مكونات العقل المسلم | بتاريخ 2-7-2002 | أ.د. علي جمعة

والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نريد أن نرحل رحلةً في عقل ذلك المسلم الذي قد لا يعرفه الكثيرون في العالم أو يعرفون عنه صورةً مشوهةً لا علاقة لها لا بدين الله ولا بتاريخ المسلمين ولا بواقعهم. واحكموا واسألوا كيف يفكر المسلم وفيمَ يفكر وما تلك القضايا. التي تشمله ورحلة في عقل ذلك المسلم أحاول فيها استبطان مواطن لا أقول مواطن الخلاف وإنما مواطن الارتكاز التي أيضاً قد تتفق وقد تختلف مع غيرنا من الأمم
إلا أنها في النهاية تميز في مجملها وفي علاقاتها البينية عقلاً للمسلم يتميز به، ولتلخيص مكونات عقله عند المسلم نفسه حتى يستحضرها وحتى يشغلها ففي رحلة نحاول بعد أن نتعدى تعريف العقل وما هو وماهيته وما إلى ذلك حتى نتجاوز
كونه مناطاً للتكليف أو أنه عليه بنية الشريعة أو أنه يُستدل به على وجود الله إلى آخر ما يقال في قضية العقل، فإن العقل قد عُرِّف بأكثر من ألف تعريف في تراثنا لكن... المقصود اللوني هو عمل تلك الرحلة في عقل المسلم لإدراك تلك المرتكزات والمنطلقات والمبادئ والعناصر التي نستطيع بها أن نفهم أكثر وأن نفهم عما الآخرين أكثر ما الذي يميز المسلم، وعندما أقول مرة ثانية وأؤكد عليها أنه عندما أقول يميز المسلم للأعلى نقاط اختلاف
بينه وبين سائر البشر وإنني أقول. أن هذه عناصر أساسية في عقل المسلم قد يتفق كثير من البشر معه فيها وقد يختلفون، وقد يزداد الخلاف حتى التضاد والتناقض أو يتفق تماماً معها. فليس المقصود بالتميز هنا الانفراد، ولكن المقصود بالتميز هنا أنها مسألة أساسية عند المسلم لا يستطيع أن يفكر بدونها ويستطيع أن يخرج من هويته. ويلغي هذا الجانب من فكره أولاً هذا الذي ميّز المسلم بهذا التحديد والتعريف هو التوحيد، ومفهوم التوحيد
في الحقيقة ليس قاصراً أيضاً على نسبة الوحدانية للإله الخالق، فإن نسبة الوحدانية للإله الخالق كثيراً ما نجدها، بل قد نجدها عند غالب الإلهيين من أهل الأرض الآن، حتى إن النصارى وكأنهم قد تنازلوا في أدبياتهم عن التثليث في عقيدتهم، ما زال التثليث موجوداً ولكن في أدبياتهم قد تخلوا عنه، فأضافوا عبارة "كُرَّت عليه بالبطلان" في قولهم: "باسم الآب والابن والروح القدس، وكذا إله واحد آمين". مرة ثانية يعني يؤكدون أنهم من أهل التوحيد أو نسبة الوحدانية
لله، وحتى أن بعضهم لما خالط المسلمين. يقول بسم الإله الذي نعم، الواحد الأحد الذي نعبده جميعاً، وتوقف عن ذكر قضية التثليث في أدبه، مما يدل بدلالة واضحة على أن قضية التوحيد بمعنى نسبة الوحدانية إلى الإله الخالق مسألة يشترك معه فيها كثير من الخلق، بل قد تكاد تكون هي الشائعة بين الإلهيين، أي من المؤمنين بالإله دون. الملاحدة الذين يمكنون الله سبحانه وتعالى، مفهوم التوحيد ليس قاصرًا على هذا إلا المسلمين. مفهوم التوحيد أن تبدأ ليؤكد على نبي واحد وتجعل
العقيدة الإسلامية ذلك النبي نبيًا خاتمًا، ومعنى خاتمية النبوة عدم وجود نزاع في الأمة بين نبيين بعد ذلك أبدًا، ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وبذلك أصبح رسول. الله صلى الله عليه وسلم وحده فليس هناك نبي يأتي من بعده فتفترق عليه الأمة. يشاء من كل نبي جاء لكل أمة، كلما جاء نبي صدقه بعض الناس وكذبه آخرون حسب القناعات والأدلة والحجج والبراهين التي تقوم عند كل فريق من أولئك المصدقين أو خفاء هذا على المكذبين فتفترق دائماً.
الأمة التي تتتالى فيها الأنبياء دائماً على فريقين، فإن جاء نبي ثالث، فإن هذه الفرقة المؤمنة عند الله التي آمنت بالرسول الأول والثاني تفترق مرة ثانية مع الرسول الثالث إلى فرقتين: فرقة تكفر وفرقة تؤمن. ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات، ولكن اختلفوا. فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد. هذه الخاصية تماماً أُلغيت عند المسلم وفي ذهنه، ووحَّد النبي فليس هناك نبي ولا رسول بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يترتب على ذلك واحدية الكتاب في التوحيد، ليس معناه فقط أنه واحد. بل أيضاً أن الكتاب الذي هو مصدر التشريع ومصدر الحياة ومصدر الهداية وقائم لحياة ذلك المسلم واحد وإن به يأتي بخصيصة أخرى وهي "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فيُحفظ لا على مستوى السور ولا على مستوى الآيات ولا على مستوى الكلمات ولا على مستوى تشكيل تلك الكلمات بل أيضاً على مستوى الأداء الصوتي حتى أن الحاء وهي مرققة لا تنطق حاءً مفخمة إلى هذا المستوى الصوتي في
التجويد، المهموس مهموس، والمطبق مطبق، والمرقق مرقق، والمفخم مفخم على مستوى الأداء الصوتي. حُفِظ ذلك الكتاب وصار كتاباً واحداً، وإذ بنا إذا ما نزلنا من هذا المستوى العقائدي إله واحد نبي. واحد كتاب واحد إلى المستويات التشريعية فنجد أننا نصوم شهراً واحداً وأننا نتوجه إلى قبلة واحدة وأننا قد أُمرنا بأن نكون على سبيل الخبر فكان ذلك الخبر قائماً مقام القدر أو فقال ليس فقط الفرض البليكيون امهحدة وأن هذه أمتكم
أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون إذاً قضية التوحيد التي تكون عقل المسلم يهتدي على المستويات المعرفية المختلفة عقيدةً وشريعةً، حتى صار ذلك التوحيد أمراً أبهى من الحك عن وجه المسلم، وأمراً ليس قاصراً على نسبة الواحدية للإله الخالق، بحيث أنه يقبل بعد ذلك مستوى من غير التوحيد في الجوانب المختلفة، بل التوحيد قصة كبيرة ينبغي الوقوف عندها والبحث فيها وكيفية. عرضها
على عقول العالمين ونفوسهم بأساليبه الراقية لا تخرج عن العقيدة الموروثة التي قد اعتنق بها كل المسلمين عبر التاريخ عبر الزمان والمكان ولكن الذي نطالب به اليوم هو أن يؤدي هذا المعنى أو تلك المعاني الإسلامية ليكون أقدر على الوصول إلى شغاف القلوب وعلى الوصول إلى بناء أسس للحضارة. الإنسان وعلى تبليغ ذلك الدين لله، تبليغ ذلك الدين للعالمين كما قلنا. إذًا التوحيد هو أول مكون من مكونات العقل المسلم. ما
نستطيع أن نقول: فإذا ما ذهبنا نلتمس شيئًا آخر وجهدًا آخر من جوانب ذلك التوحيد، رأينا زخمًا كبيرًا في ذلك المصدر الثري الثري وهو القرآن، ثم تميّز السنة. تتعلق بذلك التوحيد في مفاهيمهم المختلفة وجوانبهم المتعددة، وإذا أخذنا أنفسنا في هذا الاتجاه وتلك الطرق لانتهى الوقت المحدد دون أن نصل إلى رؤية كلية لذلك الذي نقول. ولذلك فسوف نكتفي بإشارات
ومضات لمعات اللمحات للنفحات، هكذا نرى الرؤيا كلية سريعة، فنأخذ مثالًا لذلك ونحن ما زلنا في مكوّن التوحيد. أسماء الله الحسنى فنحن نجد مائة وثلاثة وخمسين اسماً لله في القرآن الكريم سمى بها نفسه مما يجوز أن نطلقه عليه من غير إيهام نقص. أما "ماكر" و"خادع" وأمثال هذه الكلمات فلا تطلق عليه إلا مشاكلة، مثل "يخادعون الله وهو خادعهم" و"ومكروا ومكر الله" إلى آخره. لا، هناك مائة وثلاثة وخمسون اسماً كالعليم. والقديم والعلي والكبير والمال مائة وثلاثة وخمسين اسماً
في القرآن، وفي السنة مائة وأربعة وستين اسماً. مجموع ما ورد من حديث صحيح أو حسن أو ضعيف منجبر يؤخذ بمثله في مثل هذا، لو جمعنا وحذفنا المكررات لبلغت اثنين وعشرين اسماً. فبين مصادرنا الشرعية الثرية مائتان وعشرون اسماً سمى الله بها نفسه. نستطيع أن ننطلق منها لبناء محور خفيف للتربية الإسلامية لأن هذه الصفات التي ارتضاها الله أن يظهرها لنا وصفاً لنفسه وذاته سبحانه وتعالى أما أن تكون صفات تخلق أو صفات تعلق
كما يقول التربويون المسلمون القدماء صفات التخلق هي صفة الجمال وصفات التعلق هي صفة الجلال وهناك صفات للكمال وهناك صفات تصلح لأن تكون جمالًا أو جلالًا فيدخل إليها المربي حيثما أراد وطبقًا للموقف الذي يتبناه أو يمر فيه. فمن صفات الجمال الرحمن حين تجلى على خلقه بصفات الجمال دون صفات الجلال، إشارة إلى أن الرحمة هي أصل تلك الصفات كلها، وأبحاث كثيرة للمسلمين تؤكد أن أصل المحبة هو الرحمة. وأن الأديان التي دعت إلى المحبة قد
قصرت في دعوتها حيث لم تمتد إلى جذور تلك المحبة وهي الرحمة، وأن أديانًا أخرى توقفت عند الكرم فهي لم تدرك أن الكرم إنما هو متولد من المحبة، وأن المحبة متولدة من الرحمة، وأبحاث كثيرة مكتوبة فعلاً في مثل هذا المعنى يؤكد ذلك. المحور من أسماء الله في الكتاب والسنة محوراً للتربية من المنتقم الجبار، فكيف نربي أبناءنا على أن لا ينتقموا لأن هذه من صفات الله التي لا شريك له فيها أو ينبغي أن يكون كذلك؟ فهناك من لا شريك له قهراً مثل
كلمة "الله" لا يتسمى بها أحد اختياراً فلا أكون. منتقبًا ولا جبارًا ولا متكبرًا لأن الله قد منع ذلك، وأخمل الأسماء ملك الملوك، من تسمى يستطيع الإنسان أن يتسمى، فقد تسمى بها بعضهم فأذلهم الله، وسمى نفسه شاه الشاه أو ملك الملوك باللغة العربية، فلا يصير لا ملكًا ولا ملكًا للموتى ولا للصالحين، إذًا هناك ما هو على الإجبار. وهناك ما هو على الاختيار قصة الأسماء الحسنى تمثل قصة عميقة تتعلق بمكون التوحيد في أذهان الناس، ويمكن أن تتحول هذه الأسماء الحسنى إلى محور من محاور
بناء التربية والانطلاق منها تخلقًا وتعلقًا جمالًا وجلالًا إلى آخره. أما الأسماء التي بين بينه يجوز أن تقرب هنا الجبار فإنه قد يكون قد جبر كسر الخواطر فهو جبار، أي أنه يكسب جبر كسر المحتاجين، أو أنه جبار المنتقم من الجبارين. هذا التوحيد لما تفاعل في عقل المسلم أدى به إلى حالة من التجريد والتفريد أثرت في الفنون، جعلت المسلم فنانًا ومبدعًا بطريقة مميزة تختلف عن ذلك
