لقاء الجمعة | الهجرة النبوية | أ.د علي جمعة | بتاريخ 15 3 2002

لقاء الجمعة | الهجرة النبوية | أ.د علي جمعة | بتاريخ 15 3 2002 - السيرة, سيدنا محمد
مشاهدينا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم معنا في هذا اللقاء الجديد من
لقاءات الجمعة. أهلا مشاهدينا، كل عام وأنتم بخير بمناسبة العام الهجري الجديد. مشاهدينا الأعزاء، عام جديد وذكرى غالية على نفس كل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ذكرى إعزاز دين الإسلام وبداية الدولة الإسلامية. نلتقي اليوم لنتحاور حول هذه الهجرة وحول معانيها وأسباب وتوقيت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، وأسئلة كثيرة تُطرح في أسبوعين فاصلنا في حلقة اثنين فاصلنا في الرسول صلى الله عليه من المواجهة، ما الحكمة من توقيت هذه الهجرة بعد مرور ثلاثة عشر عاماً؟ لماذا لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد الفتح؟ هل للهجرة مبررات وأسباب كافية في عصرنا الحديث؟ أعزائي المشاهدين، يسعدنا أن يكون ضيفنا وضيفكم اليوم هو الأستاذ الدكتور علي جمعة أستاذ أصول الفقه في جامعة
الأزهر لتجيب عن أسئلتكم حول هجرة الرسول إلى المدينة وكما عودتمونا دائماً فنحن نرحب بكم وبمشاركتكم الهاتفية ومداخلاتكم معنا في لقاء الجمعة عن الهجرة. فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، أهلاً بكم مولانا. أهلاً بك يا سيدي. بدايةً نود أن نبدأ بأن نعيش معكم ومع السادة المشاهدين في كل مكان. في أنوار الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز صدق الله العظيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين. أولاً، كل عام وأنتم بخير، وهذا في الحقيقة
يوم جديد في شهر جديد في عام جديد، وقد منَّ الله علينا بأن جعله يوم عيد، فإن يوم الجمعة عيد. في السماء، فاليوم في الحقيقة جمع وأفاض ونبه المسلمين على أن يبدؤوا حياتهم من جديد. جدِّد حياتك، وتجديد الحياة في الحقيقة جعل الله له مناسبات ونفحات، وهذه من النفحات التي جعلها الله سبحانه وتعالى من أجل أن يعيد المسلم مع نفسه حساباته ويرجع إلى الله، وفر إلى الله، فهذه هي وما ذكرته الآن أنت في كلمة "نعيش الحقيقة" هي كلمة كبيرة جداً. كلمة "نعيش" مع هذه الآية، نحن نفتقد
المعيشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. نحن قد نعلم أقواله وأفعاله وتقريره، لكننا لا نعيش فيها. وإذا عشنا في كلمات الله التامات، وإذا عشنا في أحوال سيدنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم فإننا سوف نستفيد من الروح التي أرسلها الله سبحانه وتعالى لعباده في الأرض ونبه إليها البشر، وسيصبح الإسلام عند ذلك صالحاً لكل زمان ومكان كما نقول. نحن نريد أن نعيش في هذه الذكرى، لا نريد أن نقف عند أحداثها ولا أن نعلِّم الناس ما الذي حدث، أغلب الناس يعلمون هذا، ولكن ما دلالات هذه الأحداث وما المراد منها وما يريده الله سبحانه وتعالى أن يبلغه
لعباده المؤمنين حتى نأخذ منها ونستخلص منها العبر والمواعظ والدروس، ثم لا نقف عند ذلك بل نحولها إلى برنامج عملي يتوافق مع حياتنا اليومية في كل وقت وحين، هذا هو أصل. المعيشة فحتى نعيش مع أنوار هذه الآية ينبغي علينا أن نرجع إلى كلمة الهجرة التي دلت عليها هذه الآية. ما الهجرة؟ لغة العرب لطيفة جداً، فيها قضية لا يلتفت إليها كثير من الناس وهي أن الحروف كأنها تحمل المعاني، الحروف على مستوى الحرف، فالهاء والجيم والراء تحمل معنى الانتقال وتحمل... معنى الاضطراب
ويحمل معنى الظهور، فمثلاً لو غيَّرنا في الترتيب: "جهر" يعني علا صوته، فالجهر فيه اضطراب، وزيادة وزبذبة زائدة في طبقات الجو. "رهج" تعني اضطربت النار. غيَّرنا الحروف، فبدل "هجر" جعلناها "جهر"، وجعلناها "رهج". تغيرت الحروف، لكن في كل هذه الكلمات لاشتمالها على الهاء والجيم والراء ففيها معنى معين. هذا المعنى كأنه هو روح الكلمة، فالهجرة في الحقيقة إذا ما تأملناها وجدناها أنها أولاً: قد هاجر كل نبي من لدن آدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كل
نبي كانت له هجرة. ثانياً: الهجرة قائمة ومستمرة إلى يوم الدين. ثالثاً: للهجرة أنواع، لو تأملنا هجرة آدم مثلاً نجد الله. سبحانه وتعالى يأمره بترك الجنة والذهاب إلى الأرض، الجنة دار تشريف والأرض دار تكليف، الجنة دار جزاء والأرض دار عمل، ويطلب فيها العبادة والعمارة وافعل ولا تفعل بشكل فيه مشقة، لكنه ينتقل من هذه إلى تلك، هل يمكن أن نسميها هجرة حرمان حيث حرم الله سبحانه وتعالى آدم من الجنة؟ لمعصية ارتكبها ولعهد أوقعه ولم يوفِ به بينه وبين ربه فنقله من هذه
الدار إلى تلك الدار. الهجرة فيها انتقال، والهجرة أتت من مشكلة، والهجرة فيها عودة لأننا نلاحظ أن آدم قد عمل في الدنيا الأعمال الصالحة حتى يعود إلى الجنة مرة ثانية. هناك هجرة أخرى لو تأملناها وتدبرناها مع موسى مثلاً لوجدنا أن موسى قد هاجر هجرة أمان وليست هجرة حرمان، فرَّ من فرعون وطغيانه وظلمه وما إلى ذلك، وخرج من المدينة خائفاً، وخرج منها خائفاً يترقب، خرج من المدينة التي كان فيها. قال: "وخرج منها خائفاً يترقب، قال ربِّ نجِّني من القوم الظالمين"، ولما توجه تلقاء مدين قال... عسى ربي
أن يهديني سواء السبيل، فهو طلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه إلى سواء السبيل، وتوجه إلى مدين وهاجر لكنه عمل على أن يعود وقد عاد، وآدم عمل على أن يعود وسيعود إن شاء الله كجزاء له هو ومن وصالح مؤمن، أولاده يدخلون الجنة، هناك هجرة ثالثة وهي هجرة الإيمان وهي هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتقل من دار ظالمة إلى دار أخرى استقبلته واستوعبته، وكانت هي دار الهجرة، وكانت هي المدينة التي فيها من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وعزّروه ونصروه وأيّدوه، وكان فيها الأنصار الذين أرسل إليهم مصعب بن عمير قبل. الهجرة وأرسل إليهم أبا سلمة قبل الهجرة، قبل هجرته
هو صلى الله عليه وسلم. فهذه الهجرة التي معنا هي هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي من نوع هجرة الإيمان. إذاً فمعنا في الهجرة: هجرة حرمان، وهجرة أمان، وهجرة إيمان. وفي كل من هذه الهجرات انتقال من مكان إلى آخر، ومشكلة ننفر منها، وطلب للعودة معنا. اتصال هاتفي من ألمانيا: "ألو، كل عام أنتم بخير ونحن بتمام السلامة. ربنا يُبقينا معكم جميعًا يا أستاذ الشيخ". "أهلًا وسهلًا بك، تفضل". "من فضلك، هل الإسلام بدأ من يوم الهجرة أم الإسلام بدأ قبل الهجرة؟" "نعم، واحد اثنان، ما هو حكم..." الناس الذين مثل أحوالي وأخوال أناس آخرين مصريين يهاجرون من بلد إلى آخر بحثاً عن لقمة العيش، هل هذا جائز أم
غير جائز في الإسلام؟ وشكراً، يعطيكم العافية. نعم، الإسلام بدأ قبل الهجرة بثلاثة عشر عاماً، وبعد ثلاثة عشر عاماً هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبقي فيها الوحي ومدة الإسلام ثلاثة وعشرون عاماً. إذاً الإسلام بدأ قبل الهجرة، فلماذا إذاً بدأنا السنة الهجرية مع هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس من بداية الإسلام؟ هذا ما ذهب إليه سيدنا عمر ووضعه باعتباره اصطلاحاً، لأنهم كانوا أولاً يبدؤون سنواتهم بعام الفيل، يبدؤون سنواتهم بملك كسرى أو قيصر يتولى. الحكم فيقولون هذه السنة الأولى من أنوشروان، هذه السنة العاشرة، هذه السنة العشرون، ولكن لما جاء الإسلام وسأل بعضهم
عمر في قضية أنه عليه دين وكان ينبغي عليه أن يعطيه إياه في شعبان، فقال: أي الشعابين؟ شعبان الخاص بأي سنة؟ فهذا دفع سيدنا عمر إلى وضع بداية واتفقت. اتفق الصحابة على أن يكون ذلك من الهجرة لا من البعثة ولا من مولد النبي ولا إلى غير ذلك من المواقيت. وكذلك اتفقوا على أن يكون بعد الحج بعد عودة الناس من الحج، فاتفقوا على أن يكون الأول من محرم بداية السنة، في حين أن الهجرة تمت في ربيع الأول في المحرم وعلى ذلك فالإسلام بدأ قبل الهجرة بثلاثة عشر عاماً، وهذا هو سبب اختيار المسلمين لهذه الهجرة. يجوز السعي في الأرض وطلب الجهاد في
سبيل الله، وطلب العلم، وطلب الأرزاق، وصلة الرحم، إلى آخره من الأمور الصحيحة. فأنت إذا انتقلت من بلد إلى بلد، فأرض الله واسعة ومن... يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله سبحانه وتعالى. فالمسلم ينبغي أن يحرر نياته ويجعل كل تصرفاته حتى طلب الرزق وطلب العلم لله، إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومقبولة منه، وإن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. فينبغي أن يأخذ الإنسان الثواب ويحصله
ويجمعه ولا يفرط في شيء من ذلك، وأن يجعل النية دائماً لله خالصة في انتقالاته بالرغم من أنه يسعى لتحصيل العلم أو لتحصيل الرزق أو لغير ذلك من الأسباب المشروعة، أستاذ الدكتور علي جمعة، بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة نجد أنه قد آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة تقترب من أخوة الدم، ونحن نريد أن نتفهم السياسة النبوية الكريمة من وراء هذا النبي صلى الله عليه وسلم في دينه كله قبل الهجرة وبعد الهجرة كان لديه مبدأ ملحوظ في السيرة بأكملها أن بناء الساجدين قبل بناء المساجد، الساجد وهو الإنسان، والمساجد هي البنيان. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا يبدأ ببناء
