كلمة فضيلة الدكتور علي جمعة بمؤتمر صناعة التنجيم والتطرف الفكرى | 23 - 01 - 2022

كلمة فضيلة الدكتور علي جمعة بمؤتمر صناعة التنجيم والتطرف الفكرى | 23 - 01 - 2022 - ندوات ومحاضرات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. المنصة الكريمة، الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وتسمحوا له، وقد سمحت لنفسي أن أتكلم جالساً، يعني إذا سمحتم لي كان بها، وإذا لم تسمحوا لي فسوف أتكلم جالساً أيضاً، يعني تحصيل حاصل. لأني غير قادر على القيام هذا
مؤتمر جليل يحيي الموسم الثقافي الذي تعود عليه الأزهر الشريف في ستينيات القرن الماضي واستمر الموسم الثقافي مدة مديدة وها نحن نراه يحيا مرة أخرى وأدعو سماحة الشيخ وكيل الأزهر الأستاذ الدكتور محمد ضويني وأمين عام مجمع البحوث الأستاذ الدكتور نظير عياد للاستمرار في هذا الموسم الثقافي حتى
تعود لنا هذه اللقاءات الطيبة، وأدم للعلم مذاكرة فحياة العلم مذاكرته. التنجيم كما تدل عليه تلك الكلمة والتاء فيها للطلب أي أنه طلب أمراً يخص النجم، وهي على وزن تفعيل، والأمر الذي يخص النجم على قسمين: التأثير والتسيير. التأثير هو
أن لهذه الحركات النجمية أثر في حياة الناس وفي سعادتهم وفي شقائهم وأثر في إحداث الحوادث وأثر في مجريات الحياة وهذا أمر منهي عنه وله درجات. الدرجة الأولى أن يعتقد معتقد الربط بين حركات النجم وأفعاله وأحداثه وأحوال البشر في الأرض بأن النجم فاعل، وعندنا وعند الديانات أن الفاعل هو الله
وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله وأننا نعتقد اعتقادًا جازمًا أنه لا يكون في كونه إلا ما أراد وعلى ذلك فنسبة الأفعال لغير الله شرك وقد يصل إلى الشرك الأعظم والأمر الثاني هو ما يؤدي إلى القول بعلم الغيب من غير ترتيب استدلال وهذا أمر قادح في الشرائع كلها والأمر الثالث في قضية التأثير هو ربط الأحداث بهذه الحركات على
جهة وهمية تُنشئ هذه العقلية الوهمية التي تحدَّث عنها أستاذنا الدكتور الهدهد، كل ذلك في التأثير، وكل التأثير باطل. أما التسيير فمعناه أن الله سبحانه وتعالى جعل حركة الشمس والقمر وسائر الكواكب واختلاف مطالعها سبباً للفصول التي هي سبب الحر والبرد والشتاء والصيف وما يحدث فيهما مما يليق بكل فصل منهما، فمن له اعتناء بحركات تلك
الأجرام واختلاف مطالعها يستدل بذلك على ما يحدث في النبات والحيوان وصحة الإنسان وكيفية جعل الغذاء دواء، وهذا أمر يشير إليه ابن القيم في زاد المعاد بعبارة بليغة أحب أن أتلوها عليكم، فيقول: هذا أمر يعرفه كثير من أهل الفلاحة والزراعة ونواتي السفن لهم استدلالات بأحوالها وأحوال الكواكب على أسباب السلامة والعطب من اختلاف الرياح وقوتها
وعصوفها لا تكاد تتخيل، وهذا سبب اللبس بين التأثير والتسيير. والأطباء لهم استدلالات بأحوال القمر والشمس على اختلاف طبيعة الإنسان وتهيئها لقبول التغير واستعدادها لأمور غريبة ونحو ذلك، وواضعو الملاحم لهم عناية. شديدةٌ بهذا وأمورٌ متوارثةٌ عن قدماء المنجمين، يستنتجون من هذا كله قياساتٍ وأحكاماً تشبه ما تقدم ونظيره. وسنة الله في خلقه جاريةٌ على سننٍ اقتضته حكمته، فحكم النظير
