لقاء السبت | حسن الظن بالله | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه اللحظات المعدودات التي نلتقي بها، ونرجو الله سبحانه وتعالى دوامها ما دمنا أحياء، نلتمس فيها بركة رسول الله. صلى الله عليه وسلم وما تركنا عليه من المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فهو بابنا إلى الله سبحانه وتعالى وهو هادينا وهو الأسوة الحسنة التي أمرنا الله أن نتمسك بها وجعله شاهدا علينا وجعله
مثالا يحتذى ووفقه سبحانه وتعالى لأن يكون الإنسان الكامل الذي يحقق العبادة التي أرادها الله سبحانه وتعالى من خلق هذه الأكوان، ولذلك لخص ذلك بعض العارفين بالله فقالوا إن هدف خلق الله من خلقه هو النبي صلى الله عليه وسلم، يقصدون بذلك "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك"، وهو كلام صاغوه ليعبر عما يجيش في صدورهم من قوله تعالى "وما خلقت الجن". وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، باعتبار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان سيد العباد وكان سيد ولد آدم، وهو يشير إلينا لهذا المثال الصالح
الرباني. يقول: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر". لم يكن يفتخر، وإنما كان يعلمنا. قال تعالى في شأنه: "وإنك لعلى خلق عظيم". وقال في شأنه وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدثنا بأحاديث ومن هذه الأحاديث ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأبو هريرة أسلم يوم خيبر وقبل الفتح ولكنه تعلم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من أجل أنه تفرغ لطلب العلم فكان من أهل الصفة، وأهل الصفة كانوا
قد انقطعوا للعلم فحضروا كل دروس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده الشريف المنيف مدة تلك السنوات التي كان فيها أبو هريرة، فكان من أكبر رواة الأحاديث وأتقنهم سيدنا أبو هريرة. يقول أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهو يرشدنا فيقول إن الله سبحانه وتعالى عند ظن عبده، فيروي عن ربه أنه قال: "أنا عند ظن عبدي بي". وهذا المقطع من الحديث يبين وجوب حسن الظن بالله؛ لأن الله
سيعاملنا كما نختار، فإذا ظننت في ربك أنه لن يغفر لك، فهذا الظن فيه شيء من القسوة والعنف على... نفسك لأن الله سبحانه وتعالى سيكون عند ظنك، ولذلك الحديث لم يقل أنا عند حسن ظن عبدي بي فقط، بل أنا عند ظن عبدي بي. فلا بد علينا أن نبتعد عن الظن الذي لا نرجو فيه رحمة الله، والذي لا نرجو فيه رزق الله، والذي لا نرجو فيه عفو الله. وغفران الله سبحانه وتعالى ولن يدخل أحد الجنة بعمله. قال العلماء: الجنة سندخلها
بفضل الله. قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته. ولكن بعد أن ندخل الجنة فإن الخيار إنما هو بالأعمال، نختار في الجنة ما نشاء بموجب أعمالنا. وأنا عند ظن عبدي. به فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ولا يزال عبدي يتقرب إلي فإذا تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ولا
يزال العبد يتقرب إلى ربه بالنوافل حتى يحبه فإذا أحبه كان سمعه الذي سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، أنا عند ظن عبدي بي. أمرٌ يدفعك إلى حسن الظن بالله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن أبي هريرة أيضاً يقول: "حسن الظن بالله من حسن العبادة". فينبغي عليك أن تجعل قلبك من القلوب الضارعة التي تتوسل إلى وتعالى وتلتجئ إليه وتحسن الظن به وتستمر في الدعاء لأن الدعاء هو العبادة، وهناك في الحديث "الدعاء مخ العبادة"، ولكن الأصح منه والأكثر إسناداً "الدعاء
هو العبادة"، ولذلك يجب عليك أن تستمر في الدعاء لأنه عبادة، فسوف يستجيب الله لك أو يدخره أو يؤخره، وكله خير في الدنيا والآخرة. عام وأنتم بخير ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بفضله وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته