مقدمة ( تعريف بعلم التصوف و بكتاب الرسالة القشيرية ) | المجلس الأول | أ.د علي جمعة

مقدمة ( تعريف بعلم التصوف و بكتاب الرسالة القشيرية ) | المجلس الأول | أ.د علي جمعة - الرسالة القشيرية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في هذا اللقاء سندرس مادة التصوف الإسلامي، أليس كذلك؟ الاسم الرسمي لها هو "تصوف الإسلام". سندرس سوياً كتاباً هو كتاب الإمام أبي القاسم القشيري "الرسالة القشيرية". هذا الكتاب سيوزع. عليكم إن شاء الله في الأسبوع القادم لا تشتروه، سيُوزَّع عليكم. بارك
الله فيك يا أخي لأنه سلفي. فكم عددكم؟ كم عدد هؤلاء الأطفال؟ حسناً، هل هذا هو الكلام؟ حسناً، هؤلاء الأطفال لا يكثرون عن أربعمائة أو ألف ومائتين. على كل حال، كما تكونون لقاؤنا يوم السبت. المفترض أن النصح عشرة. سنحاول في يوم السبت هذا. هل لديهم حصتان في الأسبوع أم كم حصة؟ لا بأس. في جدولهم يقول التصوف ساعتان على مدار السنة أم كم ساعة؟ ساعتان في
الأسبوع. نأخذ نحن أربعة، ستة، ثمانية، ما نريده إذن ما دامت الحكاية هكذا، حسناً. بسم الله الرحمن الرحيم، إذن اتفقنا الآن على الكتاب، واتفقنا على اليوم، واتفقنا على الساعة، هل هذا مفهوم يا أبنائي؟ حسناً. بسم الله الرحمن الرحيم، السؤال الأول: هل هو علم أم عمل؟ العلم
يحتاج إلى الإدراك، ما معنى الإدراك؟ يعني حدوث صورة الشيء في الذهن، حدوث صورة الشيء في الذهن. يُعرف الإدراك بأنه الحصول على صورة الشيء في الذهن. حسناً، الحصول على صورة الشيء يعني ماذا؟ الشيء إما أن يكون مفرداً مثل شجرة، بقرة، حجرة، مجرة، هكذا شيء، وإما أن يكون مركباً. ولذلك الإدراك على نوعين: تصور وتصديق. وقد درستم هذه الأمور في المنطق: التصور والتصديق. التصور
للمفرد والتصديق للجملة المفيدة. فلكي ندرس العلم لا بد علينا أن ندرك مصطلحاته وندرك أيضاً مسائله. المسألة هي ماهية الجملة المفيدة: مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل. في الفقه نقول: الصلاة واجبة، هذه جملة مفيدة، هذه من مسائل الفقه. الظهر أربع ركعات، هذه من مسائل الفقه. إذاً فلا بد علينا إذا ما أردنا... أن نتعلم علماً أن نتعلم مصطلحاته وأن نتعلم مسائله، هذا هو العلم. العلم هذا
مقابل العمل، فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، "واتقوا الله ويعلمكم الله". لو أننا تعلمنا فقط ولم نطبق هذا العلم لكان ذلك خللاً، فلا بد أيضاً بعد العلم أن يكون العمل والعمل. يحتاج إلى سلوك، والسؤال: هل التصوف علمٌ نقرأه في الكتب أم أنه عملٌ وسلوكٌ نمارسه في الحياة؟ الإجابة
على ثلاثة أنحاء: قد يكون علماً، وقد يكون عملاً، وقد يكون أيضاً علماً وعملاً. يجري شيءٌ ولا يجري عندما يكون علماً، وهذا العلم يتأكد بتطبيقه في العمل، إذاً نحن سنختار. أن التصوف علم وعمل، وما دام علماً فسندرس العلم هنا ونرجو الله أن يوفقكم ليكون ذلك في حياتكم عملاً. يعني هذا العمل والسلوك هو حياتكم، ولذلك لن نستطيع أن نمارس هنا معاً في لقاءاتنا العمل. وهذا لا
يعني أن التصوف علم فقط، بل إن الذي سندرسه سوياً هو العلم الذي نرجو الله أن يتحول إلى عمل في حياتكم إلى سلوك، لكن من ناحية الفهم فإن التصوف علم وعمل، ومن ناحية العلم سوف نتعرض لبعض مشكلات العمل. أحياناً عندما تأتي للتطبيق تظهر مشكلات، هذه المشكلات نعرض لها ونحن نتعلم العلم لا من قبيل التطبيق الفعلي بل... من قبيل العلم المتعلق بهذه المشكلات، فالذي سندرسه سوياً
هو علم التصور. حسناً، عندما يكون هناك علم نريد دراسته، فماذا ينبغي علينا أن نبدأ به كمقدمة؟ العلماء قالوا: أي علم، أي علم تريد دراسته والإقبال عليه، فلا بد عليك أن تعرف عشرة أشياء، عشرة أشياء يسمونها مبادئ. العلوم اسمها مبادئ العلوم، ومبادئ جمع ماذا؟ مبدأ. وما هو المبدأ في اللغة العربية؟ تفسير. طيب
ما هو المبدأ؟ هو رأي. خَلق الإنسان، يا سلام! يعني المبادئ الاشتراكية تعني أخلاق الإنسان الاشتراكية مثلاً. المبادئ الهيدروليكية تعني أخلاق المياه في قواها المتحركة؟ يا للعجب! أخزاك الله! نعم، قواعد. كل ذلك خطأ لأنه مبدأ. هي مصدر ميمي. أنا قلت لك "مبدأ". اعرف المبدأ. أنا أقول لك ما هو "مبدأ" في العربية: مصدر ميمي. نعم، قال يعني كان يعرفها، هذه مصدر ميمي. "مبدأ" هو مصدر ميمي، والمصدر الميمي يصلح
للدلالة على المكان والزمان والحدث. هيا نكتب هذا الكلام ونذاكره: المصدر الميمي في اللغة العربية قاعدة. هكذا يصلح للدلالة على المكان والزمان والحدث. إذاً ما معنى مبادئ العلوم؟ مبادئ جمع مبدأ، ومبدأ مصدر ميمي يصلح للدلالة على زمان البدء ومكان البدء ونفس البدء. ها، نفس البدء الذي هو الحدث. زمان البدء، مكان البدء، نفس البدء الذي هو الحدث. زمان، مكان، حدث. إذاً فالمصدر الميمي يصلح للدلالة. على الزمان والمكان والحدث، فمبادئ العلوم
معناها هذه الأشياء التي تعبر عن زمان البدء أو مكان البدء باعتبار أنها تكون في أول العلوم، في بداية العلوم، أو نفس البدء. لا يمكن أن تتطلع إلى علم إلا إذا أدركت مبادئه العشرة. لنتأمل إذاً ونكتب: من أراد فناً فليقدم أولاً علماً بحده. وموضوع
وتلى وواضع ونسبة وما استُمد منه وفضله وحكم معتمد واسم. واسم الذي أنتم تقولون عليه "واسم" غلط لأنها همزة وصل، فلازم نقول "اسم". وما أفاد اسم الذي هو واو سين ميم، لكن لازم ننطقها هكذا وإلا يكون غلطاً. اسم وما أفادني ووسائل،
فتلك عشر للمُنى وسائل، وبعض اقتصر. ومن يكن يدري جميعها انتصر،
ومن يكن يدري جميع سينتصر، فهذه تُسمى المبادئ، أي مبادئ العشرة. نقولها مرة أخرى: إذا كان هناك أحد سقطت منه كلمة من رام فنًّا فليقدم أولًا علمًا بحدّه وموضوع تلاه، وواضع ونسبة، وما استُمِدَّ منه، وفضله، وحكم معتمد، واسم، وما أفاد، والمسائل. فتلك عشرة للمُنى وسائل، وبعضهم... فيها على البعض اقتصر ومن يكن يدري جميع هانتصر. حسنًا، لنحفظها
