فن الدعاء | حـ #12 | أزمنة يلتمس فيها استجابة الدعاء جـ4 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع فن الدعاء. رأينا كيف أن الدعاء له زمان فضَّل الله بعض. الأزمنة على بعضها، ذكرنا ونكرر ما ذكرنا حتى نستوعب الأمر أن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء بين الأذانين، وأن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء في دبر كل صلاة، وأن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء بعد تلاوة القرآن مباشرة، وأن
الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء عند أول كل شهر قمري، وأن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء في ثلث الليل الأخير، وأن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء يوم الجمعة في ساعة أخفاها، فصاحب الحاجة يستمر فيها، وأن الله سبحانه وتعالى قد جعل ليلة القدر محلاً لاستجابة الدعاء، وقد جعل العشرة الأوائل من ذي الحجة محلاً لاستجابة الدعاء، وقد جعل أيضاً يوم عرفة قمة ذلك كله، هذه أوقات نرى فيها أن الله يستجيب للدعاء. يستجيب للدعاء أيضاً في وقت قد يحدث اتفاقاً، وقد يحدث في بعض
البلدان ولكنه قد لا يحدث في بعضها الآخر. يستجيب للدعاء سبحانه وتعالى وقت السفر، فإذا شرع الإنسان في السفر دعا: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر". وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بُعده، إلى آخر ما هنالك من أدعية في وقت السفر. ذكرنا في عالم الأشخاص أن المسافر له دعوة مستجابة، ولكن أيضاً وقت السفر زمن يُستجاب فيه الدعاء أيضاً. عندما
يحملني أحدهم أمانة الدعاء له وقت السفر. أدعو له خاصة إذا ما رأينا شدة ولأواء، يعني نكداً وكدراً وتعباً ونصباً. كل هذه ألفاظ تدور حول معنى واحد من جهات متعددة. إذا رأينا هذا دعونا لمن طلب منا الدعاء لأن الله يكون أقرب إلينا حينئذ لأنه رحيم، فإذا ما أُصبنا بشيء من التعب وبشيء من الشدة كان. لنا بذلك ثواب فلا يرى المؤمن شدة ولا نصباً ولا حتى الشوكة
يُشاكها المؤمن إلا كانت له خيراً، فكل شدة لها ثواب وعند الثواب يكون فيه قرب، وعند القرب يكون فيه استجابة، ومن أجل ذلك كان وقت السفر وقتاً مباركاً بالرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "السفر قطعة من العذاب"، يعني أننا نرى السفر حتى بعد كل هذه التسهيلات التي حدثت في الطائرات والسيارات والقطارات، أيضاً ما زال السفر قطعة من العذاب نفسياً وجسدياً. وقت
السفر وقت يستجاب فيه الدعاء، أيضاً هناك وقت آخر يتعجب الناس من أنه يستجاب فيه. الدعاء وهو سر أيضاً من الأسرار لكنه مكتوب في كل الكتب وشائع وتحت نظر الجميع وهو وقت المطر. في وقت المطر ينزل المطر ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان دائماً يدعو في هذا الوقت بالخير وبالبركة وبالنماء، يقول أنه حديث عهد بربه، يعني أنه حديثاً أمره الله تعالى. أنَّه ينزل فهو لم يأخذ الأوامر إلا حالاً، فاستجاب لأنه
لا يستطيع أن يأتي إلا طوعاً أو كرهاً. قالت: "أتينا طائعين". فعندما قالت السماء والأرض لربنا: "أتينا طائعين"، إذاً فهم في حالة طاعة. يعني أن المطر هذا حيثما أمره الله بالنزول، فنزل في حالة طاعة. وهذا يذكرنا بالطاعة التي كُلِّف بها المكلَّفون أصحاب العقول الذين أسجد الله لهم الملائكة تكريماً لهم، "ولقد كرمنا بني آدم". فعندما ينزل المطر، يدعو الإنسان مباشرة لأن هذا وقت مبارك مثل وقت السفر. الوقت الآخر أيضاً من الأوقات المباركة هو وقت الزحف. ذكرنا
قبل ذلك أننا نسأل المجاهد في سبيل الله الذي يذهب لتحرير بلادنا. من الإرهاب ومن أوشاب الخلق الذين تكأكوا علينا وأتوا إلينا يريدون فساداً في الأرض، ذكرنا أن هذا شخص مستجاب الدعاء، ولكننا نتحدث هنا عن وقت الزحف كما تحدثنا عن وقت السفر، نتحدث عن وقت المطر، نتحدث أيضاً عن وقت الزحف. وقت الزحف وقت مبارك نكون فيه قريبين من الله. حيث أنَّ الله أمرنا أن ندافع عن أنفسنا {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}،
أمرنا الله سبحانه وتعالى بهذا الجهاد، فنحن نذهب بتلك النية أن هذا ليس إفساداً في الأرض، ولكنه محاولة لكسر شوكة المعتدي الباغي، وأنا ذاهب بهذه النية ولهذا الهدف. التنفيذ لأمر الله سبحانه وتعالى فأنا في حالة رضا وقرب من الله، وحينئذ قربي من الله سبحانه وتعالى سوف يؤدي بي إلى استجابة الدعاء. وقت الزحف وقت يُستجاب فيه الدعاء. أوقات مباركة، بعضها يومي وبعضها أسبوعي وبعضها شهري وبعضها سنوي، وبعضها
طبقاً للحالات، وكل ذلك يمثل لنا رسماً مناسباً. لتتبع لتفهم أسرار وقت الدعاء، لو فعلنا هذا يستجيب الله لنا وهذا أمر مُجرَّب. بعد ذلك نريد أن ننضم إلى هذا المكان ونريد أن ننضم إلى هذه الأحوال فنكون أقرب إلى الله وأقرب إلى الاستجابة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.