كلمة حق | أ.د علي جمعة | العلمانية بتاريخ 2011 - 05 - 27

شكراً
معنا أيضاً فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء والمفكر الإسلامي، ونرحب بفضيلتك دكتور أهلاً بك، ومرحباً بكم. ومعنا الداعية الإسلامي الدكتور أسامة الأزهري عضو هيئة تدريس كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ونرحب بك أهلاً وسهلاً فضيلة الدكتور. كما طلبت مني أن نبدأ بالدكتور عمارة، فأستاذنا... الكريم الأستاذ الدكتور محمد عمارة، هل هي علمانية أم علمانية؟ وتعريفها يعني كمقدمة لبداية هذا الحوار. نحن نتحدث عن العلمانية والتيارات الدينية، فهل لك أن تطلعنا بداية على مفهوم العلمانية؟ بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين. أولاً هي... بفتح العين العَلَمانية وليست العِلمانية لأن العِلمانية تكون من العلم وهذا ليس صحيحاً، إنما هي العَلَمانية من العالَم
وهي مصدر غير قياسي. كان المفترض أنها تكون العالَمانية نسبة إلى العالم. لماذا؟ لأن العالَمانية لو أردنا تعريفاً شديد الإيجاز هي عزل السماء عن الأرض، عزل السماء عن الأرض. لأنها تترجم أيضاً بالدنيوية أي جعل العقل والتجربة والعالم والواقع هو المصدر وليس الشريعة وليست السماء، بمعنى أن يصبح الإنسان مستقلاً بذاته، والعالم مستقلاً بذاته، والمجتمع مستقلاً بذاته، يُدار بالقوة المدَّعاة في هذا العالم دون تدبير إلهي ودون شريعة سماوية. وأنا أريد أن ألقي نظرة ولو بشكل سريع على فلسفة هذه العلمانية. تفضل في الحضارة الغربية
في الرؤية الأرسطية عند أرسطو الله مجرد خالق للعالم خلق العالم وحركه ولذلك يسمى المحرك الأول، فالعالم يدار بالقوة المودعة فيه دون تدخل ورعاية وتدبير إلهي. المجتمع يدار بالقوة المودعة فيه دون تدخل شرعي ودون تدبير إلهي، بالضبط مثل الذي صنع الساعة جعل في داخلها ما... يديرها دون أن يكون صانع الساعة موجوداً فيها، إذ هي عزل السماء، عزل الشريعة، عزل الدين عن المجتمع وعن الإنسان. وهذا طبعاً في التصور المغالي والمتطرف للعلمانية، لأن العلمانية فيها نوعان: نوع يعزل السماء عن الأرض، يعزل الدين عن الحياة بما فيها حتى منظومة القيم، ونوع آخر أقل تطرفاً.
يعزل الدين عن السياسة والدولة والمجتمع ويُترك التدين في المجتمع. طبعاً هذه الرؤية التي تجعل السماء معزولة، والدين والشريعة معزولين عن تدبير المجتمع، هي تجعل الإنسان سيداً للكون. ولذلك فإن إرادة الأمة وسلطة الأمة يمكن أن تُحِلّ الحرام أو تُحرِّم الحلال. إذاً هي دنيوية، إذاً هي تجعل الواقع هو المصدر. المرجع جعل العقل والتجربة العقل المجرد عن الشريعة وعزل الشريعة عن الحياة. والمنادون بدولة علمانية يريدون الأكثر تطرفاً أم الأقل تطرفاً. يعني نحن عرفنا على نطاق العالم أن الماركسية علمانية متطرفة لأنها مادية، تريد أن تعزل الدين عن الحياة وعن المجتمع. في المجتمعات الإسلامية التيارات
المادية التي هي التيارات يعني... ملحدة زنادقة منافقون، هؤلاء أيضاً غلاة من العلمانيين يريدون عزل الدين. يعني مثلاً الناس الذين يريدون تنظيم قوانين الأسرة وقوانين الحياة، كل هذا بعيداً عن الشرع، هذه محاولة لعزل الدين عن الحياة. لكن هناك أناس أقل تطرفاً يقولون لا يوجد دين في السياسة ولا توجد سياسة في الدين، لكن... يتركون ويقفون موقفاً محايداً مثل التدين، يعني نحن للإنصاف نقول إن العلمانية فيها علمانية مغالية متطرفة، علمانية مادية من الناحية الفلسفية، وفيها مجرد أنهم يريدون فصل الدين عن السياسة وعن الدولة، وهؤلاء أقل تطرفاً، لكنني أريد أن أشير إلى أن هذه الرؤية قد تكون مبررة في الغرب. الذي نشأت فيه العلمانية اسمع له
أولاً: الفلسفة الأرسطية لا تجعل هناك تدخلاً إلهياً في إدارة العالم وفي تدبير العالم، وأيضاً في النصرانية الرومانية كانوا يقولون أن المسيح قال: "مملكتي ليست في هذا العالم"، "ما لقيصر لقيصر". إذاً هي أيضاً تُخرج الذات الإلهية والتدبير الإلهي عن المجتمع وتترك تدبير المجتمع. بالنسبة للرؤية الإسلامية، فهي على العكس من ذلك تماماً. لماذا يعني فضيلتك ترى أن العلمانية مبررة في الغرب الذي نشأت فيه؟ بالنظر إلى طبيعتها، يمكن أن تكون مبررة - ولو أنها أحدثت كارثة في الغرب - يمكن أن نتحدث عن موقفها، أي ماذا صنعت بالمسيحية في الغرب. لكن في الرؤية الإسلامية، الله سبحانه وتعالى... ونطاق عمل الذات الإلهية ليس مجرد خالق إلا له الخلق والأمر
"إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" إذاً الرؤية الإسلامية وأنا أريد أن أشير إلى أن الفارق بين دين ودين، فلسفة وفلسفة، حضارة وحضارة هي الرؤية للكون، يعني إذا كانت الحضارة الغربية رؤيتها للكون أن نطاق عمل الذات الإلهية... ينتهي عند الخلق وأن التدبير من داخل هذا المجتمع، مجتمع مستقل بذاته، الإنسان مستقل بذاته. فإذا هذه رؤية للكون، إنسان سيد الكون تماماً، يستطيع أن يحل الحرام وأن يحرم الحلال دون سقف شرعي. الرؤية الإسلامية ذات الإلهية ليست مجرد خالق، بل خالق ومدبر، هذه واحدة. الإنسان ليس سيد الكون إنما هو... خليفة لسيد الكون، ونظرية الاستخلاف تجعل الإنسان وكيلاً نائباً
خليفة، إذاً هو حر قادر مستطيع مدبر لذاته ولمجتمعه ولكونه. لكن كخليفة هو وكيل، إذاً هو مقيد في سلطاته. الأمة مصدر السلطات شرط ألا تُحِلَّ حراماً أو تُحَرِّم حلالاً، فالشريعة الإسلامية هي بنود عقد وعهد الاستخلاف. إذاً هذه هي الرؤية الفلسفية الإسلامية. للكون تجعل الإنسان ليس سيد الكون وإنما كما قال الشيخ محمد عبده: "الإنسان عبد لله وحده وسيد لكل شيء بعده". إذاً هذه رؤية الإسلام التي تجعل هذه الرؤية الفلسفية ترفض العلمانية التي تحرر الكون والدولة والمجتمع والإنسان من التدبير الإلهي ومن الشريعة الإلهية، فضيلة مفتي الديار الأستاذ الدكتور
علي. جمعة، افهم أن هناك تضاداً بين مفهوم العلمانية والشريعة الإسلامية، أم أن لكم رؤية تكمل رؤية الدكتور عمارة أو توضحها؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذه كلمة جديدة وافدة علينا، إذاً فلا بد من الرجوع إلى الأصل المستعمل. في الغرب، هذه الكلمة عندما أردنا أن نترجمها، حدث كما أشار الدكتور عمارة هذا الخلاف بين كونها علمانية أو علمانية أو عالمانية. ومعنى هذا أنها ليست من إنتاجنا وليست من حضارتنا وليست من اشتقاقاتنا. نعم، هذا إذن مصطلح بإزاء مفهوم وارد إلينا، فلا
بد علينا أن نفهم ماذا... يريدون من أبدع ما كُتِب في هذا حتى نحكم إذا كان هذا موافقاً للإسلام أو مخالفاً للإسلام أو موافقاً لحضارتنا وتاريخنا وهويتنا أو مخالفاً لذلك، "العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية" للمرحوم عبد الوهاب المسيري، وهو كتاب في جزأين يشرح فيه بالتفصيل ما معنى العلمانية الشاملة وما معنى العلمانية الجزئية التي أشار. إلى بعضها الدكتور عمار، القضية أن كل إنسان من الستة مليارات في الأرض يتطلع للإجابة على هذه الأسئلة: سؤال متعلق بالماضي، وسؤال متعلق بالحاضر، وسؤال متعلق بالمستقبل. وهنا تأتي الأديان السماوية وتأتي الفلسفات الوضعية
لتجيب بطرق معينة ومختلفة على هذه الأسئلة الثلاثة، ولذلك نسميها في حضارتنا بالأسئلة الكبرى لأنها أسئلة شاملة. لكل البشر لأنها هي التي حيرت الإنسان، لأنها هي التي إذا ما تأمل الإنسان في وجوده وفي الكون حوله فإنه يسأل هذه الأسئلة. ما الأسئلة هذه الثلاثة الكبيرة التي حيرت الناس وأجاب عنها كل دين؟ من أين أتينا؟ ممن نحن؟ من أين أتينا؟ الماضي الخاص بالإسلام واضح أن الله خلقنا، نعم. وكذلك الدينان واضحان؛ المسيحية تقول إن الله خلقنا، واليهودية تقول إن الله خلقنا. إذن ماذا نفعل هنا؟ وما معنى هذه الحياة؟ يعني لماذا أنا موجود هنا؟ فهذا السؤال متعلق بالحاضر، بواقعه الآن. هذا السؤال
أجاب عنه الإسلام وقال له: أنت مكلف، ومكلف معناه أن هناك أمراً ونهياً من الإله. يقول لك صلِّ وصُم إياك أن تسرق إياك أن تنهب إياك أن ترتشي حُجَّ وأوامر ونواهٍ وأوامر ونواهٍ. حسناً، وما فائدة كل هذا الذي يخص العبد، وهو توضأ للفجر وصلى وعمل وما إلى ذلك؟ فيجيبني على السؤال الثالث: ماذا سيكون غداً وأنا أرى الناس تموت وتولد، ورأيته هو يولد ونصبح. فرحون غاية الفرح وهو يولد، ثم بعد ذلك تمر الحياة، ثم يموت، ويموت في أي مرحلة كانت: وهو طفل، وهو شاب، وهو شيخ، سبحان الله. حسناً، إلى أين نذهب؟ فتأتي الإجابة الثالثة أن هناك يوماً آخر فيه جنة، فيه