الإنسان، ببناء الساجد. النبي صلى الله عليه وسلم يقول جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أي إن قضية البنيان في العبادة ليست شرطاً وليست أساساً. نعم، وعندما جاء إلى المدينة أخذ مقبرة للمشركين واشتراها من أصحابها وحوّلها إلى مسجد، وبنى مؤسسة، أي حوَّل المسجد إلى مؤسسة، ولكن لم يكن البنيان هو الغرض الأساسي، بل كان نقطة انطلاق، فالنبي صلى الله تحت هذا العنوان، تحت عنوان بناء الإنسان، تحت عنوان أن الساجد قبل المساجد، آخى بين المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم، من أهلهم، من أموالهم، أي أنه جاء وحده ليس هناك أي شيء، فآخى بينهم وبين الأنصار إخوةً قد تفوق إخوة الدم. ما
الحاصل أمامنا: مهاجر ترك بلاده في سبيل... الله وهو رجل فقير يتلقاه ومن شدة إيمانه ينزله ويوافق أن ينزله منزلة الأخ. إنزال الإنسان الغريب منزلة الأخ مسألة ليست هكذا بالتمني أو بالكلام، هذه مسألة لا بد أن تنبع من القلب، ومعنى هذا أن قلوب أولئك الناس الذين نصروا وآووا وعزروا وأيدوا كانت قلوباً سليمة وكانت قلوباً مفعمة. بالحب لأن هذا الحب هو الذي حرك تلك الإخوة. هناك ثلاثة أشياء افتقدنا كثيراً منها في عصرنا الحاضر في بناء الإنسان حتى نجيب على هذا السؤال ببساطة جداً، وهي: المعرفة، والخوف،
والحب. الإنسان إذا عرف الحقائق عرف ربه، عرف معنى النبوة، عرف معنى قضية الإنسان في حياته، وخاف أن تضيع. منه هذه المعرفة وخاف ربه وأحب هذه المعرفة وعاش فيها فإنه يصدر منه تلك السلوك تلك السلوكيات الرائقة الفائقة العالية، فالذي حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم ربى الأنصار على المعرفة والخوف والحب، فتلقوا الآخرين وحدث بينهم هذا التآخي. المهاجرون لم يثقلوا ماديًا على الأنصار بل سألوهم أن يرشدونهم إلى الأسواق فتاجروا وعملوا واشتغلوا، ورأوا
أنه يكفيهم هذا الود وهذا القبول وهذا الاستعداد الذي دفع بعضهم إلى أن يفعل شيئاً يستغربه الناس وينكرونه، وهو صحيح سنداً لكن الناس لا تفهم لماذا كان هذا، أن أحدهم كان عنده زوجتان، فالثلاثة جالسون مع المهاجر القادم، فيقول له: انظر إلى إحدى لك وتتزوج هذا، ذوبان إذا لم يتصور الإنسان الحب وحجمه الذي كان في قلوب الأربعة. لأنه افترض أن المرأة طلقت ثم لم ترد هذا، حتى أن المرأة مستعدة أن يطلقها زوجها وتنتقل إلى ذلك الآخر من شدة حبها في
هذه القضية. لو أنه غاب الحب لا نستطيع أن نفهم. مثل هذا النص لو أن الحب موجود والذوبان موجود يفهم النص على حقيقته. معنا اتصال آخر من مصر، ألو، السلام عليكم. السلام ورحمة الله وبركاته. لو سمحت، أنا سمعت من حضرتك أن الهجرة جاءت في شهر ربيع، فلماذا نحتفل بها في أول سنة محرم، أول يوم في محرم؟ قلنا إن سيدنا عمر رأى أن الناس عندما يعودون من الحج يكون من المناسب أن يبدأوا بعد حجهم عاماً جديداً، ووافقه الصحابة على هذا، لكن من أجل السنة فقط. وشهر محرم يأتي بعد شهر ذي الحجة الذي يتم فيه الحج، فالناس يعودون من الحج ويستقبلون العام الجديد. سنة جديدة كما أنهم يستقبلون حياة جديدة بعد غفران الذنوب، يستقبلون سنة جديدة في معاملاتهم وأحوالهم
وهكذا. حسناً، هل يمكنني أن أسأل سؤالاً لكنه عن الحج؟ يمكن والله حتى إننا سنسمح بهذا التساؤل، ولكننا عادةً نحب أن نرتبط بموضوع الحلقة، لكن بما أنك معنا على الهاتف، تفضلي. حسناً، اتفقنا. لقد تبين لنا يعني أنه نادراً ما نجد المسلم طيباً. تفضلي أنتِ معك. حسناً، الآن أنا حججت، وعندما وقفت بعرفات، يعني كنا جالسين مع بعضنا هكذا وضحكنا، فهل هذا الضحك يتنافى مع الوقار في يوم عرفة؟ أو هل علينا ذنب أو شيء ما؟ لا، إن شاء الله لا من ذلك والله يتقبل منك تماماً إن شاء الله رب العالمين ويقبل حجتك، والحجة مقبولة إن شاء الله. شكراً لاتصالك، شكراً. وأصدقاء الإيمان، أي تساؤلات خاصة بفتاوى لأي موضوع، برنامج دنيا ودين يسعد دائماً بتلقي أي اتصالات أو فاكسات لهذه التساؤلات. ومعنا الآن اتصال
هاتفي آخر من إيطاليا الذي هو... السلام عليكم، السلام ورحمة الله وبركاته. كل عام وأنتم بخير وأنتم الفضلاء. أحييكم على هذا البرنامج، شكراً. أود أن أسأل فضيلة الدكتور: هنا في بعض الأدبيات الغربية نقرأ أحياناً عمن لا يتفهمون أن تُطلق امرأة من زوجها لكي يتزوجها رجل آخر. نعم، يعني طبعاً أنتم تعرفون الفلسفة... الغربية والفكر الغربي في مثل هذه القضايا، هل كان ذلك بأوامر من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هل كان ذلك؟ كيف كان ذلك؟ كيف
