ما معنى الفتح؟ | الدروس الشاذلية | حـ 32 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسأل سائل فيقول: ما معنى الفتح؟ وهي كلمة جرت على ألسنة أهل الله من الأتقياء والأنقياء والعباد والذاكرين. والفتح معناه أن يشرح الله سبحانه وتعالى صدر أحدهم فيرى بعين البصيرة ما قد يكون مخفياً. عَن الغافلين يعلم حقيقة الدنيا وأنها
إلى زوال، يتعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى فيرى أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فيكون قد فُتِح عليه، انكشف له الحق، انجلت له الحقيقة، رأى بعين البصيرة ما لا يراه الغافلون الذين يكرهون الموت وسيرته وكأنهم لا يموتون، والذين يتوغلون في مشكلات الدنيا. ومعضلاتها وكأنها من عند أنفسهم أو من عند الآخرين ولكن الذي فتح الله عليه يرى أن كل ذلك من عند الله "قل كل من عند الله" خلقاً، أما الشر
فهو امتناعنا نحن عن الخير فهو بسببنا وعليه المحاكمة والمحاسبة يوم القيامة، أما الخلق فالله يملك هذا الكون وما قبله وما فهذا هو الفتح وللفتح درجات، يأخذ الفتح في الشدة حتى ينكشف للعبد الملأ الأعلى فيعبد الله وكأنه يرى العرش، وهذه مرتبة الإحسان يقول فيها صلى الله عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه"، وهذا الذي جاء فقال: "يا رسول الله إني عندما
أذكر أرى الملأ الأعلى والعرش والجنة والنار" فقال... عرفت فالزم يعني انكشف له هذا الذي هو في الغيب وكأنه حاضر أمامه، وكان حاتم الأصم إذا دخل في الصلاة رأى الكعبة أمامه ورأى نفسه وكأنه على الصراط يوم القيامة. فهذه درجة من درجات الفتح تسمى عندهم بالكشف، وهو كشف يتعلق برقة القلب وضراعته لله سبحانه وتعالى، وهو كشف. محمودٌ لأنّه تحقيقٌ
لمرتبة الإحسان التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك، وكان كأنه يغيب عن هذا الكون فيبقى في الحضرة الربانية القدسية، فلا يغيب في حل المعضلات وفي فك المشكلات، بل هو على ذِكرٍ دائم. لله رب العالمين خشوعًا وخضوعًا والتجاءً ودعاءً، فهذه المرتبة تسمى بمرتبة الفتح أو بمقام الفتح، حتى تدوم في كل ساعة وحين، فيصل منها إلى الرضا وإلى التسليم وإلى
التوكل، ثم يصل بها إلى الصديقية، فيكون صادقًا مع ربه وصادقًا مع الناس وصادقًا مع نفسه، فالله سبحانه وتعالى يفتح علينا فتوحًا. العارفون به