حكم نظيره، وحكم الشيء حكم مثله. وهؤلاء صرفوا قوى أذهانهم إلى أحكام القضاء والقدر واعتبار بعضه ببعض، والاستدلال ببعضه على بعض كما. صرف أئمة الشرع قوى أذهانهم إلى أحكام الأمر والشرع واعتبار بعضه ببعض والاستدلال ببعضه على بعض، والله سبحانه له الخلق والأمر، ومصدر خلقه وأمره عن حكمة لا تختل ولا تتعطل ولا تنتقد. ومن صرف قوى ذهنه وفكره واستنفد ساعات عمره في شيء من أحكام هذا العالم وعلمه كان له فيه. من النفوذ والمعرفة والاطلاع
ما ليس لغيره، ويكفي الاعتبار بفرع واحد من فروعه، وهو عبارة الرؤية، فإن العبد إذا نفذ فيها وكمل اطلاعه جاء بالعجائب، وقد شاهدنا نحن وغيرنا من ذلك أموراً عجيبة يحكم فيها المعبر بأحكام متلازمة صادقة سريعة وبطيئة، ويقول سامعها هذه علم غيب، وإنما ما معرفة ما. غاب عن غيره بأسباب افترض هو بعلمها وخفيت على غيره، والشارع صلوات الله عليه حرّم من تعاطي ذلك ما مضرته راجحة على منفعته، أو ما لا
منفعة فيه أصلاً، أو ما يُخشى على صاحبه أن يجره إلى الشرك، وحرّم بذل المال في ذلك، وحرّم أخذه به صيانةً للأمة عما يفسد. عليها الإيمان أو يخدشه بخلاف علم عبارة الرؤيا فإنه حق لا باطل لأن الرؤيا مستندة إلى الوحي المنامي وهي جزء من أجزاء النبوة ولهذا كلما كان الرائي أصدق كانت رؤياه أصدق وكلما كان المعبر أصدق وأبر وأعلم كان تعبيره أصح بخلاف المنجم وأضرى به ممن لهم مدد من إخوانهم من الشياطين فإن صناعتهم لا تصح من صادق ولا بار ولا متقيد
بالشريعة، بل هم أشبه بالسحرة الذين كلما كان أحدهم أكذب وأفجر وأبعد عن الله ورسوله ودينه كان السحر معه أقوى وأشد تأثيراً، بخلاف علم الشرع والحق فإن صاحبه كلما كان أبر وأصدق وأدين كان علمه به ونفوذه فيه أقوى. وبالله التوفيق، هذا الكلام يذكره ابن القيم في زاد المعاد في القرن الثامن الهجري، وهو يلخص الفرق بين التأثير والتيسير. فهذه الحركات التي يعتمد عليها الإنسان دينًا ودنيا درست في الأزهر الشريف تحت عنوان علم الهيئة، وظل
العلماء يدرسونها إلى النصف الأول من القرن العشرين، علم الهيئة، ثم بعد ذلك. اكتفِ بما يُدرس في علم الفلك عندما أنشئت الجامعة الأزهرية في كلية الهندسة علم الجيوديسيا وعلم الفلك وما وافق ذلك من المقررات التي تخدم الناحية الشرعية وتخدم الناحية الدنيوية. كل التوفيق والسداد لهذا المؤتمر، وأول الغيث قطر ثم ينهمر، ومرحباً بعودة الموسم الثقافي للأزهر الشريف تحت هذه المراكز
المتخصصة تحت رعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، ومرحباً بكم وأهلاً وسهلاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    كلمة فضيلة الدكتور علي جمعة بمؤتمر صناعة التنجيم والتطرف الفكرى | 23 - 01 - 2022 | نور الدين والدنيا