مسند عبد الرحمن بن عوف | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أهلاً ومرحباً بكم في كل مكان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه، وهو يذكر لنا أحاديث
كل صحابي. على حدة نتعلم منها التوثيق وأنه يجب علينا أن نتأنى في سماع ما يُلقى إلينا كما فعل آباؤنا فحرروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثقوها حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه يقول: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع معنا". مسند عبد الرحمن بن عوف وهو واحد من المبشرين بالجنة، كان اسمه قديماً في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فغيّره
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الرحمن. وُلِدَ في السنة العاشرة من الفيل أو عام الفيل، فهو يصغر النبي بعشر سنين. عبد الرحمن بن عوف أمه كانت حاضرة ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة آمنة حضرت الميلاد الشريف، وعبد الرحمن بن عوف كان من السابقين فهو من الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، فكان أيضاً من الثمانية السابقين الأولين من المسلمين. الإمام أحمد أخرج له واحداً وثلاثين
حديثاً بالرغم من فضله وتقدمه وشهادة الجنة. له قلنا من شهد لهم رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وقالوا إن عاشرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم واحد وثلاثين حديثًا. ماذا يُذكر فيها عبد الرحمن بن عوف؟ هيا بنا نقرأ، يقول عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ. أن أباه الذي هو عبد الله بن قارظ حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض، فقال له عبد الرحمن: وصلتك
رحم، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: أنا الرحمن، خلقت الرحمة وشققت لها من اسمي، فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه". فأبدته أو قال من يبدها أبدته، انتهى الحديث. سيدنا عبد الرحمن بن عوف مريض، دخل عليه عبد الله بن قارز من أجل عيادة المريض ومن أجل صلة الرحم، فقال له عبد الرحمن ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام. رسول
الله يروي عن الله وهذا. يُسمى بالحديث القدسي والأحاديث القدسية، وهي قليلة، أقل من الأحاديث النبوية. فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه قال الله عز وجل: "أنا الرحمن"، إذ هو يذكرنا باسم من أسمائه التي كثيراً ما نستعملها في البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم". "أنا الرحمن خلقت الرحمة"، فكلمة "رحمن" وكلمة "رحمة" فيهما الراء. والحاء والميم يُصبح في علاقة بين الرحم وبين الرحمن، وشققتُ لها من اسمي اسمَ الرحمن، فسمى
هذا الشيء الذي هو الرحم منه، من اسمه: الراء والحاء والميم، يصبح الرحمن، هي السابقة التي فيها الرحمة والتراحم، رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، فمن يصلها أصلهُ، ومن يقطعها أقطعه، وفي رواية مَن يبتها يعني. يقطعها أبتاه يعني اقطعه عقوبة قطع الرحم أن الله سبحانه وتعالى سيخرجك من دائرة رضاه ويضعك في دائرة سخطه. إذا هذه كبيرة من الكبائر قطع الرحم، وليس الواصل بالمكافئ. أحدهم يقول لي: أصل أنا زرت
وهو لم يزرني. نعم، هذه مجاملات اجتماعية وليست صلة رحم، أنت تزوره. وهو لا يزورك فلا مانع أن تذهب إليه في كل مرة وإن لم يذهب إليك، فأنت بذلك نلت ثوابين: ثواب صلة الرحم وثواب الصبر على قطعه للرحم. إذاً، ليس هناك أي مبرر لتحويل صلة الرحم إلى مجاملة اجتماعية، فالمجاملة الاجتماعية تعني: إذا جاءني ذهبت إليه، وإذا ذهبت إليه يأتي إليّ. وإذا لم يأتِ فلن أذهب إليه، إن هذه مجاملة اجتماعية يمكن أن تكون بين أشخاص، لكن في صلة الرحم لا. صلة الرحم تظل تصلها حتى لو أنهم لم يردوا لك الصلة. بالصلة ماذا فعلت في نفسك؟ نقلت نفسك من دائرة قطع الله لك إلى صلة
الله لك، يا هنيئاً لنا. ليس من الجيد أن نفعل هكذا، فإذا كان قطع الرحم كبيرة، فصلة الرحم في الثواب أيضًا عظيمة ولا بد منها. حديث آخر قال: لقيت أبا سلمة ابن عبد الرحمن، يعني عبد الرحمن لما أنجب ولدًا سماه أبا سلمة، قلت: حدثني عن شيء سمعته من أبيك سمعه من رسول الله صلى الله. عليه وسلم في شهر رمضان قال نعم حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه
إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه. هذه الأحاديث التي يعلمنا فيها الصحابة بتعليم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع شهر رمضان، نصومه إيماناً ونقومه إيماناً، نصومه احتساباً ونقومه احتساباً. فقد فرض الله صيام نهاره وسنّ رسوله قيام ليله، كما في الحديث، فمن فعل ذلك إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يعني الذنوب تساوي صفراً لا وجود لها. هذا حديث من أعظم الأحاديث التي تبين لنا كيف نتعامل، لا أعرف لِمَ ينكرون هذه الأحاديث، ما الغرض
في أن نقطع الأمة عن هذا الهدي، ما الذي سينتج إذا لم نسمع هذا الهدي المبارك الوارد إلينا بكل تدقيق وبكل ثقة بعد بذل مجهود لم يُبذل في العالم كله، لم تتخذه أمة قط بل خص الله أمة. المسلمون بهذا التوثيق، لا يوجد نبي إخواننا ذكر لنا أصحابه هذا، لا توجد أمة حملت بالأسانيد هكذا، فلان حدَّث عن فلان، ونحن نعرف كل واحد منهم وكيف التقى بالآخر وكيف سمع منه، لا يوجد أناس تعيش حياتها كلها من أجل مائة حديث، من أجل مائة وستين حديثاً، كل هذا يثبت ما نحن. هناك من أن السنة قد وصلت إلينا بصورة لافتة
للنظر. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً للمشاهدة.