نرى هنا في الانتخابات الماضية أن هناك أناساً وهم كثيرون وفدوا إلى المنافذ ليجعلوهم يقولون كلمتهم، يعني نحن نرى الدماء على التلفاز، نرى هذا الفلسطيني، إنه إنسان عربي. يموت ولا تتحدثون عنه، لكنهم يشربون ويقولون ما يريدون قوله، وهنا دائماً نجد أنفسنا ملزمين بأن نقول فحلاً وطعماً. فأنا أريد أن أتحدث من سد الطور، يعني إذا أردنا أن نصل
إلى المنزل كما نصل إلى المسلم. شكراً محدثاً، هو طبعاً معلوم أن اللوبي الصهيوني في الغرب وفي أمريكا لوبي حديثاً يوجد ستة ملايين يهودي في أمريكا وستة ملايين مثلهم من المسلمين، إلا أن المسلمين حديثو الوجود في هذا المكان وهم يحاولون الآن إنشاء مثل هذه الكيانات: وجود في الإعلام، ووجود في المجالس النيابية، ووجود في الحكومة، ووجود في مراكز اتخاذ القرارات، ووجود في المعاهد التي تتحدث عن... التفكير المستقبلي موجود في الجامعات، وهذا جهد مشكور لم يكن موجوداً منذ أربعين عاماً مثلاً أو منذ خمسين عاماً. نحن في البداية، ولذلك أقول إننا نتطور ونتحسن، وينبغي علينا
ألا نيأس، لكن الطريق أمامنا طويل ويحتاج إلى جهد كبير ويحتاج إلى بذل المال. والنفس والوقت من أجل أن نصل إلى ما نريد أو نصل إلى حالة التكافؤ لأن هؤلاء الناس يعملون في هذه الأماكن منذ سنين طويلة أتقنوا اللغة أصبح لهم وجود في كل هذه الأماكن إلى آخره، فينبغي علينا ألا نيأس، مع أن أحب الأعمال إلى الله أدومها، وانقل معنا اتصالاً آخر نديم من مصر، أهلا عليكم، السلام عليكم، السلام ورحمة الله وبركاته. أنا علي أبو جرخم، الرفيق الشديد في الشيخ السادم الدكتور علي جمعة تفضل. إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق هذا الكون فهو في الحقيقة خلقه وفي ثوائم وفي عدم ثراء على الإطلاق، ولكن ربنا خلق الكون وهو في... سلام وفي هنا دين السلام. الإنسان
المسلم ليس في إسلامه إلا التدين والسلام والانسجام مع كل ما يحيط به في الكون وفي نفسه ومع إخوانه. فأنا أرى أن صراعاتنا هذه شيء مستحدث تستحدثه الحضارات المختلفة، ولكن في الحقيقة حضارة الإسلام هي حضارة السلام والوئام والسماحة هي السمة في الفهم بين ما خَلقه الله سبحانه وتعالى. شكراً لك، نعم دكتور علي جمعة. في ضوء الآية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم. وفي ضوء الحديث الشريف: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، كيف يمكن بالنظر إلى واقعنا الحالي وواقع... العمل في الأمة الإسلامية الآن أن نعرف مدى الاستفادة من هذه الآية الكريمة ومن هذا الحديث الشريف. أعتذر عن قولي إن المسلمين
كم هم يدرسون سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا ليخالفوها بل ليقوموا بها. ونحن ندعو الناس ونقول في جلساتنا إن المسلمين يحتاجون إلى دعوة إلى الإسلام. مرةً ثانيةً إلى الإسلام الصحيح، إلى الإسلام المؤثر، إلى الإسلام الذي يبني الإنسان، الذي يجعل الساجد قبل المساجد، والإنسان قبل البنيان. لا تكون ألفاظاً وإنما إنشاءً. هذا الإنسان يحتاج منا إلى تعليمٍ وتربيةٍ وتدريبٍ. ننشئ هذا الإنسان، ولكن لماذا ابتعدنا عن الصورة المثلى التي وضعها الإسلام والشريعة الإسلامية والقرآن والسنة؟ والحديث الشريف للعمل الذي يراه الإسلام أساساً قوياً ومتيناً للحضارة في كل زمان ومكان قضيتين: القضية الأولى أن العبادة تحولت إلى عادة، فأصبح أحدنا يصلي