نار، فيه حساب، فيه عقاب، فيه ثواب، ويرسم لنا الدين وبالتفصيل دين. الإسلام هذا الحال في هذا اليوم وفي صلاتنا في كل ركعة نقول مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين فهنا الإجابة على الأسئلة الثلاثة واضحة عندي وفي ذهني ومستقرة في يقيني وفي هويتي وأنا نشأت على هذا فوجدت هذه الفلسفة التي جاءت يا علي يقول لي لماذا تدخل أنت المدخل هذا ونحن لم نعرف بالحكاية هذه التي تقول أن الله خلقنا، لا، أنا لي مدخل آخر. قلت له: لك مدخل آخر غير أنك تؤمن بأن الله هو الذي خلق، وبأن الله هو الذي كلّف، وبأن الله هو الذي إليه المرجع والعقاب. لك إجابات
أخرى؟ قال لي: نعم، إذاً... هذا أول خلاف بيني وبينك لأنك الآن تسألني هل هذا مخالف أم غير مخالف يعني مختلف أم لا صحيح؟ نعم هكذا، إذن هو مختلف بين العلمانية والحضارة الإسلامية. أول خلاف، أول [خلاف] إسلامي، إنه هنا يقول لي: بالنسبة للسؤال الأول، أنا لا أرغب في جعل اسمه الأسئلة الكبرى. أريد أن أجعل اسمها "الأسئلة النهائية". قلت له: "ماذا تعني؟" قال لي: "سأجلس أبحث وأبحث في الفلك وفي الجيولوجيا وفي الأرض وفي السماء لكي أجيب على هذه المسألة". قلت له: "تجيب على ماذا؟" قال لي: "أجيب إذا كان هناك الله أم لا، وأجيب على إذا كان الله قد خلق". هذا الخلق أم لا، وأجيب على ما إذا كان ربنا أوحى إلينا لنفعل أو لا نفعل كما تقول أم لا، ومن هنا
ذهبوا مرتدين قضية العلم في هذا الأمر ليسموها علمانية، وكأن الإجابة على هذه الأسئلة تحتاج إلى علم، حتى لأنها أسئلة نهائية، قلت له: لكنني بدون العلم هذا الفيزيولوجيا والفلك وغير ذلك إلى آخره والفيزياء والكيمياء والطب وكل شيء وأنا مؤمن به يعني، لكن أنا حتى التأمل في هذا الكون العظيم الذي حولنا وببساطة هكذا كما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، يعني فنهار ساكن وليل مظلم وبحار ذات أمواج وأرض ذات فجاج. ألا تدل على اللطيف الخبير؟ صحيح، فهذه شيء يشبه الفطرة في الإنسان. ستة مليارات، عالمهم وجاهلهم، يقولون إن هناك إلهاً لأن القصور الذاتي مخالف
لفطرة الإنسان وعقله وأصل الخلقة. فلماذا تريدني أن أربط بين هذه العلوم الجميلة التي تُعمِّر الكون وبين الإجابة على السؤال؟ أولاً، أنا مختلفٌ معك حتى في هذا الأسلوب، ولكن هذه الإجابة الأولى هي إجابة فطرية. ثانياً، ما دمت قد قلت "إنما"، فانتظر حتى أعرف هل يوجد ربنا أم لا، فهذا يعني أننا نحّيناه وليس أنكرناه، لأننا كلما قلنا نحّيناه يفهم بعضهم ويقول: لا، نحن لا ننكر ربنا، وأنا أعرف ذلك. أنك أنت لا تنكر ربنا، لكن من ناحيته خرجت عن الإجابة. لن أجيب، حسناً، فبماذا أكون مكلفاً الآن؟ قال: "بلا شيء". أنت عليك أن تكون محسناً مع الناس وأن تعمر الأرض. كيف؟ قال: "فكر وتدبر وقل واعلم"، وهنا تأتي نقطة الحرية. دعه يعمل،
دعه يمر، فهذه هي الإجابة على الأسئلة. الثلاثة مختلفة، وبعد ذلك يقول لي: "حسنًا، وما بعد الموت؟"، فأقول له: "ومن سيعيش أيضًا؟". أنا لن أجيب عليه، سأهتم بحياتي الدنيا، ولذلك سموها علمانية، أي أنني أريد أن أُعمر هذا العالم. إذًا، إذا كنا نريد أن نناقش، فلنناقش بصراحة، هذه هي الإجابة على الأسئلة الكبرى التي يسمونها الأسئلة النهائية. هم يريدون أن يجعلوها إيمانية، أي أن كل واحد منا يصنع الكون كما يراه. وهنا ننتقل إلى نقطة أخرى وهي المطلق والنسبي. هل يوجد مطلق أم أن كل شيء نسبي؟ فالذي يظهر في العلمانية أن النسبية هذه شيء مهم جداً، خاصة في العلمانية الشاملة، وهذه النسبية هي كل شيء، لكن المهم هو الكم. والإنتاج
والعقد والاستهلاك ومبادئ كثيرة تكوِّن ما نسميه بالنموذج المعرفي، لكن القضية لماذا - وهذا وُجِد في الصحافة وفي الإعلام وما شابه - لا يوجد مسلم علماني؟ يريدون أن يجعلوني مسلماً علمانياً، فنقول لا يمكن، لماذا؟ لأن هذا نموذج معرفي وذاك نموذج معرفي آخر مختلفان. عندما نأتي إلى النموذج المعرفي ونضع عناصره. نجدها ثلاثين عنصراً مختلفين، الإجابات مختلفة، فهو مختلف، فكيف يكون مسلماً علمانياً؟ لا يمكن ذلك، لا يستوي الأمر، لا يستوي الأمر، نعم. حسناً، إذا كان الأمر واضحاً وجلياً، ضيفي العزيز فضيلة الدكتور أسامة الأزهري، كما أوضح فضيلة المفتي وفضيلة الدكتور عمارة، هناك اختلاف جذري بين الإسلام كدين وشريعة وبين العلمانية. كيف نفضّ الاشتباك وهناك تيارات والبعض يتحدث عن أننا نريد
دولة علمانية أو أن هناك تيارات علمانية؟ كيف ترى هذا الاشتباك وكيف يمكننا توضيح الصورة لهؤلاء؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبعه، ثم أما بعد، علماء القرآن... وعلماء التفسير قالوا إن قصص الأنبياء التي تحدثتنا عن سيدنا موسى وحواره مع قومه وتحدثتنا عن سيدنا شعيب وكيف تعامل مع قومه لم تأتِ لمجرد الموعظة والعبرة، لا، فكل نبي من الأنبياء كان يناقش فكرة وفلسفة كبرى من الفلسفات المتكررة في أطوار البشرية، ففكرة العلمانية وُجد لها نموذج قديم. في الفكر البشري عالجها نبي من الأنبياء فكرةَ قصر مصادر المعرفة على التجربة
أو الحس، ووجد لها نموذجاً قديماً في التجارب البشرية المتكررة، عالجها نبي من الأنبياء. نعم، والقرآن الكريم هو ينقل لي حوار الأنبياء مع أقوامهم، فهو في الحقيقة ينقل لنا مجموعة معالجات قرآنية لرؤوس النظريات الفلسفية المتكررة في. أطوار التاريخ البشري، خذ عندك مثالاً على ذلك فكرة العلمانية. بهذه المفاهيم وبهذه الرؤية وُجدت قديماً في تجربة وحضارة وثقافة بشرية قديمة في قوم سيدنا شعيب. نعم، فسيدنا شعيب يقول: "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تبخسوا الناس أشياءهم، إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب". يومٌ محيطٌ ثم حَدَّثَ قومَهُ قائلاً: "لا تنقصوا المكيال والميزان ولا تعثوا في الأرض مفسدين". فبدأ قوم شعيب يبرز
في كلامهم عرضٌ عجيب وغريب لمفهوم العلمانية في تلك التجربة البشرية القديمة. قالوا: "يا شعيب، أصلاتُك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟" يقولون. له، ما هو الرابط بين الصلاة والتعبد وبين إدارة الأسواق وإدارة الحركة المالية وإقامة المجمعات الاستهلاكية وإقامة محافظ الاستثمار؟ ما هي العلاقة بين الصلاة والتدين وبين إدارة الأموال؟ انظر، انظر إلى المفهوم العلماني القديم عند قوم شعيب، قالوا: "يا شعيب، أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن..." نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد، فانظر أول إجابة لسيدنا شعيب وهي النقاش القرآني والتفكيك القرآني لفكرة العلمانية: "قال يا قوم
أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً". إذاً، المرتكز القرآني في تفكيك الفكر العلماني الذي يعزل إدارة الحياة وحركة الأموال ونمط... الإدارة والنظم الإدارية للبلاد والعباد، النظام الذي يفصل هذه المهام عن فكرة الدين وعن التشريع الإلهي الحاكم، أول نقطة لتفكيكه ومناقشته. يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من الرب بتثبيت فكرة الربانية والإيمان بالغيب والاحتكام إلى معيار إلهي جاء إلينا عن طريق الوحي المعصوم المحفوظ المنقول نقلاً. منضبط ودقيق فيناقشون الفكرة العلمية بهذا المدخل: "يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي؟ أنا عندي يقين وعلوم يقينية ومناهج
بحثية وطرق علمية دقيقة نقلت لي التكليف الإلهي، وثبتت قبلها فكرة الألوهية، وثبتت فكرة الغيب، وثبتت فكرة النبوة، وثبتت فكرة الوحي حتى برزت هذه النتيجة. يا قوم أرأيتم؟" إن كنتُ على بينةٍ من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ وإليه أُنيب. وفي فكرةٍ ثانيةٍ صغيرةٍ جداً، أن خريطة الدين في الحقيقة أنه مكونٌ من ثلاث مناطق شديدة الأهمية: العبادة. العمارة والتزكية: صحيح أن كثيراً من الناس يتصور الدين مجموعة من الشعائر والعبادات وقيام الليل وكثرة الذكر فقط، بينما الخريطة الواضحة التي لا بد من إعادة بنائها في العقول وفي الثقافة العامة أن التصور الكلي للدين أنه مكون من ثلاثة أشياء: عبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس.
بعض الناس يتمسك في... قضية العبادة فقط وتبالغ فيها فتُنتج لدي أنماطاً من التدين المتطرف المتشدد. بعض الأنماط من الناس تتمسك في قضية التزكية وذكر الله والمنظومة الأخلاقية فقط فتنتج لدي أنماطاً من الرهبنة والعزلة. بعض الأنماط من الناس تتمسك في قضية عمارة الأرض فقط بمعزل عن العبادة والتزكية فتُنتج الفكرة العلمانية. فكيف نعيد؟ بناء العقلية على نحو يوازن بين الأمور الثلاثة: أن دين الله تعالى عبادة، وعمارة للأرض، وتزكية للنفس. وانظر إلى آية واحدة من القرآن جمعت الثلاثة: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع"، إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، هذه عبادة، فاسعوا. إلى ذكر الله تزكية نفس وذروا البيع حركة العمران في المجتمع ثم قال الله
تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض إذا قضيت الصلاة تمت العبادة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله حتى تدور حركة الإنتاج والعمل في المجتمع واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون فجمع الله تعالى هذه المفاهيم الثلاثة الخلاص أن الدين عبادة وعمارة وتزكية. تفكيك هذه المناطق هو الذي ينتج منه فكرة العلمانية. العلاج هو جمع هذه الخريطة مرة أخرى في بناء الثقافة العامة، وفي بناء الأجيال، وفي تنشئة الإنسان، وفي تصحيح التصور عن الدين في الفكرة العامة. حسناً، خطورة حدوث عدم توازن في المجتمع طبقاً... عندما ذكر الدكتور أسامة فضيلة الدكتور عمار وتأثيرهما على المجتمع، أي أن الذين ينادون بأن تكون الدولة علمانية في مجتمع مسلم، إذا طُبق هذا المفهوم، ما هي الانعكاسات السلبية على المجتمع وعلى السلام الاجتماعي فيه وعلى الشريعة؟ حتى إن الدكتور أسامة أشار إلى بُعدٍ
تاريخي في رسالات النبوات، سيدنا شعيب. يعني القوم يتحدثون بمنطق علماني، منطق دنيوي. يعني نعم نصلي ونعبد ويكون هناك عقيدة، لكن ما علاقة ذلك بالاقتصاد وبإدارة حركة المجتمع؟ هم هنا يريدون أن يقولوا إن المجتمع مستقل بذاته وأن الإنسان في هذا المجتمع مستقل. أريد أن أشير إلى بُعد شبيه بهذه الوثنية الجاهلية تكلم. بمنطق علماني يعني انظر، نحن قلنا إن أرسطو كان يرى أن الله مجرد خالق، والمسيحية الرومانية ترى أن الله مجرد خالق لأن مملكته ليست في هذا العالم، وإنما التدبير متروك لقيصر. فقيصر هذا ليس هناك سلطان ديني على تدبيره. انظر، الوثنية الجاهلية لم تكن تنكر أن الله
خالق، ولئن سألتهم من خلق. السماوات والأرض ليقولوا أن الله، لكن التدبير عندما يريد الوثني أن يسافر أو لا يسافر، يتزوج أو لا يتزوج، يحارب أو يسالم، يسأل من؟ لا يسأل الذات الإلهية، يسأل الصنم. إذاً هو جعل التدبير في العالم وفي الدنيا ليس للذات الإلهية، لأنه وقف بالذات الإلهية عند مجرد الخلق. نحن في... الإسلام لا يختلف اثنان على أن الإسلام عقيدة وشريعة. صحيح لو أردت أن تكون هناك دولة علمانية ومجتمع علماني، معنى ذلك أنك تعزل الشريعة وتكتفي في العلمانية المؤمنة بأن يكون هناك مجرد اعتقاد ومجرد عبادات ومجرد شعائر. إذاً أنت تقطع إحدى رئتي الإسلام، كون العلمانية تجعل الإنسان سيد الكون والتدبير. في الدولة والمجتمع والسياسة للعقل والتجربة، هذا
أيضًا فلسفة وضعية غربية التي هي تؤله العقل، بينما في الإسلام للعقل مقام عالٍ وعظيم، لكن العقل مع الشرع. وذلك يعني حتى الطهطاوي عندما ذهب إلى باريس سنة ألف وثمانمائة وستة وعشرين، ورأى الحياة في باريس وفي المدن الإفرنجية الكبرى، قال... هنا في علم العلوم علوم التمدن المدني التي لها دخل في العمران وفي عمران المجتمع، لكن هؤلاء الناس عندهم فلسفة وضعية تحتكم للعقل فقط ولا تؤمن بما في الكتب السماوية. وذُكرت معادلة شديدة الغرابة في علوم وتقدم في علوم مدنية وطبيعية وتجريبية وغيرها، لكن هنا فلسفة. وضعية تحتكم إلى الواقع
فقط ولا علاقة لها بالدين، فتكلَّم عن أن هذه الفلسفة وصفها الطهطاوي قائلاً: "ولهم في الفلسفة حشوات ضلالية مخالفة لكل الكتب السماوية". وبعد ذلك صاغ المعادلة التي شاهدها في باريس وفي الغرب في بيتين من الشعر فيهما ظرافة، حيث يقول: "أيوجد مثل باريس ديار شروس، العلم فيها لا". تغيب وليلُ الكفرِ ليس له صباحٌ، أما هذا وحقكم عجيبٌ! يبقى إذا عُزِلَ الدينُ عن المجتمع وأصبح العقلُ وحده هو المتحكمَ وهو المديرَ؟ العقلُ له مقامٌ عالٍ في الإسلام، وفي تسعٍ وأربعين آيةً في القرآن كلامٌ بشكلٍ مباشرٍ عن العقل، في التدبر والتفكر والتذكر واللبِّ والنُّهى، يعني حوالي مئاتِ الآيات. تتحدث عن العقل لكن الطوفي قال أنه
لا عبرة بالتحسين والتقبيح بالعقل وحده، وإنما لا بد من الشرع مع العقل، لماذا؟ لأن العلماني يقول لك العقل وفقط. حسناً، العقل ملكة من ملكات الإنسان، وكل ملكات الإنسان نسبية الإدراك. هناك ما يعلو على العقل، وكما قال علماؤنا مثل الشيخ محمد. عبده والأفغاني وغيرهما وغيرهم من العلماء يقولون إن الدين لا يأتي بما يخالف العقل، لكن قد يأتي بما هو فوق العقل، يعني عالم الغيب الذي فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. حقائق كُنه الذات الإلهية وصفات الجلال والكمال والجمال للذات الإلهية، الكُنه والحقيقة لا. يستطيع العقل أن يدرك هذا الكون وهذه الحقيقة، إذا وطالما أن العقل نسبي الإدراك، لا بد أن يأتي الوحي.
