قضايا أصولية | أكاديمية الأوقاف الدولية | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في مصر ونرجو لكم أن تكونوا قد أقمتم إقامة سعيدة فيما أقمتم وسعيدة فيما يأتي من الأيام ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا يوم القيامة وأن ينفع به وأن
ننتفع به اللهم آمين. في هذا اللقاء نتحدث عن أصول الفقه، وأصول الفقه أمر ظهر في كلام الصحابة الأخيار وفي طريقة استنباطهم وفيما رووه عن سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف فُهِمَ منه مراد الله ثم مراده حتى أتى
الإمام الشافعي وقد انتقل. إلى رحمة الله تعالى في القرن الثالث من الهجرة مائتين وأربعة وصاغ هذا الذي كان مبثوثاً في كلام الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المتبوعين من أهل المذاهب الكبيرة من أهل الاجتهاد، صاغه وأبرزه في صورة تعريفات وقواعد وأحكام وجُمَل مفيدة وقضايا ومسائل، فأنشأ كتاب الرسالة، ثم بعد ذلك بدأ العلماء في خدمة هذا الصنف
من التفكير وهو التفكير الذي يصوب منهج التعامل مع النصوص، وتعمقوا في ذلك كثيراً حتى أصبح منهجاً للتعامل مع كل مكتوب سواء أكان من النصوص المقدسة (القرآن والسنة) أو من النصوص البشرية الاجتهادية أو حتى في كلام الناس مما جرى بينهم من العقود والمعاملات والتطبيقات، وجعلوا أصول... الفقه حاكماً للفهم حتى أنه عندما دخلت صياغات القوانين البلاد الإسلامية واضطروا،
وذلك من أجل فقد القاضي المجتهد، إلى تقنين قانون يحكم الناس يرجع إليه القاضي فيفهم، درسوا أصول الفقه في كليات القانون والحقوق حتى يفهموا صياغات القانون وحتى يفهموا كيف يضع الإنسان ما يريد من معانٍ في صيغة قانونية. كان لدينا هنا عبد العزيز باشا فهمي وكان من كبار رجال القانون، وكان إذا جاء أحدهم من أجل أن يُعيَّن في سلك القضاء
أو في النيابة العامة فإنه يمتحنه ويسأله في ماذا؟ في المستصفى للغزالي، هل هو يفهم المستصفى أم لا يفهم؟ فإذا فهم عُيِّن، وإذا لم يفهم مستصفى الغزالي. إذاً ليس جديراً بأن يكون قاضياً لأنه لا يفهم القانون ولا يفهم كيف يستنبط المصالح ولا كيف يعرف تحرير العدل بين الناس، ولذلك يُرفض من لم يفهم المستصفى للغزالي، ثم
أضاف إليه بعد حين كتاب الشاطبي في المقاصد، الموافقات للشاطبي، الموافقات للشاطبي ليس كالمستصفى للغزالي لأن عبارته فيها إطناب وإسهاب لكن كلام الغزالي فيه تحديد ووضوح ومبني على التعريف والتعريفات الاصطلاحية الأصولية والفقهية. أحكام شرعية، يعني عندما نريد أن نفهم الأحكام الشرعية للحدث
الذي يستوجب الوضوء أو يستوجب الغسل، نقرأ ما الحدث: التعريف حكم شرعي، أمر اعتباري قائم بالأعضاء يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص. هذا تعريف. الحدث ومنه نأخذ أحكام الحدث وكيف نزيله وكيف نبني تفاصيل الأحكام الشرعية التي تتعلق بالطهارة الصغرى أو الوسطى أو الكبرى، وقد قسّموا الحدث إلى صغير وأوسط وكبير باعتبار ما يمنع، أي أن
الحدث الصغير يمنعني من الطواف ويمنعني من مس المصحف، لكن الحدث الأوسط يمنعني أيضاً من تلاوة القرآن وهو الجنابة. ويمنعني من المكث في المسجد، لكن الحدث الأكبر يمنع المرأة وهو الحيض والنفاس من مقاربة الزوج، ويمنعها من كذا وكذا. فإذا كان هذا يمنع من ثلاثة، وهذا يمنع من خمسة، وهذا يمنع من سبعة أو تسعة إلى آخره، فباعتبار ما مُنع إذاً، فأنا من منطلق التعريف لهذا الحدث ومن منطلق تقسيمه. أستطيع أن
أرى ما الذي يمنعه، فقد كان يقرأ القرآن على كل حال إلا إذا كان جُنُباً، حيث إن قراءة القرآن ممنوعة عند الجنابة. وكان يذكر الله على كل حال، سواء كان جُنُباً أم لم يكن. "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض". فكرة جيدة. التعريف الذي اعتمد عليه الغزالي في المستصفى، فكتب أكثر من خمسين صفحة في البداية في القواعد المنطقية التي أخذها المسلمون من الأرجانون العظيم لأرسطو، ولكنهم غيروا فيها بما يقتضي أحكام
لغة العرب، ولذلك حذفوا منها وأضافوا إليها واقتصروا على التصور والتصديق وأضافوا إليها الموجهات وحذفوا بقية ما كتبه أرسطو تسعة. بنود كالخطابة والجدل والشعر وكذا حذفوها وجعلوا المنطق الذي نحتاج إليه هو ما اتفق عليه العقلاء من الترتيبات التي نصل بها إلى المعلومة اليقينية. كل هذا المجهود الذي بذله علماء المسلمين نراه ظاهراً في علم أصول الفقه عندما وضع الشافعي الرسالة، لاحظ هذا التوافق بين ما فيها وبين
ما هو. مبثوث في كلام الصحابة الكرام، والخطيب البغدادي ألّف كتاباً ماتعاً اسمه "الفقيه والمتفقه"، طُبع مرات في مجلدين. في "الفقيه والمتفقه" يُثبت الخطيب أن كل ما ذهب إليه الشافعي أصوله موجودة عند الصحابة الكرام في اجتهاداتهم وفي فتاواهم وفي مواقفهم وفي كل ما
ذهبوا إليه، فأصبح "الفقيه والمتفقه". يخدم الرسالة بتأصيلها. أين أين هذا الكلام؟ لم يذهب الشافعي. هذا الكلام من أين أتى به؟ ليس من عقله ولا من تربيته على الشريعة، وإنما من توغله وتعمقه في ما كانت عليه الصحابة الكرام، فنتج في النهاية مع ذهن وقّاد ذكي ومع تمكن شديد من اللغة العربية ومع معيشة طويلة مع... الشريعة الإسلامية أخذها من مشايخه وممن درس عليهم خالد الزنجي في مكة ومحمد بن
الحسن الشيباني في بغداد، وأتى هو إلى مصر من أجل مدرسة الليث بن سعد. الليث بن سعد انتقل قبل قدوم الشافعي بأكثر من اثني عشر سنة، ولكنه أدرك تلاميذه، وكان هو يقول: كان أعلم من مالك إلا... أن أصحابه ضيعوه يعني أصحاب الليث لم ينشئوا مدرسة تحمل قواعده وفكره وأصوله لمن بعده، ولذلك فكثير من تلاميذ الليث بن سعد اتبعوا الشافعي. الشافعي كان يريد أن يطلع على هذا الجانب من الجوانب بعد ما تربى على يد مالك في المدينة