ولكنه لا يفقه ما الصلاة وأنها صلة بين العبد وربه، وما تقتضيه هذه الصلة من أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. فقدنا هذا المعنى، فقدنا هذا المعنى بتحوّل العبادة بالفعل إلى عادة. يعني نذهب للصلاة لأن الصلاة كأنها أصبحت جزءاً من برنامج حياتنا فقط وليست منطلقاً عقائدياً ورؤية كلية للكون. القضية الثانية أن عقيدتنا أصبحت في مجال، ونظلّنا المحيط بنا. أصبح في مجال آخر فإذا بنا نستورد عاداتنا وتقاليدنا ونظامنا وغير ذلك من الغرب، وقد انبثقت هناك لحاجاتهم ولتكون متسقة
مع أحوالهم وأجوائهم، حتى إنني أتعجب من بناء البيوت بطريقة لا تتوافق مع الجو في مصر أو في العالم الإسلامي كله، إذ إننا عندنا حدث شيء. من الخلل ما بين العقيدة والنظام، وحدث شيء أيضاً حتى في العقيدة من الخفوت، هذا هو الذي أبعدنا. ولذلك إذا أردنا أن نعود فعلينا أن نفعل العكس. ما من اتصال هاتفي لموريتانيا. ألو، حضرتك، رحمة الله عليكم السلام، أحمد الله وبركاته. قلت عن السيدة الدكتورة، هل الحضارة تُطلق على كتابات وثقافاتها مهما كان نوعها، أم أنه لا بد أن تكون لهذه العادات وهذه الثقافات قيم سامية وأخلاق، وهل الحضارة الإسلامية ترتبط بما قامت عليه في أول زمنها
من الدعوة إلى الله ومن تطبيق شرع الله، أم أنها أي حضارة مهما طرأ عليها من مستجدات ومن قيم دخيلة عليها، وشكراً شكراً. لحضرتك يا أخي، إذا ما أردنا أن نخاطب الآخر فإن الحضارة ستشمل كل ذلك لأنه في النهاية يقول: "أنا أقوى منك وأنا المسيطر"، ومع القوة العسكرية والسياسية والتقنيات الحديثة، إذاً لا بد من اتحاد نعمل فيه مصطلحات حينما نتحاور. فإذا أردنا أن نتحاور مع الآخر فالحضارة تشمل كل ذلك أما... إذا أردنا أن ننشئ معنى خاصاً للحضارة الإسلامية بأنها التي تقوم على الأخلاق الإسلامية وتنبثق من العقيدة الإسلامية وتفيد المسلمين في دعوتهم وقضيتهم وما إلى ذلك، فهذا لا بأس به، وكما
يقولون: "لا مشاحة في الاصطلاح". فنحن عندما نخاطب الآخر، نخاطبه بمصطلحاته وبما يفهم ويدرك حتى لا يكون. هناك حوار كما يُطلق عليه "حوار الطرشان". نعم سيدي الدكتور علي جمعة، هل تعتقد أننا أصبحنا في هذا العالم نعيش ونهتم بالأمور السطحية بشكلٍ أكبر؟ فأصبح من الأشياء التي نركز عليها هي شكل المسلم ومظهره، وليس هناك اهتمام حقيقي بجوهر هذا الشخص وعقله وما هو بداخله، والذي في النهاية بالتأكيد ينعكس على المظهر هو أننا الآن نمر في مرحلة انتقالية ونحن في الحقيقة لم يكتمل عندنا النظام. هذا أهم شيء هو الذي يفيد التراكم، والتراكم هذا هو الذي ينشئ الحضارة. نحن عندنا عندما يكون هناك مسؤول وتنتهي مدته بالإقالة أو بالتقاعد أو بالانتقال
أو بالترقية ويأتي المسؤول الذي بعده. لا يجد سياسة معمولاً بها والتزم بها، لا يستطيع أن يذهب إلى السابق بكل إخلاص وحب وود وعمل في فريق ويقول له: "ما السياسة التي أنت تسير عليها حتى أسير عليها؟" فيقول: "أنا ما كنت أسير على سياسة". هذا هو الذي أسميه بفقد النظام، ليست عندنا هذه النظم. التي بنت الحضارات في هذا العصر الذي نعيش فيه، ولا بد علينا أن ننشئ هذا النظام. في الحقيقة نجد أفراداً عندهم كل ما ذكرت من عمق ومن توجه ومن همة، ونجد أفراداً آخرين ليست عندهم هذه الصفات، ولا نسعى لإنشائها عندهم، ولا يكون النقب العام لذلك. ولذلك الإنسان يحتار هل نقول له: هل هذا ينطبق على كل الناس أم
