معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم | خطبة جمعة بتاريخ 2006 02 17 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين وصل وسلم على سيدنا
محمد في كل وقت وحين وصل وسلم على سيدنا محمد في العالمين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن
يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله، وإن شر الأمور محدثاتها، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد، فإن الله سبحانه وتعالى من منه علينا اختار لنا خير الرسل وخاتمهم وجعلنا أتباعا لسيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم ووصفه فقال وإنك لعلى خلق عظيم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الله وبإرادة
الله وباصطفاء الله ولأن الله سبحانه وتعالى هو الفاعل على الحقيقة وهو الخالق على الحقيقة ولا يكون في كونه إلا ما أراد فقد خلقنا وما نفعل وما نعمل وخلق مستقبلنا وماضينا وحاضرنا سبحانه جل جلاله الله فإنه أذن أن يكون هذا الإنسان خير خلق الله كلهم ظاهرا وباطنا خلقا وخلقا فكرا ومنهجا ودينا وأحكاما فكان أسوة حسنة للعالمين آمن به من آمن وكفر به من كفر وضل عنه من ضل فالحمد لله على نعمة
الإسلام أن جعلنا أتباع النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، من هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي جهله الناس؟ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل البعثة يدعى في مكة بالصادق الأمين، تصور وفي خضم الجاهلية رجلا يرى الصدق من مكارم الأخلاق وإن كان الكذب من عادات الناس ويرى الصدق فيصدق بإذن الله ولا
يستطيع أحد أبدا في تاريخ حياته أن يجد له كذبة فسموه بالصادق واعتمدوا عليه في أماناتهم وأعراضهم وأنفسهم وإن كانوا مخالفين له فسموه بالأمين فصار هو الصادق الأمين صلى الله عليه وآله ومر وهو يرى أنهم يكذبونه فيما يمس حياتهم فصعد على تبة أو تلة صغيرة وقال يا معشر قريش إذا أخبرتكم أن جيشا يأتي من خلف هذه التلة أتصدقونني قالوا
نعم يا أبا القاسم فأنت الصادق الأمين ولما جاء وقت هجرته من مكة إلى المدينة ابتعادا عن أذيتهم للمؤمنين وتمهيدا لبناء التي ستخرج إلى العالم أجمعين، رد الودائع التي كانت عنده للمشركين. إذا فالمشركون كانوا يضعون عنده الودائع، أضاف إلى الصدق والأمانة البركة. خرج في التجارة مع عمه فكان ذكيا فطنا، يأخذ السلعة من مكة وهي تأتيها من
رحلة الشتاء من اليمن ليخرج بها إلى الشام، لا يخرج بمحض نقود يشتري. بها ثم يعود بل إنه يأخذ تلك النقود بتقليب التجارة والإدارة الحسنة ليأخذها إلى الشام وعندما يأخذها إلى الشام يبيعها فيربح فكان من المعتاد أن يشتري ويعود لكنه كان يقلب المال هناك في دورة أفقية أخرى ويشتري ويبيع وهو في الشام حتى إذا ما زاد المال وربا اشترى سلعا بعينها تكون أكثر
نفعا لذويه ويكون أهل بلده أكثر انتفاعا بها فيعود فيربح بها أضعافا كثيرة ويزداد المال في يده من حسن ذكائه وفطنته وإدارته وتوفيق الله له وعلو شأنه عنده أضعافا كثيرة لا يراها الناس مع أقرانه والمتدربين على هذا من ذويه وأهله حتى لفت هذا الأمر انتباه السيدة خديجة عليها السلام وهي أم فاطمة الزهراء أصل أهل البيت الكرام وتزوجها النبي
صلى الله عليه وآله وسلم ورزقه الله منها الأولاد بنين وبنات إلا أن الله سبحانه وتعالى وعلى عادته مع أولئك الذين هم من أهله أهل الله يريد أن يفرغ قلوبهم له سبحانه فلم يبق له ولد ذكر لأمر يريد الله أن يكون أبناء الأنبياء على هذه الصفة، ومع ذلك العلو يكونون من الأنبياء وهو خاتم المرسلين، حتى يخلو قلبه لذكر رب العالمين، فصبر ولم يجزع، ولم نسمع منه كلمة فيها اعتراض على قضاء الله وقدره، والله سبحانه
وتعالى جعله مثالا للصابرين المحتسبين، فكان يتيما وضيق عليه في رزقه في أول الأمر ولما جاء الرزق بعد ذلك وفتحت عليه الغنائم لم يبق منها في يده شيء لأنه كان يخرجها كلها لله رب العالمين صادقا أمينا مباركا إذ هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله سبه السفلة وأحدهم جاءه تائبا وهو في فسطاطه يوم الفتح فدخل معه عثمان ذو
النورين لأنه قد تزوج رقية وتزوج أم كلثوم ابنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ماتت هذه عنده وماتت هذه عنده، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان عندي ثالثة لزوجتكها يا عثمان. كان يحب عثمان لحيائه، لهدوئه النفسي، لكرمه، لإيمانه، ومرة عندما جهز جيش العسرة قال ليفعل ابن عفان ما شاء فقد غفر له فلم يفعل شيئا إلا أنه استشهد وهو يقرأ القرآن الكريم وسال
دمه الشريف على مصحفه رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان عثمان تستحي منه الملائكة لأنه كان حييا مع الله دخل ذلك السافل مع عثمان وعثمان يتشفع له والنبي يكذب غضب قبل شفاعة عثمان وعفا عن الرجل وبعد أن خرج والضيق يملأ صدر النبي من كثرة سب هذا الوضيع له وافترائه عليه وعلى الدعوة وعلى كل شيء يتهكم به الكافرون إلى اليوم غضب لله خوفا من أن
تشوش هذه الأخبار على بعض العقول الضعيفة فتصدهم عن سبيل الله قال هلا ألم يكن منكم رجل رشيد يقتله قبل العفو؟ قالوا ألم تشر إلينا بعينك يا رسول الله؟ يريدون أن يشير رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه هكذا فيقتلوه كالجبابرة والأكاسرة والفراعنة ومن أرادوا البغي في الأرض والطغيان. قال ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين.
يقل لسانه كذبا ولم يقل فعله كذب، بل إن طرفة العين منه لم تكذب، ومن حزن وكم حمل على ظهره هم الناس، جاءه ملك الأخشبين وقال له مرني أطبق عليهم الجبال من كل ناحية، فقال لعل الله أن يخرج من أصلابهم يعني ليس منهم هم، من أصلابهم من يعبده فقلب الله له ما أراد وزيادة فجاءه
وفد الطائف فأسلموا وأرادوا أن يتفاوضوا ويساوموا يا رسول الله خفف عنا الخمر خفف عنا الزكاة خفف عنا الصلاة لا يريدون أن يغيروا ما بأنفسهم ولا أن يدخلوا في مفهوم الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى فقال لهم لا خير في دين لا سجود فيه والحمد لله الإسلام هو الذي يأمر أتباعه بالسجود فقط ولا يسجد له سبحانه في العالمين إلا المسلمون، رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه
ربه وهو أعلم به منا فيقول فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ويسلي قلبه ويقول له ادع إلى سبيل ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله بالله
لأنه يعلم أن طاقتنا قد لا تتحمل ذلك الصبر الذي تحمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما يقول له واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. آيات وكأنها قد نزلت علينا الآن وهذا هو إعجاز القرآن يتكلم ويسلي قلوب المؤمنين ويثبت الإيمان في قلوبهم فالحمد لله الذي جعلنا من أتباع ذلك النبي المصطفى الذي قال له ألم نشرح لك صدرك
ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب أرأيت ماذا يقول له إنه يتحمل أعباء الناس وأنه وهو يقول لنا أنا منكم مثل الوالد للولد قد حمل همنا فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته اللهم أقمنا يا رب العالمين على سنته فهمنا منهجه في حياته أقمه فينا نعيشه حتى ننال سعادة الدارين ماذا
أقول في خلق رسول الله وهل يستطيع أحد أن يستوفي حقه ولو أطال يا خير من قصد العافين لساحته سعيا وفوق متون الإبل الرسم ومن هو الآية الكبرى للمعتبر ومن هو النعمة العظمى للمغتنم ماذا أقول كالزهر في ترف والبدر في شرف والبحر في كرم والدهر في همم ماذا أقول دعني أدعه النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم وانسب إلى قدره ما شئت من عظم وانسب إلى
ذاته ما شئت وانسب إلى قدره ما شئت من شرف وانسب إلى ذاته ما شئت من عظم فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم فصلى الله عليه وسلم يا سيدي يا رسول الله ننهل من فيض خلقه الكريم وسنته من هنا إلى نهاية ربيع الآخر حتى نحيط مولده الشريف بما يليق به صلى الله عليه وآله وسلم من منة في أعناقنا نذكرها فنصلي عليه اللهم صل عليه يا أسعد مخلوقات الله صلوا على النبي المصطفى وادعوا
رب العالمين وحده الباعث الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله فاللهم صل عليه صلاة وسلاما
دائمين وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وجازاه لدينا خير ما جازيت نبيا عن أمته، اللهم انفعنا به في الدنيا واشفعه فينا في الآخرة، اللهم افتح علينا فتوح العارفين بك، ثبت الإيمان في قلوبنا وحببه إلينا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المتقين ومع القوم الصادقين، اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، كن لنا ولا تكن علينا، ارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا يا أرحم الراحمين، ارحمنا يا غياث المستغيثين أغثنا، ارفع
أيدي الأمم عنا، اهدنا واهد بنا، بلغ بنا دينك اللهم يا أرحم الراحمين، هذا حالنا لا يخفى عليك، وتعلم ما يتردد في صدورنا يديك فانصر الإسلام والمسلمين وائتنا بهم مهتدين اللهم أظهر آياتك بالرحمة بنا ولنا يا أرحم الراحمين اللهم يا رب العالمين اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا وحزننا واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا اللهم يا رب العالمين أخرجنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك وافتح علينا من
خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به أقدامنا في الجهاد في سبيلك وقلوبنا في الإيمان بك وبحبيبك واحشرنا تحت لواء نبيك صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب يا رب يا رحمن يا رحيم يا ذا الجلال والإكرام يا جبار يا قهار نسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن
تبدل حالنا إلى أحسن حال وأن توحد بين قلوب المؤمنين والمسلمين وأن تجعلنا هداة مهديين نبلغ دينك إلى العالمين ولا تجعلنا حجابا بينهم وبينك يا رب العالمين ارحم حالنا ورقق قلوبنا واستر عيوبنا وارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء اللهم يا ربنا ولعلها أن تكون ساعة الإجابة أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ودنيانا
التي فيها معاشنا وآخرتنا التي فيها معادنا ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم وكن لنا ولا تكن علينا يا أرحم الراحمين وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون