مسند عبد الله بن العباس جـ 1 | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر الكريم مع مسند الإمام أحمد. بن حنبل رضي الله تعالى عنه
وأرضاه، واليوم نعيش مع عبد الله بن عباس، حبر الأمة، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذا الغلام الذي وُلِدَ قبل الهجرة بثلاث سنين في مكة المكرمة، وبعد ذلك ذهب إلى المدينة، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم. كان عمر عبد الله بن عباس ثلاثة عشر سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم أحبه كثيراً ودعا له. هو الذي قال له: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده
تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك." بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف. وهذا الحديث أخرجه الإمام الترمذي في سننه. هذا الحديث يجعل الإنسان أكثر توكلاً على الله. هذا ابن عباس هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". عبد الله بن عباس توفي سنة ثمانية وستين للهجرة وكان عمره نحو سبعين
سنة. والنبي صلى الله عليه وسلم سماه بحبر الأمة، والحبر والحِبر لغتان في العالم الكبير، وسمي بذلك لأنه كثيراً ما يستعمل الحبر والمداد من أجل أن العلم سيدنا عبد الله بن عباس من الرواة المكثرين، هناك مجموعة من الصحابة الكرام لا يتجاوزون العشرين كثرت مروياتهم، وسائر من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان - كما رأينا - لم يرو عنه إلا قليلاً: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الخضري وأبو هريرة، كل هؤلاء كانوا من الصحابة الذين رووا كثيراً عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وهم لا يتعدون كما قلت العشرين، بل الخمسة عشر. عندما توفي ابن عباس صلى عليه قومٌ كثيرون جداً. الإمام أحمد في المسند أخرج لابن عباس ألفاً وستمائة وستين حديثاً. أحاديثُ كثيرةٌ له، نحو خمسةٍ وسبعين حديثاً في البخاري ومسلم. خمسةٌ وسبعون حديثاً رواها البخاري ومسلم، ولكن البخاري تفرَّد بمائةٍ وعشرين حديثاً لابن عباس، ومسلم تفرَّد بتسعةِ أحاديث لابن عباس. إنما الخمسة والسبعون هي التي نجدها في البخاري وأيضاً نجدها في مسلم. عبد
الله بن عباس قالوا في بعض الكتب. أنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أحاديث، وهذا يبدو أنه خطأ لأنني تتبعت ما في البخاري في جزئه الأول فوجدت ابن عباس كثيراً ما يقول: رأيت، سمعت، كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى آخر هذه العبارات التي تبين أنه حضر وحفظ واستوعب. ثم أدى بعد ذلك مسند عبد الله بن عباس، مسند هذا الصحابي الجليل الذي نقول فيه رضي الله عنهما، لأنه مسلم نشأ في الإسلام وبلغ في الإسلام، ولأن أباه قد أسلم يوم بدر وهو عم رسول الله صلى
الله عليه وسلم. نأخذ نموذجاً من هذا المسند الكبير الضخم. قال ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَّخَذَ ذو الروح غرضاً، يعني أن لا نوقف دجاجة ولا فرخة ولا وزة ونأتي رامين عليها بالسلاح، ولذلك من هذا الحديث كره العلماء ما يحدث في التيرو بأنهم يطيرون الحمام ويجعلونه غرضاً، وأن هذا مخالف للحديث. البيئة ومخالف لما عليه الناس في حقوق الأكوان التي راعاها الإسلام. هذا الحديث
يبين مدى الرأفة واحترام هذه الكائنات، حتى لو أننا أخذناها وذبحناها وأكلناها لمنفعة الدورة الكونية التي خلقها الله سبحانه وتعالى. ولذلك اخترعوا مثل هذه الأطباق التي تخرج بآلات الدفع فتكون تماماً مثل الحمام يمنةً ويساراً من. على غير تقدير، ويستطيع الإنسان أن يتخذها غرضاً حتى يتدرب على الرماية، لأن التدرب على الرماية مطلوب شرعاً. هذا الذي يرويه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليم الرأفة بالحيوان. حديث آخر عن ابن
عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا وليس لنا السُّوءُ العائدُ في هبتِه كالكلبِ يعودُ في قيئِه. هل يجوزُ أن أُعطيَ هبةً أو هديةً لأحدٍ من الناسِ ثم بعد ذلك أستردَّ هذه الهديةَ وأطلبَها مرةً ثانيةً وأعودَ في هبتي؟ تكلَّمَ العلماءُ في هذا وفرَّقوا بين أمرين. الحديثُ هنا يقولُ: ليس لنا مثلُ السوءِ، يعني نحنُ لا نتشبَّهُ بهذا. المثل السيء، لكن هل هذا يصل إلى درجة الحرام أو أنه فقط يصل إلى درجة المكروه الذي ينبغي أن ننزه أنفسنا عنه؟ الواقع أن هناك خلافاً بين
العلماء في هذه القضية. ليس لنا مثل السوء، العائد في هبة كالكلب يرجع أو يعود في قيئه. شخص أعطى هبة ثم رجع فيها. ابتداءً، هذا عيب وهذا خطأ، لكن هل هو حرام؟ فقالوا: إذا استلمها واستهلكها فلا يجوز له أن يطالبه بإرجاعها، أما إذا لم يعطها فإنه يجوز مع الكراهة أن يعود فيها، إلا ما كان في الهبة بين الزوجين، فإذا كانوا متزوجين والزوج وهب زوجته أو الزوجة وهبت زوجها شيئاً فإنه لا يورد فيه حديث
آخر يقول فيه ابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين. الحديث: "لا يجمع بين المرأة وخالتها وبين المرأة وعمتها" أخرجه البخاري. ولكن هنا مزيد علم أو مزيد تفصيل أنه النهي بين العمة والخالة، يعني لا يجمع الإنسان. بين زوجته وخالتها أو بين زوجته وعمتها أو بين العمتين، فهؤلاء العمتان لامرأة معينة، يعني كنت متزوجاً امرأة وانتقلت إلى رحمة الله تعالى، فهل يجوز أن أتزوج عمتيها؟ ولكن عمتاها هاتان أختان، إما أخوات شقيقات،
وإما أخوات من الأب، وإما أخوات من الأم، ولذلك سيكونان أختين ستجمع بينهما. تحت الإخوة والخالتين كذلك الخالتين أخوات، وضع العلماء من مجموع هذه الأحاديث قاعدة كيف نحرم الزواج أو نجمع بين المرأتين عندما يتزوج الرجل أكثر من امرأة واحدة. قالوا: إذا صيّرنا واحدة منهما ذكراً فإنه يحرم عليه أن يتزوج بالأخرى من الطرفين، يعني لا بد أن يكون من الطرفين، إذا لم الطرفين فلا يصلح أن نعيد
هذه القاعدة غداً إن شاء الله بشيء من التوسع لأن الناس كثيراً ما يسألون عنها. فإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.