تترك سيدة زوجها وتتزوج رجلاً آخر، أياً كانت درجة الحب بين زوجها وأخيه الذي هاجر إليه؟ أرجو التوضيح في مثل هذا، وهذه فرصة لكي نوضح ذلك لك. ندرس وجهنا الديني الإنساني أمام من يمكن أن يكون لقاءً لحضارتنا الإسلامية. شكراً أستاذي، شكراً لك، شكراً جزيلاً. هو في الحقيقة لم يكن هذا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان من داخل قلوب الجميع، ولكن اختلاف العصور يجعل عدم الفهم هو المقدم والحقيقة التي بيننا وبين الغرب. ليس في أنه يريد أن يفهم أو لا يفهم لأن الطلاق موجود مثلا في الشريعة
اليهودية ومقر قبل هذا إلى آخر ما هنالك، لكن على كل حال هناك الحب، هذا معنى عظيم يأتي من الرحمة، فالرحمة هي الأساس، من أجل ذلك نجد ربنا سبحانه وتعالى يقول بسم الله الرحمن. الرحيم تقديم الرحمة على الحب مكتوب في الكتب، وأنت إذا ما تأملت هذا عرفت وعشت في كيفية الرد على من لا يدركون معاني الحب. عطاء وليس الحب شهوة، إذا كان الحب هو الشهوة فليستغرب من يستغرب، ولكن لما يكون الحب عطاء فليعلم أن الإنسان إذا ما ذاب في حب. رَبُّه أعطاه كله، وإذا عَرَفَ أنَّ ذلك التصرُّف أو ذاك، حتى لو كان في هذا التصرُّف
فناء للحياة في ذاتها، أنه يُرضي الله وأنه سيأخذ عليه من الثواب والرضا من الله والقرب منه، فإنه يُبادر إليه. فَقْدُ هذا المعنى أن الحب عطاء وليس الحب عبارة عن شهوة والخلط. بين قضايا الحب وقضايا الجنس وربط هذا بذاك دائماً وعدم تصور قضايا الحب العذري والحب النقي، هذا أمر جاء من انحطاط البشرية عن مستوى التلقي. ولكن إذا ما عرفنا معنى الحب الحقيقي فإننا سندرك هذه الحالة، ولنعلم أن هذه قمة الإنسانية، وأنها قضية أن يتنازل إنسان بالطلاق بعد ذلك تفضي. العِدَّة بعد ذلك يتزوجها الآخر إلى آخره، إنما هي قضية وصل فيها المجتمع المسلم الأول
إلى درجة الذوبان. فإذا لم ندرك كلمة الذوبان ومعناها، فإننا لا نستطيع أن ندرك ما فعلوا، ويبقى علينا أن نعترض وأن نمط شفاهنا في غير موضعها. معنا اتصال آخر من المغرب. ألو، يبدو... إننا فقدنا الاتصال فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة. كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم والفئة المهاجرة معه مع القوى الموجودة داخل يثرب وخاصة اليهود؟ النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل يثرب كان الأوس والخزرج قد آمن أغلبهم بالرسالة الجديدة وبالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن اليهود كانوا... يمثلون القلة وليس الكثرة في المدينة
إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبني دولة وكما قلنا أراد أن يبني إنساناً قبل أن يبني بنياناً فأول ما وضع النظام العام وأول ما وضع من هذا النظام العام وضع دستوراً وكان الدستور في صورة اتفاقية بينه كرئيس. للدولة صلى الله عليه وسلم وبين الفئات الموجودة باختلاف أنواعها وأعراقها، وهذا الدستور كان مكوناً من واحد وعشرين نقطة تحدث فيها مع اليهود بصراحة وأقر فيها مبدأ المواطنة وأقر فيها أيضاً مبدأ التعددية داخل المجتمع الإسلامي.
فالمجتمع الإسلامي يقبل الآخر لا يطرده ولا ينفيه ولا يخرجه من حق المواطنة ويحاسبه. حساب المواطنة ومن أجل ذلك وضع هذا الدستور في اتفاقية المدينة وهو موجود تحت أيدينا إلى يومنا هذا بروايات صحيحة تنتمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. كانت الفلسفة التي بُني عليها هذا الدستور تتمثل في إقرار المواطنة وفي قبول التعددية. إقرار المواطنة فأصبح اليهودي مواطناً، والمواطن ماذا عليه يفعل ينبغي عليه أن يكون منتمياً، فإذا خرج عن حد الانتماء فقد ارتكب جريمة في حق النظام العام والآداب، تصل هذه الجريمة
في عصرنا الحاضر إلى منزلة الخيانة العظمى. وهذا الذي حدث مع اليهود في غزوة الخندق، أثناء غزوة الخندق خان اليهود وتعاونوا مع الأعداء أثناء الحرب. تهيأ أن ست مائة جاسوس من وطني يخونون الوطن ويتفقون مع أعداء في زمن الحرب، يعني هذا بالتشريعات الحديثة ليس فيه إلا الإعدام، ويكاد يكون الإعدام في كل العالم إلا بعض الولايات الأمريكية. إلا أن من خان في زمن الحرب هذا ليس له إلا الإعدام، وقد كان فعلاً وحكم سعد بن معاذ وقضى. حكم سعد
بإعدامهم، وأعدم النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى المدينة وكوَّن الجيش وبدأ في الدفاع عنها ضد الأعداء. قام بثمانين سرية أو تجريدة أو غزوة أو خروج، يعني قد يرسل فقط عشرة أشخاص ليتفقدوا ما حول المدينة، ونعدّها سرية. وجدنا ثمانين سرية في حياته في المدينة، حيث سنوات أي مائة وعشرين شهراً، أي كل شهرين أو كل أربعين يوماً أو خمسين يوماً في سرية. هذا يبين لك مدى الضغط الذي كان يقع عليه من كل مكان وهو يحاول أن يحمي نفسه. في هذه الثمانين سرية جاهد صلى الله عليه وسلم بنفسه في أربعة