وعلى يد محمد بن الحسن الشيباني في بغداد أراد أن يضم إليهم مدرسة ثالثة متميزة وهي مدرسة الليث بن سعد، فاستفاد منها وأفاد حتى أن أتباع الليث اتبعوه، أي تركوا مذهب الليث. والفرق بين مذهب الليث ومذهب الإمام الشافعي ليس كبيراً، فهذه فروق بسيطة، أي أنها محتملة، لكن الشافعي لم ير الليث، وإنما قرأ مذهبه وعرفه من خلال... مناقشاته مع تلاميذه، فالإمام وضع الرسالة، فوضع لنا الأصول، وأخذ العلماء جيلاً بعد جيل. الإمام السرخسي الحنفي، الإمام الصيرفي أبو بكر
الصيرفي شرح الرسالة، الإمام الغزالي يضع المستصفى، الجويني يضع البرهان. كتب كثيرة بدأت في التأليف حتى جاء الأذكياء من العلماء الكبار كالرازي، فخر الرازي ألّف كثيراً في هذا المجال. ألف المحصول وبعده الإمام البيضاوي وكان لغوياً نحوياً لخص مدرسة الرازي في المنهاج، وبعد ذلك يأتي السبكي من أجل أن يجمع بين الطريقتين: الطريقة الحنفية والطريقة الشافعية، أو المتكلمين والجمهور، يجمعها
فيجعلها كأنها علم واحد. الإمام ابن الهمام فعل هذا والإمام ابن السبكي فعل هذا إلى آخر ما هنالك. من مجهودات فأصبح أصول الفقه له تعريف محدد وهو معرفة دلائل الفقه إجمالاً وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد. إذاً هناك ثلاثة أشياء، ولذلك سُمي أصول ولم يُسمَّ أصل الفقه بالمفرد، لكنه أصول الفقه بالجمع. أصول
الفقه لأنه مكون من ثلاثة: معرفة دلائل الفقه إجمالاً، أي مصادر الفقه من أين أستقي. وأحصل على مصادر الفقه وكيفيتي، أي معرفة كيفيتي، فهي معطوفة على كلمة "دلائل". معرفة دلائل (مضاف إليه)، كيفية معطوفة على المضاف إليه، وكأننا نقول: معرفة دلائل الفقه، معرفة كيفية الاستفادة منها، معرفة حال المستفيد. أيضاً، "حال" مكسورة لأنها معطوفة على مكسور، تتبع في الإعراب الاسم الأول.
عطف وتوكيد ومنعت وبدل، فهذا من قبيل العطف. إذاً، هناك ثلاثة: معرفة دلائل الفقه، وكيفية الاستفادة منها، وكيف نستفيد من هذه الأدلة. حال المستفيد المجتهد ما حاله؟ ما شروطه؟ من هو هذا الذي له الحق في الاستنباط؟ لا بد أن يكون عنده شروط وصفات وأدوات، وبهذه الأدوات يستطيع أن يقوم. بمهمته في الاجتهاد. إذا
سألوك لماذا سُمي بأصول الفقه ولم يُقل أصل الفقه، فقل لأنهم ثلاثة. تعمل له هكذا: ثلاثة، ثلاثة، فيكون إذا جُمع وأقل الجمع ثلاثة. هذا الكلام انتشر عن طريق صقلية، وجزيرة صقلية هي موجودة في البحر المتوسط، وانتشر عن طريق الأندلس، وانتشر وكانت أوروبا في... ظلمات عصر ظلام يتبعون الخرافة
ويتبعون الأوهام ثم يجدون مثل هذا النور كلام. هناك فرق، فكان هناك رجل اسمه روجر بيكون، روجر بيكون هذا يسمونه أبا المنهج العلمي لأنه كتب لهم المنهج العلمي. والمنهج العلمي ما هو؟ قال: معرفة مصادر العلم وطرق البحث وشروط الباحث، ثلاثة. ماذا يعني المنهج العلمي؟ الميثولوجيا تعني ماذا؟ الميثولوجيا تعني أنك تريد أن تدرس الطب، فما مصادر
هذه الدراسة؟ ما طرق البحث فيها؟ ما هي شروط عالم الطب حتى يطبق ما عُرف بعلم المنهجية؟ فإذا تأملت وجدت أنه قد استمدها من مدرسة الرازي. معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد هي هي المعرفة. مصادر العلم وطرق البحث وشروط الباحث، وهذا قبل هذا الرازي بمدرسته كان قبل روبرت بسنين طويلة، أكثر من مائة سنة. إذًا
نستطيع أن نقول إن الشافعي عندما وضع الرسالة كتب لنا المنهج، منهجية التفكير، وعرّفنا كيف نتعامل مع هذا العلم وهو علم الفقه، فلا بد علينا أن نعرف مصادره. وأن نعرف طرق بحثه وأن نعرف شروط الباحث، وهو الأمر الذي يسرقه منا روجرز بعد ذلك ليقول لكن هذا يؤكد عمق ما وصل إليه المسلمون أو ما ألهمه الله للمسلمين من علوم حافظة
لدينه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ليس فقط في لفظه بل أيضاً في طريقة التعامل. معه وكان القرآن نبي مقيم، انتهت النبوة وبقي القرآن بعيداً عن التحريف وعن التخريف، بعيداً عن التحريف وبعيداً عن التخريف؛ لأنه نبي معصوم. فهذا النبي المقيم هو الذي سنأخذ منه، فلا تنتهي عجائبه ولا يَخْلَق من كثرة الرد. فإذاً هناك كلما تعمقت كلما
انبهرت في ما فعله الله لهذه الأمة. من ما يشبه المعجزات لأنه ليس بيد أحد هذا التوفيق لا بيد العلماء ولا بيد الأمة إنما هو بيد الله وحده سبحانه وتعالى. يذكرنا هذا بأن الله حفظ على نبيه أهل بيته، إذ ليس بيد أحد أن يُبقي أهل البيت إلى يومنا هذا، لأن أهل البيت محصورون في نسل الحسن. والحسين، الحسين نجا من ذريته علي زين العابدين، وكان ممكنًا أن يموت فتنقطع الذرية. والحسن، الحسن المثنى وزيد الأبلج،
كان يمكن أن يموتا مع من مات فتنقطع الذرية. يُقال إن الحسن تزوج مائة امرأة، مائة امرأة، كان كلما نزل في قبيلة زوجوه منها ابتغاء الناس، ومات كل أبنائه ولم. لم يبق إلا الحسن المثنى وزيد الابن، وهذا بيد الله وليس بيد الأمة ولا بيد سيدنا صلى الله عليه وسلم ولا بيد أحد، إنما هو بيد الله. ومن الثلاثة الآن أصبح عدد الأشراف أكثر من ثلاثين مليوناً. فمن الذي أبقى أهل بيتي؟ ومن الذي جعل معجزة أن يقول سيدنا: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به..." لن تضلوا بعدي أبداً:
كتاب الله وعترة أهل بيتي، أخرجه الترمذي. من الذي قال لسيدنا أن عترة أهل بيتي ستبقى؟ كان من الممكن أن تفنى. أبقى قبلته، أبقى كتابه دون تحريف، أبقى وحدة الأمة في القبلة ووحدة الأمة في الحج. لم يحدث أن أتانا بعض الطوائف أو المذاهب أو غيرها وقالوا... لا، نحن لن نحج إلى بيت الله الحرام، نحن سنحج إلى القدس مثلاً أو إلى أي مكان آخر أبداً. فالله جعل هذه الأمة واحدة في قبلتها، في نبيها، في كتابها، في شهر صيامها، في حجها، جعلها واحدة
