فن الدعاء | حـ #19 | صيغ الدعاء جـ2 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد من فن الدعاء. فن الدعاء كما قلنا يحتاج إلى ما يسمى بالقلوب الضارعة. وسبق أن ذكرنا أركان هذه الضراعة إخلاص التوحيد والدين والعبادة والتوجه والطاعة والعمل لله رب العالمين واستحضار القلب حتى لا يذكر اللسان وحده فذكر اللسان مقبول وذكر القلب وحده مقبول
وذكر القلب مع استحضار اللسان وذكر اللسان مع استحضار القلب هو الغاية التي نريد أن نصل إليها والعزم لا تقل إن شئت يا ربنا فافعل وإن لم تشأ فيعني الأمر لك، ليس هكذا يخاطب الإله القادر القوي، بل اعزم المسألة واطلب فإنك تطلب من كريم. هذه الأشياء كلها قلنا إنها قد نتعلمها من الكتاب، وقد نتعلمها من السنة المباركة، وقد نتعلمها من الصالحين الذين استجابوا لرسول الله صلى الله عليه. وسلم ماذا قال قال لا يزال لسانك رطباً بذكر الله. ألسنتهم
ذكرت الله كثيراً، وترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كنوع من أنواع الدعاء أذكاراً كثيرة حتى نلهج بها لله رب العالمين. ترك لنا ما أسماه العلماء بالكلمات العشر الطيبة: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله. الله أكبر لا حول ولا قوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون أستغفر الله حسبنا الله ونعم الوكيل توكلت على الله اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله عشر كلمات نعمل بذكرها وفي الحديث من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته
أحسن ما أعطي السائلين وهو ما قدمناه من أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء سؤال، وأنه ينبغي لك وأنت تدعو أن تجعل الاثنين معًا، أن يكون السؤال والدعاء وجهين لعملة واحدة، فتثاب وأيضًا تُعطى من عند الله سبحانه وتعالى. وذكرنا فيما سبق أن من فن الدعاء أن تقدم بذكر الله، وتقدم بشكر الله، وتقدم بالصلاة على النبي صلى الله. عليه وسلم، أما ذكر الله فيتحقق بالبسملة، وذلك كما يقول المؤلفون المصنفون، وذلك تقليداً للكتاب العزيز الذي بدأ
بهذه الكلمة الجميلة الجليلة "بسم الله الرحمن الرحيم". فترى المؤلفين وترى الخطباء وترى الناس وهم يتكلمون يبدؤون بالبسملة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال له أهمية". لا يبدأ بذكر الله فهو أبتر، وفي رواية أخرى: "بالحمد لله فهو أبتر"، وفي رواية ثالثة: "ببسم الله فهو أبتر". فنحن أمامنا ذِكْرُ الله يشمل البسملة والحمدله وأمامنا "بسم الله" و"الحمد لله" تشمل تقليد الكتاب المبارك فيما بدأ فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين". إذاً
لو... عند تأملنا في كتاب الله نجد البسملة الحمدله لله بعد ذلك، إذاً فهذه هي التي ندعو بها الله: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، يا قدوس. يا... معناها أنك تدعو الله حتى لو لم تذكر بعده شيئاً، يعني: يا الله... نعم، ماذا تريد؟ كل شيء، يا رحمن. ماذا تريد الرحمة يا عفو؟ ماذا تريد العفو يا غفور؟ ومن هنا جاء كلام الناس: تخلقوا بأخلاق الله، اطلبوا من الله سبحانه وتعالى المعونة بأسمائه الحسنى، ولله الأسماء
الحسنى فادعوه بها. ذكرنا أن الأخذ بكلام الصالحين مقبول وليس ببدعة لأنه من الدين، وليس خارجاً عن نطاق الأوامر والنواهي التي أمر. الله بها عبيده ورسوله، كذلك من دعاء الصالحين: "اللهم نوِّر قلوبنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر غيوبنا، وسهِّل أمورنا". مثلاً، فالترتيب هذا يعني سهل على اللسان مفهوم، تجد قلبك عنده. ثم إنك إذا تركت نفسك لنفسك لا تستطيع أن تصوغ
هذه العبارات. السجع من مكروهات الدعاء أن تتكلف، يعني لو... واحد جالس يؤلف دعاءً فأراد أن يكون على الراء مثل هذا الذي ذكرناه، فيكون هذا التكلف مكروهاً. ولكن هذا الدعاء الذي ورد على ألسنة الأكابر: "اللهم نوِّر قلوبنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا"، أي راء وراء وراء، وجاءت هنا النون ألف. كذلك لو الإنسان تعمد هذا، يعني اهتم باللفظ. دون المعنى لكان مكروهاً، فما ذُكِرَ أن السجع في الدعاء مكروه هو لمن تكلَّفه، لابد
أن تقول: لمن تكلَّفه. أمَّا غير المتكلِّف مثل هذا الدعاء الذي يلهج به الناس: "اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن عينٍ لا تدمع، ومن بطنٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ". لا يسمع، ومن جسد لا يُشفى، أو خرج عن حد السجع هو ومن دعاء ومن جسد لا لا لا يُشفى، فهذا لو تكلفنا في إنشاء مثل هذا السجع لكان مكروهاً، أما لو سمعناه فحفظناه
فوجدنا قلوبنا عنده ومعه، لكان هذا أولى لأن السجع فيه أيضاً فيه نظم، وهذا النظم يُحبه. الإنسان تجد الطفل عندما يسمع النغم المرتب فإنه يهتز له ويطرب له، هذا الطرب وهذا الاهتزاز إنما لأن الفطرة البشرية تحب هذه الرتابة وهذا النظم وهذا الترتيب الذي هو داخل السجع، فالسجع مكروه تكلفه، ويجب علينا أن نمرر هذه الأدعية التي نجد قلبنا عندها.
إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام. عليكم ورحمة الله وبركاته