مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه. مسند سيدنا
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. عبد الله بن عمر وُلد في مكة، وقد هاجر قبل أبيه، ونشأ في الإسلام. كان عمره عشر سنوات، أي أنه وُلد في مكة قبل عشر سنوات، ولما بلغ عشر سنوات هاجر إلى المدينة قبل أبيه عمر. أسلم عمر بن الخطاب في السنة الخامسة من الدعوة، أي قبل الهجرة، وعندما هاجر النبي كان عمر مسلماً منذ حوالي ثماني سنوات، لأن النبي عليه الصلاة والسلام هاجر في بدايات السنة الرابعة عشرة من نزول الوحي.
وقد هاجر عبد الله بن عمر قبل أبيه، ثم وقعت غزوة بدر في تلك في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة، ذهب إلى النبي وقال له: "أحارب معك؟" النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يحب أن يحضر الأطفال الحرب، فرفضه قائلاً: "لا". ثم جاء في غزوة أحد وقال له: "أحارب معك؟" فقال له: "لا، ما زلت لا آخذ الأطفال معي في الحرب، كان قد بلغ مبلغ الشباب ودخل في مرحلة أخرى من القوة، فأخذه رسول الله معه. والحمد لله، في الخندق نصر الله المؤمنين بالمجهود فقط وليس بالقتال. فعبد الله
بن عمر رضي الله تعالى عنه نشأ مسلماً، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره واحداً وعشرين سنة. وعشرين من شيء مثل هذا، سيدنا عبد الله بن عمر كان يحب الحج فحج في الإسلام ستين حجة، كان يحج تقريباً كل سنة. سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه كان يحب أن يتتبع حركات النبي وسكناته، فكان يمشي كما كان يمشي النبي، مشية النبي، يعني هي ليست... مأمور بها، ليس من الضروري أن يسير جميع الناس كما يسير النبي، لكنه كان منتبهاً للنبي جداً، وكان يجعل لحيته تشبه لحية النبي، ويجعل أكله وشربه يشبهان أكل وشرب النبي، ويجعل مشيته تشبه
مشية النبي، وكان يتحرّى أين كان النبي يصلي فيصلي في المكان الذي كان يصلي فيه. النبي صلى الله عليه وسلم شديد التتبع للآثار النبوية الشريفة، ويُؤخَذ من هذا شدة الحب والتعلق، ويُؤخَذ من هذا أن تتبُّعَ آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليس بدعة كما يدّعيه بعضهم، وأن هذا الكلام السخيف يُقَطِّع القلب أصلاً، لأن تتبُّع آثار الصالحين والأنبياء إنما هو نوع من أنواع. التمسك بسيرتهم الحسنة والتمسك بأخلاقهم الكريمة كان سيدنا ابن عمر يفعل دائماً هذا. في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب
روى الإمام أحمد ألفين وتسعة وعشرين حديثاً، يعني إنه من المسانيد الكبيرة. عبد الله بن عباس رأينا أنه مع إكثاره روى له ألفاً وست مئة حديث وزيادة. مسعود وهو أيضاً من العلماء المكثرين من الرواية، ثمانمائة وزيادة، أما هنا فألفا حديث، فيكون عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما من أكبر المسانيد في مسند الإمام أحمد بن حنبل. كان من اللجنة التي اختارها سيدنا عمر من أجل اختيار الخليفة بعده، وقال له أن يحضر معهم المداولات. لا تختر نفسك حتى لا يكون هناك توريث، وإنما يكون
هناك اختيار. أنت فقط احضر وقل: "والله أنا أرشح فلاناً، وأنا أفعل..." إلى آخره، وهي اللجنة التي في النهاية اختارت سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه قلنا... كان شديد التتبع للآثار النبوية حتى أنه كان مرة مسافراً وبعد ذلك قال لهم: "يا جماعة توقفوا هنا". فقالوا: "ما الخير في هذا؟ نحن لم نمشِ كثيراً ولا يزال أمامنا مكان نستريح فيه". فقال: "لا، توقفوا هنا". فنزل فبال عند حذائه قائماً، وقال: "عند هذا الحذاء رأيت رسول الله صلى وسلم قائماً إلى
هذا... يحبونه، حاكم إن الحب يعني أن هناك أناس تقول كيف يعني لماذا يفعل هكذا؟ يحبه. شخص تعلق قلبه برسول الله صلى الله عليه وسلم فيتبعه في كل حركاته وكل سكناته. عندما تقرؤون هذه الأشياء لا تنكروها، لأن إنكارها يسد باب الحب. نحن نريد أن نتعلم. الحبُّ الذي شعروا به وللأسف كأننا قتلناه في أنفسنا. ماذا يروي لنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه؟ يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوم خيبر للفرس سهمين وللرجل سهماً.