بالرغم من الاختلافات التي حدثت بينهم، اختلافات شديدة، إلا أنه وحفظ النبي في... قبره من بين كل قبور الأنبياء لا نعرف أين هي، حتى الخليل إبراهيم عليه السلام هناك احتمال كبير أن يكون في مدينة الخليل في فلسطين، لكنه ليس على سبيل اليقين، كما هو حال النبي. إذا سألت المؤمن أو سألت الكافر: أين ذلك الذي دعا إلى الإسلام والقرآن؟ فهو الذي في المدينة باتفاق الجن والإنس، باتفاق المؤمن والكافر، ليس هناك خلاف. هناك خلاف ولا احتمال عندنا هنا، سيدنا الحسين، رأس سيدنا الحسين، بعض الناس ينكر ويقول إنها ليست موجودة، وجمهور
الناس يثبت ويقول بل هي موجودة. اختلافات، لكن لم يختلف أحد على سيدنا النبي. سيدنا النبي دعا: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد"، فكان فجم أهل الضلال عبدوا علياً، عبدوا. الحاكم بأمر الله الفاطمي وليس هناك أحد مرّ في التاريخ ولا حتى على سبيل فقد العقل والجنون عَبَدَ محمداً. هذا أمر، هذا شيء يعني لا تتصوروا عقلاً. ليس بيد الأمة أن تمنع مجنوناً أن يعبد محمداً، فلم يحدث لأن الله قد استجاب دعاءه. عبدوا علياً، حسناً، أما
كان الأولى أن تُعبَد. لم يحدث أن وجد أحد مثل هذا الحاكم، هذا شخص لو بيع لا يساوي ثلاثة قروش أو ثلاثة سنتات. لم يعبد أحد محمداً. لقد عبدوا شخصاً كان مسلماً أيضاً اسمه بهاء الله، أتباع البهائية هؤلاء، لكن لم يعبد أحد محمداً أبداً، لا على سبيل الجنون ولا على سبيل الضلالة. على سبيل المثال، أي شيء، هل يصدق أن سيدنا النبي مع جلالة قدره لا يقترب من هذا المكان الذي هو للعبادة؟ هذا أمر ثابت عبر التاريخ، وقد أثار استغراب
كثير من المستشرقين، فقالوا كان هناك طائفة اسمها "الميمية" عبدت محمداً، وبحثنا عن هذه الطائفة لنجد. ليس لها أي شيء، ولم نجد شيئاً، وليس هناك طائفة في التاريخ ولا في الكتب ولا في أي شيء. هذا تأليف مستشرق غبي فقط، اسمها "الميتي" غير موجود أصلاً، ولم يرد إطلاقاً أن أحداً فكر في هذا الضلال أو في هذا الانحراف أو غير ذلك إلى آخره، وكل هذا من معجزات الله لتلك الأمة. فكذلك عندما توهب الأمة هذا المثلث:
معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منه، وحال المستفيد، فيكون هذا فتحاً وأمراً ربانياً اصطفى به هذه الأمة كرامةً ومعجزةً لسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولما حصل في أصول الفقه تكلموا عن الكتاب، وتكلموا عن السنة، وتكلموا عن الإجماع، وتكلموا عن القياس. وتحدثوا عن الاستدلال، وأصبح هناك أدلة متفق عليها وأدلة مختلف فيها. المختلف فيها اثنان وثلاثون دليلاً، والمتفق عليها أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع،
والقياس. فتأملنا في هذه الأدلة ستة وثلاثين دليلاً، أربعة متفق عليها واثنان وثلاثون بين قيل وقيل. كيف يفكر الأصولي؟ لماذا فكر الإمام الشافعي في هذا الترتيب؟ أو في هذا الأمر وخرجنا من ذلك بنظريات سبع، سبع نظريات. النظرية الأولى أو السؤال الأول الذي أجاب عنه المجتهد في عقله هو: ما الحجة؟ نحن
الآن في عصر لم نر فيه النبي ولن نرى فيه تنزُّل القرآن، فلا سمعنا القرآن من فم سيدنا ولا أيضاً سمعنا كلام المصطفى من... فمه مباشرة، فما الحُجة؟ كيف أعرف الحُجة؟ وبعد بحث طويل له أدلته النقلية والعقلية، وصلنا إلى أن الحُجة في أمرين: في الكتاب والسنة، وأن هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه نبي مقيم،
وأنه معجز، وأنه لا يزال يعطي فلا تنتهي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد والسنة وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله إلى آخر ما هنالك، فالحجة في الكتاب والسنة، وأتى السؤال الثاني: أين الكتاب والسنة؟ أين هم؟ أين الكتاب والسنة؟ وهي قضية التوثيق. القضية الأولى الحجة واستقر. الأمر بعد دراسة وأدلة وتفكر ومناقشات أن الكتاب والسنة هما الحجة
رقم اثنين في التوثيق، وهنا المهم الله والأمة والسند. يعني دائماً تقول لي: سمعت القرآن، ولكن من الذي أسمعك إياه هكذا؟ فتقول لي: على مَن قرأت القرآن؟ مَن الذي قال لك أن هذا هو القرآن؟ فأقول لك: الشيخ محمد إسماعيل الهمداني والشيخ. عبد الحكيم عبد اللطيف والشيخ عامر بن عثمان والشيخ، هكذا هناك أشخاص لهم واقع وليس خيالاً. وكذلك من قرأ على الشيخ الهمداني، الذي قرأ على الشيخ خليل الجنايني، وعلى الشيخ عبد العزيز الصحاري، وعلى الشيخ هكذا. ومن قرأ على الجنايني، فقد
قرأ على شيخ الإسلام مقرئ الأنام الشيخ المتولي الكبير، ومن قرأ على الشيخ قرأ على... الشيخ مصطفى الأزميري ومن قرأ على من. الشيخ لدينا سندٌ، والسند ليس وهمًا، إنه سندٌ لأشخاص أحياء معروفين عاشوا في هذه الدنيا ولهم تراجم: متى وُلِدَ، ومتى مات، ومتى فعل، ومتى سافر، ومن شيوخه، ومن تلاميذه. وابن الجزري عندما ألَّف النشر في القراءات العشر أورد فيه ألف سنة أخذ منتهاها. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إن لدينا علوماً، هذه العلوم تسمى علوم
السند وعلوم التوثيق. نحن لا نتكلم بوهم أو أننا وجدنا نسخة من القرآن في البيت عند جدي وقرأناها، لا، بل لدينا سند متصل ليس لقراءة واحدة بل لعشر قراءات، أي إن المعجزة هي عشر معجزات للقرآن. حفظ عشر مرات وكل قراءة تفسر وتقيد وتطلق القراءة الأخرى معجزة معجزة. ليس أننا قد حافظنا على نص معين، لا، بل إننا حافظنا على عشر نصوص هي
القرآن الكريم. عشر نصوص بالأسانيد المتصلة المتكاثرة. لم يحدث ما بين طنجة وجاكرتا وغانا وفرغانة أن خرج أحدهم وقال: "على فكرة أنا عندي". نسخة مخالفة للنسخة التي معه، لا يوجد شيء اسمه هكذا. ومن أجل أن يؤكد ربنا لنا أنه حفظ القرآن بنفسه دون تدخل أحد، الكلام الذي أقوله هذا لا الأمة فعلته ولا تستطيع، ولا سيدنا فعله ولا يستطيع صلى الله عليه وآله وسلم، هذا بيد الله وحده، معجزة باقية
ناطقة أن... هذا الكتاب يُحفظ، وبهذه الطريقة إمعانًا في الحفظ يأتي ما يُسمى بالقراءة الشاذة ونحن نعرفها، وقد ألّف ابن جنّي كتاب "المحتسب في القراءات الشاذة" - تسعين قراءة، كأنما حَفِظَ الله الكتاب وحاول الناس - أو لم يحاولوا إنما جرى الخطأ منهم تسعين مرة، تسعين قراءة - أن
يقدحوا في هذا المحفوظ فلم يستطيعوا، يعني حفظ الله. القرآن بطريقة وحماه من تسعين عدوان لم يستطيعوا أن يغيروا هذا. لم يأتِ أحدهم ويقول أنا هكذا لا أعرف هل هي "أمَرْنا مُتْرَفِيها" أو "آمَرْنا مُتْرَفِيها"، فعلى الفور قالوا "أمَرْنا" قراءة شاذة. خلاص انتهى الأمر. لم يأتِ شخص يقول في الحقيقة إنني حيران لأن "أمرنا" وردت إليّ بطريقة متواترة وليست من نقول له: لقد حدث حفظ الكتاب بطريقة غريبة عجيبة فريدة وحيدة لا
مثيل لها. النظرية الأولى: الحجية، والنظرية الثانية: التوثيق (Documentation). وُثِّق الكتاب بالأسانيد المتصلة المتكاثرة، ووُثِّقت السنة بإلهام من عند ربنا، ألهمه لتلك الأمة ووفقهم فيها، وأرسل لهم من يقوم بهذه المهمة: الإمام البخاري. هذا شيء عظيم. هذا لم يحدث لا في الأدب ولا في الأباطرة والملوك ولا في الأنبياء، فنحن عندنا سند التوراة بين عزرا (عزير) وبين موسى ألفي سنة. ألفي سنة! ماذا يعني ألفي
سنة؟ لا توجد سنة يقول فيها عزرا: قال موسى. لا، ليس عندنا هكذا، بل عندنا السند. متصل إلى منتهاه، وعندما فعل المسلمون هذا، أضافوا إلى ذلك إلى الكتاب والسنة الدفاتر والكتب، فأصبح الإمام النووي له سند عنده، والزكريا الأنصاري له ذات سند عنده، والإمام محمد بن حسن الشيباني له سند عنده. ما هذا؟ ليس فقط الكتاب والسنة، بل كل شيء، والسند من الدين. لأنه أمر مهم، واحد وعشرون علماً عندنا لتحرير ما
في السنة، منها المصطلح ومنها الدراية ومنها الرواية ومنها الرجال ومنها الضعفاء ومنها ومنها، وكلها مؤلف فيها، في كل علم من العلوم مكتبة بأكملها. إذاً فالنظرية الثانية التي قام عليها الأصول هي التوثيق، والثالثة هذا الكتاب فهمناه وعرفناه وهو أمامي. وهذه السنة فهمناها وعرفناها وهي أمامي ولكن وجدتها باللغة العربية، فلا بد إذاً أن أتعلم هذه اللغة في مفرداتها وفي تراكيبها في سياقها وسباقها ولحاقها في جملها حتى
أدرك ما معناها، وهنا أتت النظرية الثالثة وهي نظرية الفهم، فتكون الحجة هي التوثيق والفهم، وأصول الفقه يتكلم عن أمور لم يتكلم. عنها النحاة وعن أمور لم يتكلم عنها المناطقة وعن أمور لم يتكلم عنها الفقهاء فتكلم عن العام والخاص الذين يخصون اللغة لم يتكلموا عن العام والخاص بهذه الطريقة وعن المطلق والمقيد وأضافوا إلى ذلك الناسخ والمنسوخ وأضافوا إلى ذلك العموم
والخصوص فيصبح العام والخاص والعموم والخصوص والمطلق والمقيد وهو إلى آخره دلالات الألفاظ: دلالة المطابقة، دلالة التضمن، دلالة الالتزام. تحدثوا عن أشياء عجيبة غريبة في معنى الحروف، وأي الحروف؟ هذه الحروف في لغة العرب نحو تسعين حرفًا. لدينا الحروف، حروف مبانٍ، ثمانية وعشرين حرفًا: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ. وحروف معانٍ، وحروف المعاني منها ما هو على حرف. واحد بالله تالله والله ومنها ما هو على حرفين مثل: مِن، في، ومنها ما هو على
ثلاثة أحرف مثل: إلى، على، ومنها ما هو على أربعة أحرف مثل: لعل، ومنها ما هو على خمسة أحرف مثل: لكن، فقط. لا يوجد ستة أحرف. تسعون حرفاً تُسمى حروف المعاني، وحروف المعاني هذه قد يكون لها معنى واحد أو معنيان أو أكثر. ثلاثة أو أربعة أو تسعة، اخترنا تسعة. هذه المعاني ستة وخمسون معنى. فإذا كتبنا ستة وخمسين معنى هكذا، وكتبنا الحروف التسعين هكذا، لصار جدولاً. هذا الجدول يتحدث عنه ابن هشام في كتابه "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب". وحرف الباء،
كل حرف الباء هذا له ستة معانٍ. عندما تقول: "أنا بالأكاديمية الآن". أعني ظرفية، أعني أنا في الأكاديمية تخرجت بالأزهر الشريف، وبدر ببدر، فتكون الباء دخلت على المكان لكن ليس على سبيل الإحاطة وإنما على سبيل الوجود. وهكذا ستة معانٍ للباء، وخمسة معانٍ لـ"في"، وسبعة معانٍ لكذا، إلى آخره. يكون لدي جدول يسمى بجدول حروف المعاني، وبدون حروف المعاني
لا تفهم إذاً. نحن نتعامل مع علم منضبط له علوم مساعدة تدعمه، وله خطوات وآلية عمل محددة تستطيع بها أن تصل إلى موعد. إذاً هذا علمٌ، هذا علمٌ، ولذلك قال: "خذ بفتواه ولا تأخذ بتقواه"، لأنه من الممكن أن أكون عالماً لكني غير ملتزم، فلا تقل إن فلاناً فعل أو لم يفعل، اذهب وقل له. هذا حلال أم حرام؟ قال لك حرام وهو يفعله. لا يجري عليه شيء، أنا لا شأن لي به لأنه ليس معصوماً، إنه ليس نبياً. لكن خذ بفتواه وعلمه لأن هذا علم. عندما تذهب
إلى الطبيب يقول لك: لا تدخن، وهو يدخن. الطبيب يدخن لكن التدخين ضار وهو ينهى عنه. وأعلم أنه سيؤثر تأثيراً سيئاً عليك فيرشدك إلى تركه وإن كان هو يفعل هذا فشأنه هو، وهذا من ضعف همته وضعف نفسيته. الحجة تكمن في التوثيق والفهم. لقد فهمنا النص، ولكن عندما فهمناه وجدنا أن هناك
ما هو قطعي وظني في النص لأنه مكوَّن من اللغة التي هي دائماً ظنية، وهذه يسمونها الاحتمالات العشر في أي نص أو أي لغة. فيها احتمالات عشر، يمكن أن يكون عاماً، ويمكن أن يكون خاصاً، ويمكن أن يكون مقيداً، ويمكن أن يكون مطلقاً، ويمكن أن يكون ناسخاً، ويمكن أن يكون منسوخاً، ويمكن وهكذا... احتمالات عشرة. أي لغة بما فيها العربية، فيأتي هنا دور الإجماع وأهمية الإجماع. "إذا قمتم إلى الصلاة"، التحليل اللغوي: "قمتم" فعل. ماضٍ إلى الصلاة، فللتعقيب شيء في
إثر شيء، اغسله، فإذا الوضوء بعد الصلاة. لو أردت أن أفهم لحالي مع نفسي يأتي هذا الاحتمال: "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا"، فيكون إذا سأذهب لأصلي وبعد أن أنتهي من الصلاة أتوضأ. ولم يقل بهذا لا جن ولا إنس، من أين ذلك؟ من الإجماع، فانظروا. خطر من ينكر الإجماع: من ينكر الإجماع سيبيح الخمر، وسيبيح الزنا، وسيبيح ما يفسد في الأرض، سيذهب هوية الإسلام. أما الإجماع فهو يحافظ على هوية الإسلام، فإذا أتى الطالب وقال: "يا
أستاذ، هذا الأمر لم تنتبهوا إليه، الوضوء بعد الصلاة"، أقول له: "لا، أجمعت الأمة ها هنا أن هذه الآية..." تعني أنَّ الوضوء قبل الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم توضأ فصلى. يقول لي: فما التحليل اللغوي الخاص بي؟ قلت له: لأنك لم تدرك أنه "إذا أردتم القيام إلى الصلاة"، "إذا قمتم" يعني أردتم القيام. من أين أتيت بـ"أردتم" هذه؟ أنت أتيت بها من عند نفسك. قلت له: لا، هذا من الإجماع. ليس من عند نفسي، لو كان من عند نفسي سنختلف: مالك مع أبي حنيفة مع الشافعي مع الأوزاعي مع الثوري، نعم نختلف، لكن في الإجماع خلاص لا
أحد يعترض. الكل (متفق على) "فاجتنبوه". قال: "يا أستاذ أنتم لا تنتبهون، هذه خمرة فأضعها في جانبي هكذا". "فاجتنبوه" يعني ضعها في الجانب. قلت له: لا، الخمرة نجسة والخمرة حرام بإجماع العلماء. لا أريد هذا التفكير منك لتخرج لنا بمثل هذه القضايا الخاسرة الخائبة. الخمر حرام، لكنه لم يقل "حرام" في القرآن، ولم يقل عن الزنا "حرام"، بل قال: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا"، أي لا تقربوه، يعني لا تنظر... لا تخلو المرأة بما هكذا ولا تقربه يعني لا
تزرع العنب من أجل أن يكون خمراً، لو فعلت هذا فزراعتك للعنب حرام. فيبقى إذاً "فاجتنبوه" يعني لا تجلسوا في مجالسه ولا تبيعوه ولا تشتروه ولا تحملوه ولا تزرعوه ولا تبع لصانع الخمر كرمك أو عنبك وهكذا. فاجتنبوه أشد تحريماً من... حَرَّمَ عليكم ذات الخمر هكذا، لا، هذا أشد تحريماً. فإذا كان القطعي والظني جعلنا نتمسك بالإجماع، فإذن الحجية والتوثيق والفهم القطعي والظني. قرأتُ
القرآن وحفظته، وقرأتُ السنة وحفظتها، فجاءتني مسألة ليست في الكتاب والسنة بذاتها. يقول سيدنا: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خِطبته إلا بإذنه". ولكن الحالة المعروضة عليّ أن أحدهم يريد أن يستأجر بيتاً على استئجار أخيه، النص يقول البيع ويقول الخطبة، وهذا استئجار، فيجب علينا ما يسمى بالإلحاق بالقياس. فأقول
له: حرّم رسول الله البيع على البيع والخطبة على الخطبة من أجل عدم الصدام والكراهية بين الخلق، وهذا متوفر في الاستئجار على الاستئجار. يكون إذاً هذا حراماً مثل هذا لأن في نفسها العلة، وأطلقوا عليه ما سموه بالقياس. هذا أصل وهذا فرع، بينهما علة، فالحكم واحد. وتوسعوا كثيراً في ضبط هذا الأمر حتى نسير في ظلال الشريعة ونسير على مراد الله، وأصبح
بهذا الشأن القياس جزءاً لا يتجزأ من أصول الفقه، وهو حقيقة الاجتهاد. أي أن الذي يتم الذي يستطيع القياس هو المجتهد، ثم تحدثوا عن الاستدلال وسمّوا الاثنين والثلاثين المختلف فيها هذه: قول الصحابي هل هو حجة أو ليس بحجة، شرع من قبلنا حجة أو ليس بحجة، المصالح المرسلة حجة أو ليست بحجة، الإفتاء بأقل ما قيل حجة أو ليست حجة، اثنين وثلاثين من الاستدلال والأدلة. والسين والتاء تدخل للطلب أي طلب الدليل، دليل واقعي. العرف: خذ العفو وأمر بالعرف
وأعرض عن الجاهلين. يعني لا بد أن آخذ بالعرف فيما لم يخالف الأوامر الإلهية الشرعية. رقم سبعة هذه شروط الباحث، الاجتهاد وما شروطه وما كيفيته ومن هو الأحق بأن يقال عنه أنه مجتهد ويكتب في هذا. الكاتبون ويبينون آليات الاجتهاد وكيف تتم، سبع نظريات هي مبنى أصول الفقه، إذا تذكرتها استطعت أن تفهم كل شيء. وعندما أتوا بهذا البحث هنا، فستجد في أصول الفقه علماً
كالأداة بيد العلماء وبيد طلاب العلم في فهم النص الشرعي وفي فهم النصوص البشرية. في القرن التاسع عشر الميلادي رأينا... تغيراً شديداً في البرنامج اليومي للإنسان، بدأ هذا التغير
من سنة ألف وثمانمائة وثلاثين، ألف وثمانمائة وثلاثين هذه بداية القرن العشرين. ألف وتسعمائة كانت توافق ألف وثلاثمائة وسبعة عشر، سبعة عشر. ومعنى هذا أن ألف وثلاثمائة كانت ثلاثة وثمانين، ألف وثمانمائة ثلاثة وثمانين يبقى... بينهم ثلاثة وخمسين سنة تقريباً، ثلاثة وخمسين سنة هذه تعني سبعة وأربعين ألفاً ومائتين. أصبحنا في القرن الثالث
عشر منذ سبعة وأربعين سنة. سبعة وأربعين سنة نحن الآن من ألف وثمانمائة وثلاثمائة إلى ألف وتسعمائة وثلاثين. جعل الله الإنسان يخترع ويكتشف ما غيّر البرنامج اليومي. في الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة لم يكن هناك ميكروفون ولم يكن هناك كهرباء ولم يكن هناك سيارة ولا طائرة ولا قطار. كان الإنسان إذا أراد أن ينتقل من القاهرة إلى الهند فإنه يسير كما سار عمر
بن الخطاب نفس المدة بنفس الوسائل على فرس أو على جمل لمدة طويلة حتى. أصل إلى الهند الآن، يركب من القاهرة الطائرة وينزل في نيودلهي في أربع أو خمس أو ست ساعات، شيء عجيب غريب. وهو هنا يتصل بأهله: "وصلنا بالسلامة، ما هي أخباركم؟ ما هي أحوالكم؟" وهو لم يغادرهم إلا منذ خمس أو ست ساعات ويعلم ما هناك، والفيستايم يجعله أيضاً يراهم. وهو يراهم
أن الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة كلها اخترعت في المائة سنة من ألف وثمان مائة وثلاثين إلى ألف وتسع مائة وثلاثين، التليفون والسيارة والطائرة والقطار والحاسوب وكل شيء. ومن ألف وتسع مائة وثلاثين إلى ألفين وثلاثين التي ستأتي لم يحدث أي شيء، وإنما تطورت هذه الوسائل من التليفون. نظرت إلى هاتفك المحمول الذي تحمله والذي يحتوي على الصور والفيديوهات والتسجيلات. وإذا تغير البرنامج اليوم، كان المسلمون يستيقظون في الليل ليصلوا لله ركعات قبل الفجر ويبدؤون
يومهم من صلاة الفجر، فيذهبون إلى صلاة الفجر ثم بعد ذلك يبدأ يومهم بالعمل والأكل والشرب وغير ذلك حتى الساعة الحادية. عشرٍ في الساعة الحادية عشرة يعني مثل الآن يذهبون للنوم وقت القيلولة، ينام في وقت القيلولة ويستيقظ في الحادية عشرة والنصف أو الثانية عشرة إلا ربعاً، ثم يقوم ويتناول الغداء ويذهب إلى المسجد على الساعة الواحدة ظهراً. يؤخر صلاة الظهر لأن بلادنا حارة، فيبردون وقت
الظهر، فيذهب ليستمتع ببرودة الظهر يعني عندما تنخفض الحرارة قليلاً، ثم يذهب ليصلي ويبدأ. يوماً جديداً بعد صلاة الفجر يقرؤون السيرة ويقرؤون الأصول ويقرؤون الفقه. كان أول شيء يقرؤونه السيرة النبوية بعد الظهر بين الساعة الثانية. لكنه تغدى بعد القيلولة وأخذ نصيبه من الإبريق، ويجلس هكذا إلى العشاء وهو يدرس. تغير كل هذا وأصبح لدينا كهرباء وأصبح ليلنا نهاراً ونهارنا ليلاً. وابتعدنا عن ما خلق الله. كنت أركب الفرس، فصحتي كانت جيدة. أما الآن فأركب السيارة الفارهة،
وأصبحت عضلاتي ضعيفة. كنت أتداوى بالأعشاب الطبية وغيرها، أما الآن فأستخدم الفارماكولوجي. هذا الفارماكولوجي أهلك الإنسان وأطال في عمره، ولكن مع طول عمره أصبح أضعف بكثير مما كان. تغيرت الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة، وغيرت برنامج الإنسان وأصبحنا في... واقع مختلف، فالغرب تنبه لهذا فأنشأ مجموعة من العلوم تُسمى "سوشيال ساينس" أو "هيومن ساينس" (العلوم الإنسانية والاجتماعية) من أجل دراسة
الواقع الجديد. عندما أنشؤوا هذا، المسلمون لم ينشئوا شيئاً وتركوا الأمر على الله، فأصبح هناك فجوة. هم يدركون الواقع إدراكاً طبقاً لعقيدتهم ورؤيتهم الكلية للإنسان والكون. والحياة التي غالباً لا تعترف بالإله ولا بالديانة ولا بأي شيء سوى ما في عقله، وبين المسلم الذي هو محجوب عن تحليل الواقع إلا بطريقة بسيطة. أنشؤوا العلوم الاجتماعية والإنسانية ونحن لم ننشئ، وعندما ذهبنا للتعلم عندهم
تعلمنا وفق نموذجهم المعرفي وليس نموذجنا، بالنموذج المعرفي الخاص بهم والذي يشتمل على... هناك فرق كبير بين النموذج الفكري عندي والنموذج الفكري عنده. أنا أؤمن بالله وأؤمن بالتكليف وأؤمن بالوحي وأؤمن باليوم الآخر، أما هو فلا يؤمن بهذا. ولذلك يجب أن تختلف مواقفنا لأنني أضع في اعتباري اليوم الآخر والحلال والحرام، وماذا سيفعل الله معي، وهو ليس لديه ذلك. هذه الرؤية فأنا تعلمت هذه العلوم منهم، ولذلك أصبحنا مشوهين. ما الذي
نستطيع أن نفعله من أجل هذا الأمر؟ أصول الفقه، أصول الفقه هو الخطوة الأولى التي يمكن أن ننشئ بها ما يفسر الواقع من كتابنا وسنة نبينا، وإدراك واقعنا. وتتكون هذه العلوم بطريقة أخرى وهي لم تتم. حتى الآن، فإن أصول الفقه مسألة في غاية الأهمية، مسألة سوف تغير وجه الفكر الإسلامي إذا ما انطلق منها. وأصول الفقه علم عميق دقيق
للغاية، ولكن فائدته أننا نستطيع أن ننشئ به مجموعة من العلوم الاجتماعية والإنسانية لإدراك الواقع، لأن الواقع جزء من الاجتهاد، إدراك الواقع جزء من الاجتهاد. لا يستطيع المجتهد أن يظل في صومعته وبيته ويفتي لأنه لا يدرك الواقع، إذ إن الفتوى على ثلاثة أنحاء: إدراك النص الشرعي، وإدراك الواقع وهو ركن مهم، وكيفية الوصل بينهما من مراعاة المقاصد الشرعية والمصلحة المرعية والمآلات المعتبرة
واللغة والإجماع. يجب علي وأنا أفتي في مسألة جديدة أو قديمة أن أراعي هذه الخمسة. هل فتواي هذه ستحقق المقاصد الشرعية أم أنها تعود عليها بالبطلان؟ هل فتواي هذه تحقق المصالح المرعية للخلق أم أنني أُدخلهم في مشاكل لا حل لها؟ هل هذا يراعي المآلات التي سوف تؤول إليها تلك الفتوى؟ هل أنا خالفت الإجماع وخرجت عن هوية الإسلام؟ هل أنا خالفت اللغة وحمّلت النص؟ ما لا يطيق، أنا لم أفعل هذا بل فعلت الغير، إذا الفتوى ماتت. كل هذا بالثلاثة: إدراك الواقع، إدراك النص، كيفية الوصل بينهما. ثلاثة،
فهذه هي إطلالة سريعة على قضية أصول الفقه. ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد أوصلت إليكم ما أريد أن أذكره. من أراد منكم أن... يسأل أي سؤال فليتفقه. إذا نتمتع في موعد الزواج فسوف نستمر بسؤال العزيز من سيدات قلوبنا إلى ثروتكم وإلى عبادتكم. ألا تؤذيكم أمام هذا الوقت الحالي وآن للمسلمين المعلومات الخاصة تتعلق بالوصول لله. الحمد لله وأشرتم بأن كتاب الله سبحانه وتعالى محفوظ في كلامه وأما
القضية الثانية يعني سنة النبي. صلى الله عليه وسلم محفوظة أيضاً في كتاب الباب ومن هذا ومن هنا نسألكم السؤال بشكل متواضع: هل هناك إمكانيات في قضية السيرة لأن نحصل على جميع الأحاديث؟ وحصولها كان له تاريخ طويل، فحاول ذلك الإمام السيوطي فيما أسماه بالجامع الكبير، ولقد طُبعت مخطوطته ثم بعد ذلك... طُبِع محققًا
