مكانة الأخلاق في الإسلام | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير في هذا الشهر الكريم شهر رمضان شهر القرآن شهر القيم والأخلاق شهر الرفق فإن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة وهو يعلمها محاسن الأخلاق إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك تركنا وقد روى الحسن عن أبي جد الحسن أحسن الحسن الخلق الحسن والأخلاق
لها مساحة كبيرة في دين الله فالنبي صلى الله عليه وسلم روى عنه المسلمون أكثر من ستين ألف حديث بأكثر من ألف سنة هذه الأحاديث منها ما لا يزيد عن الألفين في كل الأحكام الفقهية والباقي في العقيدة والأخلاق بمعنى اثنين من ثلاثين يعني واحد أو واحد من ثلاثين يعني ثلاثة في المائة ثلاثة في المائة فقه الحياة وسبعة وتسعون في المائة أخلاق مرتبطة بالعقيدة إذن فمن الواضح أن مساحة الأخلاق هي التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم هناك
أهمية بالغة للصلاة والصيام والحج والفرائض ولكن مع هذه الأهمية التي لا ننقص منها شيئا والتي هي هوية الدين وبنى الإسلام عليها إلا أنها تمثل كوبا لا بد أن نملأه بالماء وهذا الماء هو الأخلاق كذلك فإن القرآن الكريم ثلاثمائة آية تتكلم عن الفقه كله وهو ستة آلاف ويزيد يعني ثلاثمائة على ستة آلاف أيضا عبارة عن واحد على عشرين يعني خمسة في المائة وخمسة وتسعين في المائة في الأخلاق والعقائد، إذن فشأن الأخلاق خطير وهذه الأخلاق التي أسموها بالأخلاق النشطة أو القيم النشطة أو الحية والتي احتاج إليها البشر
احتاج إليها البشر في المشرق والمغرب نقول لهم إن دين الإسلام هذه نصوصه التي لم نخترعها ولم نؤلفها ولم نفتريها بل نقلناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جيلا بعد جيل علمناها أبناءنا شاعت فينا وعندما حرمها بعضهم فإنه مال طبعه إلى العنف مال طبعه إلى الصدام مال طبعه لأن يكون صادا عن سبيل الله وهو لا يعلم أو يعلم ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وعلامة هذا الإنسان وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد من هذه القيم العليا التي
أمرنا بها والتي هي الآن محط اهتمام في العالم كله والتي نريد أن نخاطب الناس وأن نقول لهم نعم نحن كذلك على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم والله لا يأتونني بخطة رشد يعظمون فيها حرمات الله إلا وافقتهم عليها وفي رواية لا يعظمون لا يأتونني بخطة رشد يعظمون فيها الرحم وفي رواية يعظمون فيها بيت الله هذا قاله في الحديبية لكن هذه الرواية المختلفة التي أخرجها البخاري وأخرجها أحمد إلى ما تؤدي إلى شيء مهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف
يقبل الحكمة حتى لو صدرت عن المشركين سوف يقبل تعظيم الرحم وصلة الرحم حتى لو جاءت من قبل المشركين لا يأتوني بخطة يعظمون فيها وهكذا ليس هناك في رواية البخاري ولا أحمد كلمة رشد لكنها جاءت على لسان بعضهم وهو يخاطب سهيل بن عمرو وكذلك وهو يخاطب أهل مكة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول بخطة يعظمون فيها حرمات الله أو يعظمون فيها البيت أو يعظمون فيها الرحم من هذه القيم قيمة الاحترام التي تحدثنا عنها بالأمس وأول من أمس اليوم حديث عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه أخرجه البخاري أنه كان إذا مر على
صبيان أطفال صغار سلم عليهم وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يربي الطفولة فكان إذا مر على الصبيان سلم عليهم حتى يشعر أحدهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رئيس الدولة، وكان المعلم، وكان القاضي وكان عظيم قومه وكان المتصدر وكان هو الإمام وكان هو الخطيب وكان هو القاضي وكان هو المفتي وكان هو كل شيء، كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم على الصبيان. قد يقول بعضهم إن هذا أمر طبيعي أو أنه نوع من
أنواع العطف والحنان على الصبيان، ولكنه ليس مجرد عطف وحنان فحسب، بل كان يقول لهم إنني منكم بمنزلة الوالد للولد لأصحابه الكبار، وإنما فيه أيضا نوع من أنواع التربية، وهذا هو الذي يجمعنا في رمضان وهو معنى التربية. نريد أن نربي أنفسنا وأن نربي أولادنا وأن نربي أطفالنا وأن نربي شبابنا وأن نربي معلمينا وأن ندربهم على كيفية تحويل هذه القيم إلى حياة نعيشها والسلام عليكم فإذا بالصبيان يدخل فيهم الثقة بالنفس واحترام الآخرين واحترام الكبير يشعرون بالحنان ويشعرون بالأمان والشعور بالحنان والأمان مفقود الآن نريد أن نحول هذه القيم المتفق عليها التي لا يختلف فيها اثنان من المسلمين
أو غير المسلمين التي يحتاجها البشر في اجتماعهم البشري، بدونها لا يجتمع البشر في اجتماع بشري سوي مستدام. يسلم أنس ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مواقف كثيرة يا صغير وكان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان ابن عشر سنين عندما جاء النبي إلى المدينة. لما انتقل إلى الرفيق الأعلى كان لأنس عشرون عاما. وكان ابن عباس صغيرا أيضا، فالنبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال:
كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تجده حاضرا يعني تجده مع الله وتجد الله معك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله
عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. إنه يعلمه القوة والرضا والتسليم والتوكل وحسن التوكل على الله سبحانه وتعالى، يعلمه بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله وأنها مفتاح القوة وأنه لا يهاب الناس ولا يخافهم، يعلمه كيف يكون أمام صدمات الحياة وأمام التهديدات التي تهدده أنه يعلمه احترام النفس وفي الوقت نفسه هو يعلمه أن يحترم الآخرين وأن يحترم من حوله وننظر فإذا برسول الله صلى
الله عليه وسلم كان معلما في كل لحظة من لحظات حياته يركب الدابة لينتقل من مكان إلى آخر فمعه الطفل ابن عباس فلا يترك هذه الفرصة للتعليم وللتربية ويؤثر هذا في نفسية ابن عباس ويتأثر بها ويعيش حياته كلها بهذا الحديث وكان كثيرا ما يكرره يعيش القيمة وليس يعلم القيمة أو يصدق القيمة أو يفهم القيمة أو يعرف مدى أهميتها بل يعيشها فعاش التوكل وعاش القوة وعاش ابن
عباس رضي الله تعالى عنه كما عاشت الصحابة تنفذ أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا خير جيل وينبغي علينا أن نعود مرة أخرى لهذه المعاني الجليلة العالية وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته