فن الدعاء | حلقة #2 | شروط استجابة الدعاء | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع فن الدعاء، كيف يدعو المؤمن، وكيف يحول دعاءه إلى عبادة، وكيف يسأل. الله سبحانه وتعالى حتى يستجيب له، هذا هو ما نحاول أن نكشف عن سره الذي أتاحه وأباحه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. نص
العلماء منهم الإمام الغزالي أن من شروط الدعاء المستجاب الإخلاص، والإخلاص معناه أن نتوجه إلى الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو. كره الكافرون الإخلاص معناه ألا نسأل غير الله، لأن الله هو القوي، ولأن الله هو الواسع، ولأن الله هو المحيي، ولأن الله هو المميت، ولأن الله هو الرزاق، ولأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ولأن الله بكل
شيء عليم. كيف وهذا شأنه وأمره إنما يكون إذا أراد شيئًا. أن يقول له كن فيكون، كيف وهو فعَّال لما يريد، كيف وهو الرحمن الرحيم؟ نسأل غيره؟ إن السؤال بتغيير الأحوال، والسؤال بالرزق، بالشفاء، بالمغفرة، بالاجتباء والرضا له سبحانه وتعالى أمر محتم، أمر لا بد أن تنشرح له الصدور مخلصين له الدين، أي الدين لله وحده، فلا تدعوا مع الله أحداً. لا ندعو مع الله أي
إنسان أو أي شيء في الأكوان، لا جن ولا ملك ولا إنسان ولا أي كائنات من الكائنات التي خلقها الله سبحانه وتعالى. فأول شرط من شروط القلوب الضارعة الإخلاص. كثير من الناس يقول: ما معنى الضراعة؟ الضراعة هي التوجه والسؤال والطلب والرجاء والخوف، وكل هذا فيه. ضراعة، ما أركان الضراعة؟ هذه الضراعة مكونة أولاً من الإخلاص، ثانياً بالإضافة إلى الإخلاص وتوحيد الله لا بد عليك أن تثق ثقة كبيرة
بأن الله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه رحمن رحيم، ولذلك فهذه الثقة كلما ازدادت في نفسك حتى تصل إلى أن تثق بما عند الله أكثر مما تثق بما في يدك، إذا وصلنا إلى هذه الدرجة كنا أقرب تحقيقًا للقلوب الضارعة. قلب ضارع فيه تسليم، فيه توكل على الله بمعنى الثقة بالله. الشرط الثالث هو استحضار القلب، يمكن
أن ينطق اللسان بالدعاء يوم الجمعة، يدعو الخطيب فنقول آمين من غير استحضار لما في. قلوبنا إذا تحقق لنا الحضور حضور القلب وتحقق لنا الثقة فيما عند الله وتحقق لنا الإخلاص فينبغي من شروط ومن آداب الدعاء أيضا ومن أركان الضراعة العزم في الدعاء. إياك أن تظن أنك تطلب من أخيك شيئا أو أن تطلب ممن هو ند لك شيئا، أنت تطلب من رب العالمين. ممن خلقك فسواك فأحسن إليك،
ممن بيده الموت والحياة، أنت تطلب من الملك العزيز سبحانه وتعالى، أنت لا تطلب من إنسان يمنعك أو يعطيك، أنت تطلب من كريم. ولذلك بعض الناس ينتابهم شعور بالحياء فيقول مثلاً: "اللهم يا ربنا إن شئت"، يعني إن شئت، وإذا لم تشأ فيعني بلا حاجة. شئت افعل لي كذا، لا علمنا رسول الله سراً في هذا المقام وهو ألا نقول إن شئت هذه، بل نطلب منه ونلح في الطلب، فالعزم ليس
فيه تردد لأننا نعلم أن ما في يد الله إنما هو ملك السماوات والأرض وما فوقهما وما تحتهما وما قبلهما وما بعدهما كثير من. الناس يعتقدون بثنائية عجيبة يشعرون بها وهو أنهم في طرف وربنا سبحانه وتعالى في طرف مقابل لهم، لا، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار سبحانه وتعالى، يعني الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، هذه الكلمات أساس، نرى بعض الناس وهو متبرم. بقضاء الله فيه يعني
لماذا يا رب هكذا؟ من أين وكيف استطاع هذا الإنسان أن ينطق بهذا الكلام وأن يهرف بما لا يعرف؟ لأنه يظن أنه في مقابلة مع الله، فهو غاضب من ربنا، أي كأن الله سبحانه وتعالى قابل لحساب هذا الإنسان الضعيف، قابل لقبوله ورفضه، وهنا لو أراد... هذا أن يدعو الله سبحانه وتعالى، نراه يدعو من غير استيفاء هذه الشروط الأربعة التي نص عليها الغزالي: مخلصين له الدين، وحضور القلب، والعزم في الدعاء، والثقة
بما عند الله سبحانه وتعالى. هي أركان القلب الضارع، هي تفسير القلوب الضارعة، ضارعة إلى ربها، يعني تسأله ولا تسأل سواه، يعني أنها... تثق فيه ثقة تامة غير منقوصة، يعني أنها تستحضر قلبها فلا تدعوه بلسانها وهي تفكر في الشرق والغرب، يعني أنه يعزم الأمر مع الله سبحانه وتعالى. هذه هي القلوب الضارعة إلى لقاء آخر. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.