مسند عبد الله بن مسعود | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس طيبين مع مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه. وأرضاه ومع سيدنا عبد الله بن
مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه. عبد الله بن مسعود صحابي جليل كان يُكنى بأبي عبد الرحمن وهو من مكة، لكنه كان حليف بني زُهرة ولم يكن من العائلات القوية في مكة، لكنه أسلم وهو شاب، فعند الهجرة كان عنده بضع وثلاثون سنة. وكان قد أسلم قديماً مع الثمانية الكبار، بل إنه قال: كنت سادس ستة لا أعلم مسلماً على الأرض سوانا، فهو من السابقين. هاجر إلى الحبشة مرة وثانية، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، وشهد أحداً،
وشهد المشاهد كلها، وجاهد في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاهدَ بعدهُ ومات في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وكان عمره بضعًا وستين سنة، لأنه إذا أضفنا واحدًا وثلاثين أو اثنين وثلاثين إلى اثنتين وثلاثين بعد الهجرة، فإنه يكون عنده أربعة وستون أو خمسة وستون سنة، في هذه الحدود. وكان بحراً في الجهاد، بحراً في التقوى على ضعفٍ في جسمه، فكان نحيفاً. وكانت ساق عبد الله بن مسعود نحيفةً جداً، ففي مرةٍ، كما أخرج ابن ماجة، اعتلى
شجرةً للأراك حتى يأتي منها بغصنٍ يجعله سواكاً، فشجر الأراك نأتي منه بالسواك، فانكشفت ساقه فبانت أنها رفيعةٌ جداً، فضحك أصحابه والنبي صلى. الله عليه وسلم على مقربة منهم فقال لهم: "لم تضحكون؟" أو "مم تضحكون؟" قالوا: "يا نبي الله، من دقة ساقيه، هل يوجد أحد تكون رجله هكذا؟" فقال: "والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من جبل أحد". النبي صلى الله عليه وسلم بشره بحسن الخاتمة وبشره أنه يوم القيامة هذه. الساق التي يضحك منها بعضهم إنما هي عند
الله سبحانه وتعالى أثقل من جبل أُحد. كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قد أُوتي صوتاً جميلاً وأُوتي أيضاً أداءً أجمل، وكان عجيباً في قراءة القرآن، وكان أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. اجتمع يوماً رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن بصورة لافتة للنظر، فهل من رجل يُسمِعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا. فقالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه
من القوم إن أرادوه، يعني أرادوا أن يؤذوه، لكن أنت حليف بني زهرة، من يتخلوا عنك أو لا ينصروك، فقال: دعوني فإن الله سيحميني، أنا حمايتي هي ربي. فذهب عبد الله في الصباح حتى أتى المقام في وقت الضحى، مقام إبراهيم حول الكعبة، والناس جالسة، وقريش في مجالسها. فقام رافعًا صوته: "بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن علم القرآن خلق"، فاستقبلها يقرأ. فتأملوه وجعلوا يقولون: عليك، هذا هو الذي نعرف أنه الذي سيسمع هذا سيؤمن، وهذا هو الذي نحن خائفون منه وخائفون عليك. فقال: "ما كان
أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن". يعني أصبح مثل الأسد أمامهم. فعبد الله بن مسعود كان سيدنا صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع منه القرآن. ويقول: إذا أردتم أن تسمعوا القرآن كما أُنزل فاقرؤوه بقراءة ابن أم عبد، ابن أم عبد الذي هو عبد الله بن مسعود. وكان يقول: "اقرأ عليّ"، فقال: "يا رسول الله، أأقرأ عليك وعليك نُزِّل؟" فيقول صلى الله عليه وسلم: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري". قال: فقرأت عليه سورة النساء. حتى إذا بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال لي كف امسك ثم رأيت
عينيه صلى الله عليه وسلم تذرفان، هذا الحديث رواه البخاري. النبي صلى الله عليه وسلم بكى لما سمع هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك. على هؤلاء شهيداً. الإمام أحمد أخرج لعبد الله بن مسعود مُسنداً كبيراً ثمانمائة وتسعة وأربعين حديثاً. تكلمنا عن عبد الله بن عباس ورأينا أنه أُخرج له ألف وستمائة ويزيد، وسنرى عبد الله بن عمر وهو قد أُخرج له أكثر من الألفين. إذاً ثمانمائة هذه تعني أنها على النصف. من عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أمثلة لهذه الأحاديث التي
أكرمنا بها عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه. يقول عبد الرحمن بن يزيد: قال رأيت ابن مسعود رمى الجمرة، جمرة العقبة من بطن الوادي، ثم قال: "هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أُنزلت." عليه سورة البقرة، عندما نأتي إلى جمرة العقبة نجد أن الجبل يحدها وبطن الوادي منفتح أمامها، فهل يجوز رمي جمرة العقبة من جهة الجبل؟ فالجمهور يقولون: لا يجوز، لا يجوز أن نلتف حولها هكذا، بل لا بد أن يكون البيت الحرام على يمينه وأن تكون المزدلفة عن شماله أثناء الرمي،
بهذه الهيئة من حديث عبد الله بن مسعود في مسند أحمد أنه رمى من بطن الوادي وليس بعد التفافه من عند الجبل. وعن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ عليّ من القرآن". قال: فقلت له: أليس منك تعلمته يا رسول الله وأنت تقرئنا؟ فقال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: اقرأ عليَّ من القرآن. فقلت: يا رسول الله، أليس عليك أُنزل ومنك تعلمناه؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أسمعه من غيري. يعني في هذا الحديث أن أيضاً تلاميذه عبد الله بن مسعود كانوا يسمعونه، كان عبد الله بن مسعود يسمعه من...
تلاميذه كما فعل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يدل على مزيد الاتباع، ويدل أيضًا على التواضع الذي كان فيه ابن مسعود. سيدنا ابن مسعود يقول: خصلتان، يعني إحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأخرى من نفسي: من مات وهو يجعل لله ندًا دخل. النارُ هو سمع النبي يقول هكذا عندما جاء ينقل نقلاً بالدقة. سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "من مات وهو يجعل لله نداً مشركاً دخل النار". وأنا
أقول: "من مات وهو لا يجعل لله نداً ولا يشرك به شيئاً دخل الجنة". انظر إلى هذه الدقة عندما سمع. من رسول الله شيئاً أدّاه كما سمع، وعندما استنبط عكس ذلك أنه إذا كان المشرك يدخل النار فالمؤمن يدخل الجنة، نسبها لنفسه. إذاً هؤلاء الناس لم يكونوا يلعبون ولم يفتروا شيئاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلّموا الأمة الدقة والتحري. النبي صلى الله عليه وسلم يقول بناءً على... كلام ابن مسعود أن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تتغير، فإذا مضت الأربعون
صارت علقة، ثم مضغة كذلك، ثم عظاماً كذلك، يعني أربعينات: أربعين يوماً في أربعين يوماً في أربعين يوماً. فإذا أراد الله أن يسوي خلقه بعث إليها ملكاً، فيقول الملك الذي يليه: أي ربي؟ أذكر أن أنثى أم ذكر، أشقي أم سعيد، أقصير أم طويل، يكتب صفاته، أناقص أم زائد في قوته وجُلِّه، أصحيح أم سقيم. قال: فيكتب ذلك كله. فقال رجل من القوم: ففيم العمل إذاً وقد فُرِغ من هذا كله؟ قال: اعملوا فكل سيُوجَّه لما خُلق له.
إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،