فن الدعاء | حـ #13 | أماكن يلتمس فيها إجابة الدعاء جـ1 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد من فن الدعاء عرفنا أن من فن الدعاء أن يدعو الأشخاص وأن من فن الدعاء أن نترصد الزمان المناسب للدعاء الذي فضله الله على غيره من الأزمان، ومن فن الدعاء أيضًا أن نترصد المكان، فإذا كان المكان محلًا
لنظر الله سبحانه وتعالى كان أرجى للقبول. من هذه الأماكن المساجد، والتي يقول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فيها: "بيوت المساجد"، فالمساجد أنشئت من أجل عبادة الله سبحانه وتعالى ومن أجل تبليغ كلمته، فهي بيوت الله، وزائر المسجد ضيف الله، وضيوف الرحمن في كرمهم، ولذلك كان المسجد أحد الأماكن المهمة
لاستجابة الدعاء. المسجد في اللغة هو كل مكان يُسجد فيه، ولكن اتُّخذ هذا الاسم من أجل بيت لله يخرج من ملك بانيه وصاحبه إلى ملك الله. على سبيل الصدقة الجارية والوقف، ولذلك أصبح معنى كلمة مسجد ليس كل موضع للسجود بقدر ما هو معناها الجامع. فالجامع هو هذا المسجد، وسمي جامعاً لأنه يجمع الناس يوم الجمعة ويجمع الناس لصلاة الجماعة في كل صلاة من الصلوات الخمس، فسمي بالجامع.
إن بيوت الله في الأرض هذه الجوامع التي يسجد فيها لله وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً. إذاً فهذه المساجد بُنيت خصيصاً لدعاء الله سبحانه وتعالى، فالذهاب إلى المسجد ذهاب إلى مكان مبارك فيه استجابة الدعاء. من الأماكن أيضاً التي يُستجاب فيها الدعاء جلسة الذكر. دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد حلقتين، حلقة يذكرون. الله وحلقة يدرسون العلم فقال هؤلاء على خير وهؤلاء
على خير وإني بعثت معلماً فانضم إلى حلقة من يدرس العلم. هؤلاء على خير الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. حلقة الذكر مكان ولكنه مكان يستجاب. في الدعاء حتى لو لم تكن ذاكراً معهم، يعني أنت حضرت حلقة ذكر فجلست معهم ولم تذكر أو لا تعرف بما يذكرون وما هو ترتيب هذا الذكر، فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب لك، نعم
يستجيب لك الله سبحانه وتعالى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل يسأل الله. فيه ملائكتُه وهو أعلمُ منهم بما يكون، ماذا يقول عبادي؟ فيقول: يحمدونك ويسبحونك ويهللونك ويكبرونك. فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا يا رب العالمين. قال: فكيف لو رأوني؟ قالوا: كانوا أشد عبادة لك لو رأوك. وجوهٌ يومئذٍ ناضرة، إلى ربها ناظرة. قال: ولِمَ يفعلون هذا؟ قالوا: طاعةً لك وحباً
في جنتك. وخوفًا من نارك، قال: "وهل رأوا جنتي؟"، قالوا: "لا يا رب، ما رأوا جنتك"، قال: "فكيف لو رأوها؟"، قالوا: "كانوا أشد عبادة لك"، قال: "وهل رأوا ناري؟". كل هذه الأسئلة من الله ليست على سبيل الاستفهام، إنما هي على سبيل التعليم للملائكة وعلى سبيل رفع قيمة هؤلاء الذاكرين عند الملائكة. أي إن الملائكة عندما ترى الله مهتماً بهم، هم لا يعصون الله فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون به، هم يحترمونهم ويسجدون لهم، سجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين. فهذه الأسئلة ليست على سبيل الاستفهام، إنما هي على سبيل إعزاز هؤلاء
الجالسين للذكر. قال: وكلهم يذكر؟ قالوا: لا يا رب. فلان ليس منهم لا يأتي كل أسبوع للذكر ولا كل يوم وهذا عابر سبيل فقط، جلس معهم فوجدهم أناساً طيبين يذكرون ربنا، قال: "فاشهدوا أني غفرت لعبادي"، قالوا: "وهذا رجل ليس منهم"، قال: "هم القوم لا يشقى جليسهم". يصبح إذن مجلس الذكر مكاناً، ولكنه مكان يستجاب فيه الدعاء إذا. رأيت نفسك قد جرك القدر ولطف الله بك إلى أن تكون في هذه الجلسة الطيبة جلسة الذكر استغل وجودك فيها في دعوة صالحة
فإن الله يستجيب لك فقد أكرمك ووفقك وسعى بك إلى جلسة الذكر من أجل أن يستجيب دعاءك فمجالس الذكر هي مجالس الصالحين ومجالس الذكر هي المجالس التي تكون مكانًا لاستجابة الدعاء دائمًا. الحلقة الثانية التي وجدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت حلقة علم، وحلقة العلم فيها طاعة لله، ولذلك ففيها استجابة للدعاء. كان الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني حوله ثلاثمائة طالب في جلسة
علمه، فكان أول ما يصنع أن يبدأ الدرس بالدعاء ثم بعد ذلك يدعو الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنهم السوء وأن يمنع عنهم الحسد. كان خائفاً على تلاميذه من الحسد لأن كل واحد من هؤلاء التلاميذ من الأئمة الكبار. لماذا يفعل أبو إسحاق هذا؟ لأن جلسة العلم هي في الحقيقة كجلسة القرآن وكجلسة الذكر، هي في الحقيقة جلسة عبادة ومكان. للعبادة إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.