فن الدعاء | حلقة #1 | المقدمة | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في لقائنا هذا نعيش مع فن الدعاء، فن الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى حتى يكون دعاءً مستجاباً وحتى يكون في نفس الوقت عبادة خالصة واثقة بالله سبحانه وتعالى، كيف نحول دعاءنا إلى عبادة وكيف نجعل دعاءنا مقبولاً عند الله مرضياً منه سبحانه.
علمنا الله ورسوله أسراراً كثيرة حول فن الدعاء، لكل صنعة سر والدعاء له سر، والسر ليس معناه ألا يعلمه أحد، ولكن السر يختص به أهله، والمسلمون والحمد لله. رب العالمين عرفوا أسرارًا كثيرة كتبوها في كتبهم وأشاعوها في الأرض كلها وعلّموها من أراد أن يتعلم منهم إلى أن وصلنا إلى العصر الحديث وحدث ما حدث فيه من فتن وحدث ما حدث فيه من رغبة جامحة لبني
البشر أن يستغلوا إخوانهم البشر وأن يستعمروهم وأن يأكلوا خيراتهم وأن يظلموهم وأن يشوهوا فيما شوهوا الدين كله خاصة دين الإسلام، أصبحت هذه الأسرار مكتوبة في الكتب ولكن يُحرم منها أغلب البشر، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين. في هذا اللقاء سنعيش سوياً نبحث عما علّمنا الله ورسوله حول أسرار هذا الفن، فن الدعاء، هذه الصناعة، كيف تكون عابداً لله مخلصاً لله واثقاً.
بالله متوكلاً على الله، ما آداب الدعاء وما شروط الدعاء وما أحوال الدعاء وما أوقات الدعاء وما أماكن الدعاء وما أشخاص الدعاء في أمور ستتضح معنا في لقاء يومي، ندعو الله سبحانه وتعالى فيه أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن ينقلنا من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه، وأن يفتح. علينا فتوح العارفين به وأن يمن علينا بالسلوك إليه في طريقه غير ملتفتين لسواه فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل. الدعاء في دين الله يؤول
بأمرين: الأمر الأول هو السؤال، والأمر الثاني هو العبادة. فعندما يقول ربنا سبحانه وتعالى لا تدعو. مع الله أحداً معناها لا تعبدوا مع الله أحداً، وعندما يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، يمكن أن نجعلها للسؤال ويمكن أن نجعلها للعبادة لقوله تعالى في ذات الآية: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين". يقول ربنا سبحانه وتعالى بالإضافة
إلى ما تقدم: "وقال ربكم". ادعوني استجب لكم، يقول أبو هريرة: "الدعاء هو العبادة"، يرفع هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان بعض الناس يروي أيضاً: "الدعاء مخ العبادة". فأبو هريرة يعلمنا علماً جديداً بأن الدعاء هو العبادة، ويقول: "إن لم تصدقوني فاقرؤوا قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون}". عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين
فكأنه يستدل بالآية على أن الله سبحانه وتعالى عدّ الدعاء من العبادة، والدعاء مخ العبادة يعني أعلى ما فيها، لأن فيه اعترافاً من الإنسان بعبوديته لله سبحانه وتعالى. وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، يعني إذا سألني فليستجيبوا لي وليؤمنوا. فبين شروط استجابة ربنا سبحانه وتعالى أن نؤمن به أولاً عندما يكون الأمر. فإذا آمنا به فقد حررنا القضية الكبرى لهذا الكون وأجبنا عن كل الأسئلة
التي تشغل بال الإنسان. ومن هنا ستأتي قضية القلوب الضارعة، وما القلوب الضارعة، وما معنى هذه الضراعة، وكيف نحققها في أنفسنا. هذا ابتداءً يجعلنا نفهم أن الدعاء منه ما هو سؤال ومنه ما هو عبادة ومنه ما هو سؤال وعبادة معاً، ويجوز حمل ما ورد في هذه الآيات على السؤال وعلى العبادة وعلى السؤال مع العبادة. نعم، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. ربنا سبحانه وتعالى أعطانا سراً
من أسرار الدعاء وأنزل في كتابه أسماء. هي في حقيقتها صفات له يمكن أن تناجيه وأن تناديه بها، المناجاة بينك وبينه في السر، والمناداة بصوت يسمعه الناس. فنحن ننادي ربنا عندما نؤذن للصلاة: "الله أكبر، الله أكبر" إلى آخر الأذان، ونحن نناجي ربنا عندما نرفع أيدينا إلى السماء ونسأله الرزق والقوة والمغفرة والرحمة والدنيا والآخرة: "ربنا آتنا". في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار. لا نقتصر على الدنيا وأحوالها فقط فنكون كعبد السوء، ولكننا نسأل ربنا سبحانه وتعالى، وفي ذات السؤال نوع من العبادة. هذا هو السر الأول أن العبادة تنقسم إلى سؤال، وإلى أن الدعاء ينقسم إلى سؤال وإلى عبادة وإلى ما يجمع. بين السؤال والعبادة، إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.