هكذا مثل أي شيء سهل هكذا. هو شيء سهل معروف، إنها عشرة أشياء. ما اسم هذا العلم؟ إنه علم التصوف الإسلامي. من واضع هذا العلم؟ لا بد أن نبحث في من ألَّف أولًا في هذا العلم ونقول أن... واضع هذا العلم هو فلان. في بعض الأحيان يأخذ العلم في التطور وفي الاستقرار وفي التأليف البسيط حتى يأتي شخص فيؤلف فيه شيئاً يحوله من مجرد أفكار متناثرة إلى علم. دائماً الفكر يمد العلم. أصول الفقه كان عند الصحابة موجوداً ولهم
ألفاظ في هذه الأصول في العموم والخصوص والناسخ والمنسوخ. والمطلق والمقيد جمعها الخطيب البغدادي في كتابه "الفقيه والمتفقه"، فبيّن لنا أن الصحابة كانت تدرك إدراكاً عميقاً لأصول الفقه، لكنهم لم يكن عندهم هذا المعنى وهذه الملكة قد تحولت من الفكر إلى العلم. الإمام مالك لا بد أن يكون عنده أصول عرفناها وكتبنا فيها وألفنا فيها الرسائل العلمية، فمن إذن؟ أول من وضع علم الأصول الإمام الشافعي في كتاب "الرسالة"، محمد بن إدريس الشافعي هو أول شخص. الفقه كان موجوداً عند الصحابة، فقد كان بينهم فقهاء، وكذلك الحديث
كان بينهم محدثون. أما أول من ألف في علم مصطلح الحديث فهو الرامهرمزي، هو أول من ألف في هذا العلم، لكن المقصود هنا كتاب الرامهرمزي. الخاص بالمحدث الفارغ الفاصل هذا، في شذرات من العلم، أما أول كتاب وصل إلينا يكون شاملاً للعلم كله فهو الكفاية للخطيب البغدادي. وهكذا يبقى إذاً العلوم تتطور، تأتي أفكاراً أولاً ثم تأخذ في التكثيف، تتكثف مثل الماء عندما يكون بخاراً ثم يتكثف فيصير ماءً، ثم بعد ذلك تؤلَّف فيها. المؤلفات وأول من ألّف في هذا المعنى نقول عنه إنه واضع العلم.
فلعلنا أن نقول إن واضع علم التصوف، الكتاب الجامع الشامل المنظم وما إلى ذلك، هو الرسالة القشيرية. انتبه، نستطيع أن نقول هكذا. سيأتي بعضهم ليقول لك: لا، أنا أرى أنه هو الحكيم الترمذي، أو شخص آخر مثلاً يقول إنه عبد... عبد الرحمن السلمي لأنه كتب طبقات الصوفية، وثالث آخر، حسناً. يعني المسألة ليست منضبطة تماماً، لا نختلف معه ولا شيء، رأيه هكذا، حسناً. لكن عندما نقرأ لعبد الرحمن نجد أنه جمع شذرات من هنا وهناك، لكن الرسالة القشيرية لا، فقد تحدث فيها عن أفراده وعن أشخاصه وعن مصطلحاته وعن مقاماته وعن. عباراتهم
ومسائلهم وعن، نعم هذا هذا جمع أي شيء مثل الرسالة التي للشافعي، أنت تنتبه إذاً فالقضية ربما في كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي مثلاً، نعم قوت القلوب كتاب جيد لكن لكن الشيء الغريب الذي سأجده في الرسالة القشيرية شيء متميز، فواضع العلم هو أول من صنف فيه. تصنيفاً جامعاً، ما هو نطاق
علم التصوف؟ تعريف يقول لك إن علم التصوف والتخلية والتحلية، وآخر يقول لك: لا، بل هو التخلي والتحلي والتجلي. وآخر يقول لك: أن تخلي قلبك من القبيح، وتحلي قلبك بالصحيح، حتى تتجلى فيه الأنوار وتنكشف لك الأسرار. حسناً، لن نتوقف كثيراً عند ماهية التعريفات المنطقية الأرسطية. هذه هي المهمة ولكن لن نتوقف عندها كثيراً، هو كأنه علم يهتم بدراسة مرتبة الإحسان التي سنعتمد
عليها، أنه علم يهتم بدراسة مرتبة الإحسان. لدينا حديث جبريل، حديث جبريل يقول ماذا؟ "دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، ليس عليه (لا يُرى عليه) أثر السفر ولا يعرفه..." أحدٌ منا فجلس إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه - فخذي نفسه يعني - على هيئة المتأدب المتعلم، وجاء في النهاية قال: "أتدرون من هذا؟" قالوا: "لا يا رسول الله". قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم"، لأنهم كانوا لا يسألونه بموجب النهي. عن السؤال، إن الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تسؤكم، وإن تسألوا
عنها حين ينزل القرآن تُبْدَ لكم، عفا الله عنها. وفي الآية الثانية يقول لك: قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين. فاسكت أنت ولا تكفر، فلم يسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ثلاثة أسئلة. ثلاثة عشر سؤالاً فقط، لا توجد أسئلة، ثلاثة عشر سؤالاً فقط كلها في القرآن: "يسألونك عن المحيض"، "يسألونك عن الأنفال"، "يسألونك ماذا ينفقون"، "يسألونك عن الساعة" وهكذا، ثلاثة عشر سؤالاً. هذا ابن عباس الذي يقول هكذا، وكانوا يقولون: "كنا نحب الأعرابي العاقل يأتي فيسأل الرسول" لأنه غير عارف. الذين حوله يعلمون، لكن هذا جاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنتعلم. يريدون أن يسألوا
لكن ما الذي منعهم؟ "اتركوني ما تركتكم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة تردادهم أو أسئلتهم لأنبيائكم ثم أصبحوا بها كافرين"، يعني أنهم يشددون على أنفسهم، خاصة حين ينزل القرآن، كذلك سورة البقرة. البقرة شيء. من المهم جداً أنه عندما سماها أسماها البقرة ولم يسمها بني إسرائيل. أصل الخلق آدم وموسى، يعني هناك أسماء كثيرة، ليلفت انتباهك إلى أن هذه القصة هي أساس في كيفية تعاملك مع الدين: تتعلم وتعمل بما تعلمت. العوام لا يسألون هذه الأسئلة الكثيرة التي فاضت وذاعت وشاعت حتى أحدثت
نوعاً من أنواع الفتك لأن... الأصل عدم السؤال إنما هو أن تعبد الله بيسر وخفة، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً. حسناً، في هذا الحديث يسأله ما الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. في هذا الحديث يسأله عن ثلاثة أشياء: ما الإسلام، ما الإيمان، ما الإحسان. الإسلام بُنِيَ على خمسةٍ واضحة، نحن نعرف ذلك. الإيمان بُنِيَ على ستةٍ واضحة: أن تؤمن بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتب، والقدر.
وقد قامت طائفة لحماية الإيمان أسميناها توحيد. علم التوحيد له ثمانية أسماء: أصل الدين، أصول الدين، التوحيد، العقيدة، علم الكلام، الفقه الأكبر، وهكذا. الإسلام قام به الفقهاء وألّفوا فيه ابتداءً. من العبادات في المعاملات وكذلك ألّفوا كتباً كثيرة وتنوعت آراؤهم فأصبح عندنا مذاهب مختلفة وصلت إلى أكثر من ثمانين مذهباً: فقه الأوزاعي والطبري والحمدين والسفيانين (سفيان بن عيينة وسفيان الثوري). بقي منهم ثمانية: الأربعة
المشهورة السنية، والجعفرية، والزيدية، والإباضية، والظاهرية. موجودة كتبهم تحت أيدينا وفقههم تحت أيدينا وفقه الثمانين أو... بقية الثمانين موجودة في الكتب. تقرأ المجموع، تقرأ المحلى، تقرأ المغني لابن قدامة. من الذي قام لحماية درجة الإحسان؟ عرفنا أن هؤلاء قاموا لحماية الإيمان، وهؤلاء حماية الفقهاء للإسلام. طيب، الإحسان من الذي فصَّل لنا كيف نعبد الله كأنه يرانا، فإن لم نكن نراه فهو يرانا؟ الصوفي. إذاً، عندنا طائفة. عندنا طائفة المتكلمين، وعندنا
طائفة الفقهاء المتشرعين، وعندنا طائفة الصوفية الذين يدرسون مرتبة الإحسان. إذاً موضوع علم التصوف هو دراسة مرتبة الإحسان بالتفصيل: كيف تعبد الله كأنك تراه، وكيف إذا لم تستطع أن تصل إلى هذه الدرجة الحالية في التعامل بينك وبين الله، أن تعلم أنه يراك وتعيش في هذا. وسلوكك في الحياة يرتبط بأنه يراك فتراقبه سبحانه وتعالى حيث إنك لم تصل من القوة والشفافية إلى أنك تراه على حد قول الشاعر "وفي كل شيء له آية تدل
على أنه واحد". ترى ربنا في كل شيء، ترى قدرته، ترى حكمته، تعيش مع الله سبحانه وتعالى. فإذا لم تصل إلى... هذه الدرجة العالية فاعلم أنه مطلع عليك وعلى سرك، وهذا العلم يمنعك من الإقدام على الشر ويدفعك في نفس الوقت أن تقدم على الخير. الإحجام والإقدام إذا عرفنا اسم هذا العلم وعرفنا واضعه وعرفنا حده وعرفنا أيضاً بذلك موضوعه. ما معنى موضوع العلم؟ ما يُبحث في ذلك العلم عن عوارضه. الذاتية
موضوع كل علم هو ما يبحث فيه، أي في ذلك العلم عن عوارض ذلك الموضوع الذاتي. ماذا يعني هذا؟ غير مفهوم. هذا الفقه موضوعه ماذا؟ فعل المكلف. ما معنى فعل المكلف؟ صلاة، صوم، سرقة، قتل. أليست هذه أفعالاً؟ نعم، هذه أفعال. نتناولها هكذا ونبحث: الصلاة واجبة، القتل حرام، الغيبة... والنميمة حرام، فهذه كلها أفعال. هذا هو موضوع علم الفقه، وبوصفها أصبح هذا واجباً، وهذا مندوب، وهذا مكروه، وهذا حرام، وهذا مباح. أكل الملوخية مباح، أكل الملوخية
مباح، أكل الملوخية هذا فعل من أفعال البشر، فهذا حكم، هذا حكم. الأستاذ جالس على الكرسي وأنتم جالسون في الأرض. هذا حكم حلال أم حرام أم مباح؟ يمكن أن يكون مندوباً لكي تشاهدوه، حتى لا تضطروا للنزول إلى الأسفل إذا لم تستطيعوا رؤيته. قد يكون مندوباً من أجل التنظيم، ولكي يصل الصوت، وقد يكون مندوباً من أجل الضبط لنضبط المحاضرة. لكن إذا كنت في الأسفل ولا تكتب وتقول "لن أكتب" و"لا أعرف ماذا" وهكذا، فسيصبح الأمر فوضى. إذا فكرنا وأحضرنا الأدلة من الشرع، فهل الشرع يريد الهيجان والفوضى أم يريد النظام؟ لينوا في أيدي إخوانكم، استووا
استووا. الله يريد النظام، الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص. ها هو يحب ذلك. إذا كان الله يريد النظام في الصلاة وفي القتال وفي غير ذلك، وعندما يكون النبي في... قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اربعوا على أنفسكم"، فهو يحب النظام. تحرك بهدوء ولا تسبب إزعاجًا حتى لا تصدم أحدًا بقدمك أو أي شيء آخر أثناء سيرك. ببطء وتأنٍ، وكان إذا فُتِح أمامه طريق أسرع لكي لا يعيق مَن خلفه. كل هذا نظام في الحركة وفي الآذان. وعندما نتتبع جزئيات الشرع نجد أنه يدعونا إلى النظام لا إلى الفوضى. إذن كل ما يؤدي إلى النظام يتفق معنا، وكل ما
يؤدي إلى الفوضى يكون ضدنا، وهكذا. حسناً، يقولون إن موضوع كل فن أو علم هو ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية، فيكون موضوع الفقه إذن هو فعل المكلف. المكلَّف آخذه وأعمل مع الحُكم جملةً مفيدةً. مسائل موضوع علم الطب ماهية جسد الإنسان من حيث الصحة والمرض. من حيث ماهية الصحة، وليست الصحة. إن "حيث"
لا تُضاف إلا للجمل، فيكون ما بعدها مبتدأ. ولو أضيفت إلى المفرد لَكُنَّا نكسرها لأنه مضاف إليه، فيكون "من حيث ماهية الصحة والمرض". كثير من الناس يخطئ ويقول ماذا من حيث الصحة والمرض؟ هذا وجه ضعيف. نعم، أنت تتفلسف علينا يعني في ليلتك البيضاء هذه. حسناً، يقول لك عند الكسائي يا مولانا. حسناً عند الكسائي يا مولانا، لكن ألم يتراجع عنها الكسائي؟ طيب، هو عند بعض الكوفيين، عند بعض الكوفيين لكي تتخلص من... الآية من النسب والجدال الذي حولها من حيث الصحة
والمرض هذا الذي عليه آراء الجماهير دائماً. أنت تحفظها إذاً. حسناً، لماذا لا نقول من حيثي؟ قلنا حيث لماذا تلم؟ هيا قلنا لماذا حيث مبنية؟ وما المالك كأنك مذهول لماذا؟ وما هذا مبني. حسناً هكذا لأنها مبنية. مبنية على ماذا؟ عظيم والمبني تعرف أن تجرّه أو لا تعرف أن تجرّه لأنه ثابت على حالة واحدة فقط وانتهى. والاسم منه معرب ومبني للشبه من الحروف مبني كالشبه الوضعي في اسمي ائتنا والمعنوي في متى وهنا، أو كنيابة عن الفعل بلا تأثر، أو كافتقار أصله، انتهى، حسناً، إذا يوجد
