مجالس الطيبين | ما الصوفية ؟ | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السؤال الذي ورد إلينا وبنينا هذه الحلقة عليه هو ما الصوفية، وذلك أن بعضهم قال أن فلانا صوفي وكأنه ينتقصه بهذا الوصف. أنت لا تعرف أو هذا مثل الذي ينتقص ويقول يا شيخ هذا فلان هذا فقيه ويحرك يده هكذا وكأن الفقه انتقاص يضحك الناس من هذا يا شيخ هذا فلان هذا تقي سيلك منه أو مثل هذا التصوف هو درجة الإحسان التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث الدين بتعليم جبريل لنا
ولذلك لم ينكر التصوف أي أحد لم ينكر التصوف رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية عندما جمعت فتاويه في سبعة وثلاثين مجلدا، خمسة وثلاثين مجلدا ومجلدين للفهارس، تجد في الجزء العاشر والحادي عشر السلوك والتصوف. لماذا؟ لأن ابن تيمية كتب في التصوف، وابن القيم، ابن القيم كتب في التصوف كتابا رائعا ممتعا نافعا اسمه مدارج السالكين في شرح منازل السائرين. بين إياك نعبد وإياك نستعين وكان الشيخ أحمد بن الصديق الغماري الطنجي المغربي يقول أعلم
من كتب في التصوف ابن قيم، ابن قيم الجوزية لم ينكر التصوف أحد من العلماء على مر التاريخ أنكروا على من انحرف بالتصوف هنا أو هناك كمن أنكروا على علماء الكلام الذين انحرف بعضهم أو جاءتهم نزغة من نزغات الفلاسفة فقهاء الذين شذوا أو غيروا أو بدلوا أو جهلوا أو ما إلى ذلك حتى لا يكونوا فقهاء فيخرجوا من هذه الطائفة وانتزوا بذي الفقهاء في الحديث قالوا هذا حديث موضوع كيف يكون موضوعا وحديثا نعم هو قيل عنه أنه حديث وهو باطل لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعل الكذب عليه سببا
لدخول النار، إذا فواضح الكلام جدا أن أحدا من الناس لم يعترض على التصوف ممن يذكرون الآن، ولذلك هناك كتاب لطيف هذا الكتاب يتحدث عن أقوال أئمة السلفية في السادة الصوفية، يعني انظر الناس يحاولون أن يفعلوا ماذا إنهم فرقتان فرقة الصوفية وفرقة السلفية، هذا كلام خاطئ. الصوفية هي ثلث الدين، أما السلفية فهي مرحلة مباركة كانت موجودة أيام الصحابة والتابعين في القرن الأول والثاني والثالث وهكذا. فالمقارنة بين شيء يسمى سلفية وشيء يسمى صوفية مقارنة باطلة. إنما التصوف هو عبارة عن علم مرتبة
الإحسان التي أمرنا أن نتحلى بها ولها طريق ولها كلام فجمع ماذا قال ابن تيمية في مدح التصوف ماذا قال ابن القيم ماذا قال ابن عبد الهادي ماذا قال ابن كثير الشوكاني ماذا قال فلان وعلان وتركان إلى أن وصل إلى الشيخ محمد عبد الوهاب ومن بعده من أولاده وكذلك الذين عرفوا الحقيقة وتكلموا عن هذا العلم هذا العلم كتب فيه الإمام القشيري كتب فيه رسالة ممتعة تسمى بالرسالة القشيرية، هذا العلم كتب فيه أبو طالب المكي وأبو طالب المكي ألف كتابا أسماه قوت القلوب إلى علام الغيوب، ألف
فيه الإمام الغزالي ألف كتابا ممتعا أسماه الإحياء وقسمه على أربعة أقسام، القسم الأول العبادات. والقسم الثاني المعاملات والقسم الثالث المهلكات والقسم الرابع المنجيات الصوفية وضعوا ألفاظا مثل الفقهاء ومثل المتكلمين من أجل أن يساعدوك على فهم الكتاب والسنة وكان الجنيد يقول طريقنا هذا إلى الله مقيد بالكتاب والسنة ولذلك قالوا إن طريقنا مقيد بالذكر والفكر إذا أردت أن تسلك طريق الله ماذا تفعل هل تذكر ماذا قال تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم هذا
هو الذكر ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار هذا هو الفكر وبعد الذكر والفكر تأتي المناجاة الدعاء ربنا تأتي بعد الذكر والفكر فهلم بنا نسلك طريق الله فنكون من الذاكرين ومن المتفكرين الذاكرين الله كثيرا فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفروا إلا بذكر الله تطمئن القلوب اقرأ القرآن كله ذكر حتى أنه قد سمى القرآن ذكرا يبقى إذا لا بد علينا أولا من الذكر في الذكر ذهبوا ما نحن نقول