ومن هنا، العلمانيون يريدون إدارة المجتمع بالعقل وحده، فنقول لهم: إن العقل على عظمته، هناك مناطق - كما كان يقول الأفغاني - يقف عندها أمام سرادق عزة الذات الإلهية. إذاً الشرع مع العقل، والشريعة مع... التجربة ومع الخبرة ومع كل هذه الأمور في إدارة المجتمع، أما إذا عُزِلت الشريعة بالعلمانية فهذا كما قلت هو قطع إحدى رئتَي الإسلام. إذا أردت أن أقول منذ إطلالة تسرب هذا القانون العلماني عندما زادت الجاليات الأجنبية والنفوذ الأجنبي وشركة قناة السويس، فكان هناك موقف من علمائنا وعلى رأسهم وفي مقدمتهم... رفع التطوير لرفض هذا لأنه لا يمكن أن نكون مجرد مقلدين للمجتمعات العلمانية ونعزل شريعتنا، لأنه كما
قلت: الإنسان ليس سيد الكون، وكما قال فضيلة المفتي هو سيد في الكون وليس سيداً للكون، لأن سيد الكون هو الذات الإلهية. الإنسان في الإسلام خليفة ووكيل ونائب، فعندما أوكل المحامي في قضية... أعطيه الحرية لكن في حدود التوكيل. الإنسان نائب خليفة ووكيل لله سبحانه وتعالى، حر لكن في حدود عقد التوكيل الذي هو الشريعة الإسلامية. مجموعة من التساؤلات سنطرحها بعد هذا الفاصل إن سمحت دكتور عمار. مجموعة من التساؤلات
بعد الفاصل وسلِّم دائماً أبداً على حبيبك. خيرُ الخلقِ كلِهم مولاي صلِّ.
يقولُ قائلٌ: العالمُ الغربيُّ وهؤلاءِ الذينَ صدَّروا لنا هذا المفهومَ في حالةِ تقدمٍ كبيرةٍ، ولديهم حريةٌ وديمقراطيةٌ وما إلى ذلك منَ الأمورِ التي نتطلعُ أو نتشوقُ لها نحنُ كمجتمعاتٍ آخذةٍ في النمو. بماذا تردُّ عليهم إذا كان هناك اختلافٌ جذريٌ ما بين الإسلام وبين العلمانية، الذين يروجون لهذا المذهب، كيف نقول لهم أن هذا مخالف فعلاً للشريعة الإسلامية وأنه ليس سبب تقدم؟ ربما يكون العيب فينا. القضية أن التقدم والتخلف له معيار آخر غير تبني العلمانية أو تبني الإسلام. التقدم والنمو والتخلف وازدياد التخلف مقياسه الجدية
وليس مقياسه تبني هذه الأفكار باسمها. مجموعة القواعد والضوابط التي وضعوها على اعتبار أنهم يعني هذا أكبروا العلم أكثر من إفراز، ولكن عندما يتقدم البشر أي بشر سواء على المستوى الفردي أو سواء على مستوى الجماعة الصغيرة كالأسرة أو المدرسة أو المؤسسة أو المجتمع أو الأمة، بماذا تتقدم البشرية؟ تتقدم إذا ما التزم الإنسان بما يسمى... بالجدية، الجدية لها عناصر من التزم بها استطاع أن ينجح نجاحاً مقيساً مدركاً له معيار نقيس به، وتقدم فعلاً، ويخرج من حالة التنمية إلى حالة النمو. الفرق بين التنمية والنمو أن التنمية تحتاج إلى خطة، لكن النمو يسير بآلية
مثل كرة الثلج عندما تنزل من العلو إلى الأسفل فإنها تزداد. دائماً وحدها بقوة الجاذبية، فإذا كان النمو يحدث فيه، يحدث فيه من غير وضع خطة ما. الجدية، الجدية عناصرها هي: أولاً المحافظة على الوقت، ثانياً الصدور عن علم، ثالثاً الديمومة واستمراراً، رابعاً الإتقان، خامساً العمل في نظام الفريق، سادساً النظام، سابعاً وهكذا. نعم، السؤال الآن هو أن هذه العناصر يقرها. الإسلام لا يقر هذا. نعم، هذا
هو الحاكم، هذا هو الحاكم، وليس الحاكم أن هذا علماني وهذا إسلامي. العلماني إذا اتخذ هذه الجدية سوف يتقدم، والإسلامي إذا اتخذ هذه الجدية سوف يتقدم. إذا حافظت على وقتي سأتقدم، وقد حدث ذلك؛ فالصحابة فعلوا هكذا، والحضارة الإسلامية فعلت هكذا وكان. لدينا أحد علماء الحضارة الإسلامية اسمه أبو الوفاء بن عقيل. كان يحافظ على وقته جداً لدرجة أنه كان يلتهم الأرز جافاً، فيجعل وجبته عبارة عن التهام الأرز هكذا ولا يأكل الخبز. فسألوه: "هل في الخبز شيء؟" فقال: "لا، لكن أكل الأرز يستغرق ثلاث دقائق". وأكل الخبز يستغرق خمس دقائق وأنا لست متفرغاً، يعني يوفر دقيقتين. ماذا فعل أبو الوفاء بن عقيل؟ ألف كتاباً لم يؤلف
مثله أحد في العالمين. ألف كتاباً اسمه، أي الذي هو شرح ابن عقيل. لا لا، هذا ابن عقيل، هذا قريب لكن ابن عقيل هذا كان في القرن الرابع. أربعمائة وقليل يصبح الخامس، لكن ابن عقيل الحنبلي أبو الوفاء الحنبلي ألَّف كتاباً اسمه "الفنون" في ثمانمائة مجلد، ثمانمائة مجلد، يعني لو طُرح الآن لأصبح في ألفي مجلد. هل يستطيع شخص، هل تستطيع منظمة أو مؤسسة أن تؤلف كتاباً في ألفي مجلد؟ فإذا جاءت أمة مهما كانت... مسلمة أو تمسكت بالعبادة ثم إنها لا تعمل إلا ثمانية وعشرين دقيقة في اليوم، فهذا لا يُرضي الله وسنتخلف، سنتخلف. وحتى على فكرة لو كنا علمانيين، يعني لو كنا علمانيين فسنكون قد جمعنا بين الخسارتين، أي خسرنا الدنيا والدين، إذا كان
هذا المسلم الذي يعمل ثمانية وعشرين دقيقة. في اليوم وهو غير راضٍ أن يعمل الثماني ساعات الخاصة به، فإنه سيفشل. إذاً القضية ليست قضية إسلام وعلمانية، بل هي قضية عناصر النجاح، وعناصر النجاح التي تجتمع في كلمة الجدية. ولو جلسنا لنرى كيف يحافظ الإسلام على... طبعاً انظر، انظر، انظر إلى الفعل وانظر إلى التطبيق وانظر إلى النظر. لا تزول قدم عبد. يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه. أو الأمر كذلك، فإنه لابد أن يُسأل عن الزمن الذي أمضاه. والإمام سيدنا عمر يقول: "والله ما يدخل نَفَس وأرجو أن يخرج، ولا يخرج نَفَس" - كان يحاسب نفسه محاسبة الأنفاس. وعُرف في التربية الإسلامية ما يسمى
بمحاسبة الأنفاس. تخيل أنك تنتبه إلى نفسك في كل لحظة، تخيل أنك تراقب نفسك وتحاسبها مع كل نَفَس، وتأخذ مع كل نَفَس يدخل وتقول: ما هذا؟ ما هذا؟ ما هذه الهمة؟ ما هذا الوضع؟ لا، هؤلاء هم أناس كانوا أبناء الحضارة عندما يأتي ليقول لك أحب. الأعمال الأحب إلى الله أدومها وإن قلت، وكان عمله دائماً أي مستمراً هكذا، وعندما يأتي ويقول: "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه"، وعندما يأتي ويقول: "لينوا في أيدي إخوانكم"، وعندما يأتي ويقول: "أدوا النصيحة"، وعندما يأتي ويقول: عندما نمسك هكذا، فإن الله في ديننا يأمرنا بالجدية. والنجاح المقيس الذي عندما نقيسه نقول نعم هذا تقدم، فتكون هذه دول متقدمة لأنها تمكنت من تحقيق ذلك. فالعمل هو المقياس هنا. حسناً دكتور أسامة، قد يقول قائل إن الإسلام يدعو إلى إعمال العقل وهذا
ما تدعو إليه العلمانية، وبالتالي ربما يكون هناك نوع من التضاد بين هذا وذاك. هذه المقولة تتناول أعمال العقل وعلاقته بما يأمر به الإسلام. يعني الإمام الكبير حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في أول كتابه "المستصفى في أصول الفقه" يقول أن العقل يعمل حول النص الشرعي فيقيم الأدلة على أنه حجة من عند الله، ثم يفكر في كيفية فهمه وتحليله، ثم يفكر في مجالاته. أعمال النص الإلهي، ثم بعد ذلك يلقي بقياده إلى ذلك النص مستسلماً ومؤمناً ومقراً ومذعناً. فعلاقة العقل بالشرع الشريف علاقة مركبة، والشرع الشريف يحيطه العقل من كل جانب على وجه الخدمة له، لأن
هذا الشرع الشريف وحي إلهي. فالعقل يخدمه ويقرره وينشئ منظومات من العلوم الخادمة له، فهذه علاقة تمازجية. متداخلة، بينما هناك العقل يريد أن ينحي فكرة الشرع من المنظومة، يريد أن يحيدها، أن يجعلها فكرة. يبادر فيقول: "أنا لا أرفضها ابتداءً، لكن لا أصر على الأخذ بها"، ويدعو إلى جعلها قضية شخصية فردية نسبية. فهذا شتان ما بين هذا وذاك، شتان ما بين عقل يحيل الدين ويرفضه. وينتهي في النهاية إلى إخراجه من منظومة الحياة. وفيما بين العقل، كان مولانا فضيلة المفتي يعلمنا الفارق بين عمل الإنسان للشيء طلباً وبين عمل الإنسان للشيء نفسه هرباً. الشرع الشريف يُعمِل العقل في فهم الشرع طلباً لتمديده وإيجاده في حياة الناس، بينما الفكر العلماني يُعمِل الشرع
مع العقل هرباً. منه وتفلتا من معانيه الشريعة في إجازة الخلاصة فضيلة المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمار عن العلمانية: نريد للمواطن البسيط أن يطمئن ويفهم هذا المفهوم. يعني عندما يقال من العلمانيين إنه كي تكون هناك ديمقراطية لا بد أن تكون الدولة علمانية، نقول لهم: النازية والفاشية هي قمة العلمانية وكانت دكتاتورية. لا علاقة لها بالديمقراطية، فالدول الشيوعية والماركسية هي قمة العلمانية المتطرفة ولا علاقة لها بالديمقراطية. صحيح أنهم يقولون إن العلمانية لا تجور على الدين وأنها محايدة بالنسبة للدين، نقول لهم دعونا نرى تجربة أوروبا. إن الذين يؤمنون بوجود إله، مجرد وجود إله حتى ولو لم يعبدوه، في أوروبا أربعة عشر في المائة في فرنسا. التي هي أكبر بلاد الكاثوليكية، بِنْت الكاثوليكية الذي
يذهب للقداس مرة في الأسبوع ثلاثة ملايين، يعني أقل من خمسة في المائة، يعني نصف عدد المسلمين الذين يصلون الجمعة في فرنسا. لا يجب أن نستعير من أوروبا هذا الذي أدى إلى هذا البلاء في أوروبا، وموضوع التقدم ليس رخصة فقط. ليس مجرد حسابات وأموال، فالتقدم هو منظومة قيم، وذلك أنك ترى كل تقارير التنمية البشرية في العالم كلها تتحدث عن الاقتصاد فقط، لا يتحدث أحدٌ عن منظومة القيم والأخلاق. الإنسان ليس حيواناً يأكل في سبعة أمعاء كما جاء في الحديث النبوي أن المؤمن يأكل في معيٍ واحد والكافر يأكل في... سبعة أمعاء إذا الجمع بين الدين والدنيا بين الشريعة وبين العقل. وكما قال الدكتور أسامة، أبو حامد الغزالي يقول: "العقل مثل
البصر، والشرع مثل الضياء". من لديه عقل بلا شرع يكون كمن له عينان سليمتان لكنه يمشي في الظلمة، فلا قيمة للبصر. أما من لديه شرع بدون عقل فهو كالمغمض العينين. العينين وأمشي في النهار، لا قيمة لهذا الدين، ويختم العبارة قائلاً: فالشرع مع العقل نورٌ على نور. لا فضيلة، فضيلة الدكتور عمارة. الختام مع فضيلة المفتي، وكنت أريد أيضاً مع الخلاصة استيضاح أو أن أستوضح الفرق بين العلمانية والدولة المدنية. فضيلة الدكتور علي كان لديه حلقة حدثنا فيها عن الدولة. المدنية وفضيلتك أوضحت أنها دولة مدنية بمرجعية إسلامية، يعني هل هناك شروط في قضية المرجعية؟ الدولة المدنية معناها أن لدي برلماناً، نعم لدي فصلاً بين السلطات الثلاث، لدي دولة مؤسسات. أنا لدي هنا ثلاثة آلاف مؤسسة، الدولة فيها
ثلاثة آلاف مؤسسة، لدي دولة فيها دستور، فيها قانون، هذه هي. الدولة المدنية فيها انتخابات نزيهة، فيها تداول للسلطات، فيها إلى آخره، كل هذا دولة مدنية، هذه هي دولة مدنية، هذا لا علاقة له بأن تكون هذه القضية كلها تدور تحت سقف لا يمكن أن تتعداه اسمه النظام العام والآداب، نحفظ فيه النفس، نحفظ فيه العقل، نحفظ فيه الدين، نحفظ. فيه كرامة الإنسان نحفظ فيه ملك الإنسان ورفاهة الإنسان وعمارة الأرض والتزكية والعبادة وكذا ما هذا، هذا لا تناقض إطلاقًا. ولذلك فنحن دولتنا مدنية وطوال عمرها مدنية، وسقفنا هو هذه الحضارة الإسلامية. نعم، أما العلمانية فلا، العلمانية مسألة أخرى، يعني أولًا اختلاف جذري بدون ما بين الشركاء لم تكن منا. ولا نعرف ماهياتها،
ولذلك الدعوة إلى العلمانية كما تفضل الدكتور عمار الآن وبيّن أنها بدأت سنة ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين، فالكلمة دخلت مع هذا المعجم الفرنسي منذ ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين إلى الآن والناس لا يفهمونها، لا يفهمونها. حسناً، إذاً هذه نخبة تتحدث إلى نفسها وتدعي لنفسها وضعاً معيناً بعيداً. عن الخلق رقم اثنين، المصري سواء كان مسلماً أو مسيحياً هو يريد أن يكون له دين يرجع إليه ولا يخرج عنه. رقم ثلاثة، نحن لنا هوية، الهوية متمثلة في التراث، في الحاضر، في تركيبة الشخصية المكونة من العقلية والنفسية، في الأمل الفسيح والعمل الصحيح الذي يأتي، وكل هذه المكونات
في... النهاية لا علاقة لها بالعلمانية وكتابة العلمانية وفطرة هذا الإنسان، فكيف آخذ منه ديمومة العمل؟ وكيف آخذ منه هذا وذاك؟ كيف أفعل هذا وأحوله إلى إله في بيئة غريبة؟ ولذلك فالعلمانية لا تصلح لنا، ولا يكون تقدمنا إلا بالرجوع إلى ذاتنا وإلى الثقة بأنفسنا وإلى التأصيل الذي يرى الغد. أفضل وهذا أفضل ما نختم به. أنا أشكر فضيلتك فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية. الدكتور علي جمعة شكراً جزيلاً. أعتقد أن الأمر أصبح واضحاً وجليلاً وفهمت وكثير من المشاهدين أن هذا المفهوم الذي يروج له البعض عن العلمانية وخلافه مع الإسلام. أشكر ضيوفي الكرام فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة، شكراً. للمفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء وأيضاً الداعية فضيلة الدكتور أسامة الأزهري عضو هيئة التدريس
في كلية أصول الدين، ونشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة. ويُسمح لي أن ألخّص ما فهمته من ضيوفي الكرام أن هناك اختلافاً جذرياً ما بين الإسلام وما بين العلمانية، ليس هناك... مسلم علماني كما يدعو البعض، وهي علمانية بفتح العين كما أوضح ضيفنا، وليست علمانية، أي التي يحاول أن ينسبها إلى العلم. نشكركم مرة أخرى على حسن المتابعة، ودائماً نلقاكم في كلمات.