فن الدعاء | حـ #18 | صيغ الدعاء جـ1 | أ.د علي جمعة

فن الدعاء | حـ #18 | صيغ الدعاء جـ1 | أ.د علي جمعة - فن الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، ويا أخوال وأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة ولقاء متجدد مع فن الدعاء. طُفنا بكم في شروط الدعاء وفي آداب الدعاء. وفي الأشخاص الذين نسأل منهم الدعاء، وفي الزمان الذي نلتمس فيه الدعاء، وفي المكان الذي نترصد فيه الدعاء، وفي الأحوال التي نحرص على أن تكون من أحوال الدعاء، وذكرنا
كل هذا مسترشدين بما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خير، وهذه نسميها بكشف الأسرار، ونبهنا مرات. إنها ليست أسرارًا خافية على الناس، فهي متاحة لكل أحد في العالمين، ولكن لا يعرفها كثير من الناس لأنهم لا يهتمون بها. فهي كنز مخفي تحت أيدينا، قليل منا من يستعمله. الدعاء ورد في الكتاب المبارك، وورد في السنة المشرفة، وورد على ألسنة الصالحين والأئمة الكبار الذين رأوا أن الشريعة
عندما جاءت الشريعة تأمرنا بالدعاء وتأمرنا بالذكر، كان هذا الأمر على السعة وليس على التضييق. هناك أمور أمرنا الشرع أن نعبد الله بها وأن نتعبد هكذا، فلا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان. وهناك أمور أمرنا الشرع أن تكون نموذجاً يُحتذى به، كقوله تعالى: "وذكرهم بأيام الله"، وكقول النبي صلى الله وآله وسلم من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين، ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم الدين، ولذلك رأينا أن الذكر والثناء والدعاء حتى ولو لم يعلِّمه رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وما دام هو من الإسلام فإنه مقبول. عند الله حرص المسلمون على التماس دعاء الأكابر من الأولياء الذين تعلقت قلوبهم بالله فكانت من القلوب الضارعة المخلصة الواثقة العازمة الجادة المستحضرة لعظمة مولاها وانتفعوا كثيراً بمثل هذه الصياغات التي لم ترد في القرآن ولم ترد في السنة إلا أنها من القرآن والسنة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، يعني مردود عليه، لا نقبله. من أحدث
في أمرنا هذا ما ليس منه. فإن أحدثنا ما هو من الشريعة، والوضوء من الشريعة، فإذا توضأنا لكل صلاة كانت هذه سنة حسنة خيرة ومزيد من نور. على نورٍ جاء الشرع، ففرض علينا صلواتٍ، وسنَّ لنا رسولنا الكريم سنناً. فلنفرض أنني أريد أن أزيد من هذه الصلوات ومن تلك السنن، إذاً فهذا محمودٌ مطلوبٌ عند الله سبحانه وتعالى. نعم،
يجب عليك وقد عرفت شيئاً من فن الدعاء أن تعلم ما الذي ستقوله في هذا الدعاء، يجب عليك. أن تدرك أن الشريعة جاءت على السعة، فمن أراد أن يجعلك تلتزم ويبدع ويفسق ويخطئ كل ما لم يرد عن رسول الله، فهو المخطئ وهو المبتدع، لأنه ضيّق واسعاً. الشريعة قالت: سعة، فقال: لا، أضيّق. والتزم بما ورد عن رسول الله، يلتزم ذلك في نفسه لا بأس، وجد قلبه عندما. هو وارد عن سيد الخلق، لا بأس، لكنه يُلزِم بذلك الآخرين. لا، لأن
هدف العبادة والدعاء هو استحضار القلب، فإذا كان قلبك قد وجد نفسه في دعاء لم يرد. "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا"، هذا دعاء جامع لكنه لم يرد، فإذا لم يرد فهل يكون من... البدعة أن نذكره وندعو به دائماً لأنه من الشريعة، أكَّد هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما وجد بلالاً فسأله: "ما بالك يا بلال؟ أراك في المنام وخشخشتك تسبقني في الجنة، فبماذا نلت هذا؟" قال بلال: "لا أدري يا رسول الله إلا أنني... نعم تذكرت..." إنني كلما توضأت صليت ركعتين. رسول الله لم يأمر بلالاً أن يصلي ركعتين
عند كل وضوء. بلال وجد أن الصلاة من الدين وأن الوضوء من الدين فجمع بينهما فأنشأ صيغة أخرى لم تكن من قبل. فإذا كان الأمر كذلك فهي ليست بدعة بل تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم. من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين. رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيرفع أحدهم ممن خلفه رأسه من الركوع فيقول قولاً لم يسمعه رسول الله ولم يعلمه إياه، فيجد ثلاثين ملكاً وأكثر يبتدرونها أيهم يصعد بها أولاً إلى السماء. يتنافسون مع بعضهم أيهم. أسرع لأن الملائكة فرحوا،
ففرحت الملائكة، فهي تعرف البدعة وتعرف الأحكام بإذن ربهم، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. فبعد أن انتهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة التفت فقال: "من الذي قال ما قال حينما رفع من الركوع؟" خاف الرجل أن يكون قد قال شيئاً لأنه لم يسمعه من رسول الله ولم يتعلمه، قال: "مِمَن؟" فإنه لم يقل إلا خيراً. قال: "أنا يا رسول الله". (فقال:) "دام خير، إذاً أنا". قال: "رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيُّهم يصعد بها إلى السماء. ماذا قلت؟" قال: "قلت: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً طاهراً مباركاً
فيه ملء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء. هذا إيمان قلب متعلق بالله. وفي حديث جابر وهو يصف حال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، وكان الناس يلبون بما تسمعون. كان النبي تلبيته: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". بعض... كان الصحابة يلبّون تلبيةً أخرى فكان يتركهم ما لم يكن فيها شرك. سمع أعرابياً يقول: "إلا شريكاً هو لك، تملكه وما يملكك". أي أنه كان يعظّم ربنا قائلاً: أنت يا ربنا تملك هذا الصنم لكنه لا يملكك. فقال له: "ويحك يا رجل"، وعلّمه كيف يوحّد الله وكيف يخلص، فأنكر عليه. ما هو خطأ،
ولكن كان من الصحابة من يقول: "لبيك حقاً لبيك تعبداً ورِقَّاً"، فكان يتركه. فالدعاء في الساعة نأخذ فيه من كتاب الله ومن سنة رسول الله ومن دعاء الصالحين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله