فن الدعاء | حـ #11 | أزمنة يلتمس فيها استجابة الدعاء جـ3 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع فن الدعاء. عرفنا أن هناك أسراراً في الزمان قد علمنا إياها الشرع. عرفنا كيف أن هذه الأوقات موجودة في كل يوم لأننا نضطر كثيراً إلى الدعاء وإلى توجيه احتياجاتنا الكثيرة وطلباتنا الكثيرة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء بين كل أذانين يعني بين الأذان والإقامة، ويستجيب الدعاء
في دبر كل صلاة، ويستجيب الدعاء في ثلث الليل الأخير، ويستجيب الدعاء في ساعة في يوم الجمعة أخفاها في سائر الساعات، ويستجيب الدعاء عند ظهور هلال الشهر الجديد القمري، ويستجيب الدعاء في ليلة القدر أيضاً. فإنه يستجيب الدعاء استجابة واسعة مجربة في يوم عرفة. في يوم عرفة يقف الحجيج فيباهي الله بهم ملائكته، يذكرون الله كثيراً ويلتجئون إليه ويدعون الله سبحانه وتعالى. لم تذهب إلى الحج، أنت تجلس هنا في هذا الوقت، لك دعوة مستجابة، وإذا صمت هذا اليوم في حين
أن الحجاج لا يصومون، إذا صمت هذا اليوم غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، إذاً فهذا يوم مبارك مثل ليلة القدر بالضبط. أفضل الأيام عند الله العشر الأوائل من... ذو الحجة تسعة كان يصومها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يريد أن ترفع أعماله إلى الله وهو صائم، وهذه أيام فضيلة مفضلة عند الله، فيريد أن يعرض عمله عليه سبحانه وتعالى في حال عبادته وفي حال صيامه. "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، فهذا الصوم إنما هو خالص. لوجه الله تعالى لا يطّلع
عليه أحد في حقيقته، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُحبُّ أن تُعرَض أعماله وهو في حالة الصيام يوم عرفة، يوم يستجيب الله فيه الدعاء، وهو قمة هذه الأيام العشر التي تشتمل تسعة من ذي الحجة للصيام ثم اليوم العاشر وهو يوم الحج. الأكبر وهو يوم عيد الأضحى الذي هو العيد الكبير. لماذا هو كبير؟ لأنه عدة أيام، ففي عيد الفطر يوم واحد، لكن العيد الكبير عدة أيام يُحرم فيها الصيام. هو يوم ومعه ثلاثة أيام فيصير أربعة أيام: ثلاثة أيام التشريق ويوم النحر. الأكبر، الحج
الأكبر، العيد الأكبر، عيد الأضحى يجوز لك. أن تذبح فيه خلال الأيام الأربعة يعني بعدما تنتهي صلاة العيد إلى مغرب اليوم الرابع من أيام العيد وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة، يجوز لك أن تذبح قبل الغروب، تذبح الأضحية. إذا أخّرتها عن هذا الوقت لا يجوز أن تُعَدّ أضحية وتكون غير أضحية إنما... هي شاة لحم وإذا كنت ناذراً فقد ارتكبت خطأً، ولكن إذا لم تكن ناذراً فليس عليك شيء، ولا تُعَدُّ هذه أضحية لا في ثوابها ولا في طاعتها.
إذا ربط الله الطاعات بالأوقات قال لنا صوموا رمضان ولم يقل شوال، قال لنا الحج أشهر معلومات، قال لنا قم الليل إلا قليلاً. قال لنا في يوم الجمعة: "فاسعوا إلى ذكر الله". قال لنا سبحانه وتعالى، ربط العبادات بالزمان. ربط الله سبحانه وتعالى العبادات بالزمان، وكان يوم عرفة هو أفضل أيام السنة، كما أن ليلة القدر هي أفضل ليالي السنة. أيضاً هناك
وقت كما ذكرنا في دبر كل صلاة، في ختام القرآن إذا... ختمت القرآن فلك دعوة مستجابة. إذا ختمت القرآن لك دعوة مستجابة، ولذلك كان هناك منذ أواخر القرن التاسع عشر فِرَقٌ للدعاء يلتجئ إليها الناس عند حوائجهم. فِرَق الدعاء كانوا يقومون بختم القرآن في جلسة واحدة، فهم حفاظ للقرآن، فيجلسون، وكان القرآن المجزأ يسمى بالرَّبْعَة، والربعة عبارة عن المصحف مجزأ. إلى ثلاثين جزءاً فتُوزَّع
هذه الأجزاء على الحاضرين، سواء حضر عشرة أو عشرون أو خمسة. تُوزَّع الأجزاء الثلاثون على الحاضرين، ثم بعد ذلك يقومون بختم القرآن، ثم يدعون لمن طلب منهم الدعاء. كان ختم القرآن وكان الدعاء، فكان الناس أكثر صلة بالله، وهم يرون بأعينهم أن الدعاء يُستجاب. ولذلك كانوا أكثر إيماناً وكانوا أكثر توكلاً على الله سبحانه وتعالى. هؤلاء عاشوا القرآن، لهجت به ألسنتهم بالليل والنهار. فارق كبير جداً بين هذا الحال وبين حالٍ يخلو من الذكر ويخلو من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلو من
تلاوة القرآن، ثم بعد ذلك نسأل لماذا لا يستجيب. الله الدعاء لأننا لم نستفد من التعليم الذي علمنا إياه، لم نستفد من هذه الأوقات المباركة التي دلنا عليها، ودلنا عليها بصورة مرتبة ما بين الأذانين، وبعد ذلك في دبر كل صلاة، بعد الصلوات مباشرة، في ثلث الليل الأخير، في مطلع الشهر، عند هذا، ليلة القدر، في يوم عرفة، في الأوائل من ذي الحجة أزمان قديمة يجب أن ندرك هذه الأزمان وأن نسجلها عندنا. من أجل هذا المعنى
ينضم إلى هذا ما استنبطه العلماء، استنبط هذا التابعون من القرآن الكريم. صحيح أنه لم تفعله الصحابة ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ربنا سبحانه وتعالى جعل هذا الدعاء. نظاماً مفتوحاً، فرأينا التابعين وهم يُحيون ليلة النصف من شعبان. من أين أتوا بها؟ أتوا بها من القرآن: "قد نرى تقلُّب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها". إذاً، فالله استجاب دعاء نبيه في هذه الليلة. إذاً هي ليلة يُستجاب فيها الدعاء، فأحيوها وقدموا
فيها الطاعات وادعوا فيها الله، فاستجاب الله. إذا بالقرآن وبالتجربة وبفعل السلف الصالحين نستنبط أيضاً أسراراً قد لا يكون قد صُرِّح بها ولكنها حقيقية. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.