مسند سعد مولى أبي بكر | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين. نعيش في هذه اللحظات مع مسند الإمام أحمد بن. حَنْبَل رَضِيَ
اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ مِنْ خِلَالِ مَا أَوْرَدَهُ فِي مَسَانِيدِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ عَنْ سَيِّدِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَسْتَهْدِيهِ وَنَطْلُبُ مِنْ سُنَّتِهِ الهِدَايَةَ. الْيَوْمَ مَعَ حَدِيثِ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. يعني أبو داود الطيالسي حدثنا أبو عامر الخزاز عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر قال:
قدمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمراً، وضعت التمر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس الذين حضروا، فجعلوا يقرنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقرنوا". يقرنون معناها يأخذ تمرتين مع بعضهما، يقرن التمرة بتمرة أخرى ويأكلهما معاً. النبي عليه الصلاة والسلام جاء ليهذب الأخلاق، وفي بعض الأحيان لا تستطيع أن تهذب الأخلاق إلا إذا هذبتها عن
طريق اللياقة والأدب الذي يسمونه في الدبلوماسية "البروتوكول"، والذي يسمونه في الاجتماعيات "الإتيكيت". اللياقة واللباقة والأدب تؤثر في... طبائع الإنسان تؤثر في هدوئه النفسي، والنبي عليه الصلاة والسلام يرى أن الجمع بين ثمرتين هو نوع من إظهار الجوع، وقد كان لا يريد أن يجعل الناس تأكل كثيراً. قال: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث
لنفسه"، يعني إذا كان والشراهة الكثيرة منهي عنها، كان يأكل صلى الله عليه وسلم بقدر ويعلم أصحابه كذلك. الجمع بين تمرتين أو بين عنبتين أو بين اثنتين وحشرهما في فمه، مظهرها هكذا غير لائق. أهو هذا حرام؟ لا ليس حراماً، لكن على سبيل الأدب واللباقة واللياقة. على فكرة ليست كل شيء يجب أن يكون. حرامٌ لأجل ألا نفعلها، فهناك ما يُسمى عيباً، وهناك ما يُسمى صحيحاً وغير صحيح. فسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم علّمنا هذا الأمر، حيث نهاهم أن يقرنوا بين التمرتين، وفي حديث
آخر أنه نهاهم أن يقرنوا بين التمرتين إلا بإذنه، أي يقول لهم: "يا إخواني، عن إذنكم"، على ما يبدو. هذا البلح صغير قليلاً فلنأخذ اثنين. يستأذن الحاضرين عندما يأكل المرء الشيء شيئاً فشيئاً، واحدة تلو الأخرى هكذا، فيصبح قادراً على أن يسيطر على نفسه. أصحاب الحمية يقولون لك إن هناك حمية تسمى حمية القطعة الواحدة، وأنت تأكل الخوخ، تأكل خوخة واحدة ولا تأكل الثانية، وعندما تأكل العنب، تأكل حبة وَقِّف نفسك على ثمرة واحدة فقط، تجد نفسك أن وزنك قد نقص، لأنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. وصلنا الحال الآن إلى
أن ربنا فتح على بعض المسلمين من الأطباء، منهم الدكتور محمد الهاشمي، بوضع علم بأكمله اسمه علم اللقيمات، واعترف به وسُجل وشاع وألَّف فيه، وعلم اللقيمات. إنما قد ورد في كلام سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الأدب العالي الراقي الذي يُظهر المؤمن بأنه يأكل في معيٍ واحد وأن الكافر يأكل في سبعة أمعاء. النبي عليه الصلاة والسلام لا يحب أن يزيد الإنسان من هذا الأكل فيدخل في دور البدانة بل أنه أمر دائمًا بهذه التي نستطيع أن نسميها الرشاقة وهي قلة الطعام. أول هذه الرشاقة وأول طريق الصحة أيضًا، لأن
الإنسان سيكون قلبه سليمًا، والضغط سليمًا، والسكر سليمًا، والجسد خفيفًا، ويستطيع حينئذٍ أن يصلي وأن يصوم وأن يجاهد وأن يتعلم وأن يذهب وأن يخدم الناس. إذن هي قضية كبيرة جدًا. في حديث سعد يعني هو أورد له حديثين، قال: حدثنا أبو عامر عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر، وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم. كان مولى أبي بكر هذا هو عبد عند أبي بكر، لكنه كان يخدم النبي، وكان النبي يعجبه خدمته، كان مسروراً منه، كان ماهراً، كان... يعرف كيف يخدم ويخدم من قلبه، يعمل الأمور بشكل صحيح في وقتها وبترتيبها.