وعشرين، وقاتل في سبعة القتلى في كل هذا ثلاث مائة وستة وخمسون شخصاً على مر عشر سنوات، يعني مثل حوادث المرور في باريس في شهر واحد. معنا اتصال هاتفي آخر من مصر. ألو، أستاذ عاطف؟ نعم، ألو. جمعة: السلام عليكم ورحمة الله. هو يقول لي: من يعيش مع المسلمين؟ الصوت غير واضح. هو يقول لي: لا يمكنه العيش مع المسلمين - صلى الله عليه وسلم. نعم، لماذا؟ لماذا لم يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم مع المسلمين الذين سبقوه في الهجرة؟ لماذا لم تكن الهجرة جماعية منذ بداية الدعوة؟ نعم، النبي صلى الله عليه وسلم كان لديه الكثير من الأمور
في مكة من كفر إلا أنهم كانوا لا يأتمنون أحداً في مكة سوى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يُسمى بالصادق الأمين. كانت عنده ودائع يريد أن يردها إلى الناس، فهذا مسافر إلى اليمن وهذا مسافر إلى الشام، وهذا ذهب إلى قبيلة بني فلان ليتزوج منها وترك عنده صلى الله عليه وسلم ودائعه كان يشغله دائماً أن يرد تلك الودائع. هذه واحدة. ثانياً، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمل أن يهدي الله أهل مكة لأنه كان يحب وطنه، ولما خرج منه نظر وقال: "ألا إنك أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، وأراد العودة. ولما... عَادَ في فَتْحِ مَكَّةَ دَخَلَ فَظَنَّ
الأَنْصَارُ أَنَّهُ سَيَعُودُ إِلَى مَكَّةَ وَلَا يَعُودُ إِلَى المَدِينَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً. القَضِيَّةُ كَانَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَكَذَا فِي كُلِّ هِجْرَةٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُغَادِرَ وَطَنَهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فَيَنْتَظِرُ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أُولَئِكَ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَتَكُونَ هُنَاكَ عَلَاقَاتٌ طَيِّبَةٌ. ما بين المؤمنين في المدينة والمؤمنين في مكة، ولكن لم يكن ذلك، ومن أجل ذلك جاءه الإذن بالسفر بعد المسلمين. معنا اتصال آخر من سويسرا. ألو... آدام سامي: أهلاً بكِ، تفضلي حضرتكِ. السلام عليكم، كل عام ونحن طيبون وبخير. آدام سامي: افتقدناكِ على مدى الحلقات الماضية. على مدى شهور أحاول
بصعوبة الدخول إليكم، بالرغم من أننا نلغي كل الندوات والمؤتمرات التي تكون يوم الجمعة لكي أكون متفرغاً. أهلاً بحضرتك، تفضل يا فضيلة الدكتور. لدي تعليق على النقطة التي ذكرتها بخصوص "عندي زوجتان، التي تعجبك أتنازل لك عنها"، بما أن هذا لم يرد في القرآن ولم يقره صلى الله عليه وسلم، فلا يجب أن نستخدمه اليوم في هذا القرن من الزمان لأنه يتنافى أولاً مع روح القرآن وهو يتنافى مع روح الإسلام التي أعزت المرأة وعززت من مكانتها، ولا ننسى إطلاقاً أن هذا كان في أول الهجرة، أي أن الأنصار لم يكونوا قد تعلموا العلم الكافي بعد. بالإسلام، فكون أننا اليوم نروّج لهذا، وهذا أذكر أنه في إحدى الزيارات للقاهرة، حضر صلاة الجمعة واستمع في
أحد المراكز الإسلامية إلى الحديث، ورجع متأثراً جداً لأننا اليوم لابد أن نرى الواقع الذي نعيش فيه وتطوره، ولازم نعرف أن هناك عيون مرصودة تريد أن تمسك. على الإسلام أمور وشبهات تُثار حوله، فيجب أن يكون لدينا من الحكمة والدراية ما يمكّننا من تفويت الفرصة عليهم، وألا نستخدم أقوالاً ليس لها أساس في القرآن وليس لها أساس في السنة. وشكراً جزيلاً، شكراً سيدة سامي. هل من تعليق آخر على نفس النقطة؟ حسناً، يعني ما... دام الناس لا يدركون معنى الحب فلا يمكن أن يدركوه. هذا يعني أنهم يدركون العقود، يدركون شيئاً ليس من الإنسانية العالية. يبدو أن جيل الصحابة الكرام أعلى بكثير جداً في المشاعر الإنسانية منا. لقد
أصبحنا الآن محجوبين بترهات وبأوضاع معينة. الأخت سامية تتحدث عن مسألة ضيقة وأنا أتحدث عن... السماء هي تتحدث عن ضيق الأرض وأنا أتحدث عن رحمة السماء وسعتها فضيلة السيد الدكتور علي جمعة، ولكن ربما الاعتراض من السائلة في هذا الاتصال السابق هو عن مدى صلاحية هذا المثال لعصرنا الحالي ولظروف حياتنا المعاصرة. نحن لا نتحدث الآن أصلاً في العصر الحاضر، نحن نتحدث في رواية وردت. وأول ما قمت وقلت لها أنه قد يعترض كثير من الناس عليها ولكن كيف نقرأ النصوص؟ نقرأها بعين الحب لا نقرأها بعين النقد والرد. هذا زوجها الذي حضر وسمع لم يتلق بعين الحب إنما تقبلها بعين النقد. واسع وكلام كثير، أما الذي يتلقاها
بعين الحب، حسناً ماذا تفعلين يا... أخت سمية، هناك امرأة أرادت، أي أنها تقول إن إعزاز المرأة - فالمرأة تقول أنني أريد أن أتزوجه. ماذا تفعلين في هذا؟ ماذا تقولين في هذا من الناحية الإنسانية؟ أن امرأة من شدة حبها في الله قالت: أريد أن أتزوج هذا. حينئذ، هل سيكون هناك إعزاز للمرأة أم لا يكون ولا ما الوضع يعني كيف سيكون الوضع، هو الرجل يبيع ويشتري في النساء؟ هؤلاء إخوة، والأخوة جاءت من الحب، والحب جاء من الرحمة. ولكن يبدو أن هذا الكلام تحت عنوان وحدانية الزوجة في الغرب أصبح غير مقبول. ولكن كون شيء غير مقبول شيء، وكوننا نقرأ النصوص
ونفهمها وكيف كان أولئك القدر العالي من الحب والعطاء والرحمة شيء آخر. معنا اتصال آخر من الصعيدية. ألو، السلام عليكم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. والله كنت أريد أن أشكرك على برنامجك القيم هذا. شكراً لحضرتك. ولدي ملاحظتان وسؤال. تفضل. يعني لماذا لا يأخذ البرنامج صبغة دينية أكثر من ذلك؟ هذه نقطة، والنقطة الثانية بالنسبة للهجرة، كنت سمعت أنها لم تحدث في وقتنا الحالي، وأنها حدثت في شهر ربيع الأول أو ربيع الثاني، وأن التقويم بدأ من عهد سيدنا عمر بن الخطاب، وأنهم اختاروا سنة الهجرة نفسها التي هي بداية التقويم، السنة التي حدثت فيها الهجرة، فهي لم تكن حالياً لم تحدث الآن، كانت في ربيع الأول أو ربيع الثاني. هذا التعليق الثاني، وأريد من فضيلة الشيخ أن يعلق عليه.
السؤال: عندما هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام مع سيدنا أبي بكر، هل كان اختيار سيدنا أبي بكر بناءً على أمر من الله أم كان بناءً على أسباب أخرى فقط؟ وشكراً، شكراً سيدنا خالد، يعني طبعاً نحن قلنا هذا الكلام يا أخا خالد. الآن لعلك لم تسمع بداية الحلقة أننا قلنا إنه فعلاً حدث في ربيع ولم يحدث في محرم، وعندما اختار عمر شهر محرم لأنه كان بعد الحج يعود الناس إلى عام جديد بصفحة جديدة، وقضية سيدنا أبي بكر هو الله عنه قد وصل إلى مقام الصديقية، والصديق هو صديق الحق، من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك. الصديق هذا كما قلنا في قضية الحب، كان أبو بكر لا يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبداً، ولا يمشي أمامه، ولا يتكلم في حضرته قبله، ولكن في الهجرة كان... حريصاً عليه أشدَّ من حرص الأمة على ولدها وهي تخاف عليه، فكان يتقدم رسول الله حتى لا يأتيه أي عارض من أمامه، ثم يتذكر أن ظهره مكشوف فيرجع من خلفه ويجعل رسول الله أمامه، فيأتي عن يمينه، فيأتي عن يساره، نوع من أنواع القلق الذي قد تولد في قلبه من شدة الحب والحرص فسيدنا أبو بكر لما وصل إلى مرتبة الصديقية كان هو ثاني اثنين إذ هما في الغار، أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه السكينة، وفي تفسير أنه أنزل على أبي بكر السكينة، فالسكينة التي نزلت على أبي بكر لأن النبي قلبه معلق
بالعرش دائماً لا يحتاج إلى سكينة تنزل عليه ولا غيره، فلما خاف أبو بكر نزلت السكينة عليه، أما رسول الله فإنه لم يخف أصلاً بل كان في سكينة دائمة لأن قلبه كان معلقاً دائماً بعرش الرحمن، وكانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، وحتى في السهو في الصلاة قالوا: يا سائلي عن رسول الله كيف سها. والسهو من كل قلب غافل، الله قد غاب عن كل شيء سره، فسها عما سوى الله. فالتعظيم لله، فكان صلى الله عليه وسلم مفعمًا بذكر الله لا ينساه أبدًا، قلبه مطمئن وساكن. ولذلك بعضهم حمل الضمير في "عليه" على سيدنا أبي بكر، فهذا كان من الأسباب الوجيهة وصول سيدنا أبي بكر إلى مقام الصديقية التي هي تحت مقام
النبوة مباشرة إلا أنه لا يوحى إليه. نعم سيدي الدكتور علي جمعة، في حديث من الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". نحن نجد في هذا الحديث مضموناً ومعنى. آخر لكلمة الهجرة، أرجو أن تفسره لنا، وهل فعلاً هناك مضامين أخرى غير الانتقال من بلد إلى بلد ونطلق عليها كلمة هجرة؟ فعندما دخل النبي المصطفى الحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم مكة قال: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية". لا هجرة بعد الفتح، أُغلقت الهجرة، بمعناها... الذي كان وهو الانتقال من مدينة إلى مدينة أو ما شابه ذلك، لكنه قال: "من هاجر شبرا من الأرض"، شبرا
