فن الدعاء | حـ #22 | أدعية القرآن الكريم جـ 2 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد من فن الدعاء. قلنا إنه إذا أردنا أن نستوعب فن الدعاء فيجب علينا أن نرجع إلى كتاب الله نتدبره نتأمله نرى ما فيه من أدعية ونغوص فيها في مراد الله منا، فنجد دعاءً من أدعية القرآن: "ربنا تقبل منا". تقبل منا، إذاً
فالدعاء بقبول الأعمال، لأن "قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا". أناس... القاعدة أن الحسنات يذهبن السيئات، هؤلاء أناس يعملون أعمالاً، أولئك حبطت أعمالهم، يعني بالعكس السيئات هي التي تؤدي بالحسنات وتذهب بها. في حالتهم غضب من عند الله. إذاً، فالعلاقة بينك وبين الله تبدأ بـ "ربنا تقبل منا وتب علينا"،
"وتاب الله عليهم ليتوبوا". فالله عندما يأذن بالتوبة ويقبل التوبة يوفق لو... لم يقبل التوبة سيخذلك سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين. فأول ما تسأل فيه ربك اسأله التوبة. ثانياً: لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. سل الله سبحانه وتعالى المعونة، اهدنا الصراط المستقيم، فالمعونة تسجلها. لأن تكون دائمًا في دعائك حتى يكون قلبك معلقًا بالآخرة، إذا
أردت شفاء ابنك أو نجاحه أو تقدمه أو أن تستقيم حياته الأسرية مع زوجته ومع أبنائه، فأولًا ادع الله أن يقبل دعاءك، ادع الله أن يتوب عليك، ادع الله أن يصلح حالك، ادع الله بالعفو وبالمغفرة، وادع الله سبحانه. وتعالى إلا يدخلك في هذا الاختبار، كما كان سيدنا عيسى فيما أورده الإمام الغزالي في الإحياء يقول: "اللهم لا تدخلنا في تجربة"، يعني في امتحان، في ابتلاء. الله من حقه أن يختبر عباده وأن يبتليهم، ولكننا ضعفاء، متى نلاقي الأهوال ننهزم، مسلمين بضعفنا. فإظهار الضعف لله من مهمات الدعاء. لا
تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا. العفو غير الغفران؛ الغفران يكون في مقابلة ذنب، فإن الله يغفر فلا يحتسبه، يغفر فلا يحاسب عليه، يغفر فلا يرتب عليه عذاباً وعقاباً. أما العفو فهو الترك التام. ذكرنا أن العفو معناه الترك التام أو الإزالة التامة في المقابل، ولذلك هذا. نوع
من أنواع المصادر ومن أنواع الأفعال أيضًا في اللغة العربية يُسمّى بالأضداد، والأضداد معناها أن الكلمة الواحدة تعني شيئًا وتعني ضدّه. سمّت العرب المريض سليمًا، فأصبحت "سليم" من الأضداد لأنها تُطلق على الشخص المريض وتُطلق على الشخص الصحيح، فتُسمّى هذه الظاهرة في اللغة كلمة واحدة نعني بها هذا ونعني. هذا معناها من الأضداد، فـ"عفا" من الأضداد. "عفت الديار" يعني لم يبق لها أي أثر، أي أثر لم يعد. "اعفوا اللحى" يعني اتركوها فلا تحلقوها.
فهناك فرق بين "عفا" التي بمعنى أزال، و"عفا" التي بمعنى ترك تركاً تاماً. فماذا يعني عفو الله الذي نسأله في دعائنا معناه؟ أن يزيل عنا الآثام والعقاب والمعاصي إزالة تامة، وأيضاً يترك لنا الطاعات ويترك لنا الثواب ويترك لنا الخير تركاً تاماً. فهذا معنى أنك عفو تحب العفو، تحب العفو من جهة إزالة الآثام والمغفرة، وتحب
العفو من جهة العطاء، تحب هذا وتحب هذا، فنحن نطلب منك الاثنين: الإزالة التامة لآثامنا. والترك التام لطاعاتنا والخير الذي يأتي منك يا رب العالمين، وحينئذ يصح أن الحسنات يذهبن السيئات إذهاباً تاماً، وأن لا يبقى معنا إلا الحسنات. العفو كلمة دقيقة لأنها تشمل الاتجاهين السلبي والإيجابي، الإزالة والترك. علّمنا القرآن أن نسأل الله سبحانه وتعالى: "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا".
ويأتي هنا الختام بالمديح بمدح الله سبحانه وتعالى، الختام بالثناء على الله. إذاً، فاشتمال الدعاء على البسملة والحمدلة والثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو من نظم القرآن، من تعليم القرآن، من توجيه القرآن. "وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم"، أيضاً هو يعني أنه يطلب منه ثم... يصفونه بصفاته العليا كنوع من أنواع الدعاء الذي يحول السؤال إلى عبادة، والطلب الذي يحول السؤال والرجاء والخوف يحولها
إلى عبادة. إذاً هذا حال المتأمل في بعض أدعية القرآن. نريد منك أن تذهب إلى القرآن فتستخرج منه تلك الأدعية وتستخرج منه هذه الفرائض وتتأمل. أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. نريد التدبر والتأمل والتعلم من آيات الله سبحانه وتعالى، لأن هذا سوف يرقق القلوب وسوف يجعل الإنسان أكثر استجابة للدعاء. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.