مسند طلحة بن عبيد الله | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من مجالس طيبين مع مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه. وأرضاه، نعيش سوياً مع الصحابة الكرام،
مع الأكابر الذين نقلوا لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غضة طرية. تكلم الإمام أحمد أول ما تكلم عن مسند أبي بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي رضي الله تعالى عنه وعليه السلام، ثم بعد ذلك. عن بقية العشرة المبشرين بالجنة منهم طلحة بن عبيد الله، كان طلحة من السابقين الأولين للإسلام، وهو مُبشر بالجنة مع العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، لكنه في
مكة، وقد توفي في سنة ثمانية أو ستة وثلاثين من الهجرة عن أربعة وستين سنة. عندما نطرح ستة وثلاثين من الهجرة من أربعة وستين سنة، يكون عمره وقت الهجرة ثمانية وعشرين سنة. الهجرة حدثت في أوائل سنة أربع عشرة، أي بعد ثلاث عشرة سنة. فعندما نخصم ثلاث عشرة سنة من ثمانية وعشرين، يكون عمره خمسة عشر عاماً عندما أسلم. عشر سنوات إذا كان أسلم في السنة الثانية من البعثة، إذاً فهو كان شاباً لكنه شاب نشأ في طاعة الله. كان
واحداً من الثمانية الذين قيل عنهم أنهم السابقون بالإسلام: عبد الله بن مسعود وطلحة بن عبيد الله وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وهكذا. سبقوا إلى الإسلام كانوا... ثمانين، وأيضاً هو من الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وليس مباشرةً على يد النبي صلى الله عليه وسلم. أيضاً تذكرنا مع عثمان أنه لم يحضر بدراً لأنه كان يُمرِّض السيدة رقية عليها السلام بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ضرب. ضرب النبي لعثمان بسهم في بدر وهو لم يحضرها، وطلحة بن عبيد الله كذلك؛ لم يحضر بدراً ولكن
النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمٍ في بدر. ولماذا؟ لأن النبي هو الذي أرسله حينئذٍ إلى الشام، وحينما عاد طلحة حزن أنه لم يحضر هذا الجهاد العظيم في بدر فعزاه. النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما دام في مهمة فكأنه قد حضر معهم في هذا المقام طلحة بالرغم من فضله، فهو من الثمانية السابقين ومن الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر أولاً ومن العشرة المبشرين بالجنة، ويضعه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده المسند الخامس بعد الخلفاء الراشدين. مباشرةً كان قليل الحديث، ولذلك الإمام أحمد روى
له واحداً وعشرين أو اثنين وعشرين حديثاً فقط. هذا الإمام الكبير الصحابي الجليل يتحرك جداً. تعالَوا في مسند الإمام أحمد، في مسند طلحة بن عبيد الله، نرى ما الذي قاله هذا الإمام الكبير. أخبرني داود بن خالد بن دينار أنه مرّ هو ورجل. يُقال له أبو يوسف من بني تيم على ربيعة ابن أبي عبد الرحمن قال: قال له أبو يوسف: إنا لنجد عند غيرك من الحديث ما لا نجده عندك، أنت لماذا هكذا قليل الحديث؟ فقال:
أما إن عندي حديثاً كثيراً، ولكن ربيعة بن الهدير - قال وكان يلازم طلحة بن عبيد الله. كانَ لِطَلْحَةَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ الهُدَيْرِ، قالَ إنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ فَذَكَرَ أنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا قَطُّ غَيْرَ حَدِيثٍ وَاحِدٍ، مَعَ أنَّ رَبِيعَةَ بْنَ الهُدَيْرِ كانَ مُلازِمًا لِطَلْحَةَ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ يَقُولُ "قالَ رَسُولُ اللهِ" كُلَّ يَوْمٍ وَكُلَّ حِينٍ. لحظة، وليس هذا أبدًا. هو سمعه مرة واحدة فقط، إذ يقول: قال رسول الله... قال ربيعة ابن أبي عبد الرحمن.