مراتٍ، والإمام السيوطي جمع نحو خمس وأربعين ألف حديث من كتب السنة، ثم بعد ذلك جاء الإمام المناوي وأضاف إلى هذه الأحاديث أحاديث أخرى، ونفس الإمام السيوطي عندما اختصر الجامع الكبير في الجامع الصغير في ثلاث مجلدات أضاف أحاديث لم تكن موجودة في الجامع الكبير، ثم أضاف ما. يُسمى بالزيادات على الجامعة الصغيرة، ثم بعد ذلك أتى الشيخ العراقي
الفاسي من المغرب (العراقي الفاسي) وأضاف نحو عشرة آلاف أخرى على ما ذكره السيوطي، وأصبح تحت أيدينا من هذه المجاميع نحو ستين ألف حديث. الستون ألف كلها الآن مسجلة في الكمبيوتر بأساليبها، فهذا قد تم فعلاً جمع كل هذا. العَدَدُ الكَبيرُ قام الشيخُ الدكتور عصام أنس بالجمع بين السيوطي
في الجامع الكبير والسيوطي في الجامع الصغير وزياداته، وأيضاً المناوي وأيضاً العراقي، وجمع كل هذا في الطبعة الجديدة لجمع الجوامع. ووجد أنَّ هناك تكراراً، وخرج الكتاب في تسع مجلدات كبيرة، وخرَّج كل حديث وعزاه لمصدره: هذا أخرجه الطبراني، هذا... أخرجه في تاريخ واسط بن بحشل، هذا أخرجه فلان، هذا أخرجه. فنحن تحت أيدينا الآن هذا الجمع الذي تقول عنه: بالتتبع وبالمعايشة
وجدنا أن أي نص خارج هذا يكون غير صحيح. فمحاولة حصر ما ليس بصحيح أيضاً هذه مسألة لا فائدة فيها لأن هذا يكفي ويزيد، وهذا يبين أنه ليس... هناك شيءٌ من السنة قد ضاع أبداً، هناك كتبٌ ضاعت. هناك "الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السنة المشرفة" للشيخ الكتاني، هذا الكتاب جمع فيه مائتين وخمسين كتاباً من الكتب المسندة في
الحديث، وهذا الكتاب ذيّله الحافظ أحمد بن الصديق الغماري، أحمد بن الصديق الغماري في "ذيل الرسالة المستطرفة في". بيان مشهور: كتب السنة المشرفة في هذا الكتاب مائتان وخمسون عنواناً، المفقود منها نحو خمسين، ومن المفقود المسند الكبير لمسلم مثلاً. ولكن كل ما فُقِد من هذه الكتب موجود أصله عندنا في كتب أخرى، حتى الأجزاء الحديثية، حتى الذي قال عنه ابن حجر العسقلاني:
"لم أره"، وجدناه وطُبع أيضاً. ومثلاً كتاب "الزهد" للبيهقي ظل مجهولاً مدة طويلة، وعندما طُبع وجدنا فيه حديث "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النفس". كتاب "الزهد" لم يره ابن تيمية، ولكنه الآن مطبوع، لأنه "فوق كل ذي علم عليم". ابن تيمية توفي في القرن الثامن الهجري سنة سبعمائة وثمانية وعشرين. يرى الزهد لأنه لو رآه لعرف أنه مُسنَد وأن الحديث حسن، ولكنه أنكره وقال: "هذا من كلام ابن علية". فالحاصل أننا
فعلاً جمعنا كل ما هو تحت أيدينا، وفعلاً تعاملنا معه، وفعلاً لم نجد حديثاً صالحاً خارج هذا. الشيخ أحمد بن الصديق الغماري ينص في كتاب "المثنون والبكتار" في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من السنن والآثار إلى أن عصر الرواية انتهى بالبيهقي، وبعضهم قال: لا، إنما هو بعد البيهقي مع الخطيب البغدادي، وبعضهم قال: هو مع ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد، بمعنى أننا وجدنا أحاديث مسندة عند ابن النجار لا وجود لها في الكتب، ومعنى
انتهاء... الرواية أنه ليس هناك حديث مسند إلا ويكون في الكتب، ليس هناك حديث شفوي، فكله مسجّل. وعلامة ذلك البيهقي، فالبيهقي بعصره حتى أربعمائة وخمسين هجرية انتهت الرواية الرسمية وأصبحت كل الروايات موجودة في الكتب. فكل ما نفعله هو تحصيل ما هنالك من أربعمائة وخمسين هجرية إلى سيدنا النبي. صلى الله عليه وسلم، وهذا المؤمنين،
وقد يُضاهي بعيد ألف ألف حديث. حاصل العادية تشمل مع العادات النبوية، من مع العطاء، ولا عادات النبوية قبل العادية النبوية الشريفة، فقط فضيلة النبي عليه الصلاة والسلام. في السابق كنا نَعُدُّ أي سند مختلف حديثاً، يعني "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، هذا. حديث وهو في الكتب وفي
صدر صحيح البخاري، هل تعدّه حديثاً واحداً؟ المحدثون يقولون أنه بعد سعيد المقبري انتشر وشاع إلى سبعمائة سنة. هم يعدونه سبعمائة حديث وهو حديث واحد مفرد مروي عن صحابي واحد وهو عمر بن الخطاب، لكن كيف تعدّه؟ هل تعدّه واحداً؟ يبقى إذاً... نحن لدينا نحو ستين ألف نص مثل هذا، ستين ألف جملة في الحديث، أو تعدّه سبعمائة لو كان الأمر كذلك. إذاً "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده
من النار" له أكثر من مائة وعشرين حداً سنداً، فهو مائة وعشرون حديثاً وهو نص واحد، وقِس على هذا يصير حفظ ست... مائة ألف حديث يُقصد بالسنة، فحفظ كل هذا ما حُفظ، لكن هذا باعتبار اختلاف الأسانيد وليس باعتبار اختلاف المتن. فإذا جئنا إلى المتون نجد مثلاً في مسألة واحدة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ونجد الرواية الثانية عن ثلاثة أيام: يوم الشك... وعيد
الفطر وعيد الأضحى، ونجد رواية ثالثة عن خمسة أيام: العيدين وثلاثة أيام التشريق. ونجد رواية رابعة عن ستة أيام: يوم الشك والعيدين وأيام التشريق. فلو اكتفينا بهذه الرواية أنه نهى عن ستة أشياء، يقل عدد الأحاديث من ستين إلى نحو ثلاثين. عندما يأتي ويقول: "الدعاء مخ العبادة" ويقول: "الدعاء..." هو العبادة، فلو أننا اكتفينا بواحد منهما تصير الأحاديث بدلاً من ستين ألف حديث تصير ثلاثين ألف حديث. الثلاثون ألف حديث بهذه الكيفية تقريباً خمسة عشر ألفاً على حد الحسن والصحة،
وخمسة عشر ألفاً على حد الضعف. الأئمة يقبلون الضعيف بشروط، بشرط ألا يكون في أصل العقيدة، وبشرط ألا يخالف. حديثًا صحيحًا وبشرط ألا ننسبه في ذاته إلى رسول الله، وبشرط أنه قد يكون في الباب غيره، وهكذا فإن هذه الخمسة عشر حديثًا هي خمسة عشر ألف حديث يمكن أن نأخذها كدواعٍ لأن أغلبها في فضائل الأعمال. والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جوعان وهو يعلم. ليس منا من لم يكرم. ضيفه يعني كلها أخلاق، كلها أخلاق. خمسة في المائة فقط من الأحاديث في الشريعة وخمسة وتسعين في الأخلاق، "وإنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". نعم،
شكراً، شكراً لك. أيضاً، هل هناك أي أسئلة أخرى؟ المصريون القادمون، ألم يأتوا للمشاهدة فقط؟ أم ما الأمر؟ أم أنتم علماء كبار؟ حسناً، تفضل بالقول. واحد من العلماء. شكراً لكم. شاهدنا جميعاً حضارة متاعنا ومتاع الله تعالى بصحبه وسلام. مرحباً بكم. كان هناك سؤال لحضرتك عن النفوس، يعني قررنا في محض الدراسة في الأخذ للعلم في الميزة والقراءة. وقدمنا هنا نبحث في المصالح الجميلة،
يعني كان اعتماداً في البحث عن الكفاح الشديد وفيها. ما فيها منه كتب يعني الوحي أو الآيات، لو كنا لما جُعلت يعني يكون هناك وجود خاص، كذلك بأن الشريف يجمع الكتب والصحيحة والفكر والصحيحة. طيب حضرته أي، وبعد ذلك أصبح يحتاج إلى أموال، فكل هذا يحتاج إلى أموال وإصدار العلامة التجارية في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا من المال فقط وليس لأنه... لا الحق ولا الباطل ولا أي شيء، ولكن حضرتك تتحدث عما لدينا من
ترتيب للأولويات، فهل هذه أولوية الآن وأصحاب الإلحاد يعني باسطون أجنحتهم أم لا؟ وعلى كل حال، كل هذا مأمول إن شاء الله. ربنا سبحانه وتعالى يجعل فيكم البركة وتقومون بمثل هذا لأنه يحتاج إلى أموال تُسد. عين الشمس، لكن الخير فيما اختاره الله إن شاء الله. سبحانك! نعم، وجدت ذلك جيداً إن شاء الله.
تعال، ما أهمية أصول الكتب في إحصاء الله؟ يعني أنا لم أفهم السؤال. هل عرفتَ أصول الفهم؟ يستفيد منها المجتهد، يعني المجتهد يستفيد من أصول الفكر، ثم ماذا يستفيد منها أيضاً؟ الأرباب والسنة والفكر، والفكر أصول الفكر. ثم ماذا يعني أصول الفقه؟ يفيد المجتهدين دون سواهم، نعم. طيب، كما ذكرنا أن أصول الفقه يُستعمل لفهم كلام الناس. هناك
قرار من الأمم المتحدة، هذا القرار مكتوب فيه "أرض عربية"، وكان النزاع بيننا وبين إسرائيل، فيقول "أرض عربية"، "أرض عربية" تعني مطلق الأرض. وما الفرق بينها وبين الأرض العربية؟ هل هناك فرق بين أرض عربية والأرض العربية؟ فالنسخة العربية من القرار كانت مكتوبة "الأرض العربية"، والنسخة الإنجليزية كانت
مكتوبة "Arab land" أي "أرض عربية"، وصار الخلاف حول ما الذي تعنيه. فإسرائيل قالت: "أي أرض"، يعني أي جزء يُعطى للفلسطينيين يكون قد نفذنا القرار، والعرب... قالوا إن كل الأرض لا بد أن تأتي لأن الألف واللام هنا في "الأرض العربية" تعني كل الأرض العربية، حيث إن الألف واللام تفيد الكلية. إن أصول الفقه تساعدك على الفهم وتجعلك قادراً على فهم كلام الأمم المتحدة دون أن تكون مجتهداً ودون اختلاف. فهمت
فقط، بارك الله فيك، فهذا هو أصول الفقه، وكنا حينها ندرس في... كان لدينا في الجامعة شيخ رحمه الله اسمه الشيخ عبد الجليل القرنشاوي، وقد استخدم هذا المثال كثيراً من أجل التطبيق. وعندما تقرأ في العقود، ينبغي عليك أن تُفرّق بين ما فيه ألف ولام وما ليس فيه ألف ولام. هذه هي العقلية الأصولية، أن يقف المرء عند كل كلمة ويعرف أن هذا مطلق. وأن هذا مقيد وأن هذا عام وأن هذا خاص يرى السياق ويرى السباق ويرى اللحاق وهكذا. نعم، هل يريد أحد شيئاً آخر؟ حسناً، هناك طلب بالإجازة، ومن ناحية الإجازة فأجيزكم بأول
ما أجيزكم به كما أجازنا به مشايخنا: الشيخ عبد الله بن الصديق العماري، والشيخ السيد الفداني، والشيخ عوض. اليمني والشيخ إسماعيل الزين والشيخ محمد حامد الشهير بأبي العلى والشيخ محمد الحافظ التيجاني والشيخ عبد الفتاح أبو جدة، كلهم يروون عن مشايخهم. فيروي الشيخ عبد الله الصديق الرماري عن الشيخ أبي المحاسن القاووطي، ويروي عن الشيخ عبد الله التلاوي في بيته بتلا، وكل واحد منهم يقول: وكان أول حديث. يحدثنيه ويرفعون هذا حتى سفيان بن
عيينة فتنقطع الأولية، ينمي به إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" بسكون الميم "يرحمكم من في السماء" بضم. الميم، وهذا أول حديث أجيزكم به، ثم أجيزكم بما له حق الرواية فيه في علوم الشريعة وعلوم اللغة وعلوم التاريخ وما درسناه وتلقيناه عن مشايخنا في الأزهر الشريف وفي محاضن العلم في الشرق
وفي الغرب، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله والسمع والطاعة والذكر في الخلوات والجلوات، ولا تنسونا من صالح الدعاء. بارك الله فيكم إذا، فندعو الله سبحانه وتعالى أن يغفر ذنوبنا وأن ينوّر قلوبنا وأن ييسر أمورنا وأن يجمعنا على الحق في الدنيا والآخرة، اللهم آمين. افتح علينا فتوح العارفين بك وعلّمنا الأدب معك واسلك بنا الطريق إليك وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء. اللهم اجعل القرآن الكريم همَّنا وحزننا ونور أبصارنا وشفاء صدورنا، واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة
علينا. اللهم علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، واهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة، واسقنا من يده شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، ثم أدخلنا الجنة. من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، هَبْ مسيئنا لمحسننا، واغفر لنا جملة واحدة. يا أرحم الراحمين ارحمنا، ويا غياث المستغيثين أغثنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. شكراً لكم.