محاضرة بعنوان « تكامل المؤسسات الدينية والإعلامية في تقديم المنهج الوسطي للإسلام » | أ.د علي جمعة

محاضرة بعنوان « تكامل المؤسسات الدينية والإعلامية في تقديم المنهج الوسطي للإسلام »  | أ.د علي جمعة - ندوات ومحاضرات
بفضيلة لا أعرفها فشكرا عن الجمعة الخاص بالأزهر وعميد مدارس الشرطة والتربية بالنسبة للمعاصر فليحدثنا من تفضل بأن يتحدث معنا عن فترة الفداء نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وقدم الشكر الجزيل لمعالي الوزير محمد عبد الفضيل القوصي، والدكتور
محمد نجيب عوضين الأمين العام لهذا المجمع، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وتقدم بالشكر لأصحاب المنصة الأستاذ الدكتور محمود يوسف والأستاذ الدكتور عبد الرضا والأستاذة كريمان حمزة، وأحيي فضيلة الشيخ مختار المهدي وفضيلة الأستاذ الدكتور نبيل غنايم والدكتور محمد والدكتورة هاجر سعد الدين أحييكم جميعا وأقول لكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لدي رأي بعد التتبع الدقيق في مسألة فوضى الفتاوى، فهناك فتاوى تتبعناها ووجدنا
أنه ليس لها أصل أي لم يقل بها أحد وأذيعت في وسائل الإعلام وتناولتها الأقلام وهي لم يقل بها أحد، آخرها فتوى الوردة وفتوى الوردة تحرم الجلوس في كرسي قد جلست عليه المرأة، وبتتبع هذه الفتوى وجدنا أنه لم يقلها أحد. إذن نحن دخلنا في عصر آخر تفترى فيه الفتاوى لتشويه صورة الإسلام، لتشويه
صورة الإسلام والمسلمين، وهذا جانب قد لا يلتفت إليه أحد. مورد آخر من أخطاء الفتاوى أن تصدر من غير المتخصص فهو لم يدرس الشريعة ولم يدرس الواقع لكنه أصبح بقدرة قادر شيخا متصدرا وهذه مصيبة لأن الدين علم ككل العلوم يحتاج إلى أستاذ وإلى منهج وإلى كتاب وإلى جو علمي وإلى اختبارات وإلى حفظ وإلى فهم ولا يصلح أن يتصدر كل من هب ودب من أجل أن يبين حكم الله سبحانه
وتعالى وهناك فرق بين علم الدين وبين التدين نطالب جميعا بالتدين نصلي ونصوم ونقرأ ونتعلم لكن هذا لا يبيح لنا أن نتصدر في علم تخصصي يحتاج إلى علوم مساعدة يحتاج إلى تعمق وإلى فهم وإلى طول تراث ولذلك فإنني لا أشجع كثيرا كلمة فوضى الفتاوى بالرغم من إنها قد شاعت وذاعت وكأنها قد استقرت وأمام فوضى الخطاب الديني فإننا ننظر فنرى التساهل الشديد وننظر مرة أخرى فنرى فكرا منفصلا عن
الكتاب والسنة منسوبا إلى الدين ونرى مرة أخرى تشددا يخالف الدين الإسلامي وكلما خير فيه الرجل المتكلم بين أمرين اختار أصعبهما على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى خلاف ذلك يا عائشة إن الرفق ما دخل في شيء إلا زينه وما نزع من شيء إلا شانه فنراه وكأنه قد انعكس الحديث عليه وانقلب فلا يدع عنفا كما ورد في الحديث بالفتح إلا اتخذه سبيلا ولا يدع رفقا إلا وقد حظر منه وبين أنه كل السوء
ولذلك فصلنا طريقة بيان الأحكام الشرعية على الوقائع النازلة وهو المسمى بالفتوى في منهجية واضحة أنه ينبغي علينا أن ندرس المصادر الشرعية ثم ندرس الواقع المعيش بعوالمه المختلفة ثم ندرس كيف نطبق هذا الحكم الشرعي على الواقع النسبي المتغير وقلنا وكتبنا ونذكر مرارا أن الدراسة الشرعية تحتاج إلى التخصص في مراحل أولها
