فن الدعاء | حـ #24 | أحوال استجابة الدعاء | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع فن الدعاء. كما ذكرنا أن الإنسان ينبغي له أن يُخرج لنفسه ما يجد قلبه عنده من دعاء الكتاب والسنة والأولياء الصالحين وإلا يضيق على نفسه في أمر لا يجد قلبه فيه. نريد أن نتعلم كيف نخاطب ربنا وكيف نتكلم معه لأن معرفة كيف نتكلم مع الله تجعل الدعاء أقرب
للاستجابة. كثير من الناس يريد أن ينفذ ما يراه هو ولكن الدعاء الذي هو سؤال وعبادة في نفس الوقت كما ذكرنا مراراً، لا يحتاج منك إلى استعجال، فإن الدعاء خير على كل حال. الدعاء إما أن يستجيب الله له فوراً، وإما أن يؤخره الله عنك، وإما أن يدخره الله لك. إذاً هناك ثلاث حالات: الاستجابة والتأخير والادخار.
الاستجابة: طلبت من الله أن يفعل. شيئاً فرأى الله سبحانه وتعالى أن هذا الشيء الآن خير لك فاستجاب الله لك. التمستَ الزمن المبارك في يوم الجمعة في دبر كل صلاة في ثلث الليل الأخير، توضأتَ، استقبلتَ القبلة، لبستَ الطاهرة من الثياب، ذكرتَ، قدمتَ الخير، فعلتَ ما أرشدك الله إليه ودعوتَ فاستجاب الله لك. استُجيب الدعاء تؤديه. إلى قوة
الإيمان خاصة إذا تكرر هذا الدعاء وتكررت تلك الاستجابة. النبي صلى الله عليه وسلم دعا لسعد بن أبي وقاص أن يكون مستجاب الدعاء، فهناك من ظلمه فرفع سعد مظلمته إلى ربنا سبحانه وتعالى فإذا بالرجل قد عمي لأن سعدًا كان مستجاب الدعاء، وسبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فأصبح مستجاب الدعاء، ومن هنا لما فجر هذا الإنسان
وانحرف عن الجادة، وظلم سعداً هذا الظلم البيّن الذي فيه انتهاك للأعراض وتهمة من غير مبرر، وكل هذا الشر الذي كان قد خرج منه، شكاه سعدٌ لربنا سبحانه وتعالى فاستجاب. فهذا هو حال الاستجابة، لكن قد يكون... استجابة الدعاء الفورية هكذا قد تضرك، وهنا يحدث الادخار. نعم، الحالة الثانية هي الادخار، وذلك من لطف الله بنا. فلو
أن الله سبحانه وتعالى استجاب في أول مرة فوراً كما هو شأن حالة الاستجابة، لكان هذا عقوبة لنا، ولكان هذا ضرراً علينا، ولكان هذا نتمنى لو أننا لم نقله ولم ندعوه يا رب آتني بإنسان طيب نقي وما إلى ذلك، وهو يعلم أن هذه الاستجابة الفورية سوف تأتي للفتاة برجل دميم لا ترغب فيه ولا تريده. تخيل أنه لو استجاب الله، ستتكفل الفتاة حينئذ أنها لا تريد هذا الإنسان، ولكنها دعت الله
سبحانه وتعالى وعاهدته فيما بينها وبين الله سبحانه وتعالى. حينئذ يعني ميثاق يا رب ارزقني بالصالح وهذا هو الصالح. دُعينا اليوم للعشاء، جاء الرجل في اليوم التالي فقلنا: لا، لا نريده. لماذا لا نريده؟ لأنه أقل منا في مستواه الاجتماعي، أو لأنه دميم الخِلقة، أو لأن طريقته في المعيشة لا تتواءم مع طريقتنا. ولذلك نبّه النبي إلى هذا وقال: إذا... أتاكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير. يترتب على هذا شجارٌ ونزاعٌ بين الناس وفي صدورهم، ويترتب على هذا نقضٌ
لميثاق الله سبحانه وتعالى. أما لو أنني دعوت: يا رب زوجني، فتأخرت الإجابة لأن الله أجّلها لمصلحتك، ثم بعد ذلك بعد الدعاء. مرةً والثانية والثالثة ونحن نقول إن الدعاء يحتاج إلى إلحاح في الدعاء وتكرار للدعاء، فلما كان الأمر كذلك فإن هذا التأخير لأنه سيرزقك ولكن مؤخراً. الحالة الثالثة هي حالة الادخار وهي أننا سنعيش في هذه الحياة الدنيا ونموت ولم
يُستجب دعاؤنا في هذا الشأن. لا تتبرم، فهذه الحياة الدنيا كلها. كما حسبناها ثلاث دقائق فلا تتضجر لأنه لا بد لك من أن تعرف أن هذه الحياة الدنيا جزء من الحياة وليست هي كل الحياة، وأن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية لو كانوا يعلمون، وأن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية مفتاح للرضا والتسليم والتوكل، وأن الخير فيما اختاره الله من ناحية، ومن ناحية أخرى. نعود إلى ربنا فينبئنا بما كنا نعمل وينبئنا بما كنا فيه نختلف، ونعود إلى ربنا ونقلب إلى ربنا فنجد
خيراً من هذه الحياة الدنيا بالآلاف المرات بل وملايينها، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وحينئذٍ سنتمنى ونقول لربنا يوم القيامة: يا رب لماذا؟ لم تؤخر لنا استجابة الدعاء كلها حتى نتمتع بهذا النعيم المقيم الخالد الأبدي الذي لا نهاية له. في هذا الحال سنكون نعرف الحقيقة، فهذه حالات الدعاء: إما الاستجابة وإما التأجيل وإما الادخار، لكنها تحتاج منا إلى التسليم والرضا والتوكل. إلى
لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله. وبركاته