مبني وهو من الشيء الذي... لا يتغير في الأثناء موضوع كل علم، فهو يبحث في هذا العلم عن عوارضه الذاتية. في الطب نقول: إن جسم الإنسان يمرض عندما يصيبه الميكروب الفلاني، ويصح عندما نعطيه الدواء الفلاني، ولا بد أن نجري له عملية إذا حدثت له الظواهر الفلانية. نعم، إذن ما الثابت؟ جسم الإنسان من حيثية معينة: الصحة أو المرض. التصوف. إذاً خلاص عرفنا نحن هكذا، ما هو إذاً موضوع علم أصول الفقه؟ هو أدلة الأحكام. الأدلة من حيث إثباتها للأحكام، والأدلة هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، من حيث أنها معينة،
وأنها تثبت الأحكام. هذا هو موضوع أصول الفقه، وهذا هو موضوع الفقه، وهذا هو موضوع الطب، كل علم. يجب أن يكون له موضوع. موضوع علم النحو هو دراسة الكلمة العربية من حيثية معينة، من حيث إعرابها. هل انتبهت؟ ما هي؟ أمبنية أم معربة أم مجرورة أم مرفوعة أم منصوبة؟ نريد أن نرى ما هي قضيتها، فهذا هو النحو. أما التصوف، فموضوع علم التصوف هو ماهية التصوف، فيكون هذا هو موضوع العلم. التصوف هو أعمال القلوب. الموضوع هكذا، الكبر هو عمل من أعمال القلب، إنه خطأ. الحب
جميل وحلو وممدوح، أي ليس مذموماً من ناحية معينة. أعمال القلوب هذه من حيث توصل إلى مرتبة الإحسان، نعم، وليس من حيث أنها تعتقد أو من حيث أنها ترفض أو تقبل. لا، أعمال القلوب من حيث هي معينة تصل بك إلى مرتبة الإحسان بعد التخلي عن القبيح والتحلي بالصحيح. يبقى موضوع العلم الخاص بنا هو أعمال القلوب، ولذلك تجد عندما يؤلف شخص كتاباً، يسميه قوم "قوت القلوب"، أي غذاء القلوب،
والآخر يقول "مكاشفة القلوب"، "أسرار القلوب"، "تنبيه القلوب"، "أنوار القلوب" وهكذا. إذاً، هؤلاء جميعهم يتحدثون أين معي؟ عندنا نحن في التصوف، وذلك لأن هذه المؤلفات موضوعها أعمال القلوب التي تكشف الأسرار وتتجلى عليها الأنوار وتحدث بها المكاشفات ويحدث فيها الخلل فتريد أن تعالجه، وهكذا. أعمال
القلوب من حيث خريطتها تتبع أي علوم؟ العلوم العقلية أم العلوم؟ العلوم النقلية أو العلوم الكونية أو العلوم الشرعية أو اللغوية، لا، هذا يتبع العلوم الشرعية لأنه يتعلق بمرتبة هي أعلى مراتب الطريق إلى الله: الإيمان والإسلام والإحسان. وهذا الكلام مستمد من حديث جبريل، فيكون هذا العلم متعلقاً بالعلوم الشرعية. لذلك
ندرسه هنا في كلية الدعوة، لأنكم لا تدرسون هنا الطب. ولا الهندسة مع جلال هذه العلوم وفائدتها للبشر، لكن أنتم تدرسون ماذا؟ تدرسون العلوم التي تمكنكم من تخصص، هذا التخصص اسمه ماذا؟ الشريعة. ما أنت في الأزهر وكلية من كليات ماذا؟ الشرعية أم من الكليات اللغوية؟ لا، الشرعية. إذن النسبة مهمة، مهمة. النسبة مهمة لماذا؟ لكي ترى هو نحن... أين ندرس، ولكي نعرف من أين سنحصل على معلوماتنا، ومن أين سنستمد معلوماتنا، يجب أن تعرف العلم الذي تدرسه هذا: هل هو
تابع للفلسفة مثلاً؟ أم تابع للمعقول فنستنبطها من عقلنا وتفكيرنا؟ أم تابع للمنقول مثل اللغة والنحو والشعر وما شابه؟ أم تابع لماذا بالضبط؟ تابع للعلوم الشرعية؟ إذاً نسبة هذا العلم هي أنه من العلوم. الشرعية وما استُمِدَّ منه علم الفقه، استُمِدَّ من أين؟ قالوا: من اللغة العربية، واستُمِدَّ من الكتاب والسنة، واستُمِدَّ من أصول الفقه. حسناً، أصول الفقه استُمِدَّت من أين؟ قال: من العقيدة، واستُمِدَّت من الفقه، تأملنا الفقه هكذا وخرجنا بقواعد أصولية، واستُمِدَّت من اللغة
العربية، فاستمداد أصول الفقه هو من هذه الثلاثة. التصوف يستمد من أين؟ فالجنيد يقول: "طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة". إذاً لا بد علينا في علم التصوف أو في عمل التصوف أن يكون مقيداً بالكتاب والسنة. إذاً فهو يستمد من الكتاب ومن السنة. حسناً، هناك جانب عملي في التصوف، فهذا سنستمده من أين؟ سنستمده من التجربة
الإسلامية الإنسانية وليس من التجربة الإنسانية فقط. لكن من التجربة الإسلامية الإنسانية، الصحابة الله تعالى يقول لهم اذكروا الله فذكروا، فلما ذكروا حصلت لهم أمور وأحوال. فعبادة بن الصامت كما في البخاري كان يسمع سلام الملائكة. نعم، عبادة بن الصامت هذا رجل من الصالحين، عبادة بن الصامت تقيد بالكتاب والسنة، عبادة بن الصامت حدث له شيء هو... مرجعه إلى الكون وليس إلى الشريعة. ليس في الشريعة أن من يذكر الله تسلم عليه الملائكة، لا يوجد شيء هكذا، لكنه حدث له هكذا. فنأخذ هذا الجزء ونقول: "نعم، نستنبط
منه أشياء ونرى سلام الملائكة هذا علامة على ماذا؟ هل هو علامة على رضا الله أم هو..." نعمة من النعم التي يجب علينا أن نشكرها ولا نكفرها ولا نتكبر بها، حتى إذا اكتوى لم يسمع سلام الملائكة، فلما ترك الكي عاد فسمع سلام الملائكة. إن هذا الحديث الذي في صحيح البخاري يصف لنا هذه التجربة الإنسانية الإسلامية، وهي تجربة إنسانية لأنه يمكن لأهل التبت أن تحدث لهم تجارب مماثلة. الهندوس تحدث لهم تجارب كما يحدث لليهود والنصارى والبوذيين، تحدث لهم تجارب إنسانية، لكننا في التصوف سنأخذ من التجربة الإسلامية الإنسانية، ولن
نفتحها على الناس أجمعين، بل سنأخذها من تجارب أئمتنا والصحابة الذين لنا والتابعين والأئمة المتبوعين الذين كانوا يصلون بالليل، شخص مثل الإمام النووي هكذا. الإمام النووي هذا فاكهة الأولياء، شيء جميل، مشغول بالعلم وقراءة القرآن، لا ينام إلا وهو جالس، بل إنه جالس هكذا، لم ينم على جنبه لمدة سنتين، متعفف في طعامه، فكان يصوم الدهر وكان لا يأكل إلا من قديد تصنعه له أمه. ما هذا؟ إنه صعب. إنها حياة زهد. وخشوع وخبوت