الإبداع المنفلت، فقد كان إبداع الفنان. المسلم تحت سقف التوحيد منه ينطلق وإليه يعود وحوله يلف وله يخدم وبه يعاير أو يقايس، يجعله معياراً للقبول والرد. فالتوحيد أنشأ باعثاً عند المسلم، ومع هذه الموهبة التي كانت عند المسلم فإذا به يخط الخط ويتفنن في أداءات مبدعة كلها قد انطلقت من ذلك الباعث. واجبنا عند التأمل والوضوء. مع التجريب والتسليم نصب للتوحيد، إذا كلامنا ليس
موعظة وإن كانت الموعظة هي المطلوبة في النهاية لتحقيق القلوب وتغيير الإنسان ليرجع العمل، إلا أن كلامنا هذا إنما هو يبحث عن أسس قوية لإعادة بناء المسلم مرة ثانية، لا مجرد معلومات يتعلمها ولا مجرد تصديقات يصدقها لتلك المعلومات، بل إننا نريد أن يعيش وعلى هذا المستوى مستوى المعيشة بأن يرجع مرة أخرى يعيش التوحيد، أما أن يفهم أن الله واحد فهذا اختزال لقضية التوحيد، أما أن يصدق بذلك فالحمد لله الكل مصدق، ولكن
نحن نريد أن ينتقل إلى مرحلة أخرى نسميها مرحلة المعيشة، فلا بد عليه أن يعيش التوحيد، فلسنا في ذلك المكون ما انتهينا ولكن مكون آخر عند الغوص والرحلة في عقل المسلم نجده غائي له غاية يؤمن بأن هذه الحياة لم تخلق عبثا وأن هذه الحياة لها غاية وأن هذه الحياة لها فائدة وأنه في هذه الحياة مخاطب وليس
متروكا والغائية تشتمل على عناصر كثيرة منها إيمانه بالوحي فهو بعد أن آمن أن الله قد خلق، آمن أن الله لا يمكن أن يتركه سبهللاً لا ضابط ولا رابط له، وأن الأمر لم ينقطع في صلته مع ربه، بل إنه يؤمن بالوحي، ولا يؤمن بوحي قاصر خاص يخبر الناس أن هناك رباً واحداً متصفاً بالصفات العلى، جاء هو لا يقف.
عند هذا الحد هو يجعل الوحي برنامج حياة، يجعل الوحي إمارة لطريقه، وكأنه يسير في طريق إلى الله مقصود بالله، وأن الذي ينير له ذلك الطريق هو ذلك الوحي. إذًا فهو وحي يمتد عبر المكان والزمان والأشخاص والأحوال، وهي الجهات الأربعة التي بها يتم الشمول، فإذا كان ذلك الوحي. قد تحكم في الزمان كله وفي المكان كله وفي كل شخص كان في أي حالة كانت فذلك هو ما نسميه بالعموم حيث
لا يترك وقتا ولا مكانا لأي مكين ولا حال لأي شخص إلا وله ارتباط به. ذلك العنوان يميز إيمان المسلم بالوحي وهذا الوحي يكون ويُذكر مرة بعد مرة. في علاقات بينية شديدة التعقيد والتركيز، قضية الغائية أن هذا الكون له غاية وله هدف. من عناصر تلك الغائية إيمان
المسلم باليوم الآخر، إذ لا مسألة فيها أقوال تتناسخ الأرواح، وأن الإنسان قد يعيش مرات في هذه الحياة الدنيا على ما عليه عقائد الهند والدروز وغيرهم من البشر، وأن. الحساب إنما هو في هذه الحالة في الدنيا لا يتعداها وحينئذ لا نعرف من نحن أصلا هل أنا هو أنا أو أنا كان في الماضي أو كذا إلى آخره ولكن الغائية لتلك الحياة الدنيا يؤكدها في إيمان المسلم الإيمان بيوم آخر يرجع فيه المسلم إلى ربه وغير المسلم يرجع فيه الإنسان إلى ربه للحساب والإقامة والثواب، ما رأيك
