كلمة أ.د. علي جمعة في ندوة دار الإفتاء المصرية بعنوان : " الفتوى وبناء الإنسان "

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عيال مفتي الديار المصرية، شكراً لكم على هذه الاستضافة الكريمة، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الندوة نافعة تصلح الدنيا والدين معاً. كل التحية لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد. التحية إلى فضيلة الأستاذ الدكتور صالح الدويني وكيل الأزهر الشريف
حفظه الله تعالى، وكل التحية إلى فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية السابق، وإلى نيافة القس الأنبا إرميا رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، وإلى فضيلة الأستاذ الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر، وإلى فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبد الدايم الجندي أمين عام مجمع البحوث. الإسلامية ونهنئه بالمنصب الجديد وندعو له الله سبحانه وتعالى أن يوفقه فيه وأن يتم له الخير، وهذه ندوة مباركة لأنها تتكلم عن تأثير الفتوى في بناء الإنسان. أما
الفتوى فهي على ثلاثة أنحاء ومن ثلاثة أركان، الركن الأول هو إدراك النص، وإدراك النص يقتضي الوعي قبل السعي، وإدراك النص مهم. للغاية لأن هناك فارقاً كبيراً بين النص الوارد المقدس وبين فهم هذا النص وبين تطبيق هذا النص على الواقع، وهذا هو الذي يقوم هذا المعهد الجليل الكريم عبر ألف سنة لتعليمه للناس كيف يفهمون النص وكيف
يطبقون النص، وليس فقط كيف يحفظون النص، فمن حفظ النص وحده فإنه يكون نسخة. من الكتاب، لكن لو عرف العلوم التي بموجبها يدرك المعاني والمقاصد ويدرك كيفية تطبيق ذلك في الواقع، فإنه يكون قد أدرك الحق. هذه هي المشكلة بيننا وبين النابتة الذين يعتقدون أن العلم كوي، وأنه يمكن أن نحصله في أيام معدودة، وأنه في دورة من أسبوع أو أسبوعين نستطيع أن نصل. إلى
قراءة الكتب وإلى التصدر قبل التعلم للناس وإلى ادعاء الزعامة، وكلها أمور لا علاقة لها بالواقع وهي نوع من أنواع الاستهانة بالإنسان وبعقل الإنسان. إدراك النص لا يقتصر على إدراك النص المقدس، بل هناك إدراك للنص المقدس وهناك إدراك للنص الاجتهادي، وهناك فرق بينهما. في النص الاجتهادي نبحث دائماً. عن المناهج وما وراء السطور، وهذا ما يعلمنا مشايخنا إياه عبر رحلة طويلة امتدت أكثر من خمسين سنة، ولكن
مع المحبرة إلى المقبرة، والعلم من المهد إلى اللحد. ولكن أيضاً لا تقل قد ذهب أربابه، فكل من سار على الدرب وصلى وداوم على مذاكرة العلم، فحياة العلم مذاكرة، تنمية للإنسان وبناء. للعقلية الركن الثاني هو الواقع وإدراك الواقع له علومه. الواقع مركب من عالم الأشياء وعالم الأحداث والأشخاص وعالم الأفكار، تجمعها نظم ينبغي أن نتعمق فيها وأن ندركها على وجهها حتى نكون
مهيئين لتطبيق ما فهمناه من النص في ذلك الواقع شديد التغير، شديد التطور، شديد التدهور، شديد التشابك. يتغير كل يوم وليس كل سنة أو كل قرن، يتغير بصورة عجيبة غريبة. تحدث الفجوات في النفس البشرية وتحدث الفجوات في الواقع المحيط وتنشأ المشكلات. ويجب على الإفتاء أن يُعلِّم الناس كيف يدركون واقعهم وكيف يطبقون ما فهموه من دينهم بمنظومته الأخلاقية الرائقة الفائقة على ذلك الواقع
المتشابك المتطور المتدهور. في آن واحد والثالث من في الإفتاء الذي هو يبني الإنسان هو هذا الجسر الواصل بين النص وفهمه وبين الواقع وإدراكه يتمثل عند المسلمين في الإجماع، ولذلك نهتم اهتماماً بليغاً باللغة بالمقاصد الشرعية المرعية بالمصالح التي تحقق الرفاهة والمعيشة الكريمة في المعاش عند الناس،
نتحقق بالمآلات ما الذي تؤول إليه هذه. الفتوى بعد ذلك وماذا ستكون، إن هذه الثلاثة هي أركان الإفتاء، وهذه الأركان تسعى لبناء العقل، وهذا العقل يسعى لعمارة الكون من خلال عبادة الله، ويسعى لتزكية النفس من خلال عبادة الله. إذاً فهذه علاقة الفتوى ببناء الإنسان. لا أحب أن أطيل عليكم، ولكنها ندوة جاءت في وقتها، جاءت لغرض. صحيح، طيب، نرجو الله أن يتمه وأن ينفع به وأن يجعل جلستنا هذه
في ميزان حسناتنا يوم القيامة وأن يجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة وأن يشرح صدورنا لتطبيق ما نتوصل إليه نظراً وفكراً في واقع الناس ليستفيد الناس، وأقربكم عند الله أنفعكم للناس، شكراً لكم.