لم يترك صلاة الجماعة وكان لا يعرفه أحد من الناس لهيئته المتواضعة. يقول العلاء العطار: لما دخل أحدهم يبحث عن الإمام النووي الذي ملأ علمه الآفاق قال: "أين النووي؟" قالوا: "هذا هو". فذهب إلى من بجواره وقال: "هذا أمر غير معقول، أيُعقل أن يكون هذا الشكل هو النووي؟ أهذه العمامة التي يلبسها له؟" شهرين أو ثلاثة، فهو أعزب، وهذا من يتزوج وما إلى ذلك، لا يهتم بما يرتديه، ومسكين وضعيف جداً في جسمه هكذا. فذهب إلى الذي بجانبه، فقال له الذي بجانبه: "لا، ها هو هنا". فذهب إلى الذي هنا، إنه لا يصدق أن هذا هو الإمام النووي. قال له: "يا رجل، هل هذا هو الإمام؟" خاصتنا فذهب إليه هذا
الرجل، هذه تجربة إسلامية إنسانية. لم ينم سنتين على جنبه، عملية صعبة جداً، فالمرء يجلس ست ساعات دون أن يفرد ظهره فيتعب. وقد توفي وعمره خمسة وأربعون سنة فقط، تركه. ها نحن جالسون نذكره الآن بعد كل هذه السنين الطويلة. فتنة هذا الشيء فتنة، فالتجربة أيضاً الإسلامية. الإنسانية وهذا مبني على ماذا؟ مبني على أن الشرع الشريف قد جعلنا نأخذ أحكام
الشريعة من الوحي ومن الوجود معاً. فكل شيء لابد أن يكون له دليل. الدليل يقيناً قال له: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، لفتك إلى الكون، كتاب الله الأعظم أو كتاب الله المنظور، ثم عاد للقراءة. اقرأ مرة أخرى فقال: اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم الذي هو الوحي. إذن مصادر المعرفة اثنان: الوحي والوجود أو الوجود والوحي. لماذا في كل حين نقول: لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لأن الكون والقرآن والمذكرة
التفسيرية السنة، لأن الكون والقرآن صدرا من الله. الكون من عالم الخلق والقرآن من عالم الأمر. لأن القرآن غير مخلوق فإنه إذاً لا يختلف أبداً مع الحقائق الكونية. لا يمكن لآية من القرآن أن تخالف حقيقة كونية خلقها الله. لماذا؟ لأن كليهما صدر من الله، إنما هذا صدر من الله خلقاً وهذا صدر من الله أمراً. قال تعالى: ﴿ألا له الخلق والأمر
تبارك الله رب العالمين﴾. يكون هناك دائرتان: دائرة الخلق "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، ودائرة الأمر "اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم". بأيهما نبدأ؟ بالوحي أم بالوجود؟ ابدأ بأيهما شئت، فلو بدأت بالوحي لوصلت صحيحاً إلى الوجود، ولو بدأت بالوجود لوصلت صحيحاً إلى الوحي. فهي دائرة لا يُعرف أولها من آخرها، وما الدليل على ذلك؟ من الذي قال لك أنها دائرة؟ نحن تناولنا الآن "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، فبدأ بماذا؟ بدأ بالخالق. "الرحمن علم القرآن خلق الإنسان
علمه البيان"، فبدأ بماذا؟ بدأ بالوحي وثنى بالخلق. وفقرة بدأت بالخلق وثنت بالوحي. هل من تناقض؟ أبداً، لأنها دائرة واحدة. أبداً، حيثما إن شئت الوصول إلى الحاجة الثانية فهناك أدلة أم لا توجد أدلة؟ هناك أدلة على أعلى مستوى. أفضل فكر، فكر كله أدلة، كله مقيد بالكتاب والسنة. عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. ونحن الآن في محفل علم تحفه الملائكة. فليس لنا علاقة بالجهل، ولا يجوز لنا التدخل بالجهل.
ربما، والأمر متروك لنا. ما لم نرسل إليهم كفيلاً ولا حفيظاً ولا مقيداً ولا أي شيء ولا وكيلاً، ليس هناك ما حمّلناه مسؤولية، لكن العلم هكذا. فليفكر هؤلاء الناس الذين قاموا من أجل مرتبة الإحسان ووجدوا أن الأمر ينبغي أن يُستمد من الوجود والوحي معاً. إذا ذهبنا إلى الفقه نجد الإمام الشافعي يستمد أحكام الشريعة. من الوجود والوحي معاً، كيف أخذ أمثلة في الماء المشمس ووجده من ناحية الطب، يعني من ناحية الوجود، أنه عندما يكون في البلد الحار في
الإناء المصنوع من المعدن، يعني الحديد والنحاس، تحدث عليه سموم تضر الجلد. ففكرة الكراهية هل هي حكم شرعي أم لا؟ حكم شرعي كره استعمال الماء المشمس بناءً. على الوجود، وعندما روى عن طريق محمد بن إبراهيم بن أبي يحيى أن الماء المشمس كان يرى عمر رضي الله تعالى عنه أنه مكروه، قال: "وأنا لا أكرهه". إن الشافعي يرد على سيدنا عمر، بل هو ينفي أن يكون ذلك دليلًا شرعيًا لأنه كان لا يأخذ بقول الصحابي إلا استئناسًا. ليس دليلاً أن هناك فرقاً بين الاستئناس والاستدلال،
فكان الشافعي يقول ماذا؟ وأنا لا أكرهه إلا أن يكون من جهة الطب، من جهة ماذا؟ الوجود يعني، وأرجع أكبر مدة للحمل والحيض ونحو ذلك إلى الوجود. يقول شارح الزبد: والأمر في ذلك مرده إلى الوجود. الله! يعني هؤلاء الناس كانت فاهمة الكلام. هذا، نعم، وبالطبع، نحن أول مرة نسمع عنه لأنكم ما زلتم صغارًا، ما زلتم غير مدركين ما هي القصة، ولكن هذه الألفاظ نفسها موجودة، فموضوع الحمل والولادة والنفاس والحيض وما إلى ذلك، كل هذا من أين يأتي؟ والماء
المشمس من الوجود، من الوجود، إذًا من أراد الفناء فليقدم أولًا علمًا بحدوده. وموضوع وتوبة ووضع ونسبة وما استُمِدَّ منه وفضله وحكم المُعتَمَد. فضل العلم بفضل موضوعه، وإذا كان موضوعه هو أعمال القلوب الموصلة إلى درجة الإحسان، فشأنه وفضله عالٍ؛ لأن الإحسان هو هدف الإسلام والإيمان، ولذلك جاء ثالثًا. والمرء يؤمن بالله فيهتدي بهدي النبي المصطفى، فيُسلِم له وجهه، ويطبق شريعته، فيصل
بذلك. إلى رضا الله يبقى إذا الغاية العظمى هي رضا الله، هي مرتبة الإحسان. إذاً فتفاضل العلوم بتفاضل موضوعاتها، ولما كان هذا العلم علماً شرعياً، علماً يتعلق بمرتبة الإحسان، علماً يتعلق برضا الله سبحانه وتعالى على عبده ومقامه عنده سبحانه، كان من أفضل العلوم وأعلاها حكماً يجب تعلمه على سبيل الفرض. فرض الكفاية لأن هذه العلوم الشرعية حكمها كذا، يجب أن تتعلم الفقه على سبيل فرض الكفاية. لقد أقامك الله لدراسة الشريعة لما أدخلك الأزهر، وبعد ذلك منَّ عليك أن تصل إلى
الكلية، ثم بعد ذلك تكمل حياتك العلمية. هذا مقامك، فهذا مقامك الذي أقامك الله فيه، فيجب عليكم ذلك لأنكم أنتم أهل. الكفاية، أنتم أهل الكفاية. وجب عليكم وجوباً عينياً، ويجب على الأمة في جملتها وجوباً كفائياً. أنتم تصدُّون الإثم عن الأمة لأنكم تدرسون العلم، فبهذا الشكل تقومون تماماً مثل العسكريين الذين دخلوا الجيش وأصبحوا في كلية الحربية وفي الطيران وفي البحرية وما إلى ذلك. إنهم يقومون مقام الكفاية، وأنا لم أدخل الجيش. لا أعرف كيف أجري، ولا أعرف كيف أدرس، وزميلي الذي في سني والذي يعرف هذه الأمور هو الذي
عليه الكفاية. إذاً، إذا أقامك الله فكن حيث أقامك الله، وأتقن عملك الذي أقامك فيه. واسمع، وما أفاد سيفيد الوصول إلى الحق المعبود سبحانه وتعالى. والمسائل، مسائل التصوف، هي الجمل المفيدة التي تتكلم عن... كل ما هو قبيح من أجل التخلية وكل ما هو صحيح من أجل التحلية، وكيف نسير في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، وبعضهم فيها على البعض اقتصر. بعض الناس عندما تتكلم على العلوم تقتصر على ثلاث أو أربع مبادئ، ليس ضرورياً العشرة، ومن يكن يدري جميعها انتصر. إذاً نحن الآن انتصرنا. لأننا عرفنا العشر مبادئ
لعلم التصوف، هذه مقدمة تجعلك تتشوق ولو بنوع من التشوف لدراسة هذا العلم الذي موضوعه أعمال القلوب الموصلة إلى مرتبة الإحسان، الذي فيه تفصيل لكيفية وصولنا إلى هذه الدرجة العالية الشريفة أن نعبد الله كأننا نراه، بعد أن اطمأننا من هذا العرض أن هذا الأمر. مقيد بالكتاب والسنة، وأن هذا الأمر مقيد أو يُؤخذ من التجربة الإسلامية وليس من سواها، حتى لو حدثت. ما هو ممكن أن البشر يتأمل
ويتفكر فيصل إلى آثار تتعلق بأعمال القلوب، لكنها لمّا كانت خارج النطاق الذي رسمناه، كانت خارج هذا العلم، علم التصوف الإسلامي. إذاً سنسير سوياً في الطريق إلى... الله سبحانه وتعالى وأول ذلك أن هذا الطريق مليء بالأخلاق لكنها أخلاق مرتبطة ارتباطاً عميقاً جزئياً وكلياً بالعقيدة، ولذلك فهناك فرق بين الأخلاق الإسلامية والأخلاق العامة الكونية التي اشترك فيها البشر. كل البشر يثمنون
ويقيمون خلق الصدق، لم نرَ نظاماً يقوم ويثمن قيمة الكذب، لا أحد حتى الآن في العالمين. يقول: "على فكرة يا إخواني، أنا أكذب شخص في العالم. لا أحد حتى لو كان كذاباً وكذوباً يكذب ويقول أنا صادق، لأن الصدق احترام للذات واحترام للآخر. القوة خُلق من الأخلاق، لا أحد أبداً يقول أنا مسرور جداً لأنني ضعيف. الكرم؛ لا أحد أبداً يفتخر بالبخل أبداً ولا بالجبن".
النبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه تحت أيدينا ما لا يزيد عن ستين ألف حديث، ألفان منها في الفقه، والباقي ألفان. يبقى ألفان من ستين ألف، أي اثنان من ستين، أي واحد من ثلاثين، يعني ثلاثة في المئة. حسناً، والسبعة والتسعون في المئة الباقية تتعلق بالأخلاق المرتبطة بالعقائد. ثلاثة في المائة فقه عندنا، كم مسألة في الفقه؟ مليون ومائتا ألف فرع فقهي، وسبعة وتسعون في المائة للأخلاق. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم
الأخلاق". وكلمة "إنما" هذه تكون للحصر، فكانت الوظيفة الأولى هي مكارم الأخلاق. مكارم الأخلاق خاصتنا مرتبطة بماذا؟ مرتبطة... بأية قال مكارم الأخلاق مرتبطة بالعقيدة يا أبنائي، مكارم الأخلاق مرتبطة ارتباطاً جزئياً وكلياً وعضوياً بالعقيدة، بخلاف أخلاق العالم، ولو توافقت معنا فإنها أخلاق إنسانية، لكن لو توافقت معنا المسيحية في الأخلاق فهي أخلاق دينية، نحن وهم سنشترك معهم في هذا الجزء لأنها أخلاق أيضاً مرتبطة بالله، فإذا ارتبطت الأخلاق بالله... فهي دينية وإذا لم ترتبط
فهي إنسانية وقد تتوافق في ظاهرها لكن عمقها وحقيقتها ستنفصل عند هذه القضية وستأتي الأخلاق الإسلامية لتتميز في ترتيبها يعني أول قيمة عندنا ماذا؟ الرحمة. افتح الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم، أو الآية في المسيحية: الحب. الله محب. الحب يأتي عندنا لكن كنتيجة من الرحمة. الرحمة تأتي عنده فقط كنتيجة من الحب. أتلاحظ ذلك؟ فأقول له: "الرحمة هي الأول"، ويقول لي: "لا، أنا مختلف معك في هذه المسألة، إن الحب هو الأول". فأقول: "لا، الرحمة هي الأول". نتناقش. إذاً الرحمن الرحيم قيم خلقية،
أي أنها جزء من التصوف. الرحمن الرحيم الله له. أسماء الجلال: الجبار، المنتقم، العظيم، شديد المحال. وله أسماء الجمال: الرحمن، العفو، الغفور، الرؤوف، الودود. وله أسماء الكمال: الله، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البسيط. هذا كمال. فبدأ بـ "بسم"، "بسم الله". لم يسكت، كان يمكن أن يقول "بسم الله" أو "باسمك اللهم" بهذا الشكل، يعني كان يبدأ