من الأرض يعني هذا الشبر شيء غريب، انتقل بقدمه فقط لكنه فعل هذا لله، كان مهاجرا. إذاً هناك معنى لما يقول: "ولكن جهاد ونية صالحة في أعمال صالحات"، ولما... يقول إنه من هاجر ولو شبراً من الأرض، يكون إذاً في معنىً آخر للهجرة. ما المعنى الآخر؟ الهجرة إلى الله. إبراهيم آمن به لوط، وقال سيدنا إبراهيم الذي قال، وليس لوط: "إني مهاجرٌ إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم". فهو هاجر إلى... ففي هجرة إلى الله، الهجرة إلى الله. باقية إلى يوم القيامة بالنية الصالحة، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه. يجب علينا أن نهجر وأن ننتقل من
حال إلى حال. إذاً، هجرة المكان انتهت لكن هجرة الحال لم تنتهِ. نريد أن نترقى في أحوالنا وأن نهجر ونترك ما نحن فيه، ولو كان في المنتقل منه رغبة لنا، عندما ننتقل من شهواتنا، نحن نحب شهواتنا، ولكننا أُمِرنا أن ننتقل من هنا. بعض علماء النفس المحدثين مثل فرويد يتكلمون عن النفس الأمارة بالسوء ويصفونها بشكل صحيح في كل ما يقولونه تقريباً. نعم، إنها النفس الأمارة بالسوء، ولكننا مأمورون أن نتركها، وهذا ما لم يدركه فرويد في جميع نصائحه. تؤكد أننا نظل على النفس الأمارة بالسوء ونبقى عليها، ولكن الأمر ليس كذلك. ينبغي علينا أن ننتقل من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة فالنفس الملهمة، وعلى
ذلك فينبغي علينا أن نهاجر، من النفس الأمارة إلى اللوامة إلى الملهمة، نهاجر عما نهى الله عنه، نهاجر من حال رديئة. إلى حالٍ مرضية نهاجر، يعني ننتقل. فينبغي علينا أن نؤكد على هذا المعنى من الهجرة. أنا عندي أيضاً، لو سمحتم لي، قضية أخرى وهي هجرة العقول. قبل أن ينتهي البرنامج، الناس الذين ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا وهاجروا لطلب العلم أو الرزق أو غير ذلك من الأسباب، عليهم أن... يُدرِكوا أنَّ الهِجرةَ لها عَودةٌ وأنَّهُ يَنبَغي عَلينا أنْ نَعودَ إلى أوطانِنا لِبنائِها، وأنَّهُم إذا ذَهَبوا وتَضَلَّعوا بالمالِ والعِلمِ والأوضاعِ والفَهمِ للعَصرِ الذي نَحنُ فيه، فَهذا مَحسوبٌ عِندَهُم في ميزانِهِم عِندَ رَبِّهِم، فَلْيُكْمِلوهُ
بِرُجوعِهِم إلى بِلادِهِم حَتَّى يُعَمِّروها وحَتَّى يُنقِذوا أهْلَها مِن أيِّ وَرطَةٍ كانَت أو مِن أيِّ مُشكِلاتٍ يُمكِن. لهم أن يساعدوا فيها، فمن هاجر ينبغي عليه أن يعود، وما هو حكم الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية وحكم الله عز وجل في من يهاجر ويذهب إلى مكان جديد وبعيد عن وطنه أو عن الوطن الأم، فيستفيد منه هذا المكان الجديد وهذا المستقر الجديد في الضغط على الوطن الأم كما يحدث. مع الكثير من علماء العالم العربي والإسلام، كلُّ من يستفيد منه أو يُطوِّر للبشرية حالها فهذا لا بأس به، أما كلُّ من يضغط على وطنه فهذا حرام وهذه خيانة غير مقبولة عند العالمين كلهم، وهي أن يتبرأ الإنسان من وطنه ويتبرأ من ذاته، وهذا قصور وتقصير ينبغي عليه تجنبه. أن يتوب منهم، وينبغي
عليه فوق هذه التوبة الذي يستمر في حرمان بلده من العطاء أن يعطيها، فإن الحب عطاء. أستاذ الدكتور علي جمعة، ربما أشرتَ في إجابتك السابقة إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"، ولكن نجد أنفسنا أمام نص ديني آخر وهو قول الله تعالى: "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها". فهل هذا الحديث يتعارض مع هذه الآية أم أن كلاً منهما ينسخ الآخر؟ وخاصة أنك أشرت بالذات لمسألة هجرة العقول وقلت يجب أن تكون هناك عودة. فهل المقصود هنا أيضاً أن تكون عودة نهائية أم ذهاب وإياب؟ بين الوطن ومكان المهجر لا هي الآية نزلت في شيء وهذا في شيء آخر فليس هناك نسخ. النسخ يكون عندما يكون الموضوع واحداً. هذه الآية نزلت في الظالمين أنفسهم:
"تتوفاهم الملائكة قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم". هو يتحدث عن صنف آخر من البشر ارتضى أن لا ينتقل من وطنه حتى ولو كان في وطنه معصية وطغيان وفسق وفساد في الأرض وتخلق بغير الحق. قالوا: "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها". ثم بعد ذلك بآية قال: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً". وسعة بعدها بآية يعني يقول له أنه نعم لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها. وتركنا من السطور
الثلاثة هذه: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله". فإذا هي الآية. تتحدث عن أولئك المستضعفين من الرجال والنساء، ألا المستضعفين، ما هي الآية التي تركناها؟ "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً". يعني أولئك الذين يستطيعون تغيير المنكر إما بأن يزيلوه أو أن يُزالوا عنه، إما أن يزيلوه وإما أن يتركوا هذا، عليهم أن يفعلوا هذا. من تغيير المنكر أحكي لك قصة رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. رجل يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن كان قبلنا أن رجلاً قد قتل