على بعضهم؟ وإذا كان يخص بعض الناس، فلماذا لا ينتشر؟ ما الذي يمنع انتشاره؟ كل العقلاء وكل الخبراء وكل المفكرين يقولون لا بد أن ينتشر، فلماذا لا ينتشر إذاً؟ لذا يجب علينا تبليغ هذا والتناصح في الدين، فالدين النصيحة، وأن ننشئ... نظاماً يتحمل تراكم المعرفة، وحينئذٍ لا نصل إلى هذه السطحية التي لا أعرف إذا كانت موجودة أو غير موجودة، لأنها فعلاً موجودة في كثير من الناس وغير موجودة في كثير من الناس. نتلقى اتصالاً آخر من تايلاند، أهلاً تفضل. السلام عليكم، وعليكم
السلام ورحمته وما إلى ذلك، لأن الناس ها إن هذا العربي سواء كان ملتحياً أو عربياً إلى الآن، حسناً، يكون بين المسلمين شخص واسع الاطلاع ومتميز، شخص واسع المعرفة متواصل مع المسلمين عموماً، يعني متواصلين من الصين واليابان وكل مكان ذهب فيه مجموعات طيبة من المسلمين وليس في الغرب فقط. شكراً جزيلاً سيد دكتور علي، كان سؤالاً. للأخ ياسر أيضاً يضع تساؤلاً أكبر أن يكون هذا الموقف في ظل وجود مجتمعات إسلامية كبرى مثل إندونيسيا وماليزيا وجاليات إسلامية موجودة داخل الفلبين، أن يكون هذا هو الحال نقف هناك، وفعلاً هل نحن كعالم إسلامي متباعدون عن هذه المنطقة وهذا
العالم الإسلامي، وهو أيضاً يطرح بالتأكيد تساؤلاً في... غاية الخطورة والأهمية وهو رؤيتكم الحالية لدور الإعلام الإسلامي أو إعلام الدول العربية والإسلامية في بناء وفي المحافظة على دور الحضارة الإسلامية في العالم. فكيف ترى هذا الدور؟ سأذكر لكم ثلاث نقاط في هذا الجانب. النقطة الأولى: أننا نتعلم الإنجليزية والفرنسية جيداً والقليل القليل من يتعلم لغات ديار. الإسلام الأردو الملاوي التركي الفارسي وهكذا أو اللغات الشرقية الصيني الياباني الفلبيني، لا يوجد أحد يتعلم عندنا مثل هذه المسائل. عندما فتحنا اللغات والترجمة وما إلى ذلك في
الأزهر، إلى الآن لم تدخل اللغة اليابانية، على الرغم من أن اليابان مكان قابل ومهيأ لدخول الإسلام من حيث العادات والتقاليد والميراث مع هذه الشعوب، ولكن إلى الآن لم يُفتح في اللغات والترجمة جانب لليابانية. إذاً هذا تقصير. القضية التي أثارها أخونا الآن ياسر أن الإعلام حتى غير موجه إلى هناك. يعني أنا كيف انتشر الإسلام في هذه المناطق؟ إندونيسيا الغالبية مسلمة، ماليزيا أكثر من ستة وخمسين في المائة منها مسلمة. بروناي ليس فيها إلا المسلمين، وهكذا كل شرق آسيا فيها طابع الإسلام، وفيها شرق. كيف ذهبوا؟ ذهبوا بما لم نفعله الآن نحن أبداً. كل هؤلاء الناس
عبارة عن تجار ذهبوا وتزوجوا وأقاموا وبقي نسلهم يدعون إلى الله وينتشر بهم الإسلام. فتذهب إلى السنغال وإلى أفريقيا في أي مكان كان تذهب. إلى اليابان تجد أسراً أمريكية قد تزوجت من اليابانيين وعاشت فيها من أجل نشر الحضارة الأمريكية. الياباني يكره الحضارة الأمريكية، الياباني يكره اللغة الإنجليزية، ولكنه هو الذي تعلم اليابانية حتى يشيع فيها من الداخل. مثل هذا أنا رأيته بعيني. أين المسلمون الذين جابوا البلاد وذهبوا عبر البحار واكتشفوا المسالك؟ وكذلك إلى آخره، أين الهمة التي تحرك الناس بدلاً من أن تحركهم إلى الغرب وحده؟ أنا لا أقول لا يذهب إلى الغرب، بل يذهب إلى الغرب ويذهب
