مع رسول الله | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

مع رسول الله | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - سيدنا محمد, مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر الكريم ومع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيش ما تبقى من هذه النفحات الربانية والمنح الصمدانية التي يفلت منا فيها رمضان كل عام والتي يود المؤمنون أن تكون السنة
كلها رمضان، ولكن الله سبحانه وتعالى كريم أراد لنا أن نعمل وأراد لنا أن نعمر الدنيا وأراد لنا أن نملأ قلوبنا بالنور الذي نستطيع به أن في حياتنا وأن نجدد إيماننا ولذلك جعل لنا هناك محطات فهناك محطة نغسل فيها ذنوبنا ونجدد فيها إيماننا كل يوم خمس مرات وهي الصلاة وهناك محطة نغسل فيها همومنا ونستمع فيها إلى الموعظة كل أسبوع وهي صلاة الجمعة وهناك محطة نقف فيها مع أنفسنا وهي رمضان وذلك في العام مرة وهناك محطة نقف
فيها أيضا مع أنفسنا وقد نغير فيها مناهج حياتنا وقد نعدل فيها مسار معيشتنا وهو الحج وهو مفروض مرة واحدة في العمر وهناك أيضا العمرة التي يمكن أن نكررها كحج أصغر وكملء للهمة في القلوب النبي صلى الله عليه وسلم علمنا الصبر وعلمنا الدعاء وعلمنا تجاوز الأزمات ومن ذلك أنه في العقبة وبعدما أنكره أهله ذهب
إلى الطائف وهو ذهب إلى الطائف من أجل أن يهدي ثقيفا وربنا يقول إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وقبل الذهاب إلى ثقيف ظهر له ملك الجبال وقال له أمرني ربي أن أطيعك فلو أردت أن أطبق عليهم الأخشبين الجبلين لفعلت فقال لا فإني أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد ربنا ويذكره ويوحده فلما ذهب تآمر عليه سفهاء الطائف بل إنهم رموه بالحجارة وأدموا قدمه الشريفة وخرج له رجل
من بستان وكان اسمه عداس يحمل عنقود عنب ليأكل منه بعد أن رق لحاله وعداس عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق وأن النبي صلى الله عليه وسلم نبي وهناك في هذه الزيارة الطائفية دعاء ظل هذا الدعاء نبراسا للمسلمين يتعلمون منه ومن خلاله النفسية نفسية الفارس النبيل نفسية النبي الكريم نفسية الهمام صاحب الهمة الذي تعلق قلبه بالله هذا الدعاء في الحقيقة هو دعاء
المسلمون في الالتجاء به إلى ربهم علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه اللهم إليك أشكو وكلمة إليك أشكو تعني أشكو إليك وحدك وهنا خلق كريم وهو أنه لا ينبغي لك أن تكثر شكواك للناس فإنك بذلك تكون في موقف وكأنك تشكو ربك لا تشكو ما أنت فيه من هم وغم وبلاء إلا لله، كثير من الناس عندما يطيعون هذه النصيحة يخفف الله عنهم، وبعضهم
عندما لا يطيع ولا يجد غضاضة أن يجلس يشكو طوال النهار والليل يجد البلاء قد اشتد عليه واستمر فيه، وهذا التقديم والتأخير من رسول الله صلى الله عليه وسلم له حكمته اللهم إليك أشكو ولم يقل أشكو إليك فهذا تركيب في العربية ينبهنا إلى الحقيقة وهو أنه ما كان يشكو إلا لربه ولا كان يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله وهو الذي يقول لا تغضب لا تغضب لأمور الدنيا ولا تحزن على ما فاتك ولا تفرح بما آتاك اللهم إليك أشكو ضعفي ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس
كلمات قوية فيها خضوع لله فيها إظهار الذل لله سبحانه وتعالى وفي الوقت نفسه فيها عزة أمام جميع المخلوقات اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس تصوروا من هذا الذي يطرد من ثقيف تصوروا من هذا الذي يكذب من إنه سيد الخلق أجمعين، إنه المصطفى المختار، إنه البشير النذير والمبشر به، إنه الذي أخذ الله الميثاق على النبيين عبر العصور من أجل أن ينصروه وأن يعزروه وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه،
إنه هو الذي أم النبيين في الإسراء والمعراج وأحيا الله جميع المرسلين والنبيين حتى يأتموا برسول الله صلى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير، رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إلى الله ضعف قوته وهكذا الإنسان يجب عليه ألا يتكبر بقوته سواء كانت هذه قوة الجسد أو قوة العلم. أو قوة السلطان أو قوة المال، فالقوة لها جهات مختلفة، المعرفة
قوة والعلم قوة والسلطة قوة والغنى قوة، المال قوة، ولكن كل هذا هو ذرة من كون الله، ولذلك فنحن نتبرأ من حولنا وقوتنا ونشكو إلى الله ضعف قوتنا وهواننا على الناس، اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي ليس هناك شيء بيده وهذا معنى لا حول ولا قوة إلا بالله وكل معاني الخير دائرة حول هذه الكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز العرش لأنه في الحقيقة نرى مثلا ابن عطاء الله يا بني، حكمه
كلها وهي حكم رائعة فائقة رائقة على معنى "لا حول ولا قوة إلا بالله"، كأنك ترى هذا المعنى في كل حكمة. عندما يأمرك بالتوكل، بالتسليم، بالرضا، بالتبرؤ من القوة، بالتبرؤ من الحول، بفعل كل خير وبالامتناع عن كل شر، تجد نفسك وكأنك تطبق نظاما معينا عنوانه "لا ولا قوة إلا بالله، اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو
ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أهون علي أم إلى عدو ملكته أمري فيها نوع استغاثة بالله ويقول العلماء هذا إنسان يعرف كيف يخاطب ربه فإن الله سبحانه وتعالى عندما ينظر إلى الإنسان يحسن الكلام في الدعاء فإنه يستجيب له ولذلك إذا أحسن الإنسان الكلام كان أجدر بالإجابة وأجدر
باستجابة الله له سبحانه وتعالى ولكن عافيتك هي أوسع أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك. هذه كانت مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي امتلأت بالرضا والتسليم والتوكل على الله. بتفسير كل كلمة منها لا حول ولا قوة إلا بالله التي كانت وستظل
ملجأ للمسلمين في خطابهم مع رب العالمين إلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته