مسند عبيد الله بن العباس | مسانيد الإمام أحمد بن حنبل | برنامج مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين مع مسند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه. وأرضاه، نعيش
مع الصحابة الكرام مع حديث سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم، اليوم مع مسند حبر الأمة، حديث عبيد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه. عبيد الله هو أخو عبد الله، عبيد الله أخو تمام بن العباس، عبيد الله هو أيضاً أخو الفضل بن العباس، فالعباس كان عنده أبناء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُنزل العباس منزلة أبيه، وكان يقول: "عم الرجل صنو أبيه". حتى
أن العباس كان يتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الشأن. ولما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى، توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وقال... اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك وها نحن نتوسل إليك بعم نبيك العباس، اللهم فاسقنا. فنزل الغيث على المدينة. هنا عندنا عبد الله بن العباس، أي أنه هو المقدم وهو صاحب كما سنرى أحاديث كثيرة، لكن الذي معنا اليوم هو عبيد الله بن العباس أخو عبد الله بن العباس سيدنا.
العباس خلف مجموعة كبيرة، يروي الإمام أحمد عن العباس، ثم عن الفضل بن العباس، ثم عن تمام بن العباس، ثم عن عبيد الله بن العباس، ثم عن عبد الله بن العباس أحد العبادلة الأربعة أو الخمسة الكبار في المدينة المنورة. حديث عبيد الله بن العباس، يقول الإمام أحمد: حدثنا هُشَيم. أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن العباس قال: جاءت الغميصاء أو الرميصاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، إذ هناك امرأة كانت تُسمى بأحد هذين
الاسمين. الشك من عبيد الله بن العباس، لم يتحرر الاسم، سمع الغميصاء أو الرميصاء أو كما هو الحال، لكن شكٌّ حصل له لصغر سنه حينئذ، ولأنه سمع الاسم، والاسم أيضاً غير شائع بين العرب، فالغميصاء أو الرميصاء ليس اسماً شائعاً، وهو صغير، وعرف من السماع أن هذه المرأة اسمها هكذا. جاءت الغميصاء أو الرميصاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها وتزعم أنه لا يصل إليها،
هذه المرأة تزوجت رجلاً بعدما طلقها زوجها الأول ثلاث مرات، فلما تزوجت هذا الرجل الأخير امتنعت عنه، أي أنها تريد أن تكتب الكتاب فقط، وبعد ذلك تُنغِّص عليه عيشته وتقول له: "والله طلقنا". فجاءت تشكو إلى رسول الله أن هذا الرجل كتب الكتاب ولم يدخل بها، فليطلقها. زوجها وتزعم أنه لا يصل إليها، كتبوا عقد الزواج ولم يدخلا، فما مر إلا وقت يسير، أي قال لها: "حسناً، انتظري فأنا أستمع". وهنا يتجلى فن القضاء،
إذ يجب أن أستمع إلى الطرفين حتى أحكم بالعدل، فأنا هنا أستمع إلى الطرف الأول. هي لم تكن تكذب أبداً، بل كان رأيها هي تكتب الكتاب ثم تُطلق فترجع إلى الجزء الأول، فما كان إلا وقتاً يسيراً حتى جاء زوجها. فانظر الآن، انظر إلى الدقة، فزعم أنها كاذبة. لم يقل أنها كاذبة هكذا في الرواية، بل قال: "فزعم". لماذا "زعم"؟ هو لم يقل إنها تكذب مباشرةً، ولكن من وجهة نظره، لأنه يرى الواقع إنها كاذبة ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره". غير هذا الأول، وهذا ماذا يعني؟ معناه أن ما نشاهده في الأفلام المصرية لا علاقة له بشرع الله، ويُعلِّمون الناس أحكاماً لم يُنزلها الله. سبحانه وتعالى ربنا قال الطلاق مرتان، فعندما يطلق رجل زوجته مرتين، يمكنه أن يرجعها. أما إذا طلقها المرة الثالثة فهي طلقة بائنة، وعليها أن تذهب لتجرب حياة أخرى لعلها تنجح، ولعلها أن تكون لها حياة
سعيدة. لكن ما يحدث أنهم يريدون أن يحتالوا على شرع الله، فتذهب المرأة وتأتي - ماذا يعني محلل؟ محلل يعني أن يكتب الكتاب وفي اليوم التالي يطلق دون أن يمسها، فيكون على الورق أنه طلقها، فيقوم المأذون بتزويجها من طليقها الذي طلقها ثلاث مرات. هذه حيلة على الشرع لا علاقة للإسلام بها، وهذا التحليل حرام ولا يجوز أن نرتكب هذه الجريمة. جميع الأفلام المصرية تُعلِّم ضمنها مثلاً على سبيل المثال العصمة بيد الزوجة. كل الأفلام المصرية تُظهر أن الزوج لا يستطيع أن يطلق، هذا خطأ. العصمة
عندما تكون بيد الزوجة ويُعطيها الزوج حق تطليق نفسها، فإن الزوج يستطيع أن يطلق أيضاً، وليس هناك فيلم واحد يُذاع فيه هذه الحقيقة لدرجة أن كثيراً من الناس اعتقد. أنه هذا هو الشرع وليس هناك من ينكر على هذا ويبين للناس، ولذلك سيدنا عبيد الله بن العباس أنقذنا بهذا الحديث من أجل أن نفتح هذا الموضوع، أي أن التي طُلِّقت ثلاثاً لابد أن يتم الدخول بها. حسناً، هي تزوجت شخصاً ولم تمنع نفسها منه، لكنه مات ولم يدخل بها، آخر ويدخل بها حتى يجوز أن ترجع لزوجها
الأول، فمن كتب الكتاب وطلق دون الدخول، ومن كتب الكتاب فمات فلم يدخل، ومن كتب الكتاب ثم بعد ذلك حدث عارض له حادث منها أو منه فمنع الدخول فحدث الانفصال، لا يجوز لها أن ترجع إلى زوجها الأول، ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي حكم بهذا، وفي هذا أمور نفسية مركبة معقدة وأمور اجتماعية، ونهي شديد عن أن نصدر الطلاق في كل شيء. لقد أصبح الطلاق عند الناس كأنه نزهة أو رحلة سياحية. هذا الطلاق يهتز له عرش الرحمن، هذا الطلاق
لا يجوز ولا. ينبغي ولا يجب أن تفعله إلا على سبيل العلاج، يغني له كل من وَسِعَه. عندما تتحول الحياة إلى جحيم، لكن الاستهانة بخراب البيوت وبتشريد الأطفال وبما يحدث في أوساطنا، أو الحلف بالطلاق دون سبب وجيه، هذا لا يرضي الله ولا يرضي العبد، وهذا مخالف للإسلام فرضاً وسنةً يا جماعة. ينبغي علينا أن نتوب إلى الله في هذه الأيام الكريمة، ينبغي علينا أن نرجع إلى الله وأن نتقي الله سبحانه وتعالى في حدوده التي حدها وفي شريعته التي أنزلها. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، وندعو الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المباركة أن يتقبل
منا صالح أعمالنا وأن ينقلنا من... دائرةِ سخطِه إلى دائرةِ رضاه، وأن يفتحَ علينا فتوحَ العارفين به، وأن يُعيننا على ذكرِه وشكرِه وحُسنِ عبادتِه، وأن يوفقنا إلى ما يُحبُّ ويرضى، وأنه كما أدخلنا في رحمتِه وأدخلنا في مغفرتِه أن يُدخِلنا وأن يتقبلنا من عُتقاءِ هذا الشهرِ العظيم. إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله. وبركاته.