وقال أبو معاوية: أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهماً له وسهمين لفرسه. إذن... هنا يقول لنا أنه في فتح خيبر، والنبي عليه الصلاة والسلام فتح خيبر. لماذا خيبر؟ هذه على بعد حوالي مائة وستين كيلومتراً تقريباً شمال المدينة. اتفقت مع قريش التي هي مكة أنهم يعملوا كماشة على المدينة، اليهود يأتون من الشمال والمشركون يأتون من الجنوب ويطبقون على المدينة ليقضوا على من قصة الإسلام هذه والمسلمين، النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نتصرف، ففك الكماشة ونزل في الحديبية إلى الجنوب، منعوه
فقال لهم: "حسناً، نعقد صلحاً"، فعقدوا صلحاً. ينص الصلح على أنكِ يا مكة لا تهاجمي المدينة، فحيّدهم وفك الكماشة. وبمجرد أن رجع إلى المدينة، توجه إلى خيبر لكي... يفك الكماشة التي فوق فتح خيبر فعلاً وانتهت الكماشة التي فوق المشركين. لم يصبروا على العهد الذي عاهدوه وضربوا هوازن وضربوا الناس حلفاء النبي، فالنبي عليه الصلاة والسلام نزل عليهم سنة ثمانية ليل فتح وفتح مكة، وانتهت مشكلة الحصار الذي اصطنعه جماعة اليهود مع جماعة المشركين في هذا. خيبر كانت... مهمة جداً فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء وماذا فعل؟ أعطى للفرس سهمين. حسناً،
ولماذا يعطي للفرس سهمين؟ لأن الفرسان كانوا يكلفون أنفسهم. أنا عندي فرس، أنا الذي أطعمه، أنا الذي أسقيه، أنا الذي أوفر له مكان النوم، أنا الذي أضع عليه السرج، أنا الذي أفعل كل شيء معه على جيش نظامي يصرف عليه فهذه تكلفة لأنه يريد أن يأكل ويشرب وينام ويتعالج هذا الفرس ويتدرب. ولذلك كان يعطي للرجل، أي للرجل الذي يمشي على قدميه، أو للفارس الذي هو صاحب الفرس سهماً، وللفرس نفسه سهمين. فهذا يبين لنا أموراً أيضاً، من ضمنها أنهم ليس جميعهم لديهم. فرسان، بعضهم لديهم خيول وبعضهم ليس لديهم، بل القليل هو الذي يملك خيلاً، ولذلك
هذه التكلفة الكبيرة سأعطيها له من الغنيمة حتى يستطيع أن يتقوى ويصبح عضواً مناسباً في جيش المسلمين. هذه القصص التي تروى والتي هي وراء النص ينبغي علينا أن نتعمق فيها حتى نتعلم أولاً كيفية التفاوض. ينبغي علينا أن نقرأ عن صلح الحديبية وما الذي حدث فيها حتى نتعلم كيفية التفاوض وكيفية التعامل مع غير المسلمين الذين يريدون إيذاءنا، وكيفية الليونة، والأهداف السامية وكيف نضعها. بعض الصحابة كانوا يرفضون صلح الحديبية، لكنهم في النهاية وبعد سنة وسنتين
عرفوا قيمة الحديبية، وأصبح ما حدث في الحديبية حُكماً. النبي صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نفاوض، كيف نحارب، كيف نسالم، كيف ندعو، كيف ننشر إسلامنا. فاللهم يا ربنا اجعلنا دعاة سلام وإسلام وأمن وإيمان إلى أن نلقاك. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكراً.