كلمة أ.د علي جمعة خلال المؤتمر الدولي الثاني والثلاتون للمجلس الاعلى للشئون الإسلامية

كلمة أ.د علي جمعة خلال المؤتمر الدولي الثاني والثلاتون للمجلس الاعلى للشئون الإسلامية - ندوات ومحاضرات
الآن الحضور الكريم يتحدث إلينا فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية السابق ورئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب فليتفضل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، شكراً لهذه الدعوة الكريمة من معالي الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة. وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في مصر، شرفتم
البلاد والعباد، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا المؤتمر في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة، وأن نخرج منه برؤية تدفعنا إلى الأمام لمزيد من السلام المجتمعي ومن السلام العالمي، وأن نأتمر بأمر ربنا سبحانه. وتعالى هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها أي طلب منكم عمارها، وهذا المؤتمر يتغيّى في النهاية عمار الأرض وعمرانها. فمرحبًا بكم
في هذا الجمع الكريم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. المواطنة أصبحت وكأنها الحل الأمثل للعصر الحديث، وإن كانت هذه المواطنة قد تركها لنا. النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نماذج أربعة، عندما كان في مكة كانت السلطة والنظام ضد هذا الدين الجديد، ورأى المؤمنون من المشركين ما رأوا من عذاب واعتراض،
وعاش النبي صلى الله عليه وآله وسلم مواطناً صالحاً آمناً مؤمناً، لكنه قدم الأمن على الإيمان، وهذا يمكن أن يكون حال. مسلم أنه يكون في بلاد لا تريد هذا الدين بل قد تريد هدمه ومحاربته فلا يخرج عن هذا ويتمسك بدينه وبدعوته بالطرق التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مكة قبل الفتح أربعة عشر سنة يمكثها رسول
الله صلى الله عليه وسلم في مكة هو ومن اتبعه من المؤمنين على هيئة المواطنين الصالحين الصادقين لم يصطدموا ولم يفجروا ولم يدمروا بل عمروا وهم في بلاد لا تريدهم ولا تريد إسلامهم ولا دينهم ولا صلاحهم للأرض، ظل مع المؤمنين يدعو إلى الله، تصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وتصور معي أن هذه الكعبة حولها ثلاث مائة وستون صنمًا تُعبد من دون الله على هيئة الشرك الذي لا يغفر
الله له، لم يفكر في يوم من الأيام أن يزيل صنمًا ولا أن يصطدم بذلك المجتمع، بل فضّل المواطنة وعلّمها لنا، وترك ذلك النموذج من أجل أن نتبعه في كل حياته وفي كل. قطرة وثانية ودقيقة من عمره الشريف الذي جعله الله أسوة حسنة للمؤمنين إلى يوم الدين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. رسول الله صلى الله عليه وسلم يفر أصحابه الكرام إلى الحبشة فيحدثون فيها النموذج الثاني، دولة تأويهم ولكنها ليست مسلمة ولا تريد إسلامهم، ولكنها
دولة عاقلة تؤمن بحرية العقيدة وحرية. الإنسان وتستضيف هؤلاء العصبة خير استضافة حتى أن جعفر رضي الله تعالى عنه يذهب إلى النجاشي من أجل أن يتم أخذ الجنسية الحبشية حينئذ وينضم إلى الجيش عندما جاء العدو يحارب النجاشي فرفض، إذًا فهم في حالة إقامة دائمة ولم يأخذوا الجنسيات بعد، وفي المرة الثانية ورأى العدوان شديدًا وافق. والحقهم بالجيش الحبشي، كل هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين
ظهرنا يعلمنا وإلى يوم الدين ما يجب علينا أن نطبقه حتى نلقاه. فهؤلاء الذين يريدون أن نطيعهم وأن نعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نرسل لهم برسالة واضحة حازمة جلية: خسئتم وخسئ ممشاكم، نحن سنطيع رسول الله. صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما ذهب إلى المدينة أولاً ووجد فيها التعددية العرقية والقبلية والدينية، أنشأ صحيفة المدينة ودعا فيها إلى المواطنة حينما يكون البلد
به تعدد. وبعد فتح مكة، وقبلها كان فتح خيبر، استقر الأمر لهذه العصبة الجديدة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ورأيت الناس يدخلون في دين. الله أفواجًا حتى لم يبق في المدينة إلا أفراد، فكان نموذج الرابع كيف نعيش في بلاد ليس فيها سوى المسلمين. يختزل بعضهم حياة النبي في هذا الأخير، وهذا أمر غير سديد، بل إننا يجب أن نستفيد منه في نموذج مكة والحبشة والمدينة أولًا والمدينة آخرًا،
وكلها تدعو إلى المواطنة وتدعو. إلى الأمن وتدعو إلى الاستقرار وإلى السلام وإلى أن نكون مثالاً صالحاً يُحتذى وإلى أن نجاهد في سبيل الله بشروطه التي أراد الله سبحانه وتعالى أن نجاهد فيها دفاعاً عن الأوطان وعن الحوزات وعن الأعراض وعن الأموال وعن الإنسان. المواطنة صارت بمفهومها الحديث أنسب ما يكون للتطبيق الإسلامي، فالحمد لله. الذي جعلنا مسلمين، هذه المواطنة ستؤثر
من الناحية المجتمعية والاجتماعية. أما من الناحية المجتمعية فسوف تؤدي إلى الأمن والانتظام، وأما من الناحية الاجتماعية فسوف تؤدي إلى الانتماء وإلى الرفاهية وإلى التمكن في الأرض. يا رب اجعلنا مسلمين فاهمين عنك وعن رسولك الكريم، والحمد لله رب العالمين. شكراً لكم.