تسعة وتسعين نفساً، فذهب إلى أحد العباد وقال له: "هل لي من توبة؟" قال: "لا"، تسعة وتسعين نفساً، يعني... لا، ليس لك توبة. فقتله، فأكمل به المائة وندم مرة ثانية، فذهب إلى عالم وقال له: "هل لي من توبة؟" قال: "نعم، من الذي يمنعك من التوبة إلى الله؟" قال له: "خلاص، تبتُ على يديك وربنا يقبل توبتي". قالوا: "لا، إنك في أرض سوء، ناس تركوك تقتل تسعة وتسعين من..." دون أن يضربوا على يديك أو يقبضوا عليك أو يقتلوك، فأنت في أرض سوء، هؤلاء أناس إما عندهم جبن وإما عندهم تسيب وإما عندهم فساد، وثمة شيء خاطئ في المكان الذي أنت فيه. اذهب إلى قرية بني فلان فإن فيها أقواماً يعبدون الله، فأخذ بعضه وذهب وهو في... الطريق مات، فجاءت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب
يختلفون حول أخذ هذا الرجل إلى الجنة أم إلى النار. لقد تاب وهاجر، فقاسوا المسافة. فأوحى الله إليهم أن يقيسوا بين موطن الفساد وبين موطن القرية الأخرى. فقاست الملائكة، فباعد الله بين هذا وقرّب إلى هذا، وجعلهم يأخذونه إلى الرحمة. هذه هي تعطينا رمزًا لشيء مهم وهو الزوال عن مكان المعصية. معنا اتصال آخر من دبي. ألو، السلام عليكم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الله يبارك فيكم، كيف حالكم؟ بخير، شكرًا، وحضرتك بخير؟ تفضل يا فضيلة الشيخ. الله يجزيكم الخير، لدي سؤال بسيط. اليوم خطيب الجمعة قال إن الهجرة
فسروها إلى... اللهَ إني لكم نذيرٌ مبين، فقال إن هذه الهجرة تعني معنىً متجددًا، فهذه من دقائق التفسير. أم فعلاً هل هناك معنى للهجرة بهذا المعنى الذي وصفه الشيخ. والله يجزيكم خيرًا ويجزي شيخنا أيضًا خيرًا عند الله أفضل الجزاء. وإن شاء الله في العام القادم وأنتم بألف ألف خير وعافية. حق وهذه الأمور التي قلنا في بداية البرنامج أنه ينبغي أن نعيش فيها، ولذلك فالاستمرار جزء منها لا يتجزأ، والفرار إلى الله سبحانه وتعالى نوع من أنواع الهجرة بدون شك، والهجرة نوع من أنواع الفرار إلى الله سبحانه وتعالى. "إني لكم منه نذير مبين". نعم سيدنا الدكتور علي جمعة لدينا. تساؤل فيما يخص مزاعم اليهود بأن اغتصابهم
واحتلالهم لأرض فلسطين هو هجرة منهم من أراضيهم التي وجدوا فيها العذاب والتعذيب، وهو يشبه هجرة المسلمين من مكة إلى يثرب. على كل حال، اليهود كاذبون عبر العصور، وكلامهم هذا هو كذب مثل كذبهم الذي يكذبونه على العالم وعلى أنفسهم في كل وقت. وحين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت لأقوام ذابوا حباً فيه حتى أن هذا الحب لا يتصوره كثير من المسلمين. الفلسطينيون أحبوهم حباً كهذا، هم ذهبوا إلى بلاد أهلها يلعنونهم ويحاربونهم بالسلاح ويجمعون الأرض كلها والعرب كلها من أجل قتالهم
في سنة ثمانية وأربعين. من الذي يعني أين المشابهة؟ هذه مدينة استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ذلك الحب غير المتصور الذي يؤلم بعض الناس عندما يسمعونه من شدة علوه ورقيه وعدم إدراكهم له. ما هذا؟ هذا الحال موجود هناك في فلسطين وهم يلعنونهم ويحاربونهم ويستشهد أحدهم فيفجر نفسه فيهم لله من غيظهم وفسادهم في الأرض. أين المشابهة تكون ولو في وجه واحد. النبي صلى الله عليه وسلم لادَّعى أنه ذهب إلى أرضه، ولادَّعى أنه قد تملكها، ولادَّعى.
وعندما جاء ليشتري المسجد، اشتراه بالنقود، ولم يُجلِ أهلها كما أجلوا الفلسطينيين، ولم يقتل، ولم يُبِد الناس الإبادة هذه التي أبادوها، ولم يفتح لهم محاكم التفتيش، ولم يفعل معهم. كل ما فعل اليهود مع العرب في فلسطين، فأين المشابهة؟ وكيف تكون؟ هاجر الناس فراراً خوفاً على أعراضهم، تركوا أموالهم خوفاً على حياتهم، تركوا أموالهم خوفاً على كرامتهم. اليهود في الحقيقة أفسدوا في الأرض أمام العالمين، وبقاؤهم إنما هو بحبل من الناس فقط، يعني بتأييد من الناس ممن يريد أن هذه الشوكة في هذه المنطقة من أجل عدم وحدة المسلمين والعرب ومن
أجل إهدار طاقتهم ومن أجل أن تظل هذه المناطق استهلاكاً لأسواقهم ومن أجل أن نبقى على هذا الحال الذي نحن عليه الآن من فرقة وعدم وحدة. مشاهدينا في كل مكان، في نهاية هذا اللقاء نشكركم مشاهدينا على حسن. المتابعة وعلى مشاركتكم من خلال هذه الاتصالات والأسئلة والآراء التي تثري هذا الحوار، كما نشكر ضيفنا وضيفكم الأستاذ الدكتور علي جمعة أستاذ أصول الفقه بجامعات الأزهر. شكراً، كل عام وأنتم بخير، حضرتك بخير. أعزائي المشاهدين، شكراً لكم على حسن متابعتكم وعلى أمل لقائكم إن شاء الله في الأسبوع القادم. ولقاء جديد من لقاءات الجمعة وحتى هذه اللحظة، لكم سلام الله ورحمته وبركاته.