إلى أمريكا ويذهب إلى غيرها، لكن يذهب أيضاً إلى اليابان وإلى تايلاند وإلى الفلبين وغيرها. أراك ترى أن هناك دور للأفراد وليس هناك لحكومات العالم الإسلامي، الحقيقة أنه ينبغي التكامل، وأن من حضارة المسلمين أن الأمة الإسلامية لم تنتظر الحكومة، ففعلت وطلبت من الحكومة التوجيه أو الحماية، أو فعلت وطلبت من الحكومة الدعم أو المساعدة، وهكذا الأمة لم تنتظر الحكومات، بل أنشأت مؤسسة الوقف من أجل الحفاظ على... الأمن والصحة والتعليم وما إلى ذلك، ولم تنتظر الحكومة، وتعلمت الأمة وبنت حضارتها، والحكومة إنما هي حكومة حارسة، وبعد ذلك طلبوا من الحكومة أن تحميني، أن تساعدني، أن تتركني في حالي، أن تفعل، أن لا... ولكن نحن
لا نلغي دور الحكومة، إنما نقول أنه لا بد علينا أن نبدأ ثم... نطالب الحكومة ونقول لها: إنني ذهبت وأسست هناك جماعة ورابطة، فتعالوا لدعم الحكومة ومساعدتي. قم فستجد شيئًا تساعدنا فيه، أو تضع له إطارًا، أو تعترف به، أو تقدم المساعدة، أو ما شابه ذلك. أي أن الأمر جائز وشريف في المجمع والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وكذلك مع الذين اتصلت بهم فأعلنوا نعم، السلام عليكم، السلام ورحمة الله وبركاته. أريد أن أسأل فضيلتك سؤالاً. تفضل. قال تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". ورد في التفسير أن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنساني والإحسان إليه ليرد إليه الطبع الأصيل الطيب وإلى الموالاة والمصافاة. فأنا
أريد أن أعرف إلى أي مدى يمكننا استخدام هذا الأمر الإلهي في ظل الظروف التي نعيش فيها. شكراً، كل ذلك مرتبط بالحالة التي يكون عليها العدو، فإذا أخذ العدو دارك وطردك إلى الخارج وأخذ يضربك وأنت في الخارج، فليس هنا فيها دفع بالتي هي أحسن. أما إذا كان... العدو بعيداً عن ديارك يهددك، يحاول أن يتمحل معك ما يهيج الصراع والحرب. هنا ندفع بالتي هي أحسن، ولكن ينبغي علينا أن نحقق مصالح المسلمين. هذا التحقيق يصف النبي المؤمن أن يكون مدركاً لشأنه، عالماً بزمانه، ثم بعد ذلك يفعل ما يرى. فإن اجتهد وأصاب فله أجران عند الله، وإن... اجتهد وأخطأ فله أجر عند الله، وإن نعمل ذلك فنحن
نتعامل في الحقيقة مع أمور متغيرة شديدة التطور والتدهور والتغير، ولذلك فعلينا أن نتعامل معها بمرونة وبسهولة بحيث نحقق مصلحة المسلمين في كل وقت وحين، والأمور والاتفاقات إذا اتفقنا عليها اليوم وكانت لمصلحة المسلمين ثم غداً أصبحت ليست لمصلحتهم نود. في الاتفاق، جميع الاتفاقيات الدولية -حوالي مائتين ألف مجلد في الأمم المتحدة- لم تبقَ اتفاقية على حالها أبداً، ولذلك يسعى الناس إلى تحصيل مصالحهم، والمسلمون يسعون إلى تحصيل مصالحهم، ويُرى فيهم المهم الإخلاص، المهم أن نفعل أي شيء من أجل مصلحة المسلمين، فإذا فعلنا ذلك ندعو الله سبحانه وتعالى أن... يوفقنا إلى السداد إلى الرشاد ولكن لا بد من الإخلاص وإذا توفر الإخلاص وفقنا الله.
بالنظر إلى الواقع العالمي الذي نعيشه الآن والمسمى بالعولمة، وبالنظر إلى تاريخ الفتوحات الإسلامية وتاريخ التعامل بين الحضارة الإسلامية أو تعامل المسلمين والأمة الإسلامية مع مختلف الحضارات والدول التي دخلها وفتحها المسلمون، كيف يمكن من هذا التاريخ ومن هذا التعامل الإسلامي مع الحضارات المختلفة، أن نستمد القدرة على التعامل مع كافة الحضارات الموجودة الآن في العالم بما ينفع الإسلام والمسلمين، مع الابتعاد عما يضر بالمسلمين وبالإسلام. المسلمون في حضاراتهم وتاريخهم كانوا كالنحلة، هضموا كل شيء ولم يبقوا شيئا على حاله تقليدا واتباعا، ولم يأخذوه أخذوه وهضموه، والهضم يحدث في التمثيل ويحدث في طرد للفضلات وإبقاء للمستحسنات كالنحلة،
ثم في النهاية تخرج عسلاً. هذا الذي قام به المسلمون. هذه العملية، عملية النحلة، هذه لها عناصر، من أهم عناصرها الحقيقة والتي نفتقدها كثيراً ونسأل في كيف وكيف الجدية، الإنسان لا يصل إلى مرتبة القوة إلا. بالجدية سواء كان مسلماً أو غير مسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالحفاظ على الوقت، وأمرنا بإتقان العمل، وأمرنا بالمداومة عليه، وأمرنا أن نعمل في فريق ولا يعمل أحدنا وحده، وأمرنا بالعلم. وهذه عناصر الجدية أن يكون الشخص لا يقرب شيئاً إلا بعد أن يتعلمه، وإذا ما تعلمه، على وجهه الصحيح يوفر وقته ولا يضيعه باعتبار أن الحياة فانية وأن دقات قلب المرء قائلة
له إن الحياة دقائق وثوانِ. هذا التصور لقضية الوقت، لقضية الإتقان، لقضية العمل في الفريق هو الجدية. إذا رجعنا إلى بناء الإنسان على قضية الجدية فنحن قد وصلنا إلى إنسان الحضارة، إذا لم نصل إلى... هذا فنحن لم نصل بعد إلى إنسان الحضارة، ولكن ينبغي على المسلمين جميعاً أن يعلموا أن الوقت قد فات، ليس أن الوقت سيفوت، بل قد فات وانتهينا، وأن القطار أخشى أنه قد فات هو أيضاً. ولذلك ينبغي علينا لا أن ننسحب عن القضبان، بل أن نجري وراءه لأن الوضع شديد سيادة الدكتور علي جمعة ربما هو مشغول بأمرين في وقت البرنامج، ولكن هناك سؤال نريد أن نطرحه بسرعة. المرأة المسلمة كان لها دور أساسي في بناء الحضارة الإسلامية قديماً، والحضارة الغربية
الآن تأخذ علينا أن المرأة لها دور فعّال فيها أكثر من دور المرأة المسلمة حالياً، فما هو؟ ما رأي حضرتك، وهل للمرأة المسلمة دور أكبر يمكن أن تقدمه في الفترة الحالية؟ أول من أسس الحضارة والعلم، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين وغير المسلمين. كان لدينا شخص هنا في مصر أعجوبة كان اسمه ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب اسمه "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، فشيء بقدر خمسة مجلد هكذا وكان علامة وحافظ أشياء عجيبة الشكل وأحدوثة قصة لواحد من العلماء هو ابن حجر العسقلاني. ابن حجر العسقلاني أخذ العلم عن مشايخ فأحضر كراسة وذكر فيها المشايخ الذين تعلم منهم، ومن بينهم
