مسند جعفر بن أبي طالب | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

مسند جعفر بن أبي طالب | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مسند الإمام أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. تعالى عنه وأرضاه مع الصحابة الكرام يروون لنا حالة وشأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقرير وما حدث معه بحيث أننا نأخذ منه الهداية ونستهديه في حياتنا ونحوّل ذلك إلى برامج عملية نعيشها اليوم مع مسند واحد ممن رضي الله تعالى عنهم اليوم مع مسند سيدنا جعفر بن أبي طالب وسيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه كان صاحب الهجرتين. هاجر من مكة هجرة الأمن إلى الحبشة وهاجر من مكة بعد ذلك إلى المدينة، فهو صاحب
الهجرتين. كان هناك من الصحابة من هو صاحب الهجرتين، هناك من هاجر من مكة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، فجمع بين الهجرتين، وكان من هؤلاء أبو سلمة زوج أم سلمة رضي الله تعالى عنه، التي بعد ذلك تزوجها النبي فصارت أماً من أمهات المؤمنين وعالمة وفقيهة من فقهاء المسلمين. جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لم يجمع بين الهجرتين فقط، بل إنه أصبح أباً لعبد الله. بنُ جعفرٍ رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وعبد
الله بن جعفر كما سنرى في حلقةٍ قادمة، هو ابن أسماء بنت عميس الخثعمية، وُلِدَ أثناء هجرتهم إلى الحبشة. سيدنا جعفر له منقبةٌ عظيمة فوق ذلك كله. الهجرة إلى الحبشة من علامات الإيمان، الهجرة إلى المدينة من علامات الإيمان، السبق بالإسلام من... علامات الإيمان كونه هو وزوجته وابنه من المسلمين فضل من الله، لكن ربنا توّج كل ذلك بأن جعله شهيداً، فقد استُشهد وهو
قائد من قوات المسلمين في معركة مؤتة. انتقل رحمه الله تعالى إلى الرفيق الأعلى شهيداً، ومعلوم أنه ليس بين الإنسان وبين الجنة إلا أن يموت شهيداً. الصحابة الذين ذهبوا إلى الحبشة في أول الأمر في الهجرة الأولى، والصحابة الذين ذهبوا إلى الحبشة في الهجرة الثانية كثير منهم بقوا في الحبشة. أكثر من ستين في المائة من الأحباش الآن هم من المسلمين، هؤلاء من أولاد الصحابة الكرام وممن دخلوا بعد ذلك الإسلام. إذًا فالحبشة
وهي جزء من أفريقيا ومنبع. من منابع النيل هي أيضاً، وينبغي أن يعلموا هذا في قلوبنا، لأن هؤلاء الناس هم أبناء الصحابة الذين آووهم ونصروهم على يد النجاشي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وكان جعفر يروي لأم سلمة عن كل شيء حدث. هذا الحديث الذي معنا وهو حديث واحد لكنه طويل، الذي أخرجه أحمد في... مسنده إنما يتحدث عن جعفر أثناء الهجرة لأن جعفر ليست له رواية ينقلها التابعون حيث إنه استُشهد في مؤتة. فعن أم سلمة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا فيها خير جار النجاشي، أمِنّا على ديننا وعبدنا الله لا نُؤذى ولا نسمع شيئاً". نكرهه عندما قال النبي لهم في مكة: "اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد". هذا الملك لم يكن مسلماً، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم إلى هناك من أجل هذا المعنى، أن العدل أساس الملك. عندما ذهبوا إلى هناك مارسوا دينهم وصلاتهم وقراءتهم وذكرهم. مِن غيرِ
أذيةٍ بحريةٍ، فلمّا بلغَ ذلك قريشاً تشاورُوا وقالوا: "اللهِ، حسناً، هؤلاء سيذهبون ويُنشئون لنا هناك ديناً جديداً، فلا بُدَّ أن نُحضِرهم". تشاوروا أن يبعثوا إلى النجاشيِّ فينا رجلينِ جَلدينِ (أي أشدّاء)، وأن يُهدوا النجاشيَّ هدايا ممّا يُستطرفُ من متاعِ مكةَ، الأشياءَ الغاليةَ اللطيفةَ التي يُحبُّها الأحباشُ من مكةَ. ومن أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم - الأدم يعني الجلد - كانت مكة إذاً مشهورة بصناعة الجلود. هذه الجلود كانوا يستعملونها ملابس، ويستعملونها في
الأثاث، ويستعملونها في البيوت لتغطية البيوت من الحر وغير ذلك، وكانوا يستعملونها للزينة. أهل مكة مختصون بدباغة الجلود وبصناعتها وتلوينها. لأن الناس الذين يأتون للحج إلى بيت الله الحرام يذبحون الهدي، وهذا الهدي كثير جداً، ولذلك كانت هناك وفرة في الجلود في مكة، فنشأت حول هذه الوفرة صناعة، فجمعوا له أدماً كثاً (جلوداً كثيرة جداً)، ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هدية، والناس من حاشيته كل واحد أخذ. هديةً من الجلود التي هي غالية الثمن، ثم
بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة ابن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص ابن وائل السهمي. إذن عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص هما هذان الاثنان اللذان ذهبا، وأمروهما وقالوا لهما: "ادفعوا إلى كل بطريق هدية قبل أن". تكلموا قبل أن تكلموا النجاشي، قبل أن تكلموا النجاشي وزعوا على الحاشية ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم اسألوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. على الفور ذهبوا للنجاشي، وزعوا على الحاشية، وأعطوه الهدايا وقالوا: "هؤلاء الناس مارقون، سلمهم لنا الآن فوراً ونذهب، وأنت
لست متفرغاً لسماع كلامهم". قالت: فخرجنا فقدمنا. على النجاشي ونحن عنده بخير وعند خير جارٍ، فلم يبقَ من بطارقته بطريقٌ إلا دفع إليه هديته قبل أن يكلم النجاشي، ثم قال لكل بطريق: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمانٌ سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم يبقى. إذا هؤلاء أناس إرهابيون لا رحمة لهم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا
الملك فأشر عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أكثر معرفة بهم وأعلم بما عابوا عليهم، والملك ليس متفرغاً، فدعوهم هكذا دائماً. فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قرّبا هداياهما إلى النجاشي. فقبلها منهما، ثم كلماه فقال له: "أيها الملك، إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع". قصة طويلة ذكرتها سيدتنا أم سلمة، ولكن بطلها هو جعفر بن أبي طالب الذي قام فدافع عن
المسلمين، واستمع النجاشي وأقر النجاشي. ما هنالك وأسلم النجاشي بعد ذلك وعاش الصحابة الكرام هناك. ماذا فعلوا؟ عرضوا على النجاشي أن يحاربوا معه بعد ذلك فأبى ثم وافق. وأصبحت هناك ما يسمى بحقوق المواطنة، وأصبح الإنسان يدافع عن وطنه ضد الأعداء حتى ولو اختلف مع النظام بأن كان غير مسلم كما هو حاصل الآن في... بقاء المسلمين في أمريكا أو في بلاد أوروبا أو نحو ذلك يمثل المرحلة الحبشية، وهي مرحلة مهمة للغاية. لقد حفظ لنا الإمام أحمد جزءاً
كبيراً منها، نستنبط منه كل هذه المعاني. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم