كلمة فضيلة أ.د علي جمعة في مؤتمر "الماتريدية مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة" | أوزبكستان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن الناس أصحاب المعالي والفضيلة السادة الأفاضل والمشاركون بسم الله أحييكم بتحية الإسلام وتحية الإسلام السلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته من دواعي السرور وبواعث الاجتهاد أن أعبر عن شكري وامتناني لدعوة هذا اللقاء العلمي المبارك الذي انتظم شمله في رحاب هذه البلدة المباركة سمرقند البلاد المحفوظة حاضرة العلم ومأوى الفقهاء عبر التاريخ وهي مدينة الإمام
أبي منصور الماتريدي رضي الله تعالى عنه وأرضاه أقدم الشكر إلى دولة أوزبكستان وقيادتها وإلى حضرة رئيس الدائرة المختصة بالشؤون الدينية وإلى حضرة المفتي الأعلى لانعقاد هذا المؤتمر الدولي حول العقيدة المنعقد بالتعاون والاعتدال والتنوير يحمل دلالة جليلة على إدراك قاسم بأهمية هذا الموروث العقدي المتين الذي قامت عليه عقائد أهل السنة والجماعة فكان من أعظم السدود في وجه البدعة ومن أمضى الأسلحة في دحض شبهات أهل البدع والأهواء دائما عندما
كنت أقرأ للإمام المتولي في تأويلاته القرآن أجد نفسي وأجد تلك العبارات التي عبر عنها الإمام تعبر عما يختلج في نفسي وهنا أشعر أن كتب تمام الأشعري لم يصل إلينا منها إلا النزر القليل وقمت أعتبره وأعوض كتب الإمام ما أريد وكأنها تعبر عما يجول في نفس الأشعري والأشاعرة عبر القرون ومعه كنت أعرض الإمام النجدي من مصادر الأشاعرة
تأخر في وفاته نحو ثلاثة عشر سنة عن وفاة الإمام الأشعري، لكن الأفكار والنفس الواحد كان متوافقا بينهما حتى انتهج ليكون أهل السنة والجماعة. فرحتي بصدور تأويلات القرآن وكأنني قد التقيت بالإمام أبي منصور وبالعلامة أبي الحسن الأشعري في نفس الوقت. امتاز منهج هذا الإمام الكبير رضي الله تعالى عنه وكان موفقا من عند الله سبحانه وتعالى ومؤيدا حتى
ألقى الله عليه القبول في القلوب، وقد امتاز بربط العقل بالنقل لأن النقل يتدبر في كتاب الله المتلو والعقل يتدبر في كتاب الله المنظور وكلاهما من عند الله ونرى ربنا سبحانه وتعالى في سورة العلق يقول اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم قرر القراءة مرتين مرة في كتاب الله المنظور كما يعبر الإمام الغزالي ومرة في كتاب الله
المسطور وهو الوحي الذي أنزل الله سبحانه وتعالى علينا به وكلاهما من عند الله هذا عالم الأمر وهذا من عالم الخلق ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين أدرك الإمام ما أردته رضي الله تعالى عنه هذه الصلة بين الوحي وبين الكون وأنهما من معين واحد ومن مصدر واحد وإن اختلفت دائرة أسرار الخلق والأمر ولكن تبارك الله رب العالمين فلم يكن هناك أي تعارض حتى متطيل بين كتاب الله المسطور وبين كتابه المنظور جمع بين
تحرير الدليل وتهذيب العبارة وتقرير الحق لكن بامتثال الرفق والرحمة التي أمر بها الله سبحانه وتعالى في بداية الخطاب بسم الله الرحمن الرحيم في وصف النبي وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وكان يقول عن نفسه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أنا رحمة كلها صفات قل أن تجتمع في غيره من أهل النظر، جمع بين خدمة المسلمين وهداية الحيارى والمترددين من غيره. إن
في بعث هذا الفكر المبارك يعني ونقصد بذلك البعث، بعث المنام حيث لا نقف عند المسائل فالمسائل قد تتغير وتكون عملية نحتاج إليها في عصر من دون شك وبعد تلك الثورات في عالم الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة أصبحنا في عالم سريع في أفكاره وفي عالم أشيائه وفي أحداثه وأشخاصه مما نحتاج معه إلى إدراك مناهج هؤلاء الأوائل الطالبين حتى نستعملها مع كل وافد جديد بعث هذا الفكر
المبارك اليوم وتدارس مسائله والتعمق فيها وتمثيل مبادئه حماية العقيدة من التشويش وصيانة الدين من الملوك وتعزيز قيم التسامح والاعتدال في عصر تضاربت فيه الأهواء وكثرت فيه الدعوات المنحرفة التي تلبس الباطل لباس الشرع وتشوه وجه الإسلام الناصع أصبح أمرا واجبا والوقوف على أهمية عقيدة الإمام الماتريدي في هذا العصر لا يعد استدعاء لثروات فكرية عظيمة فحسب بل هو استئناف لرسالة عقدية وروحية ما تزال قادرة على مخاطبة التحديات المعاصرة بثقة وعمق، وكسبا لما استطاع
به الإمام ما تبدى من حفظ تلك العقيدة بمنظومة أخلاقية عميقة رأيناها في المصادر الشرعية من الكتاب والسنة، حيث يتحدث نحو ثلاثة بالمائة من هذه المصادر عن كل الشريعة بكل أطرافها. وأكثر من سبعة وتسعين من المائة تتحدث عن المنظومة الأخلاقية "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" و"إنك لعلى خلق عظيم". النبي لا أعدها أحد الجناحين مع الأشعرية، بل أعد الماتريدية والأشعرية كشيء واحد. لم تكن يوما مذهبا جدليا محدود التأثير، بل كانت رؤية
عقدية شاملة سعت إلى حفظ التوحيد من التحريف. وتقديم الإيمان في صورة تجمع بين النص والعقل وبين التسليم والبرهان وبين الإيمان ومنظومة الأخلاق أحاط الإسلام بما يريده العقل بالمعطيات وجعل العقل ومعه التكليف أداة لفهم الخير والشر وأداة لفعل الخير واجتناب الشر، فإن هذه الرؤية تؤسس لخطاب معاصر يحترم الإنسان ويكلفه بما يليق بمقامه. وكرامته ولقد كرمنا بني آدم في
زمن كثر فيه الاستعباد باسم الدين والحداثة على حد سواء. ليست ما تدنى مجرد تراث بل هي بنية عقلية وروحية تستدعي الإعادة إلى الخطاب العقدي في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا مما يعيد الثقة في العقيدة الإسلامية وفي عرضها على العالمين وفي تأثيرها في مجريات الحياة. تربي الأجيال على الإيمان والفكر الرشيد والاعتدال في القول والعمل فشكر موصول للقائمين على هذا المؤتمر المبارك والشكر موصول لجمهورية باكستان قيادة وشعبا على هذه الدعوة الكريمة وحسن تنظيمهم وحرصهم على إحياء علوم هذا الإمام الجليل الذي تحتاج إليه البشرية كلها وخاصة
المسلمون لنربط الماضي بالحاضر في سلسلة متصلة من خدمة الوحي وحراسة الملة سائلين الله تعالى أن يجعل هذا الجمع جمعا مرحوما وأن يبارك في الجهود ويجعلها في موازين الحسنات يوم القيامة وأن يلهمنا الرشد والصواب وأن يحفظ أمتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن شكرا لكم