قلت له: يقول لربيعة ابن الهدير، وما هو؟ تسمع حديثًا واحدًا فقط من سيدنا طلحة؟ قال له: نعم. قال له: ماذا قال؟ قال: قال لي طلحة: خرجنا مع رسول صلى الله عليه وسلم حتى إذا أشرفنا على حرة هي حرة واقم، الحرة التي نسميها نحن الهضبة كما نقول في مصر هضبة المقطم، يعني شيء مرتفع عن الأرض، مرتفع عن الأرض لكن يمكن البناء عليه، ففي حرة في مكان يسمى حرة واقم، مكان مثلما نقول هكذا: سأضبط المؤشر نحو الحرة وأقم. قال: فاقتربنا منها قريباً وهو في السهل هكذا إلى هذه الحرة. فإذا قبور
في منحنى الحرة فيها تجويف وفيها انحناء. فلما اقتربوا إليها ودارحولها وجدوا قبوراً. فقلنا: يا رسول الله، قبور إخواننا، هذه هي القبور التي دُفن فيها الشهداء وكذا إلى آخره، هذه. قال: "هذه قبور أصحابنا". لا، هؤلاء جماعة من المسلمين مدفونون هنا. كان سيدنا النبي يعرف كل شيء، فكانوا يسألونه لأنه مثل الخبير والعالم بهذه الأماكن. ثم خرجنا وظللنا نمشي حتى وصلنا إلى قبور الشهداء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه قبور إخواننا".
فيكون إذا سمى من ليسوا بشهداء أصحابنا منّا من جماعتنا وسمى الشهداء إخواننا. هذا هو الذي يريد أن يقوده طلحة بن عبيد الله. لا يروي عن رسول الله الحديث. هنا أصبح معناه ماذا؟ معناه أن هؤلاء الناس كانوا يتحرون جداً، ولم يكونوا يروون مئات الأحاديث وعشرات الأحاديث ويخطئون ويهزلون أبداً. تخيل طلحة الذي أسلم مبكراً. الذي لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدة الطويلة منذ أن كان في مكة من الأوائل من الثمانية الأوائل حتى انتقال رسول الله ومعه هذا له اثنين وعشرين سنة لم يسمع منه ربيعة بن الهداير إلا
حديثاً واحداً بالرغم من أن أحمد أورد له واحداً وعشرين حديثاً لكن المهم أن هذا يعطينا البيئة التي نشأت فيها هذه الثلة الصالحة، نشأت فيها هذه الجماعة، جماعة الصحابة وجماعة التابعين وجماعة النقلة لحديث رسول الله. كانوا حريصين جداً، جاؤوا إلى ربيعة ابن أبي عبد الرحمن: "يا ربيعة، نحن نذهب إلى كل مكان والناس تروي أحاديث، أين أحاديثك أنت؟" قال لهم: "أنا لدي أحاديث كثيرة لكن..." عندما سمعت أن طلحة جلس بهذه الطريقة ليروي حديثاً واحداً، فإنني في الحقيقة لم أعد أروي أحاديث كثيرة بالرغم من أنني تلقيت أحاديث كثيرة. ولذلك قال الإمام أحمد بن حنبل: "جمعت مسندي هذا من سبعمائة وخمسين ألف حديث"،
سبعمائة وخمسين ألف، اختار منهم خمسة وثلاثين ألفاً. هؤلاء أو الأربعين ألف حديث الموجودين في مسند الإمام أحمد، أربعين ألف يعني خمسة في المائة، وترك الباقي. دقق في كل كلمة، دقق في كل رواية، دقق في كل سند، وبالرغم من ذلك قال: "يا جماعة هذا هو الحجة، إذا وجدتم الحديث فيه فعليكم أن تنظروا فيه، وإذا لم..." إذا لم تجدوا الحديث في المسند فلا تأخذوا به، لأنني بذلت فيه مجهوداً كبيراً من أجل أن يكون معياراً ومقياساً للقبول والرد. مجهودات ضخمة قام بها هؤلاء الناس. حديث آخر عن موسى بن
طلحة عن أبيه قال: كنا نصلي والدواب تمر بين أيدينا، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. يا رسولَ الله، نحن نُصلي هكذا والماعز والبقر والإبل تمرُّ بين أيدينا، فقال: "مثلُ مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم". مؤخرة الرحل هذه يعني طولها حوالي أربعين سنتيمتراً، يعني كرسي. يعني عندما يضع المرء كرسياً هكذا ويصلي أمامه، فهذا يكفي لأن يكون ستراً له، ليس ضرورياً أكثر من ذلك. أصبح جدارًا وليس ضروريًا كذلك إلى أبدًا شيئًا لا يزيد عن الأربعين سنتيمترًا هكذا، ثم لا يضره ما مرَّ عليه، وقال عمر مرةً بين يديه، مرَّ عليه مرةً بين يديه، مرَّ عمر بن عبيد
هذا، قال بين يديه، ومرةً ثانيةً قال عليه دقة، ولذلك لا أعرف ولا أزال أتعجب لما. ينكرون السنة المشرفة وقد نُقِلَت إلينا بهذا المستوى الرفيع من الدقة ومن السماحة والحلاوة. إلى لقاء آخر، أستودعكم وبركاته.