طريقنا مقيد بالكتاب والسنة ما يوجد ولا شيء إلا وهم يذهبون إلى الكتاب والسنة حتى يستدلوا منها، ولكنها قد تخفى على بعض الناس أو على من أعلن الحرب الشعواء الجاهلة على التصوف، فتراهم مثلا يقولون عليك بالعشرة الطيبة، ما هذه العشرة الطيبة؟ قال سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله وهذه تسمى الباقيات الصالحات، لماذا سميت بالباقيات الصالحات؟ لأنها تبقى بعد موت الإنسان في حياته وبعد مماته، فهي الباقيات الصالحات. ثم استغفر الله، لا
حول ولا قوة، استغفر الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلت على الله، والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، طيب، هذه الأذكار من أين تأتي؟ كلها تأتي من السنة المشرفة، وقبل ذلك تأتي من القرآن الكريم. قالوا ماذا أيضا؟ قالوا: والله نريد قلة المنام، قلة الطعام، قلة الأنام، قلة الكلام إلا أربعة. قلة الكلام هذه من أين تأتي؟ النبي عليه الصلاة والسلام أوصانا بالصمت وقال: إذا رأيتم قد أوتي صمتا فاعلموا أنه يلقى الحكمة وربنا يقول يؤتي الحكمة من يشاء ومن
يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب قلة الكلام قال اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك أضمن لك الجنة قلة الكلام يعني من شأن الأنبياء الصمت حتى أن ابن أبي الدنيا ألف ضخما أورد فيه كل الأحاديث الواردة عن فضيلة الصمت وهو قلة الكلام وقلة الطعام، أليس لدينا الصيام في رمضان وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس وكان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وكان يصوم أكثر شهر المحرم وأكثر شهر شعبان وكان يصوم التسعة الأيام الأولى وكان يصوم كثيرا، فإذا عددت الأيام التي وردت في السنة في الصيام تجد أكثر من ستة أشهر، أي نصف العام مع شهر رمضان كاملا، فيصبح أكثر من نصف العام لأنه يصبح سبعة أشهر
بهذا الشكل، فإن الحقيقة أن قلة الطعام والنهي عليه السلام بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، قلة الطعام صحيح يبقى إذا كان هذا لهم مستند فهو كذلك، طيب قلة المنام ألا وهو في أكثر من قيام الليل "قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا" هذا يعني "ومن الليل نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا يعني التهجد وهو أن تترك النوم ابتغاء العبادة لها ثواب كبير وقيام الليل وفضل قيام الليل طيب وقلة الأنام قلة الأنام معناها الانكفاف عن الناس العزلة الطيبة التي
تمكنك من التفكر والتدبر وهذا في الاعتكاف لدينا شيء يسمى الاعتكاف حتى أن الإمام الشافعي يوصينا أيضا أخذا من السنة بأن الإنسان عندما يدخل المسجد يقول نويت سنة الاعتكاف فيقعد عشر دقائق أو ربع ساعة يصلي ثم ينصرف وما من مانع في ذلك، وسيأتي أحد ليقول أتريد من الناس أن يعتزلوا؟ لا، لقد ذهبت الصوفية فحلت لنا هذه المسألة وقالت خلوتهم في جلوتهم، أي قالوا له انعزل واحبس نفسك في البيت لا تقل دعوا عمل الإنسان بيده واكتسابه لرزقه من عمل يده هو أساس التصوف فكيف أعتزل بقلبك تعتزل بقلبك درب قلبك على هذه العزلة التي لا تغتاب
فيها ولا تنم ولا تتكبر ولا تدخل في مهاترات الناس وأنت لست طرفا فيها قلل من تبعاتك مع الخلق وتفكر هكذا هي العزلة فتكون العزلة هنا عزلة شعورية قلبية روحية الغرض منها الطمأنينة وعدم مخالطة المعاصي العزلة هنا معناها إتاحة مساحة أكثر للتفكر عزلة أو قلة الأنام أي الناس مع الطعام مع الكلام مع المنام هي بداية الطريق يقولون بداية الطريق الصوفية التي تهتم بالذكر والفكرة التي تهتم أيضا بالتخلية والتحلية، اخل قلبك من كل قبيح، كل قبيح فهذه تعد لك فيها بتعميد صفة، وحل قلبك
بكل صحيح أيضا تعد لك فيها بتعميد صفة. حسنا التخلية والتحلية، ومن دعائهم اللهم ما جعلت الدنيا في أيدينا فلا تجعلها في قلوبنا، لماذا هكذا؟ قال لأن الزاهد الحقيقي هو من كانت الدنيا في يده فزهد فيها، لكن الدنيا ليست في يده فيكون زاهدا كاذبا. عندما هي أصلا الدنيا لم تأت إليك فبماذا تزهد؟ فليس لك إلا التواضع وليس الزهد، لكن ستدعي الزهد فلا بد أن تكون الدنيا في يدك. هذه مسألة قوية جدا ولذلك الذي يقول لك أنا أريد أن أتصوف أو هذا فلان صوفي قل له رضي الله عنه وإلى لقاء
آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله