فن الدعاء | حلقة #5 | آداب وأسرار الدعاء جـ 3 | أ.د علي جمعة

فن الدعاء | حلقة #5 | آداب وأسرار الدعاء جـ 3 | أ.د علي جمعة - فن الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد مع فن الدعاء. كثير من الناس يسأل عن الدعاء المستجاب من الآداب التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع اليدين في الدعاء. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه، والإبط الذي نسميه الإبط فهو بالتسكين والحركة. بياض إبطيه
صلى الله عليه وآله وسلم. وكان يقول إن الله أكرم من أن يمد عبد. إليه يديه فيرجعهما صفر اليدين، فكان هذا يعني فن صنع في خطاب الله سبحانه وتعالى أن نمد أيدينا جهة السماء في مقابلة وجوهنا أو نرفعها هذا الرفع الكبير. فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة في الاستسقاء وفي غير الاستسقاء، وأيضاً تلقاء الوجه يعني في مقابلة. نمد أيدينا مد اليد يجعل الله سبحانه وتعالى يتكرم عليك ويعطيك ويستجيب لك.
شيء بسيط ولكنه سر كثير جداً من البشر يعرفون هذا السر. موجود في ديانات كثيرة رفع اليدين إلى السماء. السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة. يعني عندما نحب أن نصلي إلى أين نتوجه؟ وجهك شطر المسجد الحرام. طبعاً عندما ندعو، إلى أين نتجه؟ يعني هل نوجه أيدينا إلى الأرض مثلاً؟ لو أمرنا الله بذلك لفعلنا، لأنه يكون سراً للاستجابة، لكنه علَّمنا عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم بمد اليدين في الصلاة إلى السماء.
أيضاً ورد الإشارة بالإصبع الواحد، يشير بإصبعه هكذا رأى سعد. وهو يشير بإصبعين فقال: أحد أحد، يعني أن ربنا واحد. تفعل هكذا إشارة إلى ماذا؟ ولذلك ترى المسلمين عندما يرون جنازة - كان رسول الله إذا رأى جنازة قام - فمرة قالوا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي. اعتقدوا أن القيام يكون مرتبطاً بجنازة المسلم، قال: أليست نفساً؟ يعني هي نفس. خرجت من هذا بنيان الرب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإنسان بنيان الرب، ملعون من هدم". فالموت قال فيه ربنا: "فأصابتكم مصيبة الموت"، لأنها تغير الخصائص والوظائف
والمراكز القانونية للناس، وملكه يتحول إلى ميراث لآخرين. إذاً، فهذا الحال، الله سبحانه وتعالى جعل مد اليدين إلى السماء أو... الإشارة فكان المسلمون عندما يرون جنازة يشيرون بأيديهم هكذا يعني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، يتذكرون بالموت قضية الإنسان الكبرى: من أين جئنا؟ ماذا نفعل هنا؟ ماذا سيكون غدًا؟ فيتذكرون أن هذه الدنيا فانية وأنها قليلة وأنها "كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يومًا أو بعض". يوم فسأل العادين فيرفعون إصبعهم هكذا. من أسرار هذه الصنعة،
صنعة الدعاء أيضاً، نحو رفع اليدين وعدم التعدي في الكلام. يعني عندما يدعو أحدهم فيقول: "يا رب ارزقني خمسة وخمسين ألف جنيه"، يعدّه الأولياء والأتقياء أنه نوع من أنواع التألي على الله سبحانه وتعالى. انظر الفرق بين هذا وبين... اللهم سد الدين أو بين هذا وبين اللهم ارزقني رزقاً واسعاً. لماذا تُضيّق؟ لماذا تحدد كثيراً هكذا؟ ولذلك هذه التفاصيل الدنيوية، يعني
كان الأنبياء علمونا أن نسأل الله في الجليل وفي القليل، فكان موسى يسأل الله في ملح طعامه، يعني نقص ملح في الطعام فيقول: يا رب ارزقني. الملح في الطعام لكن ليس ارزقني عبوة ملح من الشركة الفلانية، أو كان رسول الله يدعو حتى في شسع نعله، يعني عندما يتقطع سير النعل الخاص به صلى الله عليه وسلم، يقوم بدعاء الله سبحانه وتعالى أن يرأب الصدع أو أن يصلح ما فسد، لكن هذا التدقيق يعني... إذا كان هناك فرق كبير بين التعدي في
الدعاء والتعدي في الدعاء يتم بتفاصيل ليس لها لزوم، وبين أننا ندعو الله سبحانه وتعالى في القليل وفي الكثير. يعني شخص أصابه صداع فيقول: "يا رب اشفني"، لا يحدث شيء سيء بذلك. فشخص يؤلمه صداعه فيقول: "يا رب اشفني، اللهم اشفني"، نعم، فيكون... هذا جميل، إذ يوجد فرق كبير بين الجليل والقليل، وفرق كبير بين التعدي في الدعاء بأن تدعو الله سبحانه وتعالى بطريقة تخرجك عن الأدب وتصل بك إلى التفاصيل التي لا لزوم لها. من أسرار الدعاء أيضاً ألا تدعو بظلم، يعني كل ما
نقوله: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم... أدخلني الجنة، اللهم اغفر لي ولوالدَيَّ، اللهم انقلني من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، اللهم اشرح صدري، اللهم ارزقني، اللهم أحيني، اللهم أنجح مقاصدي، اللهم أنجح سعيي، اللهم وفق، اللهم استر، وهكذا. ولكن الدعاء بالظلم كأن تدعو على إنسان آخر، هذا ليس من آداب الدعاء. الدعاء يكون بالخير ولا يكون بالشر. دعاء الشر دعاء مستهجن، وهناك أناس يستخدمون كل أساليب
الدعاء ثم يدعون بالشر. فالنبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن هذا، ونهانا حتى أن يدعو أحدنا على نفسه فيقول: "اللهم أمتني"، فإنه لا يدري هل الحياة خير له لزيادة الأعمال الصالحة، أو الموت خير له، لأنه من الممكن أن يموت فيُحرم من غفران من. مغفرة من خطيئة ارتكبها سيُحاسب عليها، ولذلك ينبغي علينا ألا ندعو بظلم. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.