فن الدعاء | حـ #14 | أماكن يلتمس فيها استجابة الدعاء جـ 2 | أ.د علي جمعة

فن الدعاء | حـ #14 | أماكن يلتمس فيها استجابة الدعاء جـ 2 | أ.د علي جمعة - فن الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع فن الدعاء، نحاول أن نبحث فيه عما أتاحته لنا الشريعة الغراء من كشف الأسرار ومن تلك الأنوار التي نطق بها الكتاب ودلتنا عليها السنة المشرفة المنيفة سنة سيدنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم تكلمنا على أن الدعاء كما أنه يصدر
من أشخاص مخلصة لله وعابدة لله فإنه أيضا ينتقى له أفضل الأزمان وكذلك أفضل الأماكن وعرفنا أن المكان المفضل هو بيوت الله، وهذا المكان المفضل من بيوت الله جعل الإمام البيضاوي رحمه الله تعالى يقول إن إلحاق أضرحة الأولياء والعلماء مثل مسجد الإمام الشافعي ومثل مسجد سيدنا الحسين ومثل هذه الأماكن الشريفة المباركة، إلحاقها به ليس من المنهي عنه؛ لأن المسجد مكان يُستجاب فيه الدعاء وهو مكان طيب. والنبي دلنا على أننا نقترب حتى
في وفاتنا من المكان الطيب، مكان يُستجاب فيه الدعاء. ولذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما توفي عثمان بن مظعون، وقيل إنه كان أخاً له في الرضاعة، قال: "ائتوني بصخرة أعلم بها قبر أخي"، وأدفن إليه. يعني إنه كان يراعي أن ضريح وقبر عثمان. بن مظعون رضي الله تعالى عنه وأرضاه إنما هو مكان يُدفن إليه غيره من أجل طيب هذا المكان. فالإمام البيضاوي وهو رجل يعرف اللغة ويعرف أن "اتخذوا قبور أنبيائهم وأوليائهم مساجد" معناه أنهم سجدوا لمن في القبر وعبدوا البشر، وأن
هذا هو المنهي عنه، وليس أن نضع الضريح بجوار. المسجد الذي هو مكان مبارك لاستجابة الدعاء، ولذلك نرى كثيراً من الناس وهم يذهبون إلى الأولياء يدعون الله سبحانه وتعالى باعتباره مكاناً مباركاً لأنه مسجد، يدعون الله سبحانه وتعالى متوسلين إليه بهؤلاء الأفاضل الأكابر الذين وفقهم الله سبحانه وتعالى لعلم شريعته كالإمام الشافعي، أو للجهاد في سبيل الله كسيدنا الحسين. سيد شباب أهل الجنة أو لأنه من العابدين الأتقياء الأنقياء المجاهدين في سبيل الله كالسيد أحمد البدوي فيدعو الله وليس يدعو الحسين ولا البدوي ولا الشافعي، يدعو الله في هذه الأماكن الشريفة لأنها
محل نظر الله سبحانه وتعالى، فهذه أماكن شريفة لا تُشد إليها الرحال لأنه لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحرم والمسجد النبوي وبيت المقدس شد الرحال معناها أن هذه الأماكن الصلاة فيها أفضل وأعلى من الصلاة في غيرها، لكن من ذهب يزور طنطا عند السيد البدوي فهو لا يريد المسجد لأن الصلاة فيه خير من الصلاة في مسجده أبداً، بل هو يريد الزيارة، هو يريد صلة الرحم. هو يريد أن يدعو الله سبحانه وتعالى، ولكن فضل مسجد البدوي مثل فضل مسجد
سيدنا الحسين مثل فضل أي مسجد كان. المساجد هي بيوت الله، ومن أجل هذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسعي إلى المساجد وبالصلاة في المساجد، وجعل صلاة الجماعة تعلو صلاة الفذ - صلاة الواحد لوحده. بخمس وعشرين درجة، كلمة "الدرجة" هذه يعني قد يكون ما بين السماء والأرض درجة. بخمس وعشرين درجة، تخيل أنك صليت الظهر منفرداً وأنك صليت الظهر في جماعة، وأن الفرق بينهما خمسة وعشرون ضعف ما بين الأرض والسماء. خير
كثير وعميم كشفه الله لنا، فهل نحن مصدقون لهذا الخير ولهذا الفضل؟ الله أعلم ولكن إن صدقنا كانت معنا كنوز من الأسرار وكانت معنا لآلئ من الأنوار نستطيع أن نهتدي بها في حياتنا وأن يستجيب الله أيضاً دعاءنا فوق هذا إكراماً لنا وتحقيقاً لموعده سبحانه وتعالى. إذاً فالمساجد هي بيوت الله. إذا انتقلنا إلى المدن باعتبارها مكاناً فعندنا ثلاث مدن، المدينة الأولى. هي القدس الشريف حررها الله سبحانه
وتعالى من البغاة ومن الطغاة وردها سالمة لأصحابها المسلمين العرب الذين أحسنوا إلى الناس أجمعين فلم يغلقوا في وجه أحد من العالمين هذا المكان المقدس الذي هو مدينة السلام والذي هو مبعث الأنبياء النبي في الإسراء والمعراج صلى بالناس في هذه الربوة المباركة التي بُنيَ عليها المسجد الأقصى، سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله. إذاً فهذه بركة مكان، بركة مكان جعلت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الصلاة في البيت المقدس بخمسمائة صلاة في غيره، وفي رواية بخمسين ألف صلاة. إذاً الكعبة فيها الصلاة. بمائة ألف صلاة المسجد النبوي بألف صلاة والقدس بخمسمائة صلاة، هذا هو المشهور. وفي روايات تجعل القدس بخمسين ألف صلاة فتكون تالية للكعبة المشرفة باعتبارها أنها كانت أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. مدينة القدس بحالها كيلومتر ونصف، كيلومتر ونصف مربع، يعني كيلومتر في نصف في خمسمائة متر، فهي مدينة.
صغيرة أنشأها وجدد صورها السلطان محمود من السلاطين العثمانية، هذه المدينة هي رمز كبير ولها مكانة في الشريعة ولها مكانة في استجابة الدعاء. يقول البوصيري ما يُتلى في المسجد الأقصى وفي الحرم، وكان الدعاء الذي في المسجد الأقصى هو دعاء مبارك مستجاب، ولو لم يستجب الله لدعاء المقادسة. ولولا أهل الله في القدس لاحتلتها إسرائيل منذ زمن بعيد، ولكن الله سلّم. نسأل الله السلام وتحرير هذه الأماكن المقدسة الشريفة حتى
تعود إلى أصحابها. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.