كلمة أ د علي جمعة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر من أهل السنة والجماعة

كلمة أ د علي جمعة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر من أهل السنة والجماعة - ندوات ومحاضرات
فالآن بإذنكم ننتقل إلى كلمة افتتاحية لهذا المؤتمر المبارك إلى الكلمة المباركة لمولانا الشيخ علي جمعة المفتي السابق للديار المصرية فليتفضل مشكورا. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه. أتقدم أولا بالشكر الموصول إلى فخامة الرئيس رمضان قديروف على هذه الاستضافة وأتقدم إلى دولة الشيشان شعبا وحكومة بالشكر الجزيل، وأقول
لكم جميعا أيها الحفل الكريم وفي حضرة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وإمام أهل السنة والجماعة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي هذه الليلة المباركة وتلك الليلة المباركة التي يعقد فيها هذا الاجتماع، نرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الجلسة تحفها وأن تكون في ميزان حسناتنا يوم القيامة، أهل السنة والجماعة هم أهل الحق وهم سبب العمران، والله سبحانه وتعالى من مقاصد خلقه أن نعبده "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
وأن نعمر هذه الأرض "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" أي طلب منكم عمارتها، وأن نزكي أنفسنا ابتغاء وجه الله. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ومقاصد الخلق الثلاثة أرادها الله سبحانه وتعالى وبينها لنا رسوله الكريم وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وحذرنا من الخروج عن هذه المحجة البيضاء ووفق الله المسلمين في الحفاظ على هذا الدين فألهمهم نقل النص الشرعي كما
هم وفرقوا في نقلهم بين القراءات المتواترة والقراءات الشاذة وبين الحديث المقبول والحديث المردود وأنشؤوا لذلك علوما سميت بعلوم السند وعلوم الرواية أقامهم الله سبحانه وتعالى لنقل النص الشرعي الشريف قرآنا وسنة لكنه ألهمهم أيضا أن ينقلوا اللغة التي وردت بها وهذا القرآن هو قرآن عربي مبين وهذه السنة نطقت بها أفصح العرب عليه الصلاة والسلام فنقلوا هذه اللغة ووضعوا العلوم
لفهم هذه النصوص وفرق أهل السنة والجماعة بين النص وبين تفسير النص حتى قال بعضهم نحن الأطباء وأنتم الصيادلة فالصيدلي يصف الدواء لكنه لا يعرف كيف يشخص الداء ولا أن يضع أمامه الدواء والحمد لله رب العالمين فرقوا بين تفسير النص وبيان تطبيقه في تحقيق المناط وفي تخريج المناط فخرج مذهب أهل السنة والجماعة وهم جماهير أهل السنة وجماهير المسلمين عبر العصور وكر الدهور حتى
سماهم الآخرون المخالفون العامة والجمهور لأن أكثر من تسعين في المائة من المسلمين عبر القرون كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة والحمد لله الذي تتم الصالحات نقلوا النص فأحسنوا وفسروا النص وفصلوا المجمل وطبقوا النص في الحياة الدنيا حتى عمروا الأرض بما فيها، أهل السنة والجماعة هم الذين اتخذوا حديث جبريل الذي صدر به مسلم صحيحه والذي جاء جبريل ليعلمنا أمر ديننا فيه، فقسموا العلم إلى الإيمان
والإسلام والإحسان إلى العقيدة والفقه والسلوك وقام كل إمام عبر التاريخ بما أقامه الله فيه فسميت القراءات بأسماء أئمتها هذه قراءة عاصم وهذه قراءة نافع وهذه قراءة حمزة إلى آخره من القراءات العشر المتواترة وسميت العقيدة بأسماء المتصدرين الذين حفظوا المنهج عن الصحابة الكرام فهذا أبو منصور الماتريدي وهذا أبو الحسن الأشعري وبينهما خلاف في نيف وعشرين مسألة كلها أعادها العلماء إلى الخلاف اللفظي، ولكن
بقي منها ثمانية هي على الخلاف المعنوي. تحملها أهل الإسلام وقبلوا بالتعدد وقبلوا باختلاف الآراء وتعدد أهل الفقه. أكثر الفقه متفق عليه إلا أنه في نحو الربع منه خلاف بين الأئمة، أكثر من خمسة وثمانين مجتهدا عبر التاريخ انتموا إلى أهل السنة. والجماعة لم يكتفوا بإدراك النص بل طالبوا بإدراك الواقع ونص القرافي في تمييز الأحكام عن أنه لا بد لنا أن ندرك الواقع وإلا إذا
جئنا بما في الكتب فألقيناه في أي واقع كان دون تحقيق لذلك المناط نكون قد أضللنا العباد إدراك النص من جهة وإدراك الواقع من جهة أخرى أضاف إليها أهل السنة والجماعة عنصرا آخر وهو كيف نطبق هذا المطلق على ذلك النسبي وهذا النص على ذلك الواقع وكل ذلك منصوص بعباراتهم وهو معمول به وإلى يومنا هذا فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات افتقدت تلك الجماعات الإرهابية فهم النص واعتقدوا أن كل
ما يرد في أذهانهم إنما هو صحيح ويجب عليهم أن يسيروا خلفه، افتقدوا إدراك الواقع وافتقدوا أيضا الوصل بينهما فضلوا وأضلوا كما يقول الإمام القرافي رحمه الله تعالى، أهل السنة لم يكفروا أحدا إلا من اعترف بأنه كافر وإلا من أراد أن يخرج عن جماعة المسلمين، لم يكفروا أحدا من أهل القبلة أبدا ولم يدخلوا الناس في طلب الحكم وليس في الدماء وليس في الفروج وقالوا إن الاحتياط إنما هو في الدماء والفروج
فقبلت الخلاف وأقامت عليه الدليل وقبلت التعددية سواء في الاعتقاد أو في الفقه أو في السلوك وكلهم من رسول الله يلتمس غرفة من البحر أو رشفة من الديم ووقوف لديه عند حدهم نقطة العلم أو من مسألة الحكم فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيبا بارئ السميع إنهم وقفوا عند المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر واحتاطوا في دينهم لم يتخذوا العنف سبيلا وفي حديث
أبي موسى الأشعري يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن أحدهم يقتل أباه وأخاه وجاره قالوا أومعهم عقولهم يومئذ يا رسول الله قال يسلب الله عقول أهل هذا الزمان يحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء ويقول من خرج على أمتي لا يفرق بين برها وفاجرها فليس مني ولست منه وكفى أن يكون هذا الحال الذي عليه تلك الجماعات وقد تراكم عبر السنين وكر الأعوام يكفي أن يتبرأ
منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يسميهم بالخوارج وأن يقول في شأنهم الخوارج كلاب أهل النار فإنا لله وإنا إليه راجعون فهموا الشرع من بدايته فهموا بسم الله الرحمن الرحيم وأن الله سبحانه وتعالى أورد الرحمن الرحيم ولم يقل بسم الله الرحمن المنتقم، ولم يقل بسم الله المنتقم الجبار، ذلك يخوف الله به عباده يا عبادي فاتقون، لكنه صرح لهم بجماله في جماله ولم يواجههم بالجلال سبحانه وتعالى، فهم الناس
وتعلمنا في الأزهر الشريف بسم الله الرحمن الرحيم، وكان علماؤنا يمرون بها على كل علم. ما أحكامها في الفقه، ما قضاياها في المنطق، ما أوضاعها في العقيدة، ما دلالاتها في السلوك، ما أوضاعها في علم البلاغة، يجلسون يدرسون في بسم الله الرحمن الرحيم حتى نظن أنهم لن ينتهوا من هذا الدرس، ثم ظهر لنا عندما جاء هذا البلاء أنهم كانوا على حق وأنهم كانوا يبنون الهرم بشكل معتدل قاعدته تحت وقائمته وقمته فوق، أما
هؤلاء فقد قلبوا الهرم على أنفسهم فانهار على رؤوسهم. أبدا لم ينكر أهل السنة والجماعة العقل ووفقوا بين العقل والنقل وتعايشوا مع الآخر. أفتى الليث بن سعد أن جميع الكنائس في مصر حادثة بعد الإسلام وهو إمام من أئمة أهل السنة. والجماعة لم ينشئوا قضايا وهمية ولم يصطدموا مع أحد من العالمين وفتحوا قلوبهم ونفوسهم للناس فدخل الناس في دين الله أفواجا قاموا
بواجب عصرهم وكل عصر له واجب وعلينا كما قاموا بواجبهم أن نقوم بواجبنا وأن ندرك النص وأن ندرك الواقع وأن نتعلم كيف نصل بينهما راعوا جهات الاختلاف الأربعة الزمان والمكان والأشخاص والأحوال ويؤلف القرافي كتابه الذي
يقرأ خطأ ثم يفهم خطأ ثم يطبق خطأ ثم يصد عن سبيل الله بغير علم وهذا هو الحاصل بين من تعلم العلم النافع وعلى رأس هذه المدارس الأزهر الشريف وبين من اتبع هواه وبين من أفسد في الأرض وبين من شوه الصورة الإسلام والمسلمون رسالتي إلى الخارج وإلى الداخل اعلموا أن الأزهر هو محضن أهل السنة والجماعة وأن هذه الجماعات تشيع ظلما وكذبا وخطأ أنه قد
اخترق وذلك حتى تشكك الناس في مرجعهم وفي العودة إلى الأزهر والانتماء إليه الأزهر قائم بعون الله تعالى وبقيادة فضيلة الإمام كل يوم يسعى إلى تحقيق الأهداف والذي كسب الأرض في عموم العالم من هذا البلاء الذي حل به لم يخترق أبدا ولن يخترق إلى يوم الدين لأن الله هو الذي أقام والله هو الذي يحافظ عليه والله هو الذي يخصص له من يقوم بمنهج أهل السنة والجماعة ولو كره الفاسقون، أدعو الله لنا أن يوفقنا إلى ما
يحب ويرضى، أدعو الله لنا أن ننشر الدين الصحيح بالفهم الصحيح والتطبيق الصحيح، أن نوضح للناس المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أدعو الله لنا أن يوفقنا في هذا المؤتمر وفي غيره، أن يكون بداية تصحيح لصورة الإسلام عند من خوفوهم من التأصيلية المباركة وبيان التوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة فجزاكم الله خيرا