كلمة أ د علي جمعة خلال فعاليات مؤتمر "دور الفتوى في استقرار المجتمعات"

كلمة أ د علي جمعة خلال فعاليات مؤتمر "دور الفتوى في استقرار المجتمعات" - ندوات ومحاضرات
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أشكر غاية الشكر فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، ذلك العالم الجليل الذي يترأس هذه الأمانة العامة لدور الإفتاء وهيئاته في العالم. أحييكم أولاً بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأصلاً. لما بدا به فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي أن الإفتاء يقوم على الوصل بين فهم النص والواقع، وهذا النص
إما أن يكون مقدساً وإما أن يكون من نتاج المجتهدين الكبار العظام على مر التاريخ. والنص المقدس والكتاب والسنة والفقه وعلوم الشريعة نصوص ظهرت من أكابر المفكرين العظام الذين قاموا بواجب وقتهم. ينبغي علينا أن نفهم هذا النص، وتقوم الكليات الشرعية بهذا المعنى من تدريس علوم الوسائل وعلوم المقاصد من لغة ومن أصول ومن منطق ومن فقه ومن علوم توثيق للقراءات
أو للحديث، بحيث تصل بطالبها إلى فهم النص المقدس، وتصل بطالبها أيضاً إلى فهم النص البشري الذي هو نتاج ذلك الاجتهاد. ونتاج هذه العقول النيرة عبر تراث المسلمين التي عبدت الله وعمرت الدنيا وزكت النفس، فالحمد لله أن جعلنا منتمين لهؤلاء الأكابر الأفاضل الأتقياء الأنقياء الذين علمونا كيف نحصل سعادة الدارين الدنيا، ونرجو الله سبحانه
وتعالى أن نحصل سعادة الآخرة. القضية الثانية والتي لا تُعلم إلى الآن وسمعنا الإمام الأكبر في كلمته الافتتاحية يدعو إلى تعليمها في الكليات الشرعية ويجعل لها تخصصًا مستقلًا وندعو الله سبحانه وتعالى أن ييسر هذا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. إدراك الواقع والواقع كما عليه علماء الاجتماع يتكون من عالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأحداث وعالم الأفكار وينتظم هذه العوالم النظم بتركيبها وبدرجاتها
ولا يمكن للمفتي. أن يكون صحيحاً في فتواه إلا إذا أدرك هذا الواقع بعمق في عوالمه المختلفة وفي محور كل عالم من هذه العوالم وفي العلاقة بين كل عالم وكل عالم آخر من هذا الواقع الذي يتميز بأنه مركب ومتطور ومتغير ولكن إدراك أداة فهم عالم الأشياء وفهم عالم الأشخاص والفرق بين الشخصية الاعتبارية والشخصية الطبيعية وفهم
الأحداث وتحليلها وفهم الأفكار وتقويمها والمنظومة من كل هذا يؤثر تأثيراً مباشراً في الفتوى وفي استقرار المجتمع. العنصر الثالث الوصل بينهما؛ النص خاصة المقدس نص مطلق، والواقع المعيش واقع نسبي، ووصل المطلق بالنسبي يحتاج إلى أمور منها إدراك المقاصد ومنها إدراك المصالح المرعية ومنها إدراك المآلات. المعتبرة ومنها الاطلاع بدقة على الإجماع
وعلى مفهومه حتى لا نخرج عن هوية الإسلام، ومنها التبحر في العربية التي نزل بها القرآن، وإذا صحت العربية عند المجتهد صح فكره لأن اللغة والفكرة وجهان لعملة واحدة. إذا استطعنا أن نفهم هذه المعادلة نفهم النص بأنواعه والواقع بتراكيبه ونتدرب على كيفية الوصل. بينهما ونجعل لأنفسنا سقفاً من هذه الخمسة المذكورة، فإن الفتوى تمر بأربعة مراحل: بتصوير المسألة،
ثم بتكييفها، ثم بمعرفة حكم الله في مثلها، ثم بتطبيقها وإصدار الفتوى للناس. هذه المراحل الأربعة يمكن أن يحدث الخطأ في كل واحدة منها، فتصدر الفتوى على غير ما ينفع الناس إذا حدث خلل في فهم النص أو حدث خلل في إدراك الواقع أو حدث خلل في الوصل بينهما أو حدث خلل في تصوير المسألة أو حدث خلل في تكييفها أو حدث خلل في معرفة حكمها أو حدث خلل في إيقاع فتواها تنحرف الفتوى عن
جادة الصواب وتذهب إلى اضطراب الناس والمجتمع وهنا نبدأ في دراسة ما معنى استقرار المجتمع ويفرق الكاتبون في هذا بين الأمن المجتمعي والأمن الاجتماعي، فيجعلون الأمن الاجتماعي هو المتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة، وأنهما وبهما تتكون الأسرة، فيتكون الأولاد، فينشأ عنهم النسب، والأسرة هي الوحدة الأولى للمجتمع. الأمن المجتمعي يتكون أيضاً من الأمن العسكري، ومبنى
الأمن العسكري هو الردع. ويتكون أيضًا من الأمن السياسي، ومبنى الأمن السياسي رعاية شؤون الأمة في الداخل وفي الخارج. ويتكون أيضًا من الأمن الاقتصادي، ومبنى الأمن الاقتصادي الرفاهية. ويتكون أيضًا من الأمن الفكري، والأمن الفكري مبناه ومحوره النفع والعمارة. هذه الثلاثة التي دائمًا نتحدث فيها: العلاقة بيننا وبين ربنا ومبناها العبادة، والعلاقة بيننا وبين. الكون ومبناها العمارة والعلاقة بيننا وبين أنفسنا
ومبناها التزكية. إذا وصلنا إلى هذا التصور فإننا نصل إلى قضية الأمن المجتمعي الذي يؤدي إلى الاستقرار. لا بد أن يشرف من يقوم بالإفتاء على هذه الخريطة حتى يعلم المآلات ومدى تحقق المصالح في واقع الناس ومدى الالتزام بالمقاصد الشرعية التي تمثل النظام. العام والآداب هذه خريطة سريعة لما نحن فيه. الخلل فيها يؤدي إلى ما نحن فيه الآن من مصائب وكوارث وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين. الخلل فيها
يؤدي إلى نبذ الناس لدين الله وإلى الخروج من دين الله أفواجًا. الخلل فيها يؤدي إلى فساد عريض في الأرض. شكرًا لكم.