ستة وخمسين امرأة. هؤلاء كنَّ مشايخ ابن حجر العسقلاني. طبعاً الرجال كثيرون، لكن هناك ستة وخمسين نتخيل أين تعلّموا وكيف تعلّموا وماذا فعلوا وبأي دور قاموا وهكذا. السخاوي تلميذه روى عن اثنتين وخمسين امرأة، هذا دور المرأة. هذه كلمة فقط، نحن الآن لو لم نذهب لنتعلم الخط العربي، فكل أمورنا موثقة وتم عمل توثيق لها. الخط العربي هذا من أين أتينا به؟ فهناك شيء يسمى سنداً فلان وفلان يتعلمه من فلان إلى كذا. الخط العربي له سند، وفي سند الخط العربي توجد شهدة، وكل العالم يرجع إلى شهدة هذه، أي أن هناك امرأة في الوسط. يعني عندما نرى ماذا فعلت
المرأة، نجد أن شيراتون وهيلتون وكريستيان ديور وغيرهم كلهم رجال، وأول رجل كان يعمل بأدوات التجميل خرجت وواحدة أصبحت، إلى الآن لم تتولَّ امرأة رئاسة الولايات المتحدة ولا زنجي. نحن عندنا المماليك تولوا وشجرة الدر أيضاً، إذاً يعني دعنا من الخيال، نحن نتعامل مع واقع. نحن عندنا ست الملك تولت وهكذا، فأين المرأة التي تولت الولايات المتحدة؟ الإنجلوسكسون فقط هم الذين تولوا، أين المرأة التي تولت؟ تقلدت اتخاذ القرار في كل مكان، وليس هناك ما يمنع ذلك. وعندما نأتي إلى الإسلام، فالإسلام لم يمنع المرأة من التعلم، ولم يمنعها من العمل، ولم يمنعها من المشاركة، ولم يمنعها من أي شيء. إنما
قال لها: قومي بواجبك الذي خلقك الله له بالأساس، حافظي عليه، ثم بعد ذلك افعلي وهو دور خلق الحياة فالمرأة تخلق الحياة، يقول الله سبحانه وتعالى: "ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه". قال: "طيب، والمرأة؟" قال: "لا، هذا يمكن أن يكون في جوفها قلبان: قلبها وقلب جنينها. لكن الرجل هو الذي ليس في جوفه إلا هذا". هذا ماذا يعني؟ معناه أن المرأة تخلق. الحياة هذا الدور ينبغي أن تتقنه حتى نصل إلى الحضارة، هذا الإتقان ينبغي أن يكون على الأسس التي بها الإتقان، لكن هذا لا يحرمها لا من تعليم ولا من عمل ولا من مشاركة ولا من كذا ولا من كذا. عشنا هكذا ولا ندري قضايا المرأة وحقوقها وكذا بدعة غربية لا
في تاريخنا ولا نعرف عنها شيئاً، ليست من مشكلاتنا. طوال تاريخها كانت المرأة تخرج إلى أسواق الثلاثاء والخميس والجمعة لتبيع الغزل الذي صنعته لتطعم ولدها، لأن زوجها مات. وطوال حياتها كانت تخرج مع الرجل لتزرع وتحصد وغير ذلك. ليست لدينا هذه المشكلة يا دكتور علي جمعة. في الحقيقة، مر وكنا بالتأكيد نتمنى أن يتسع لأكثر من هذا، وشكراً جزيلاً على هذا الوقت وهذه المعلومات القيمة. مشاهدينا الكرام، في نهاية هذا اللقاء نتوجه بالشكر إلى ضيفنا وضيفكم اليوم في لقاء الجمعة الأستاذ الدكتور علي جمعة، أستاذ أصول الفقه بالأزهر الشريف وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. مشاهدينا وأعزاءنا، نشكركم على حسن تتبعكم
وعلى أمل بلقائكم إن شاء الله في لقاء جديد يوم الجمعة القادم. لكم منا أطيب الأمنيات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً لكم، شكراً جزيلاً.