بيان الحجية وأن الكتاب والسنة هما الحجة وثانيا في التوثيق من الذي قال لي ما الكتاب وما السنة ألهم الله الأمة علم الإسناد وعلم النقل في القراءات وفي الحديث وثالثا طرق الفهم وقام علم أنشأه وكتب فيه وبينه وإن كان على جيل الصحابة الإمام الشافعي في الرسالة وأسمى بأصول الفقه ولا يزال يدرس إلى يومنا هذا بالأزهر الشريف ورابعا أقسام القطعي والظني ما الذي اتفقت عليه الأمة وما الذي اختلفت فيه الأمة فيكون موطنا للمسامحة وموطنا لتقليد من أجاز وهنا يدرس
الإجماع أما في الظني فتربطه قواعد ثلاث ينص عليها الإمام السيوطي والإمام الباجوري في الحاشية أنه إنما ينكر المتفق عليه ولا ينكر المختلف فيه، القاعدة الثانية هي من ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز، وهذا نص كلام الباجوري في حاشيته، والقاعدة الثالثة الخروج من الخلاف مستحب وليس واجبا بل هو مستحب وله شروط أيضا، نعالج ونحن ندرس الشريعة حتى نبين أحكامها. قضية تعارض الأدلة
وقضية الترجيح وقضية شروط الاجتهاد وقضية المقاصد الشرعية وقضية المصالح المرعية والمصالح المرسلة وقضية الحكم بالمآلات إلى ما تقول هذه الفتوى وماذا سيترتب عليها من صلاح أو فساد كل ذلك يضبط قضية التلقي الشرعي بطريقة شرعية نص عليها الفقهاء عبر القرون يقول الإمام القرافي في الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام يقول فرب رجل يذهب إلى الكتب فيأخذ منها شيئا فيفتي به فيكون ضالا
مضلا لأن الواقع قد تغير ولأن الزمن قد مضى ولأن ما قرأه إنما كان على مقاصد أخرى وعلى طريق آخر يوصله إلى مقصد الشرع ولا يعود على مقصد الشرع بالبطلان وإدراك الواقع بعوالمه المختلفة وروابط كل عالم مع الآخر، عالم الأشياء له منهج، عالم الأشخاص له منهج، عالم الأحداث له منهج، وعالم الأفكار له منهج، وعالم النظم حيث ينتظم كل ذلك تحته بعلاقات بينية له منهج، فيجب أن يعي الإنسان أنه إذا أدرك الشريعة وحدها لا
يكون قادرا على الفتوى إلا بعد أن يفعل هذا وهناك رابط بينهما وهو المكون من المقاصد الشرعية الخمسة ومن المصالح ومن المآلات ومن الإجماع ومن اللغة ومقتضياتها فإن كل ذلك يؤثر في تحصيل الحكم الشرعي وإيقاعه شرعا يريح الناس ويعمر الأرض ويساعدهم على عبادة الله سبحانه وتعالى وهذا هو المنهج الذي اختططناه في دار الإفتاء بعد ذلك رأينا أن البلاد والعباد كانوا يتقيدون بمذهب واحد، وكان الشائع في مصر طبقا للدولة العثمانية هو المذهب الحنفي، مع أن الأزهر رفض أن يدرس
مذهبا واحدا وأن يحصر نفسه في مذهب واحد، فدرس المذاهب الأربعة السنية وقبل بذلك التعدد وقبل بذلك الآخر وقبل بذلك الاختلاف الذي يكون في الظني لا في الواقع رأينا علماءنا وهم يذهبون فيسيرون معا، هذا مالكي وهذا حنفي ويتحدثون: هل لمس المرأة ينقض الوضوء عندكم؟ يقول: لا أبدا، لا ينقض، والثاني يقول: لا، عندنا تفصيل، والثالث معهم يقول: لا يا شيخ، ينقض مطلقا عندنا. وكلمة "عندنا" هذه أصبحت هي التي يبنى عليها الاجتماع البشري والله. أعلم أن التي في الآخر التي دائما يحرص
عليها الشيخ في كلامه حتى في فتواه حتى في درسه تبين أننا يجب أن نسمع بعضنا البعض وأن نحترم الحجة والبرهان وأن تتعدد الآراء في ظل الدائرة الواحدة فهناك تعدد في ظل وحدة وبعد ذلك رأينا الإمام محمد عبده وهو يحاول أن ما عن تقليد المذهب الحنفي وفعل ذلك في أمور منها ما سمي بفتوى الترانسفال والترانسفال هي جنوب أفريقيا أرسلوا سؤالا عن قضية لبس القبعة الأجنبية هل هو حلال هل هو كفر هل هو كذا إلى آخره وأرسل أناس من الهند أيضا
فتوى أخرى فحملها الشيخ إلى المذاهب الأربعة مشيرا إلى إننا سنوسع الأخذ بدلا من الاقتصار على المذهب الحنفي وجاء قانون سنة خمس وعشرين وأخذ من مذاهب أخرى غير الحنفية مع اعتماد الحنفية أصلا، ثم بعد ذلك بدأ المفتون يخرجون عن القاعدة شيئا فشيئا، فلما جاء الشيخ عبد المجيد سليم مفتيا ثم شيخا للأزهر خرج عن المذهب الحنفي وأصبحت له اجتهادات يراها ومما رآه أن قضية التمليك في مال الزكاة لا سند لها من الكتاب والسنة أنه يجب لمخرج الزكاة أن يملكها لشخص وهو ما عليه الأئمة الأربعة
هو قال لا، حتى يتيح استعمال الزكاة في خدمة المجتمع في بناء القناطر والمدارس والمستشفيات وفي كذا وكذا إلى آخره، وتوسع جدا في سهم في سبيل الله، الحاصل أن المشايخ المصريين لهم الريادة في الخروج من المذهب الواحد إلى قضية الاختيار، وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظل هذا منهجا لدار الإفتاء المصرية أنهم يختارون من المذاهب بداية الأربعة ثم من الفقه الواسع، والفقه الواسع فيه أكثر من ثمانين
مذهبا منهم الأوزاعي. ومنهم الحمادان ومنهم السفيانان سفيان بن عيينة وسفيان الثوري إلى آخره، هؤلاء نقلت مذاهبهم في المصنف لابن أبي شيبة، في المحلى لابن حزم، في المجموع للإمام النووي، في المغني لابن قدامة. ينضم إليهم كثير من الصحابة ومن التابعين ومن تابعي التابعين ومن الأئمة المتبوعين. كان الشافعي يقول: الليث أعلم من ما له إلا أن أصحابه ضيعوه، ضيعوا مذهبه، لم يوجد منذ قرنين من الزمان في الشام حتى آخر هذا، فبدأنا نأخذ من الفقه الواسع لماذا؟ حتى نلتزم
بالشريعة الغراء، حتى نيسر على الناس أمورهم، حتى نواجه المشكلات العويصة التي نعيشها والتي يترتب عليها الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، كيف نلقى وقد أفتينا بفتوى تخرب البيت وتسكب الزيت وتحرق الحقل، كيف نلقى الله ونحن نغرس في الناس الحقد أو الحسد أو الضغينة أو الصراع أو الألم؟ هذا يتعارض مع مقصد الشريعة بالبطلان، ولذلك فإننا لا نخرج عن الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح إلا إذا اجتمعنا واجتهدنا كما حصل
في نقل الأعضاء. وكما حدث في المستجدات التي لا توجد فيها نصوص في الفقه الإسلامي الواسع مع مراعاة مقاصد الشرع الشريف ومع مراعاة مصالح الناس وحياتهم وعواقب هذه الفتاوى في الحياة، فإن الفتوى قد تكون على مستوى الفرد وهذه سهلة وإن كانت خطيرة، ولكن الأخطر منها هو ما كان على مستوى الأمة، ولذلك الكبراء حرمونا كثيرا من المشاركة السياسية حتى من فهم مقتضيات السياسة، ولذلك كنا حيارى عندما نسأل في جانب من جوانب السياسة لأننا لا ندرك عمقها ولا نعرف ما يترتب عليها من مآلات،
ولذلك فنرجو في هذا العصر أن يشارك العلماء مرة أخرى في بناء البلاد وفي تهذيبها العباد وفي مستقبل رائع لمسنا، هيا بنا نقول: فوضى الخطاب الديني حتى يشمل الآراء الشاذة البعيدة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يشمل أولئك الذين ينكرون السنة، والسنة حجة بإجماع المسلمين شرقا وغربا سلفا وخلفا، حتى نتقي التشدد والتعصب الذي يصطدم بالحياة ولا شك، وحتى نتيح للأفكار أن تتلاقى فالعلم رحم بين أهله، شكرا لحسن
استماعكم