بالكمال وانتهى الأمر، لكنه يريد أن يطمئنك. ما هي رسالة إليك فقال لك "بسم الله الرحمن"، فكنت تقول: "الله" فقط، هو "رحمن" فقط، هو "منتقم" أيضاً، أنا خائف. فما قال "بسم الله الرحمن المنتقم"، ولا قال "بسم الله المنتقم الجبار"، هذا هو الاحتمال الثاني، ولا قال "باسمك اللهم"، هذا هو الاحتمال الثالث، وإنما جاء وقال لك. بسم الله الرحمن الرحيم. قلت له: حسناً، وماذا بعد؟ يعني هل ستنتقم مني الآن؟ قال لك: الرحيم، فجعلك بين الجمال والجمال. وقد يتساءل أحدهم: ماذا يعني؟ لماذا كررها هكذا "رحمن" ثم "رحيم"؟ لكي يطمئن قلبك، إنه يقول لك: إن علاقتك معي مبنية على
الرحمة، وماذا أيضاً؟ والرحمة. ولذلك قال المفسرون: "رحمن الدنيا والآخرة" أو "رحمن الدنيا". لأنه يرحم المؤمن والكافر وكلهم يرحمهم، مريض يقول رب يشفيه وهو كافر. رحيم الآخرة وكان بالمؤمنين رحيماً. إذ قدامنا الرحمة والرحمة الجمال. الآية الجمال في علم التصوف. تصوروا طريقاً بدايته أنت ونهايته الله، وهذا الطريق مقيد بقوله سبحانه وتعالى: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، التوحيد
والتفريد، ولذلك جاء الهروي فألف كتاباً. سمّاه "منازل السائرين"، السائرين في أي شيء؟ في الطريق. إنه بيّن "إياك نعبد وإياك نستعين". وقام ابن القيم وغيره بشرح هذا الكتاب في كتاب اسمه ماذا؟ عند ابن القيم "مدارج السالكين شرح منازل السائرين بين إياك نعبد وإياك نستعين". فرسموا الطريق إلى الله كأنه طريق، والطريق فيه خطوات، فجعلها عشر خطوات كأنها مراحل. عشر محطات وجعل كل مرحلة عشر خطوات فيصبح هناك مائة خطوة للطريق إلى
الله، كتبها في منازل السائرين. الطريق فيه عوائق، فكتبوا عن صوارف الطريق التي تصرفك، وقالوا: الملتفت لا يصل. عندما يكون الطريق في محلات وأماكن وما شابه، وأنت تقف عند كل محل تتفرج وتدخل وتألف السلع التي فيه، لن سأتصل إن شاء الله، ولكن عندما لا يكون قصدك إلا الله، ولذلك قالوا: "الله مقصود الكل". الطريق فيه تنوع في الخطوط، ففي خط وبجانبي خط وبجانبي خط، كل خط يسمونه طريقة، وقالوا: "الطرائق"، طريق الله واحد، والخلاف
من جهلة المريدين. أنت في كتف أخيك، وأخوك في كتف أخيه، وأخوك في كتف أخيه. سائرين في الطريق، كل واحد سائر في الحارة التي له، فيظن أنه أفضل من غيره، آه، هذا جهل، هذا جهل. الطريق إلى الله واحد، وإنما الخلاف من جهل المريدين، ولم نسمِ هذا طريقة لأن القرآن سماها كذلك فقال: "كنا طرائق قددا"، إذاً هي طرق مختلفة، ورجعوا قال: "وأن لو". استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً. إذاً
كلمة "الطريقة" أيضاً مأخوذة من القرآن عندما سمى القرآن السبيل المسلوك طريقة، فسموها أيضاً طريقة لأنه لا بأس بهذا الإطلاق من ناحية القرآن. إن هؤلاء الناس يعني يجب أن تكون كل كلمة موجودة في القرآن. وفي السنة وفي آه أهميتهم لِمَ؟ لأنهم أهل الله، لأنهم أهل مرتبة الإحسان، لأنهم لا يصدرون ولا يصدرون إلا من تشبعهم بكتاب الله، يقومون به آناء الليل وأطراف النهار لعله يرضى، ولا يزال لسانهم ذاكراً لاسم الله تعالى، لا يزال لسانك رطباً بذكر الله، فجعلوا
هذا الطريق إلى الله المظلة. التي يستظلون بها في الذكر والفكر قالوا هكذا نحن ونحن سائرون في هذا الطريق، ذكر باللسان بالقلب بالعقل بالروح، وفكر نتفكر ونتدبر ونتأمل ونربط الأمور بحقائقها ومآلاتها وما له صلة بها. من الذي قال لكم الذكر والفكر يا جماعة الصوفية؟ من عقولكم هكذا اصطلاح يعني؟ قال: لا، قال تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون
في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار. إذن الذكر والآية والفكر، ما هذا؟ أنتم تستدلون على كل شيء، نعم، ماذا تريد؟ ماذا ترغب؟ أي أن كل شيء لدينا له دليل إما من الكتاب أو من السنة. يا مَن الكتاب والسنة معه، كل كلمة لها أدلة، لكننا لم نكن نعلم ذلك. حسناً، وماذا نفعل لكم؟ جُهّال لا تريدون ذلك، لأول مرة نسمع. حسناً، وماذا نفعل لكم؟ تعالوا تعلموا، تعلموا يا جماعة، لأن هذا الأمر مقيد بالعلم والعمل. حسناً، ولكن لدينا شيخ طريقة جاهل في
القرية. حسناً، وماذا أفعل لك وله؟ ففي الحقيقة هناك مسلم ومسلم فاسق لا يعرف من أمر دينه شيئاً، ويعيش كما يقول: "نهارك بطال وليلك نائم، كذلك في الدنيا تعيش البهائم". أيعني ذلك أن الإسلام خطأ لأن هناك شخصاً مسلماً بهذا الشأن؟ لا، بل هو المخطئ ويجب أن يُصحَّح. نفسه لأن الحق لا يُعرف بالرجال وإنما الرجال هي التي تُعرف بالحق. إذاً، الطريق إلى الله والطريقة السلوكية التي نتوكل فيها على الله هو مقيَّد بالكتاب والسنة، وأدواته الذكر
والفكر، ويهدف إلى التخلية من كل قبيح والتحلية بكل صحيح، والتخلي والتحلي يؤديان إلى التجلي، والتجلي أمر أُخذ من التجربة. الإسلامية الإنسانية وأخذنا منها هو عين الكتاب والسنة. أنا حدث لي تجلٍّ، فما التجلي؟ قال: انكشاف الأسرار وتنزلات الأنوار. أسرار ماذا؟ قالوا: أسرار العبادة وأسرار العمارة وأسرار تزكية النفس. ومن
أين جاءوا بهذه الثلاثة؟ قال: قال صلى الله عليه وسلم سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، حسنًا، وما معنى ذلك؟ أنها تتكلم... عن شيءٍ من ثلاثة، وما الذي تتكلم عنه سورة الإخلاص: التوحيد والعبادة "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد". قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". والعمارة: قال تعالى: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" أي طلب منكم عمارتها. والتزكية قد... قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها، وكل كلمة لها دليل، نعم، فهذه الثلاثة هي التي في طريقنا إلى الله.
ولذلك في الطريقة الرفاعية لا يقبل الشيخ المريد إلا إذا أكل من عمل يده، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من زرع بيديه فأكل منه طير أو حيوان أو بني آدم". آدم إلا وكتب الله له بها حسنة. إذاً فالعبادة والعمارة والتزكية هي وسيلتنا في هذا الطريق، وكل ذلك خُلُقًا مرتبطًا بالعقيدة وهو أصل الدين وجُلّ ما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه المبارك: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها
إلا هالك"، كتاب الله. وعترة أهل بيتي، وفي رواية أحمد: كتاب الله وسنتي. هذه رواية الترمذي الأولى، والثانية رواية أحمد. أي أنه ترك لنا ثلاثة: كتاب الله، وسنته، وعترة أهل بيته كرامة. قال تعالى: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى". فحب آل البيت من أركان هذه الطريق إلى الله سبحانه وتعالى. حسناً، لقد ارتسم الطريق بالذكر. والفكر بالتخلية والتحليق بكذا وكذا، ما موقفنا من القواعد؟ قلنا قاعدتين ثلاثة: الله مقصود، الكل ملتفت، لا يصل. يحدث بعد ذلك ونحن في الطريق كرامات وخوارق عادات،
وكل كرامة لولي فهي معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام. يحدث كرامات وخوارق عادات، فكن ملتفتاً، لا تصغِ ولا تلتفت إليها، ليست هذه هي المقصودة. كنا نستحيي من الكرامة كاستحياء البكر من دم حيضها. فالفتاة أول ما يأتيها الحيض تخجل، ولا تعرف ما هذا، وتصبح مترددة، وكيف ستتعامل معه، وتكون خجلة. فكانوا عندما تظهر عليهم الكرامة - والكرامة تظهر في بداية الطريق فقط يعني للأطفال الصغار لكي تُثبت قلوبهم - أما إذا تمكّن في الطريق... فلا تُظهر الكرامة، وإذا ظهرت الكرامة إياك أن تلتفت إليها،
هذه مسألة قليلة القيمة، وذلك من أجل تثبيتك. ومن الكرامات الكشف؛ أن ترى ما وراء الجدار. وكنا إذا حدث لنا كشف دعونا الله سبحانه وتعالى بالستر: "يا رب"، فما شأني أن أرى ما وراء الجدار فأرى عورات النساء وهي... غير مرتدية للحجاب والملابس المناسبة، وما شأني بها، إنها فتنة. كانوا يحزنون كثيراً واعتبروا ذلك اختباراً من الله، ليس شيئاً يفتخر به أو يغتر به في نفسه. بل كان يقول: "يا رب، ما شأني بهذا؟" ويبكي: "لماذا تختبرني؟ ما شأني بهذا؟ أنا لا علاقة لي بالأمر". مفتوح ورأيت ابنة الجيران غير محجبة، إذن لا بد أن أغض بصري. فأنا الآن مطالب بأن أغض بصري وأكف نفسي. وقد يقول لك البعض:
"لا، هذا الأمر لا يحدث". حسناً، لكن إذا حدث، وأتاك شخص يقول لك: "هذا حدث"، ماذا تفعل؟ انظر إلى الفرق بين العلم والكلام الفارغ. ربما يحدث هذا الكلام. طيب، ليس هو جنًا لأن هذا الرجل رجل صالح وما إلى ذلك، والجن يفر منه. وما أدراك أن الجن يفر منه؟ وسندخل في موضوعات لم يدخل فيها العلماء الراسخون في هذا الهراء، بل دخلوا في تقييد التجربة الإنسانية الإسلامية والاستفادة منها، وهنا تحدثوا عن اللطائف الخمس: القلب والروح. والسر والخفي والأخفى تكلموا عن مراتب النفس. النفس الأمارة بالسوء موجودة في القرآن "إن النفس لأمارة بالسوء". النفس اللوامة، النفس الملهمة،
النفس الراضية، النفس المرضية (راضية مرضية)، النفس المطمئنة "ارجعي إلى ربك راضية مرضية"، النفس المطمئنة، النفس الكاملة. تكلموا عن أركان هذا الطريق: الشيخ والمريد والطريقة التي فيها الذكر والفكر. والتحليق والتخليق وماضٍ إلى آخره وضعوا لأبنائهم برامج عمل الأحزاب والأوراد والأذكار والحصص التي تذكرها، وهكذا حصة من القرآن وحصة من الذكر، وأن تجتمع على الخير، ينبغي أن نكون جماعة، نعم،
الدين جماعة، وفي الحديث صلاة الجماعة والحج والزكاة، وكل هذه أمور تقول يجب أن أكون في جماعة، ما هي الجماعة في... الذكر هذا هو: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم}. قم لنجعل قلوبنا على قلوب بعضنا البعض حتى نصبح أقوى هكذا. أنا لا أريد أن أحزن أو أترهب أو أختلي. هذه الخلوة لها طريقة معينة نقلد فيها النبي وهو في غار حراء، لكن أصل الحياة أن تكون مع إخوانك. الدليل من الكتاب: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين". لم يقل "من الصادقين"، بل قال: "وكونوا مع الصادقين". وهناك فرق بين "مع"
و"من". نعم، هناك فرق بين "مع" و"من". "مع" هي ظرف، و"من" هذا حرف، وهناك فرق بين الظرف والحرف. "مع" هذا ظرف، وليس كما يقول لك البعض أنه حرف. خطأ في الجر، هذا ظرف. هاك حروف الجر وهي: من، إلى، حتى، خلا، عدا، في، عن، على، منذ، رب، اللام، كي، واو، والباء، والكاف، ولعل. ومن لم يفهم معه، انتبه، يصبح جاهلاً. وهذا الذي لا يفرق بين "مع الصادقين" و"من الصادقين". "من الصادقين" تعني كن أنت صادقاً، لكن "مع". الصادقين يعني اجعل صحبتك تكون صادقة. سندرس الآن كل هذه القضية، لكن بعد أن رسمنا هذه الصورة العامة وحددنا يوم السبت الساعة العاشرة
بكتاب الرسالة القشيرية الذي سنتحدث فيه عن الأشخاص والمصطلحات والمقامات، عسى الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا فتوح العارفين به، فاللهم يا ربنا اغفر. ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا واهدنا في من هديت واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً. اللهم كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، ورقق قلوبنا لذكرك، واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة، واسقنا من يده الشريفة شربة. ماءً لا نظمأ بعدها أبداً، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، اللهم آمين. وصلاتنا على سيدنا محمد
الأمين وآله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.