أن هذا الإيمان سوف يتحكم في كل صغيرة وكبيرة مما يصدر من الإنسان، وسيكون الأمر بين فعل ولا تفعل وهو يخاطب نفسه أو يتلقى عن غيره. ما رأيك أن هذا الإيمان سوف يؤثر حتى في خائنة العين، سوف يتحكم فيها هذا المعتقد. أو هذه العقيدة عندما ينظر في كتاب أخيه من غير إذنه وهو يعلم أن ذلك قد منع في الشرع فإنه يتأثم من ذلك أي يبتعد عن ذلك الإثم ويروي نفسه ويراجعها ويحاول ألا ينظر في كتاب أخيه فما بالك فيما
وراء ذلك يوم القيامة وهو عقيدة أساسية ومكون فرعي من مكونات الغائية تشكل العقل المسلم وتتحكم فيه وتجعله يكرم الشهادة في سبيل الله لأن الشهادة تدخله الجنة، وتجعله بكل بساطة والمسألة محسومة عنده لا يقبل ذمياً، والمسألة محسومة عنده لا يقبل التفريط في المقدسات انطلاقاً من رؤية واضحة للأمر أن هذه الحياة فانية وأننا إلى ربنا راجعون وأن المسألة لا تساوي كل هذا وليس استشهد في سبيل الله واطلب الشهادة
حتى يفهمنا الآخرون، فلعل فهمهم لنا يوقع في قلوبهم الوحي، لأنه في الحقيقة المسلم واضح وسهل ولكنه لا يقبل الظلم ولا يعبد الذنب من دينه، من وضوح الأمر، من بساطة الحق، فأحد مقولات المسلم التي يعني يقولون لنا في النقاشات إلا تريدون الحياة أن فلاناً وعلاناً سيمنحكم الحياة فإذا بالرد الغريب الذي يجعلهم يفتحون أفواههم ولا يغلقونها أنه لا، نحن لا نريد الحياة. فتصبح هذه صدمة إذا لم
تُفهم في إطار مكونات العقل المسلم بحالها، وأن هذا موقف في غاية التنور والحضارة قبل أن يكون في غاية الصدام والخلاف بين وجدنا أن المقاصد الشرعية والمصلحة المرعية تتحكم تقريبًا في كل الفقه الإسلامي والتشريع الإسلامي على مر التاريخ، وأن دائرة المباح هي أكبر دائرة للفعل الإنساني المحكوم عليه. فإن الفعل الإنساني محكوم عليه بالوجوب، بالحرمة، بالندب، بالكراهة، ومحكوم عليه أيضًا بالإباحة، وهي ما تسمى بالأحكام
الخمسة. هذه الأحكام الخمسة أكبر. دائرة فيها هو دائرة المباحة وهنا تلعب أو تقول المقاصد الشرعية دورها في توجيه ذلك المباح في الإيقاع وعدمه لأنها تريد أن تحقق المصلحة التي تختلف باختلاف الأمم والأزمان والأحوال، هذا حتى في موقف المفكر، مثلاً نحن أخذنا مثالاً في قضية التوحيد في التربية، نقدم مثالاً هنا في التفكير. وأبدأ التوحيد ستراه في السياسة، ستراه في الاقتصاد، ستراه في علم النفس، ستراه في الاجتماع البشري، ستراه
في الفكر، ستراه في كذا وكذا إلى آخره، في التربية، وكذلك الغائية، وكذلك ما سوف نذكره. كل واحدة من هذه ستكون أرضاً منبسطة في كل ما أراد أن يعالج بالمسلم أو القانون فيجب. الغائية هذه لو أخذناها في مجال الفكر نجد أن المسلم يدّعي ويؤمن ويتعامل مع الكون باعتباره قد بُني على اختلاف التنوع الذي يؤدي إلى التكامل بين الرجل والمرأة، بين الليل والنهار، بين الحاكم والمحكوم، بين الإنسان والكون، بين أي ثنائية من ثنائيات الفكر التي نتجت عن فكر الإنسان بينهما التكامل. واختلافهم اختلاف تنوع
فليس هناك صراع في أصل المسألة، الصراع طارئ وموضوع والصدى الحاصل، ولكنه خلاف الأصل، لأن هذا الكون هو رائع، يشعر المسلم بأن الكون يسبح حوله وبأنه يسجد لربه، وأنه عند عبادته يسير في ثمار الكون، هذا سيؤثر في الاستماع البشري، سيؤثر في العلاقة بينه وبين ابنه وبينه. وبين زوجته وبينه وبين جيرانه وبينه وبين حاكمه ومحكومه. ثالثاً من مكونات العقل المسلم ومركوز في شعوره الأمة، فالأمة تمثل
رابطة وتمثل المعيار بينه وبين العالمين، وهذه الأمة يشعر فيها المسلم أنه ممتد في ركب من الرسل من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم قمة واحدة، ويشعر أن كل من على وجه الأرض قد وحَّد ربه واستقبل قبلته وآمن بكتابه وختم النبوة بنبيه فإنه منهم، له ما له وعليه ما عليه. ذلك الشعور والامتداد
التاريخي أمر العصر والخلق والامتداد الأفقي يسيطر على المصر ويجعل عنده معياراً للتقويم آخر غير أي معيار من مصلحة بنية أو حزب سياسي أو غيره. ذلك ولعلنا إذا ما عرضنا أن نفهم أعداءنا فإن هؤلاء الأعداء لا يريدون ذلك ويرون أن هذا الشعور عبر التاريخ بالأفضلية "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون" هذا الشعور بالخيرية
وبالامتداد يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون. إذاً شعوره شعور المسلم، هذا يخالف ما يريده منا العدو. أصحح التعبير، ولا يريد منا هذا الشعور، هو يريد أن نحن نختلف كما اختلفوا ويصبح زبراً قطعاً متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون. لذلك كلما كان تصرف المسلم يتجه إلى ذلك
التقصير كلما أكدوه وباركوه وانتهوا عليه وعضدوه وساعدوه، وكلما كان على عكس ذلك كلما حاربوه وأقاموا الدنيا ولم يُقعدوها عليه. إذا ما فاجأنا في شعور الأمة هذا ونزلنا به إلى مستويات التشريع نجد الإجماع؛ الأمة معصومة. فكرة الإجماع هذه متولدة من قضية الشعور بالأمة. فمهمة الأمة ولا يُعقد الإجماع إذا ما خالف واحد، لا يُعقد. فإذا اتفقوا جميعاً على أمر معين صار
حجة، فإن الله لا يُضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الحق. لا تزال طائفة من أمتي. ظاهرين على الحق لا أجوز من خالفهم إلى يوم القيامة، والشافعي لا يستدل، وابتغى نور سبيل المؤمنين، وبما تقابل، ولكن لا يوجد في فكرة. هو الشافعي لما سُئل عن الإجماع قال: "واسترنا نفكركم"، يعني ما عنده الآية، يعني هو قائم بالإجماع قبل الدليل، فيبقى لما أتى بالآية لم يأتِ بها. دليلاً يأتي به استشهاداً، وهناك فرق بين الأمرين. أما الدليل فيولد في قلبه الحكم، لكن هذا الحكم ثابت قبل الدليل، فهو يبحث عن الاستشهاد، سيستشهد له بشيء. كل المسلمين هويتهم وكوّنوا العقل، ماذا قال: العصمة معصومة.
فقال لهم: الدليل. قال: حسناً، انتظروا أمر. فقل وظل يقرأ القرآن ستين مرة. حسناً. أمثال الشافعي المتمكن من اللغة، المتمكن من قراءة القرآن، الذي كان يقرأ وهو صغير، يخفى عليه هذا الخفاء ويحتاج إلى هذه الشرح أبداً؟ هذا من شدة ظهورها واعتبارها مكوناً من مكونات العقل، فهي لم تحتج إلى دليل من شدة الظهور، ثم بعد ذلك طالبه أحدهم بالدليل فأتى له بآية. قد تكون في ظاهرها أبعد ما تكون على الدلالة على الإجماع. وآخره يريدون أحاديث كلها آحاد وفيها ضعف كبير. وما زال
الإجماع مصدراً من مصادر التشريع المتفق عليها، حتى أن من أنكره أثبته للصحابة، يعني من أنكر الإجماع واحتج بالحجة قال: لا، لكن إجماع الصحابة حجة. إذاً لو جلست... نتحدث في الأمة سيكون الأمر واسعاً من مكونات العقل المسلم لا يمكن أن نسميه بالفطرة هو يؤمن بالفطرة يؤمن بالفطرة خلقاً يؤمن بالفطرة في إيمانه بالمطلق والمطلق في الذي أنا بالفكر يكون هو الله والمطلق في جانب الاجتماع يكون هو الأخلاق والمطلق في جانب الفكر يكون وهكذا ما المطلق في في حين أن الاتجاهات
الحديثة تحاول أن تقدح في المطلق وتقول إن الكون كما نرى، كما رأينا طرفاً من ذلك في سمات العصر، نحن الآن كأننا -يعني- هذا الوجه الآخر لسمات العصر. مكذبات العقل المسلم يؤمن في ماله بالفطرة بالموروث، وفيما له بالموروث يؤمن باللغة فيجعلها أحد الآليات. البرنامجية للتفكير والإدراك سواء كان إدراك النص أو إدراك الواقع أو الجمع بينهما، فإن النص محفوظ. تُرجم القرآن إلى مائة واثنتين وثلاثين لغة، وتُرجم إلى اللغة الإنجليزية مائتين وستة وسبعين مرة، تُرجم كلياً أو جزئياً، يعني
أكثر من مائتين وستة وسبعين مرة. أغلب هذه الترجمات مضحكة، مرةً يجعلوننا نعبد النبي. ومرة يجعلوننا نعبد الكعبة ومرة يجعلوننا لا نعبد شيئاً على الإطلاق. وشراكي في الفرنسية كتب بسم الله الرحمن الرحيم الإله الذي له رحم خلق الدنيا من رحم وبلال من أولها إلى آخرها. ويبقى القرآن قرآناً مرجعاً واحداً موروثاً يُفسر بتلك اللغة التي نقبل دلالات لفظها، نقبل قوانين ضبطها، نقبل من غيرنا، يعني نحن. ليس لي تدخل في رفع الفاعل وإجبار المفعول، هذا أمر وُلدت فكان قبلي. هذا الإيمان بالمطلق، هذا الإيمان بالفلسفة اللغوية إن صح التعبير، يحتاج منا إلى شرح طويل معقد. هذا
يؤثر تأثيراً بليغاً في موقف الإنسان من الكون والناس والحياة، ويؤثر في الإجابة على الأسئلة الكلية الفلسفية الكبرى، ويؤثر في علاقاته في هذا العالم ويؤثر في تفاعله معه وفي قبوله ورده وفي تقويمه. هذه إطلالة سريعة لأنه في الحقيقة المكونات أكثر من خمسة عشر. الوقت يسمح أن نضرب مثالاً بالأربعة هؤلاء، وهذه الأربعة دالة على ما سواها وتحتاج إلى تعميق في كل عنصر ذكرناه وتحتاج إلى ربط بينهم. كل واحدة من الأخرى، ما العلاقة بين التوحيد والغائية؟ ما العلاقة بين الغائية ومفهوم
الأمة؟ ما العلاقة بين التوحيد والفطرة؟ ما العلاقة بين الفطرة والغائية؟ وهكذا، فإذا ما رسمنا هذه المنظومة أنصح التعبير السيدين، ماذا عن أصحاب اللغة، يمكن أن يعترضوا على منظومة ونسق والكلام هذا الذي لا أعرفه، لسنا لا أعرف جنةً منه، لكن على كل حال، إذا صحت هذه المنظومة والنسق، كان لنا أن نفهم أكثر وأن نعرف ديننا بطريقة يفهمها العاصون الذين قُطعت بهم السبل عن أن يفهموا عنا، فاتهمونا بكل شيء قبيح. شكراً لك.