فقال: "يا أبا بكر، أعطيك سعداً". نكافئه إذن ونعطيه ماذا؟ حريته. فقال: "يا رسول الله، ما لنا مهني غيره، لا يوجد أحد مهني مثله، يسمونه في الإنجليزية (بروفيشنال)، أي شخص متخصص، وهذا هو الذي يعرف كيف يعمل". كيف عندما نأتي بأشخاص آخرين تجدهم متعبين، منهم من يعرفون الترتيب، ومنهم من يعرفون الإتقان، ومنهم من لديهم الهمة، لكن هذا الرجل في الحقيقة سعد يعني شيء آخر. قال رسول الله: "اعتق سعداً"، يعني الله سيرزقك، الله سيرزقك، دعك من سعد واعتقه، أتتك الرجال، أتتك
الرجال. الحديث هكذا، النبي عليه أعتِق سعداً فإنَّ الرجال قد أتتك، أي أنَّ الذي خَلَقَه خَلَق غيره، وهذا رجل همَّته معنا وخَدَمَنا وما إلى ذلك. لو سمحت أعتِقْه، وأنت ربنا سيرزقك مجموعةً من الرجال الآخرين. يقول أبو داود الطيالسي: يعني السبي، يبدو أنه كان هناك رقيق آخر قد جاء، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له. لا، إنه رجل عاشرنا وأسلم وخدمنا، فيكون إذا أعتقوا وسيرزقك الله من الناس القادمين، لا بد أن تجد فيهم أيضاً الصانع المهني الذي يؤدي عمله كما ينبغي. كان الرق نظاماً يُحتذى حتى منَّ الله علينا وعلى البشرية بإلغائه في القرن الثامن عشر، ولم يعد موجوداً الآن
والحمد لله. رب العالمين لأن الشرع الشريف تشوّف جداً فسد موارد الرق إلا قضية الحرب، وسد قضية الحرب إلا ما كان من الإمام الحاكم الكبير، وسد ذلك فتح أبوابه على الكفارات وعلى ما هو لوجه الله وعلى المكاتبة وعلى أمهات الأولاد وعلى كذا تشوفاً للعتق، حتى أن الإنسان في الفقه الإسلامي لو اشترى أباه فإنه لا يجوز أن الشخص يمتلك أباه أو يمتلك ابنه، لكنه على سبيل الخطأ ذهب إلى السوق واشترى شخصاً، تبيّن أنه أبوه، تبيّن أن هذا الشخص الرقيق هو أبو المشتري. قال: يصح البيع ويُعتق
فوراً، يصح البيع ويُعتق فوراً. لماذا؟ قال: تشوفاً للحرية، فالرق الشرع متشوف إلى أن في شهر أغسطس من عام ألف وثمانمئة سبعة وسبعين، صدر القانون المصري بتحريم وتجريم تجارة الرقيق وأن على كل شخص تحت يده أي شيء منها أن يحرره لوجه الله. واستمرت الدول الإسلامية في نبذ هذه الفكرة، فكرة الرقيق، حتى تخلصت منها تماماً، والحمد لله رب العالمين. فلا يأتي أحد ليقول هناك بعض الناس يبيعون أبناءهم حالياً، وهذا ليس رقيقاً شرعياً، بل هذا تصرف ساذج وتصرف إجرامي. حسناً، إذا اشتريتُ بهذه الطريقة المجرمة شخصاً، فهو ليس
عبدي ولا شيء، وإن كانت فتاة فهي ليست ملك يمين. وما يشيعه بعض الناس وبعض البرامج للأسف هو محض هراء، هذا إن كانت فتاة. مثلاً وإذا أراد أن يقيم بينها وبينه علاقة فهو زنا محض، والزنا والعياذ بالله تعالى فاحشة، كما أن هذا الذي يتم من بيع وشراء وخطف وما إلى ذلك، كما كان يفعله الأمريكيون مع الأفارقة، هذا فساد في الأرض ولا ينعقد به رق شرعي كما هو الشأن في الحرب. إلى اللقاء. أخيراً، أستودعكم الله، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.